إيران و"طاولة" السعودية المستديرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ إحتلال العراق في 20 آذار/ مارس 2003، والبلد دخل في بؤرة صراع دول الجوار والإقليم وقبلهما الصراع الدولي، لتتحول بلاد الرافدين إلى ساحة مواجهة فيما بين تلك الدول، وكل من له شأن ولا شأن له!.
وفي المواجهات الحربية وكذلك السياسية، فإن كل شيء مباح ومستباح، وإنطلاقاً من هذه القاعدة، على العراقيين تحمل ماحدث وسيحدث في المستقبل القريب. وهنا ليس من المنطق أو من العدل إلقاء اللوم فيما يحدث في العراق على الآخرين فقط، "مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ..".
فنحن من دخل لعبة " الأضداد"، نريد التدخل الدولي ولانريد، نحصر أنفسنا في إئتلافات وكيانات سياسية طائفية ونقسم البلد إلى كانتونات، ونريد الإنفتاح على الجوار والإقليم والعالم، ونقول إننا نتحدث بصوت عراقي واحد. نسعى إلى الإنسلاخ عن محيطنا العربي، فندخل بؤرة الصراع والتوازنات الاستراتيجية. نؤسس لعلاقات ثنائية في عالم تجاوز الثنائيات، وصار يتجه نحو تشكيل التجمعات والتكتلات الدولية.
لقد أصبح من المسلمات الآن، أن إيران اللاعب الأساسي والرئيس والداينمو لاستمرار معركة الصراع بين العرب و العجم على الأرض العراقية. فكلما " خبت زادتها سعيرا ". وإيرن هذه بإمكانها تغيير المعادلة لصالح الطرف الذي تريد. في مقابل هذه القوة الجامحة تقف قوة عربية لاتقل عنها شأناً، بل هي الأقدر على قلب الطاولة على رؤوس الآخرين، وقلب معادلة التجاذبات الدولية والإقليمية في العراق، بأستخدام القواسم العربية المشتركة والدعم اللامحدود، الذي يمكن أن تحصل عليه من المحيط العربي والدولي؛ لما تتمتع به من مصداقية. فلا أحد ينكر دور السعودية المتميز، وحضورها الدائم في المشهد السياسي العربي وفي أغلب قضايا العرب المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لا بل أن دور السعودية كحاضنة عربية لتفريخ الحلول وتذليل الصعوبات، دفع بهذه المملكة الكبيرة فعلاً وقولاً، إلى لعب دور البديل العربي الأوفر حظاً والأقدر على صد التدخلات الإقليمية الغير عربية، التي تحاول دق اسفين الفرقة بين الصفوف الواحدة الموحدة؛ ولم تعد تلك حاجة في نفس يعقوب؛ بل أن تلك الخطط باتت مكشوفة وواضحة لكل ذي بصيرة ونظرة واقعية.
كل ذلك يجعل المشهد العراقي ملتصقاً بشدة بمحيطه العربي، وقريباً من صناع القرار فيه، وأكثر قبولاً من تلك الدول، ولكن دون أن يكون هنالك ضغط يساهم في رسم ملامح الصورة العراقية المستقبلية، طبقاً لما يشتهيه ذلك المحيط.
خلال الأيام القليلة الماضية، كانت الدعوة لطاولة مستديرة، تجتمع حولها كل الكتل السياسية الفائزة في الإنتخابات النيابية، قد وصلت مرحلة متقدمة، فبعد أن كانت بعض الكتل ترفض رفضاً قاطعاً هذه الطاولة، باتت اليوم تتحدث عن قبول على استحياء، وبشروط تتعلق بالكرامة السياسية.
ويبدو أن الحراك السياسي العراقي، قـُبيل الجلوس إلى تلك الطاولة، قد أنتقل من مرحلة المفاوضات الداخلية إلى الخارجية.
والبعض يـُشكل على هذه الكتل السياسية، ويضع أمامها علامات استفهام كبيرة، تتعلق بقدرتها على عقد تفاهمات فيما بينها دون أن تلجأ إلى الجوار أو الإقليم. وهم محقون في ذلك.
ولعل دخول السعودية على خط المفاوضات هذه لإقامة الحكومة العتيدة، يضع المملكة في مواجهة مفتوحة وعلنية مع إيران، ويكرر مشهد المواجهة في لبنان، بل أنه يستنسخ صورة تلك المواجهة.
السعودية تسعى بقوة للدخول في المشهد السياسي العراقي الجديد، ولكن السؤال هنا هو: هل يحجم تدخل العربية السعودية التدخل إيراني في العراق، أم أنه سيُـبقي الصراع برأسين؟
أذرع إيران في العراق لن تقطع بسهولة، فإيران الممتدة والمتوسعة في كل حدب وصوب من المعمورة، لن تكتفي في ماتحصل عليه ! فهي موجودة حيثما وجدت أميركا أو المصالح الأميركية. إيران موجودة بشكل مباشر أو غير مباشر في العراق وفي لبنان وأفغانستان والصومال واليمن وفي اريتيريا وغيرها. إيران تعمل بمبدأ يعرف في علم السياسية بمبدأ "المجال الحيوي" فكلما كبرت إيران، كبر معها المجال الذي تحتاجه للحركة والتوسع، ولن تقف عند حد، فهي مستمرة في البحث عن مصالحها في كل مكان حول العالم.
في مواجهة كهذه، لابد من حل عاجل ينقذ البلد من النفق المظلم الجديد الذي دخل فيه، بعد أن وصلت مرحلة التفاؤل حداً كبيراً لدى مساحات واسعة من العراقيين، لكن يبدو أن "عجرفة" بعض الأطراف السياسية، وتمسكها بمطالب لاعد ولاحصر لها، فضلاً عن المطامع والأغراض الشخصية، كل ذلك لا يعجل بإنهاء هذه الكارثة السياسية، بل يساهم جبناً إلى جنب مع قوى الإرهاب ومن يقف خلفها في إطفاء شمعة الأمل وخنق فرحة العراقيين من خلال التأخير في تشكيل الحكومة المنتظرة.
كان الأجدر بساسة العراق وهم يعيشون موسم الحج، أن يجلسوا جميعاً حول الطاولة المستديرة هنالك، ويفتحوا قنوات الحوار فيما بينهم تحت المظلة السعودية، لعلهم يعودون لنا بالحكومة العتيدة التي طال انتظارها. وماالضير من وجود " طائف" عراقي جديد، يحل عقد المستعصي حله.
maadalshemeri@yahoo.com