أصداء

النكبة والتحدي والبقاء والتواصل وشؤون أخرى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مهرجانات "التحدي والبقاء" التي أطلقتها اللجنة الشعبيّة للدفاع عن الحريّات التابعة للجنة المتابعة العليا في الأشهر الأخيرة والذي كان خامسها مؤخرا في يافا، دفاعا عن وجودنا بمركباته المختلفة، كانت حاجة موضوعيّة وقد وُفقت اللجنة في العنوان الرئيسي الذي اختارته لهذه المهرجانات "التحدي والبقاء" وفي العناوين الثانويّة، الدفاع عن الأرض والمسكن والمعالم المقدسّة والقيادات الملاحقة قضائيا.

فبقاؤنا فعلا هو المهدد وإن كان ليس بالمعنى الجسديّ المباشر، لأن ترحيلنا أو رحيلنا ليسا واردين بالحسبان تعلمّا من دروس النكبة، فهو مهدد بشكله وجوهره وهذا ما يجب أن نعيه وندركه ونذوّته فلا يكفي أن نعرفه. عدونا يريد أن يسوّد حياتنا وهذا مفروغ منه فأين نحن من من معركة "التسويد" هذه؟
الحركة الصهيونيّة ومنذ عشرينيات القرن الماضي وضعت أسس التعامل مع الوجود الفلسطيني في الأرض الموعودة وتحت عنوان ضرب مواطن القوى لهذا الوجود الوحدة والسند المعيشي، وبقيت لصيقة بصيغ هذا التعامل حتى اليوم وتكفي الإشارة إلى أساسين الأول زرع الخلافات بين شرائح الفلسطينيين وشق قياداتهم الوطنيّة وضربها والاستيلاء على الأرض. لم ترق قيادات شعبنا الفلسطينيّ حينها إلى المستوى المطلوب للرد على هذه الاستراتيجيّة بتواصل يضمن موطن القوّة الأول وحدتنا، ولا بحماية الركيزة المعيشيّة والطريق إلى النكبة كانت قصيرة.

حقيقة تاريخيّة أخرى يجب ألا تغيب عن بالنا هي أن ال-156 عربي الذين بقَوا بعد النكبة، وُجدوا بغالبيتهم العظمى في الجزء من فلسطين الذي كان مخصصا حسب قرار الأمم المتحدة للتقسيم 1947 للدولة العربيّة وبالذات الجليل، وعلى الغالب بمحض صدفة قناعة من الحركة الصهيونيّة أن بقاءها محتلة هذا الجزء هي مسألة وقت ليس إلا بناء على القرار، والجزء الآخر ممن ضُموا لاحقا للدولة حسب اتفاقات رودوس 1949 وبالذات المثلث.

قبول الدولة ضم هذا الجزء وبناء على اتفاق دولي شكل عمليا أمامها سدا لتهجير من تبقى، الأمر الذي اعتبرته بعض القيادات الصهيونيّة وما زالت خطأ تاريخيّا لكنها اتفقت كلها وما زالت على أن هذه النتيجة معناها أن خطرا ديموغرافيا بقي بين ظهرانيها يجب وضع أسس للتعامل معه ومن هذا المنطلق، فوجدت في استراتيجيتها من العشرينيات المرجع الصالح لسحب فتيل هذا الخطر والنتيجة المرجوّة هي "التّدجين".

والتدجين يجيء بضرب مواطن قوى المنوي تدجينه نحن، فضريت موطن قوّتنا الأول الركيزة المعيشيّة "الأرض" ونجحت، وضربت موطن القوّة الثاني "الوحدة" بتقسيمنا إلى أقليات ونجحت إلى مدى بعيد. وإن كان سندها في الأولى من بين ظهرانينا محدودا ليس كما قبل النكبة لكن سندها في الثانية من بين ظهرانينا كان كبيرا وما زال، وإن تراه يلبس اليوم لبوسا قديما جديدا من"العوألة" و"الطوأفة" تراه جديدا من التحزّب المُغذّى بالتصنيف "التزاوديّ" لدرجة يصير فيها خصمك الوطنيّ عدوا تُغرز في ظهره الأنياب وعدوك الوطنيّ خصما وفقط لأنك تخاف من الأول على كرسيّك أما الثاني فلا تخافه عليه غائبا عنك أنه يهدد الأرض القاعد عليها كرسيّك!

فإن استطعت أن تفهم التعدديّة الفكريّة والوطنيّة والسياسيّة فكيف لك أن تفهم غرز الأنياب لا بل غرز الرصاص كذلك واحدنا في جسد الآخر وفقط لمكاسب فئويّة لا تشبع من جوع ولا تروي من عطش؟!

إذا فشكل وجودنا فعلا هو المهدّد من عدونا ومنّا ومعركة البقاء هي في التحدّي لكل أشكال إضعاف هذا الوجود بتعزيزه، ومن هنا وفي سياقنا:
أولا: مقدسات أبناء شعبنا هي ليست فقط أماكن لرباط بين الخالق والمخلوق صلاة، هي رمز من رموز وجودنا وبدء بكنيسة إقرث المازالت رابضة على خراب إقرث المهجّرة وانتهاء بالمسجد الأقصى المبارك المهدد. الحفاظ عليها وتحدي محاولات المس بها والاستعداد لدفع ثمن هذا التحدّي كما يفعل الشيخ رائد صلاح ودعمه هو تعزيز لشكل وجودنا المهدد.

ثانيا: التصدّي لكل مظاهر التمييز والاستهتار بمشاعرنا والتصدي للاحتلال وجدرانه وحماية شبابنا من الشرطة في المظاهرات والاعتصامات كما فعل النائب محمد بركة واستعداده لدفع ثمن ذلك ودعمه هو تعزيز لشكل وجودنا المهدد.

ثالثا: تواصلنا هو جوهر وحدتنا والتواصل هو ليس لقاء أقارب من ضحايا النكبة أو من ضحايا مواطني سوريّة الكبرى المعزولين اليوم بنكبة سايكس بيكو وفقط. التواصل هو فيما بيننا نحن في الداخل وإن اختلفت شرائحنا وليس باختيارنا عبر نبذ كل معوقاته كالعنف الشخصي والطائفي والعائلي والحزبيّ. التواصل هو فيما بيننا وبين بقيّة أجزاء شعبنا أبناء شعبنا في ال-67 والشتات. التواصل هو فيما بيننا وبين أبناء أمتنا في كل موقع.

وقاعدة كل ذلك التواصل الوطنيّ العروبيّ وليس المذهبيّ، هكذا كان حينما أطلقة د. عزمي بشارة رغم ما قيل عن الدوافع وراءه، وهكذا كان حين تابعه سعيد نفّاع ويلاحق اليوم ثمنا له. وفي استمراره وطنيّا ليس مذهبيّا ولا حزبيّا ودعم أُطره لا دعم المنشقين عنها لدوافع مذهبيّة ولمكاسب حزبيّة، ودعم سعيد نفّاع في وجه المؤسسة ميدانيّا وليس خطابيّا هو تعزيز لشكل الوجود الذي نريد.

معركتنا كانت وما زالت وهذا ما يجب أن نذكره عشيّة وغداة ذكرى النكبة هي تعزيز بقائنا بتسليح أنفسنا بعوامل ضمان هذا البقاء وأولا باستعدادنا أن ندفع ثمن هذا التعزيز.

النائب المحامي سعيد نفّاع

العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف