أصداء

الرئيس والهروب الآمن

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في مساء السابع من إبريل الجاري، أذاعت وكالات الانباء أخبار فِرار الرئيس القرقيزي كرمان بك باكييف إلى مدينة أوش جنوب البلاد، بعد أن استولت المعارضة على الحكم في أعقاب انتفاضة شعبية دامية، وسيطرت على العاصمة بيشكك، وعينت حكومة انتقالية برئاسة وزيرة الخارجية "روزا اوتونبايفا"، وإزاء هذا التطور وقع باكييف على خطاب الاستقالة بضغط روسي أمريكي في كازاخستان، لينتهي به المطاف الى الاقامة في منفاه في بيلاروسيا "روسيا البيضاء".


لم يستمر الرجل في المنصب سوى خمس سنوات، فقد تولى الحكم في الخامس والعشرين من مارس عام ألفين وخمسة لكن البلاد زادت فقرا وبؤسا، ولم تشهد أي تطور يشعر به الشعب المسالم، خلال تلك المدة، بل حول البلد إلى إقطاعية وركز كل ثروات البلاد في يد عائلته، وشرع في إعداد أحد أبنائه لتولي حكم بلد من أكثر البلدان الاسلامية مرحا، إذ عرف القرقيزيون بأنهم أصحاب نكتة، مستغلا طيبة هذا الشعب الذي لا يتجاوز تعداد سكانه أربعة ملايين نسمة.


انقلب السحر على الساحر، وتبين أن كل أحاديثه عن مكافحة الفساد والديمقراطية مجرد كلام للاستهلاك المحلي، وإفهام الخارج أنه صاحب رؤية إصلاحية. وبدأت أحلام الشعب القرقيزي تتحقق في دستور جديد سيُعرض على الشعب للاستفتاء تمهيداً للتصديق عليه في أواخر يونيو المقبل، تعقب ذلك إنتخابات برلمانية ورئاسية حرة، في اكتوبر من العام الجاري وإجراء عملية إصلاح سياسية تهدِف إلى إحلال السلام في البلاد المقسمة بين الشمال -الذي شهد حركة الانقلاب - والجنوب معقل أنصار باكييف في جلال اباد.


نهاية باكييف جاءت سريعة بشكل لم يكن يتخيلُه، كان يراهن على الولايات المتحدة بعد أن اشتد الضغط عليه وبعد أن تخلت روسيا عن دعمه، لكن بدل دعمه أرغمته واشنطن على تقديم استقالته، بعد أن أدركت الإدارة الامريكية أنه بات ورقة محروقة لابد من التخلص منه حفاظا على الاستقرار في آسيا الوسطى التي تربطها بها مصالح استراتيجية.
يثبت الأمريكيون، من جديد أن لا عزيز لديهم وأن سياسة التخلي عن الأوراق المحروقة ثابتة، وأن هذه السياسة تم تطبيقها على باكييف كما طبقت من قبل على سلفه "عسكر أكاييف"، الذي خلعته المعارضة في الفين وخمسة وفي منطقتنا على شاه إيران "محمد رضا بهلوي" الذي كان يوصف بشرطي أمريكا، ولم يجد الرئيس المخلوع بُدًا من التسليم بالأمر الواقع والفرار بجلده بدلا من دخول القفص ومحاكمته على خمس سنوات من الفساد.


أعتقد أن مصالح موسكو وواشنطن اقتضت التوصل إلى تفاهم على التخلي عن باكييف الذي لا يريده شعبه، وتوفير الملاذ الآمن له في بيلاروسيا، حيث رحب به صديقه الرئيس "الكسندر لوكاشينكو". ويبدو أن بريق السلطة يعمي الحاكم ويشعر أن المنصب الذي وصل إليه حق مكتسب لا يجب التنازل عنه في حال الإخفاق، ويفعل كل ما يكسب به رضا سيد البيت الأبيض ويعتقد أن هذا الرضا سيكون إلى الأبد.


القادة الذين يحظون بالرضا الأمريكي يفتقدون الذاكرة التاريخية، فقد كان الرئيس الجورجي "إدوارد شيفارنادزة" رجل أمريكا في المنطقة، ينفذ أوامرها بحذافيرها وظن أن الحماية الأمريكية تدفعه إلى فعل أي شيء، وفي ظل التوتر الذي بلغ أشده بين موسكو وواشنطن والصراع على مناطق النفوذ في الجمهوريات السوفييتية السابقة فتح شيفارنادزة جبهة عداء مع روسيا، وتصاعد السخط الشعبي في جورجيا على سياسة شيفارنادزة، حينها أدركت واشنطن أن لابد من رفع الحماية عن رجلها في جورجيا لأنه بات ورقة محروقة ليحل محله ميخائيل ساكاشفيلي الذي كان يروجُهُ الغرب على أنه رجل ديمقراطي سينقذ البلاد من آثار ما فعله شيفارنادزة.


وما أن تولى ساكاشفيلي الحكم حتى تخلص من أعوانه، وشن حملة على معارضية، وساءت علاقته بموسكو، وأشعل معها حربا في صيف الفين وثمانية وقيل إنها حرب بالوكالة تقوم بها جورجيا نيابة عن الولايات المتحدة، وحمَّلت وسائل الاعلام الغربية موسكو مسؤولية بدء القتال. وحين تصاعد الغليان الشعبي ضده اعترف الغرب بأن ساكاشفيلي هو من أشعل الحرب وتخلت واشنطن عن حليفها كما فعلت في دول أخرى من العالم.


أعتقد أن ما بجرى في قرغيزستان، وما جرى في جورجيا وأوكرانيا مرشح للتَكرار فى دول كثيرة خاصة في العالم العربي، قد يخطئ معظم حكامه، إذا ظنوا أن حماية البيت الأبيض، ستنفعهم، حينها لن يكون بوسعهم سوى أن يفعلوا مثلما فعل باكييف...الهروب الآمن.

إعلامي مصري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رائع
علي ابراهيم -

من اروع ما قرأت هذا المقال ، حقا لقد ان السياسة الامريكية تتغير وليست هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ، بعض الحكام مسنعدون لفعل اي شي لارضاء امريكا حتى تؤمن لهم الحماية لكن في لحظة حين يثور الشعب لاتجد امريكا مفرا من التخلي عنه وترك الشعب يختار ثم تعترف بما يختاره الشعب تحية للكاتب ولايلاف .

المصالح
حسام -

سياسة المصالح هي التي تحكم الدول وروسيا تركت باكييف بعد ان رفض اغلاق القاهدة العسكرية الامريكية في بلاده وتلاقت مصالح موسكو وواشنطن في رفع الحماية عنه لعله يكون عبرة لمن يعتبر

في الصميم
عبود -

كلام في الصميم بعض زعماء الدول العربية خصوصا في الجمهوريات الملكية يجهزون ابنائهم لتولي السلطةفي مصر جمال مبارك وفي اليمن احمد علي صالخ وفي تونس صخر الماطري زوج ابنة الرئيس زين العابدين وفي الجزائر سعيد بتوفليقة وكأن هذه الدول عزب للحكام يقلبوها ملكيات ونخلص يا ليت هذه الشعوب تعيش في مثل رفاهية شعوب الخليج

عبرة وعظة
ايمن علام -

الولايات المتحدة لن تستمر قوى عظمي على مدى التاريخ فحسب بظرية ابن خلدون تمر الامم بمراحل قوة وضعف من كان يتخيل انهيار الاتحاد السوفياتي كذلك امريكا في طريقها للنهاية ولن ينفع هذه البلدان المرتمية في حضنها سوى ما قدمته لشعوبها هي الوحيدة التي تحميها ماعدا ذلك هراء

صحيح
امال -

كل الكلام اللي بيتقال عن توريث في مصر صحيح بدليل ان جمال يعامل معاملة الرئيس في تحركاته الداخلية لكن الشعب لا يقبله لانه ابن الرئيس ربمل لوكان شخصا عاديا لكان الناس احترموه وهو مكروه من الشعب ومن اعضاء الحزب المرغمين على قبوله لكن لوغاب مبارك فجأة ستختفي هذه الاشكال.خذوا العظة من قرقيزيا

سيبها على لله
المتوكل -

كل الامور بيد الله هو العالم بمن سيأتي بعد مبارك اردنا لم لم نرد وفي النهاية نتمنى الاصلح ولا يصل الوضع بنا الى ما وصل في قرقيزستان واوكرانيا وغيرها

ارادة دولية
سلامة -

الدكتور مصطفي الفقي قال ان من يحكم مصر لابد من ان تباركه امريكا واسرائيل ومعظم دول العالمايضا لابد من الرضا الغربي لذلك ارادة دولية هي التي تختار من يحكم في اي قطر في العالم

بؤس وفقر
عمر -

قرقيزستان من اجمل جمهوريات اسيا الوسطى دخلها الاسلام بالتجارة اي صفات الامانة والصدق التي تحلى بها المسلمون الاوائل وهي الان شعب فقير لمنه حي بدليل ما قاموا به في الفين وخمسة ضد عسكر اكاييف والان ضد باكييف لم يشعروا بتحسن اوضاعهم المعيشية فثاروا ضد الحاكم

الجيش مهم
هشام -

في العالم المتخلف السيطرة تكون للمدفع والجيش سيتدخل في الوقت المناسب لكي يضمن السيطرة على الاوضاع.

النهاية
خالد -

اتمنى ان يشهد العقد الحالي نهاية كل من يسعون للتوريث الحراك ان نجح في مصر سيطال كل العالم العربي