فضاء الرأي

الاسكندر المقدوني في بابل 2-2

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


الجزء الأول

في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد تمكن فيليب فيليبوس الثاني من توحيد الاقوام المقدونية في شمال شرقي بلاد اليونان تحت سلطته والتغلب على تحالف اثينا وطيبة في معركة حاسمة عند خيرونيا عام 338 ق.م وتكوين جيش منظم جرار تأهبا لصد القوات الفارسية التي تجمعت في ذلك الوقت عند مضيق الدردنيل تأهبا لغزو اوروبا.ولمواجهة الجيوش الفارسية لجأ فيليبوس الثاني الى غزو ممالك اليونان تمهيدا لمواجهة الفرس.
وعندما مات فيليبوس خلفه على عرش مقدونيا ابنه الاسكندرالذي كان في العشرين من عمره. وبعد ان قضى على تمرد الممالك اليونانية قاد جيشا مكونا من 35 الف مقاتل عابرا مضيق الدردنيل عام 334 قبل الميلاد، لمواجهة الجيوش الفارسية. وفي اول معركة له مع الفرس عند نهر غرانيكوس شرق طروادة انتصر الاسكندر وهرب دارا (داريوس) ملك الفرس من ارض المعركة، مما جعل مدن آسيا الصغرى تفتح ابوابها للاسكندر دون قتال. وعند مدينة ايسوس، شمال الاراضي السورية، اندحرت القوات الفارسية للمرة الثانية امام جيش الاسكندر وهرب دارا الى بلاد الرافدين تاركا وراءه أمه وزوجته وأولاده، اسرى في يد الاسكندر.
وفي مطاردته للملك الفارسي، سار الاسكندر بجيشه جنوبا على الشاطئ السوري حتى وصل بلاد الفينيقيين، وهناك تلقى رسالة من دارا يعرض فيها شروط الصلح. فرد الاسكندر طالبا من الملك الفارسي الحضور شخصيا لمقابلته ومناقشة شروط السلام معه. ولما رفض دارا هذا الطلب واصل الاسكندر طريقه جنوبا على الساحل الفينيقي ولم تقف في طريقه سوى مدينة صور التي اضطر الى حصارها سبعة اشهر قبل سقوطها.
وعندما وصل الاسكندر الى الحدود المصرية، استقبله اهلها بالترحاب حتى يخلصهم من سوء المعاملة التي تلقوها على يد الفرس. وفي "منف العاصمة" توَّجه الكهنة ملكا على مصر ووضعوا على رأسه تاج الأرضين.
وبعد ان قرر الاسكندر وضع خطة بناء مدينة الاسكندرية زار معبد آمون في سيوه بعد ان اخترق مسافة 500 كيلومتر وسط رمال الصحراء الليبية، في رحلة شاقة استغرقت ثلاثة اسابيع للوصول الى واحة سيوه. وكان معبد آمون في سيوه له شهرة عالمية في النبوءة بلغت جميع انحاء العالم القديم. وكان اليونانيون يطلقون على آمون المصري اسم "زيوس"، وهو كبير آلهتهم، بينما اطلق عليه الرومان اسم "جوبيتر".

الاسكندر ذي القرنين
وعندما وصل الاسكندر الى معبد سيوه في فبراير (شباط) 331 قبل الميلاد اخذه الكاهن الاكبر وادخله الى قدس الاقداس. وعند خروجه من المعبد كانت علامات الارتياح بادية عليه وكان كل ما قاله لاصدقائه: "سمعت ما يحبه قلبي".!
وفي سيوه اعلن الكهنة الاسكندر ابنا لآمون، ووضعوا على رأسه غطاء رأس آمون الذي يمثل رأس كبش له قرنان. واصبحت صورة الاسكندر على العملات المضروبة بعد هذا التاريخ تحمل قرنين على رأسه، تشبها بآمون ولهذا عرف الاسكندر على انه "ذو القرنين"، وهو الذي ورد ذكره في سورة الكهف: "ويسألونك عن ذي القرنين، قل سأتلو عليكم منه ذكرا".
وقبل مغادرته مصر اصدر الاوامر بالمباشرة في بناء مدينة الاسكندرية في 7 ابريل 331 ق.م. ثم عاد الى سوريا فعبر نهر الفرات لملاحقة جيوش دارا والتقى به في معركة حاسمة عند مدينة كوكميلة (قرب اربيل)، شرق دجلة، انهزم فيها الجيش الفارسي وصار الطريق مفتوحا امامه لغزو بلاد فارس نفسها.
وكانت بابل قد خضعت لحكم الفرس لمدة مائتي عام قبل وصول الاسكندر اليها وعانت خلالها من بطش الاكاسرة الفرس. اذ تحولت ارض الرافدين الخصبة الى اقطاعيات لقادة الفرس والاجانب، الذين التزموا بدفع الضرائب للقصر الفارسي في شوش.
سار الاسكندر بجيشه جنوبا الى بلاد بابل فاستقبله الناس بالترحاب حيثما حل، وعندما اقترب الاسكندر من اسوار بابل طلب من جنوده الاصطفاف والانتظام في مسيرتهم، وأراد ان يظهر للبابليين انه جاء لتحريرهم من البطش الفارسي. ففتحت البوابات وخرج كبار المسؤولين لاستقباله يرشون الارض ازهارا ويحملون اواني فضية للبخور والعطور. وجاء قائد الحامية الفارسية بقطيع من الاغنام والخيل، ومن ورائه الكهنة يرتلون اناشيدهم ويعزفون موسيقاهم. ودخل الاسكندر المدينة ممتطيا عجلته الحربية، حتى وصل الى "قصر الملوك" الذي بناه نبوخذ نصر وسط بابل.
ومن بابل سار الاسكندر شرقا، حيث اخضع كامل الاراضي الفارسية، قبل دخوله بلاد الهند. وقد امتد نفوذه من شرق افغانستان الى بلاد اليونان.
وفي طريق عودته الى بابل خطرت له فكرة غزو جزيرة العرب. وكانت الجزيرة العربية قد اضحت المنطقة الوحيدة الباقية خارج سلطة الاسكندر في المنطقة الممتدة ما بين بلاد اليونان غربا والهند شرقا. وبالفعل ارسل الاسكندر احد ضباطه الى جزيرة البحرين ليعد الموقع لوصول قواته اليها، كما بنى ميناء خاصا على نهر الفرات عند مدينة بابل، جمع به اسطولا بني من خشب الارز الذي احضره من بلاد الفينيقيين الذين اختار منهم بحارته، ثم ارسل الاسكندر وحدة استطلاعية نزلت بجزيرة فيلكة ـ التابعة للكويت الآن ـ وكذلك في البحرين. وبالرغم من كل هذه التحضيرات لم يتحرك الجيش المقدوني من موقعه في بابل بسبب حمى شديدة اصابت الاسكندر فجأة مات بعدها ولم يتجاوز عمره الثالثة والثلاثين عاما.

بابلون عاصمة عالمية
دخل الإسكندر بلاد بابل منتصرا في ربيع 323 ق.م في بلدة تدعى سوسة تقع على اعالي نهر الفرات في سوريا حاليا، وقام بنصب معسكره بالقرب من النهر. وقد حاصرت جيوش الاسكندر مدينة بابل بعد معركة جاوجاميلا حتى تم فتحها. وفي منتصف فصل الشتاء اتجه الاسكندر إلى بيرسبوليس عاصمة الامبراطورية الفارسية وقام بحرقها انتقاما لما فعله الفرس في أثينا عند احتلالهم لها.
وحسب هيرودوت فقد احتفظت بابل خلال تلك الفترة بمعظم مؤسساتها وامتيازاتها وأعيد اعمار ما تخرب من معابدها.وقد اطلق عليها الرومان أسم "بابي لون" وأصبحت عاصمة أغنى ولاية "مرزبانية" في الإمبراطورية واجمل او اروع مدينة في العالم. وكان الإسكندر مدركا ً للأهمية التجارية للمدينة، فسمح لحاكمها بسك العملة وبدأ بإنشاء ميناء لتشجيع التجارة.
ويعتبر الاسكندر من أعظم الجنرالات على مر العصور حيث وصف كقائد تكتيكي و قائد قوات بارع و ذلك دليل قدرته على فتح كل تلك المساحات الواسعة لفترة وجيزة. وكان شجاعا و سخيا، و شديدا صلباً عندما تتطلب السياسة منه ذلك.كما وصفه المؤرخون بأنه ذا حكمة وانه كان يسعى لبناء عالم مبني على الأخوة والمحبة بدمجه الشرق مع الغرب في امبراطورية واحدة عاصمتها بابل. فقد درب آلاف الشباب الفرس بمقدونيا و عينهم في جيشه، و تبنى بنفسه عادات و تقاليد الفرس و تزوج نساء شرقيات منهم ركسانا التي توفيت عام 311 ق.م ابنة أكسيراتس التي لها صلة قرابة مباشرة(بداريوس)، و شجع ضباط جيشه و جنوده على الزواج من نساء فارسيات. كما أصبحت اللغة اليونانية واسعة الإنتشار و مسيطرة على لغات العالم.
ويبدو، بان الاسكندرالكبير الذي اتخذ من قصر نبوخذنصر مقرا له كان يخطط ليجعل من بابل عاصمة لإمبراطوريته العالمية حيث اخذت بابل تدور في فلك الثقافة اليونانية، بعد ان أخذ العِلـْم الهيليني ينهل من مساهمات علم الفلك البابلي. غير ان الصراع على السلطة بين قادة جيوش الاسكندر بعد موته سبب انتقال بابل عام 312 ق.م إلى السلالة السلوقية، التي نـُقـل إليها جزء من سكان بابل. ومنذ تأسيس سلوقية كعاصمة جديدة على نهر دجلة اخذت بابل تفقد أهميتها بالتدريج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ما هو الغرض
بدر غالب -

قرأت الموضوع بامعان لانني من المهتمين بموضوع الاسكندر المقدوني ووفاته في بابل ، وحسبت انني - في موضوع على صفحات ايلاف - سأجد اضافات لما هو معروف ، او وجهة نظر , فكرية ، سياسية ، تاريخية ، فلم اجد مع الاسف سوى معلومات تاريخية تقليدية متوفرة في اي مصدر ومتخاة حتى بنقرتين على غوغل .. فما الغرض من نشرها هنا؟؟؟ .. واشكركم

جلجامش وليس الاسكندر
الربيعي -

لا يمكن المرور بهذه السطحية على خطأ شائع متمثل بالربط بين شخصية الاسكندر والمذكور في القرآن ذو القرنين . ولا أعرف إلى ماذا استند السيد الحيدري بهذا الربط سوى قوله (ولهذا عرف الاسكندر على أنه ذو القرنين ) ولم يأتي بدليل علمي أو أثري أو تاريخي يوثق عبارته هذه؟ إن كل الأبحاث التاريخية عجرت عن ربط شخصية الاسكندر بمن مذكور في القرآن وعلى عكسه فإن كل القرائن التاريخية والمراحل الزمنية والرقم الطينية لملحمة جلجامش تنطبق تماما على شخصية ذو القرنين في القرآن بأنه جلجامش وليس الاسكندر . لم يذكر التاريخ أن الاسكندر قام ببناء سد من زبر الحديد! ولم يلتقي بقوم لا يكادون يفقهون قولا. ولم يعرف عنه أنه يرتقي في الأسباب أو أتبع سببا . وكل هذه الإشارات القرآنية تتعلق بالأرتقاء للسماء . حتى عجز كل مفسرين القرآن من المسلمين عن فهم واستيعاب عبارة فأتبع سببا المتعلقة في الإرتقاء للسماءحتى اضطروا لقول أن آيات ذو القرنين من معضلات القرأن . فليس بهذه البساطة والسذاجة ربط الاسكندر بشخصية ذو القرنين بعبارات أهوائية يتعمدها البعض ويغفل في تسويقها البعض .

تمييز و تفرقة
داريوس حرب -

ان ذي القرنين الذي ذكر في القرآن هو غير الاسكندر المقدوني. فذي القرنين بلغ مشرق الارض و مغربهااما الاسكندر فلم يبلغ الصين واليابان ولا المغرب بل وصل فقط الى الاسكندرية. ثم ان الاسكندر المقدوني لم يكن عبداالله بل كان مشركا يعبد الاصنام!!!! ثم ان الاسكندر لم يبني سدا ليحمي الضعفاء من ظلم يأجوج و مأجوج هو المعروف عنه بالشجاعة !!! فلماذا لم يواجههم ؟الخلاصة: الاسكندر المقدوني يختلف عن ذي القرنين. راجع:اواخر سورة الكهف و تفسيراتها

الإسكندر وجنكيزخان
مصطفى السماوي -

هناك شخصان بالفعل سيطرا على نصف الأرض تقريبا ووحدا أمتهما وقادا جيوشا جبارة للسيطرة على الدول الأخرى وهما الأسكندر المقدوني وجنكيزخان المغولي حتى صارت خططهم العسكرية وأسلوب حياتهما تدرس في أرقى الجامعات العالمية ، وأنا شخصيا من خلال قراءتي لسيرة الرجلين أرى أن جنكيزخان يتفوق بكثير على الاسكندر لسبب بسيط جدا وهو أن الأسكندر كان ملكا وورث الحكم من أبيه الملك معتمدا على قواد جيشه بينما جنكيزخان كان يتيما صغيرا وشق طريقه في الحياة بسواعده ونجى عدة مرات من موت محقق واستطاع السيطرة على قبائل الترك من المغول والتتار والتركمان والقازاق والأوزبك وتوحيدها تحت رايته ثم التحرك والسيطرة على العالم ، ويعتبر انجاز جنكيزخان في السيطرة على عاصمة الصين بيجين من أعظم الانجازات العسكرية في التاريخ ولا يمكن قياسه بسيطرة الاسكندر على بلاد فارس ، وهذا دليل واضح على شجاعة الجيش المغولي وبسالته بحيث استطاعوا إسقاط الامبراطورية الصينية واخضاع الصين تحت حكمهم.

.........
........ -

إلى ربيعي.. أحسنت...وشكراً لك....