أصداء

إسرائيل وعنصرية إبتزاز السيادة البريطانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ ان أعلن ديفيد ميليباند وزير خارجية بريطانيا قرار إبعاد رئيس وحدة الموساد بسفارة إسرائيل في لندن ( 23 مارس ) لم يتوقف الهجوم السافر عليه وعلي حكومته سواء علي المستوي الرسمي أو الحزبي أو الاعلامي..

علي امتداد الفترة بين إعلان شرطة دبي يوم 22 يناير الماضي تورط عناصر إسرائيلية في عملية إغتيال محمود الممبوح باستخدام جوازات سفر بريطانية وحتى اليوم، نفت أجهزة الأمن الإسرائيلية كافة الأدلة التى أشارت إلي دورها الرئيسي في عملية الإغتيال بل أأن بعضها أكد أن مجرد تداول الرأي حول مدي مصداقية تخفي كوادرها الأمنية وراء جوازات سفر أوربية وأسترالية " يمثل إدانة وإاعتراف بإرتكاب الجريمة "..


من جهة أخري تطاول العديد من المسئولين علي ما جاء في معظم التقارير الأوربية التى طالبت حكوماتها بالتحقيق الشامل في دور إسرائيل الرسمي ضمن خطوات تنفيذ هذه العملية، وفتح بعضهم الملفات القديمة والجديدة التى تبرهن علي إستخدام أجهزة مخابرات أوربية لـ " جوزات سفر أجنبية " لتغطية عمليات تجسيسة مشابهة وإن كانت لا ترقي إلي مستوى التصفية الجسدية..

رفض إسرائيل الرسمي حتى الآن لأي اتهام وهجوم سياسييها علي العواصم الأوربية، يرتكز علي نقطتين جوهريتين..
الأولي.. أن إعترافها بالخطوة الإجرائية البريطانيه وقيامها في المقابل بطرد دبلوماسي من العاملين بالسفارة البريطانية بتل أبيب، يمثل إقرار بالتهمة من ناحية وتسليم بكل دلائل الادانة التى جاءت علي لسان ديفيد ميليباند أمام مجلس العموم ومن قبله علي لسان قائد شرطة دبي من ناحية ثانية..


الثاني.. مواصلة التشكيك في سلسلة التحقيقات التى قامت بها الأجهزة البريطانية داخل إسرائيل، يعطل إلي حد كبير الإنتهاء من أوراق الملف الذى تتعاون أطراف عدة - دبي وأربعة دول اوربية وأستراليا - لأجل تقديمه إلي البوليس الدولي ( الانتربول )..

هذا التحايل الإسرائيلي لن يستمر طويلاً أى كانت أساليبه الملتوية، لأن كافة التقارير الغربية التى تناولت القضية طوال شهر مارس الماضي أشارت إلي تعاون وثيق بين وكالة مكافحة الجريمة المنظمة في بريطانيا ومثيلاتها في كل من فرنسا وألمانيا وأيرلندا وأستراليا لإماطة اللثام عن دور إسرائيل المباشر في إنتهاك سيادة كل منها قد يؤدي إلي " طرد مسئولين أمنيين إسرائيلين " يعملون بغطاء دبلوماسي ضمن طواقم سفارات بلدهم في عواصم تلك الدول.. وفي حالة ثبوت هذه التهمة من المحتمل أن توصف إسرائيل إعلامياً علي الأقل بأنها " دولة مارقة " لا تحترم القانون ولا الأعراف الدولية ولا التقاليد المرعية.. وقد يصف البعض سلوكها هذا بأنه " تصرف عصابات إجرامية خارجة علي القانون " ويُسقط عنها صفة الدولة الديموقراطية..

الجدير بالأشارة هنا أن " عقوبة " طرد رئيس وحدة الموساد التى أقدمت عليها الحكومة البريطانية برئاسة جوردن براون لا ترقي لدي غالبية المحللين إلي مستوى " الجرم " الذي إرتكبته إسرائيل.. وهم يشيرون في هذا الخصوص إلي القرار الذي إتخذته حكومة مارجريت تتاشر عام 1987 بعد كشف دور إسرائيل في استخدام جوزات سفر بريطانية في تنفيذ عمليات مخابراتيه، حيث قامت آنذاك بطرد كل افراد الوحدة وعددهم 13 كادر أمني بغطاء دبلوماسي وأوقفت التعاون الأمني معها لمدة أربع سنوات.. وينتقدون في نفس الوقت " التطمينات التى أكد وزير الخارجية ميليباند أنه حصل عليها من الجهات الإسرائيلية المختصة " بعدم تكرار إنتهاك السيادة البريطانية " لأن نفس الوعد بُذل من قبل ولكنه لم يُحترم " بدليل ما نحن بصدده اليوم " علي حد قولهم..

ربما لهذا السبب كرر السفير الإسرائيلي في لندن رون بروسور عبر وسائل الإعلام وفي بيان رسمي حرصه وحرص بلاده " علي العلاقات ذات الأهمية الخاصة التى تربط البلدين " بينما تمسك وزير الخارجية افيجدور ليبرمان بأن " لندن لم تُقدم أدلة قاطعة علي تورط إسرائيل في عملية الإغتيال التى وقعت في دبي "..


المقصود بالعلاقات ذات الأهمية الخاصة هنا، تعاون لندن وتل ابيب في مجال مكافحة ما يوصف بالإرهاب الاسلامي كما تقول وسائل الاعلام الإسرائيلية، حيث يحتاج الأمر من وجهة نظرهم " إلي تعاضد يتغاضي عن الصغائر ".. بإعتبار أن إنتهاك سيادة الدولة البريطانية وسرقة هويات مواطنيها وتزويرها من تلك " الأشياء " التى يجب ان لا تعطل التعاون في مجال مواجهة الإرهاب الإسلامي الذي تزعم وسائل إعلام إسرائيل أنه يُهدد أمن مواطني الدولتين..

لهذا السبب قال شمعون شيفر في مقال له بصحيفة يديعوت ( 24 مارس ) أن التعاون الأمني بين الطرفين يحتاج لتحديث متواصل " قد يعطله التصعيد المتبادل بينهما " واقترح علي حكومتي البلدين العمل معا " لتقليص الحرج " الذي نشأ بينهما، خاصة بعد أن سمحت إسرائيل لفريق المحققين البريطانيين بتبادل الرأي مع بعض المسئولين عن أجهزتها الأمنية.. أما أمير أورن فرأي في تحليل له بصحيفة هآرتس أن طرد الدبلوماسي من لندن " يمثل ضربة للعجرفة الإسرائيلية " التى أهملت أجهزتها أبسط الإحتياطات المهنية وجازفت بعلاقاتها الأمنية الراسخة مع مثيلاتها البريطانية، مما قد يؤثر لفترة طويلة علي جوانب تعاونهما الإيجابي القائم منذ حادث سبتمبر عام 2001..
لم تتخذ إسرائيل موقفاً حازماً حتى الآن تجاه مائير دغان رئيس مخابرتها برغم ما قيل عنه في وسائل الإعلام الأوربية وبرغم أصابع الإتهام التى أشارت إلي دوره من قريب، لأن مسئولية العمليات المخابراتيه في إسرائيل يتقاسمها رئيس الجهاز مع رئيس الوزراء !! فإذا أدين الأول فلابد أن تطول أوراق الاتهام الثاني.. وإذا قدم دغان إستقالته بضغط أو بدون ضغط فهذا معناه إعتراف مباشر بالتخطيط لإغتيال المبحوح لا بد ان ينسحب أثره علي كل من وزير الأمن دام مريدور ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و تساحي هنجي رئيس لجنة الشئون الخارجية في الكنيست..

مثل هذه العمليات التى ينكشف أمر القائمون عليها إذا وقعت في بلد آخر تقود إلي إستقالة وزير الخارجية أو رئيس الجهاز الأمني، أما في بلد لا يهتم سياسيوه بما يعاني من عزلة دولية وتراجع في مكانته السياسية وإحباط علي مستوى شارعة السياسي.. فلن يستقيل أحد أو يقال مسئول أو يتصدع بنيان جهاز أمني لأن رئيس وزراءه - كما يقول أمير أورن - لم يفحص ملف التخلص من المبحوح جيداً ولم يراجع جوانب الربح والخسارة فيه بشكل عملي ولم يستمع لكافة الآراء ويوازن فيما بينها بدقة " سياسي محنك "..

مخاوف جهاز الموساد الإسرائيلي من عواقب تأجيل إستبدال " رجله المطرود " من لندن بآخر قبل مرور ستة أسابيع - كما جاء في بيان الوزير ميليباند - سيعطل الكثير من خطوات ومسارات التعاون من مثيله البريطاني MI6، وفي ذلك " عقاب " مؤثر إلي حد كبير كما تري بعض التقارير الأوربية التى تتشفي في حكومة نتنياهو وتصفها بالرعونة وعدم المسئولية لأنها فضلت " وجبة سريعة " قد تسبب لها تسمم، ورمت في سلة المهملات " وجبات التعاون الأمني الروتيني الدسمة " ذات الصلة بأمنها الداخلي..

هذه المخاوف علي أهميتها يداريها الصلف الإسرائيلي بشكل عنصري فج عندما يُدين بعض الحزبيين الخطوة البريطانية ويعيب عليها الإنسياق وراء " الرأي العام والكرامة الوطنية " ويدعي أنها تجاوزت العرف علي حساب حاجتها للتعاون مع إسرائيل التى تمثل " رأس حربة علي مستوى العالم " في مكافحة محوري الشر والإرهاب !! ويُصر علي أنها سوف تخسر الكثير لأن محاربة إسرائيل للأرهاب " تخدم الأمن البريطاني "..

لذلك كان من الطبيعي أن يصف بعض قاة الرأي في إسرائيل بتبجح غير مسبوق عملية طرد الدبلوماسي من لندن بأنها " تطرف غير مفهوم " وقع في ظروف " مفتعلة " غلفها " غضب " غير مبرر، ويؤكد أنها قد تنعكس سلباً علي أجواء الأمن البريطانية وهي تستعد لتأمين دورة الألعاب الأولمبية القادمة التى ستقام فوق أراضيها..

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف