أصداء

عولمة الإصلاح والتغيير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لاشك أن العالم أصبح قرية صغيرة بفعل العولمة، والتي لم تقف شواهدها وتجلياتها وانعكاساتها عند حدود بلد أو شعب أو ثقافة بل امتدت لتشمل كل العالم بمختلف شعوبه وشهدنا تجلياتها في كل مناحي الحياة من عولمة ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية، فلا نكاد نلمس خصوصية في العالم اللهم نادرا، وهذه العولمة التي نشهد انعكاساتها فيها ما هو محمود وما هو مذموم ومرفوض وهذا ليس محل الشاهد في هذا المقال، ولكن سأتحدث عن إحدى تجليات العولمة والتي يجب أن تفطن لها الحكومات ومن قبلها الشعوب الإسلامية والعربية، ففي الوقت الذي تغزونا منتجات العالم بشرقه وغربه وثقافته وأزيائه وأفكاره الفوضوية باسم "الفوضى الخلاقة" وننهل منها ونتفاعل معها ونتأثر بها سلبا وإيجابا، نجد أن العالم اليوم يشهد موجة عارمة من الإصلاح والتغيير وما الأحداث التي شهدتها وتشهدها "قرغيزستان" ومازالت تتصاعد منا ببعيد، حيث ثار الشعب على نظام حكومته الفاسدة مما أسفر عن قتل عشرات الأشخاص وجرح المئات في مظاهرات عارمة عاشتها أمس العاصمة "القرغيزية" "بيشكاك"، وتمكن المتظاهرون من الاستيلاء على مقري البرلمان والتلفزيون الرسمي، فيما أعلنت السلطات حالة الطوارئ وحظر التجول بعد مقتل وزير الداخلية وفرار الرئيس "كورمانبك باكييف" المتهم بالفساد هو وبطانته حتى عظم النخاع، والذي جاء إلى السلطة بثورة شبيهة بتلك التي حدثت في أوكرانيا تحت تسمية ''الثورة البرتقالية''. والذي أطاح بالرئيس السابق "أسكار أكاييف" الذي زوّر الانتخابات التشريعية.

ومخلص الأحداث أن الرئيس الهارب حتى الآن اعتلى السلطة - كغيره من معظم حكام بلادنا العربية والإسلامية ليخلص البلاد من نظام رئيس سابق مزور وفاسد فسار على نهج من سبقه من فساد واستبداد فاستخدم نفوذه كما كان يفعل "أكاييف" قبله، حيث تحصّل إخوته على مناصب مرموقة وابنه "ماكسيم" صار يحتكر الاقتصاد الوطني، ثم سقط بدوره في فخ تزوير الانتخابات للبقاء في الحكم في تشريعيات 2007، وفاز بولاية ثانية في 2009 بالتزوير الذي نددت به المعارضة والاتحاد الأوروبي، كما انتهز موقع بلده في شمال آسيا الوسطى في التنافس الروسي الأمريكي فتمكن من الاستفادة من إعانات وعمولات مالية قدرت بالمليارات من كلا البلدين بفتح قاعدة مناس في 2009 لتسهيل الإمدادات في حرب أفغانستان، وقبض من روسيا بعدما هدد بغلق قاعدتها العسكرية في نفس المنطقة، إلى آخر ما يتهم به من فساد عريض نهب البلاد وثروات العباد!


وبعد، فالشاهد في الأحداث هو ما ينبغي أن يدركه من هو على شاكلته من حكام أينما كانوا، وفى أي مناصب جلسوا، وكذلك بطانتهم وزمرتهم الفاسدة أن ينتبهوا للأحداث وتقلباتها فالأيام دول وقطار التغيير والإصلاح قادم لا محالة، وعولمة الإصلاح والتغيير تنتشر في العالم كما تنتشر النار في الهشيم، والشعوب فاض بها الكيل، وأفواه ملايين الفقراء جائعة للحوم من نهب أقواتها وعطشى لدماء المفسدين لتسد رمقها وجوعتها وظمئها، وملايين العاطلين والمظلومين من الشعوب ضاق بها الحال وتنتظر اللحظة الحاسمة للخلاص من عهدكم الفاسد وظلمكم المتفشي، ولعل مقتل وزير الداخلية في "قرغيزستان" بالأمس والذي هو رأس أعلى مؤسسة أمنية في البلاد يتترس بها معظم الحكام المستبدين رسالة ودلالة واضحة على أن ثورة الشعوب لن يقف أمامها وزير داخلية ولا قواته مهما بلغت سطوتها وبطشها، فلامناص لكم إلا التصالح مع الشعوب ومنحها حقوقها المسلوبة والمغتصبة، أو الرحيل سريعا وقبل فوات الآوان وترك الشعوب تختار من تريد أن يحكمها وتتحمل بعد ذلك تبعات هذا الاختيار، وفى التاريخ ومن سبق للظالمين والفاسدين عبرة وعظة!


وثمة رسالة ودرس مستفاد من هذه الأحداث إلى الشعوب المستكينة النائمة التي غزتها العولمة في عقر دارها بالموضة وصنوف الطعام والبيتزاهت والكنتاكى، وموسيقى الجاز والميتل بينما غالبيتها الساحقة تشكو بؤسا وفقرا وبطالة وجوعا ومرضا واحتكارا للسلطة وفسادا في كل مناحي الحياة خذوا من الأحداث عبرة وعظة، حركوا عجلة التغيير، لأن الحقوق لا توهب بل تنتزع انتزاعا،ولا أقول قلدوا ما حدث في "قرغيزستان" من قتل وفوضى ولكن خذوا عبرة الإرادة وهمة الشعوب في الحركة والمطالبة بالتغيير والإصلاح، ولكل حرية ضريبة وثمن ولكن لاشك أنها ستكون أقل بكثير من ضريبة الذل والسكوت!


* في السياق : قال عاشق الحرية أبو القاسم الشابى:
إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي... ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة... تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات.. وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج.. وفوق الجبال وتحت الشجر
إذا ما طمحت إلى غاية... ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف