الصحافة المغربيّة بين النصّ التشريعي وحدود المقدس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحتل الصحافة في عالمنا العربي مرتبة متأخرة بالمقارنة مع مرتبتها في دول العالم المتقدمة، وتعاني بالتالي من مزيد من المضايقات والتابوهات التي من المفترض أن تراعيها وتحد بالتالي من حريتها وسلطتها في تناول أزمات المجتمع ومشكلاته. يحاول هذا الكتاب تسليط الضوء على مختلف القضايا الأساسيّة في الصحافة المغربيّة عبر امتدادها التاريخي وواقعها القانوني المتراوح بين النصّ التشريعيّ والتطبيق العمليّ له. وتقديم نماذج من المحاكمات والمضايقات التي تعرّضت لها الصحافة تحت ذريعة المساس بالنظام العامّ، والمقدّسات بمختلف أشكالها. كما يحاول تقديم إجابات على صيحات الاحتجاج التي يطلقها المطالبون بحرّيّة الصحافة، ويكشف عن بنية التحوّلات التي مرّت بها الصحافة المغربيّة.
يتناول الكتاب فترة ما قبل احتلال المغرب "1820م - 1912م" متحدثاً عن صحافة عدد من المدن المغربيّة، سبتة، تطوان، طنجة، مليلة، فاس، الدار البيضاء، الرباط. ثم ينتقل بعد ذلك لتناول فترة الاحتلال "1912م - 1956م"، إذ تنقسم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل مرحلة المطالبة بالإصلاحات الدينيّة "1912 - 1924". ومرحلة المطالبة بالإصلاحات السياسيّة "1925 - 1945". ومرحلة المطالبة بالاستقلال "1943 - 1955". ليعرض بعد ذلك لفترة الاستقلال "منذ1956م"، وما تخللها من تحديات ومضايقات تعرضت لها الصحافة المغربية.
ثم تسهب المؤلفة في بسط التطوّر التشريعيّ للحقل الصحفي "1958 - 1973". وشرح قانون الصحافة المغربي، وأهم التحديات التي تواجه الصحافة المغربيّة، لتخلص إلى اعتبار أن الصحافة المغربيّة ما هي إلا انعكاس لمجمل ما مرّ به المغرب من تقلّبات تتراوح بين ما هو سياسيّ وما هو ثقافيّ، إذ تعرّضت الصحافة المغربيّة لعدد من الضغوطات، خاصّة في ظلّ قانون الصحافة لعام 2002م.
وترى المؤلفة أن الصحافة المغربيّة لم تكن بعيدة عن التأثّر بما كان يجري في الدول المجاورة، فالأحداث السياسيّة كانت تلقي بظلالها على المجتمعيّة والصحافيّة، كإعلان فرانكو خروجه عن الجمهوريّة الإسبانيّة الثانية في 18 يوليو 1936 وما نتج عنه من انشقاق في صفوف الحركة الوطنيّة، التي راح رجالاتها يحابون الحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ بإعلان مناهضتهم للنظام الجديد. كما يرصد الكتاب نماذج من المحاكمات التي تعرّضت لها الصحافة المغربيّة تحت ذريعة المساس بالنظام، كقضيّة محمّد هاشم الوجدي 1959م، الذي كان عضواً في "لجنة اليقظة لإنقاذ العمّال".
ويخلص الكتاب إلى أن سعي المغرب إلى الانضمام إلى ركب التوجّه العالمي نحو ترسيخ العديد من البنيات الحداثيّة ظلّ سعياً سطحيّاً بمجمله، نظراً لوجود تناقضات جوهريّة بين الواقع السياسي، سواء منها الحزبيّة أو غير الحزبيّة، وصولاً إلى الوعاء الفكريّ المجتمعيّ ومجمل الاختيارات الحداثيّة. ويمكن ملاحظة تلك التناقضات من واقع الممارسة الحقوقيّة في المغرب، التي لم تتجاوز القشرة الظاهرية.
ثم تبحث المؤلفة في جملة من التعديلات المقترحة وتصفها بالشكلية، وتشير إلى المادة 77 من قانون 1958 "معدَّل"، والمنقول إلى الفصل41 من قانون 2002، والذي ينص على أنه "يُعاقَب بالحبس لمدّة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين عشرة آلاف ومئة ألف درهم كلّ مَن أخلّ بالاحترام الواجب للملك وأصحاب السموّ الملكيّ الأمراء والأميرات بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفصل 38. وتطبَّق نفس العقوبة إذا كان نشر إحدى الجرائد أو النشرات قد مسّت الدين الإسلاميّ أو المؤسّسة الملكيّة أو الوحدة الترابيّة".
يعد الكتاب مرجعاً في تاريخ الصحافة المغربيّة على الرغم من عدم شموليته لجميع مفاصل وظروف تلك الصحافة، والتي يعكس واقعها واقع الصحافة العربيّة إلى حد كبير، ويبقى أن المشكلات التي تعاني منها الصحافة في مختلف البلاد العربية تكاد تكون متشابهة في المظاهر والأسس الباعثة عليها، وتعد جزءاً من منظومة التخلف الشامل الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية برمتها.
المؤلف: أسماء اصبير.
الناشر: دار التكوين،طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 130 صفحة.
هشام منور...كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com