إذن.. فلنصطفَّ خلف «القاعدة» وإيران!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية وخارجها، تربط بين الإخفاق الأميركي في حل القضية الفلسطينية، وتنامي المخاطر على المصالح الأمريكية حول العالم، والإسلامي منه، تحديدا، مُلمحةً إلى دور حكومة نتنياهو اليمينية في الإسهام في هذا الإضرار، وذلك بازدياد التأييد لـ "القاعدة" والجماعات التي تقاتل أمريكا في أفغانستان والعراق، واليمن، وغيرها. كما يجري الربط بين تحقيق إنجازات على صعيد العملية السلمية، واحتواء إيران، أو تشديد العقوبات، والعزلة عليها، حين تفقد أذرعَها، حزب الله، وحماس، والجهاد، فاعليتها في حشد العرب ضد أمريكا، ولصالح إيران؛ بالاعتماد على الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل. وحينها، أيضا تستطيع الدول العربية المعتدلة المساعدة على نحو أفعل في لجم إيران، والحد من مساعيها نحو القدرة النووية.
هذا المنطق الأمريكي قد يترك للعالم العربي والإسلامي رسالة غير مباشرة، ترمي إلى أن الذي ينفع مع أصحاب القرار الأمريكي هو المواجهة، لا الصداقة، أو التعاون، كما درجت النظم العربية، والنخب السياسية المؤمنة بالحوار، تطبق، وتنظِّر...، وهذا المنطق الأمريكي الذي لا يقوى حتى اللحظة على وقف التسارع الإيراني نحو مشروعها النووي، قد يحرج دولا عربية لا تملك هذه القدرة، أو يستفزها لسلوك السبيل الذي تسلكه طهران.
هل تندفع أمريكا للحل بدافع الخوف من "القاعدة" وإيران؟
ووجه الانتقاد إلى هذا المنطق الأمريكي يقوم على السؤال الآتي: لماذا لم يستفز هذه الدولة الراعية للحريات، والمدافعة عن حقوق الإنسان، والقوَّامة على القانون الدولي انتهاكُ إسرائيل لكل تلك السابقات، وضربها عُرض الحائط بكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، ومُضيُّها في تنفيذ مشاريعها الأحادية الاحتلالية؟! لماذا لم تستفزها عدالةُ القضية الفلسطينية، حتى كانت " القاعدة" وإيران هما مَنْ تدفعانِها إلى شيء من التحرك الجاد ؟!
ولكن قبل أن نمضي مع هذا التفكير إلى نهايته، نتوقف لنسأل: هل تزايُد المخاطر على جنودها، أو الرغبة في وقف المشروع النووي الإيراني هي دوافع واشنطن للضغط على حكومة نتنياهو؟
أما الخطر على جنودها فلا يؤخذ بهذا التبسيط؛ إذ ليس الدعم الأمريكي لإسرائيل هو السبب الوحيد لما تشهده أمريكا من مقاومة، في أفغانستان، والعراق، مثلا، إنما السبب الأبرز والأقرب، هو احتلالُها لهذين البلدين، وهذه المقاومة، هي ردة فعل طبيعية لا تتوقف على دين، أو معتقد، وإن كانت قد اصطبغت في هذين البلدين بالطابع الديني، أكثر من غيره؛ بسبب تحولات فكرية نجمت عن إخفاق كثير من النظم الحاكمة في تحقيق التنمية والنهوض، كما نتجت عن تراجع الخطاب القومي العربي، وأمور أخرى. وفي أفغانستان وباكستان تنامت الحركات الإسلامية، وكان للموقف الأمريكي المستفيد منها في دحر الوجود السوفيتي من أفغانستان أثر في تعاظمها، وتجذُّرها.
صحيح أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل، - وهو الأمر الذي نبَّهت إليه لجنة "بيكر/ هاملتون"، كما حاول معالجته أوباما في خطابه في القاهرة- يلهب مشاعر الكراهية ضد أمريكا، ويعقِّد من مهماتها، وقد يساعد في استعدائها، ولكنَّ وراء ذلك أسبابا أعمق تتمثل في تنامي أفكار تخالف الأفكار الغربية، والأمريكية، وقد كان تسلُّم "المحافظين الجدد" زمامَ الحكم في الولايات المتحدة، المثيرَ الأكبر، لهذا التباين الذي أشار إليه من قبل صموئيل هانتجنتون، بما سماه" صدام الحضارات".
ومع انحياز الأمريكيين إلى أوباما تبدَّل وجه أمريكا؛ فنزعت وجه المحافظين القبيح، وظهرت إلى العالم بوجه مشرق بسَّام، واستبدلت بخطاب الصِّدام، والاستعداء، خطابَ التقارب، والحوار، وتخلت عن فرض المناهج، والأفكار، لصالح الاعتبارات البراغماتية، والمصالح المادية.
وعلى صعيد النزاع العربي الإسرائيلي اجتهد أوباما في الظهور بمظهر المتفهم لمعاناة الشعب الفلسطيني، وبَدَر عن أعضاء إدارته، ومنهم وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون أن هذا الوضع الذي تحتل فيه إسرائيل الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن يستمر.
هذه التطورات في الخطاب الأمريكي، تظهر، مع المساعي الديبلوماسية الحثيثة التي تبذلها، على كل المستويات، أن ثمة اهتماما متزايدا بحل هذا الصراع.
ولكن يبقى السؤال ما الدافع الحقيقي لهذا التحرك الأمريكي المختلف عن سابقه؟
وما حظ المخاوف الأمريكية من استفادة "القاعدة" وإيران من الوضع الفلسطيني المحتقن؟
لا جدال في مركزية القضية الفلسطينية، وتداعياتها المباشرة على دول المنطقة، واستقرارها، سواء تلك التي تشهد تواجدا فلسطينيا كثيفا، كلبنان، والأردن، وسوريا، أو سائر الدول العربية، والإسلامية التي لفلسطين مكانة في نفوس شعوبها لا تزال قابلة للاستثارة، أو التثوير.
ولكن "القاعدة" وإيران تبقيان على هامش القوى القادرة على توظيف هذه الحالة الفلسطينية، إلا في نطاقات ضيقة؛ وذلك لتراجع مصداقية الأخيرة، واستشعار كثير من العرب خطرا تمثله لصالح امتدادها القومي الممعن في استفزازيته، وأما "القاعدة" فلا يخفى غيابُها شبه الكامل عن الحياة العربية، على المستوى الشعبي، والنخبوي، ولولا تَلبُّسها، غير الوثيق، بالحركات المقاومة في العراق، وأفغانستان، لظهر انحسارُها، جليًّا، وقد ظهر.
فما سرُّ الضغوط الأمريكية لحل القضية الفلسطينية؟
هي في الأقرب مدفوعة بالاعتقاد بأن حلها يساعد، وليس أنه كليُّ النتائج، كما ذهب إلى ذلك مارتن إنديك السفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل، والمقرب من المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، يقول: "... ولكن، هل سيؤدي التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية إلى حل جميع القضايا الأخرى؟ بالطبع لا. وهل سيساعدنا على الحل؟ أجل". ويؤكد هذا ما ذهب إليه روبرت ويكسلر، عضو الكونغرس الديمقراطي سابقا، ومدير "مركز السلام في الشرق الأوسط"، والمرتبط بعلاقات وثيقة بالمسؤولين في إدارة أوباما:" لا أعتقد أن هناك من يعتقد حقا في أن الأرواح الأميركية معرضة للخطر، أو أنها تتأثر إلى حد كبير بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فذلك تبسيط مخل. ولكننا لا نستطيع إنكار أن هناك بعض قضايا لها انعكاسات على قضايا أخرى".
وثمة من يعيد السبب في هذه التحركات الأمريكية إلى الحفاظ على هيبة الولايات المتحدة العالمية، وذلك حتى لا يتأكد عجزُها عن حل هذا النزاع الحساس، وهو ما يخل بقيادتها، ومكانتها الدولية، وقد يتيح فرصة لتدخل أطراف دولية أخرى كالأوروبيين وروسيا، لتشغل هذا الفراغ، فيما لو حصل.
وبقطع النظر عن مدى جدية هذه التحركات، أو المعيقات التي تواجهها أمريكا، على مستوى تعدد الآراء والتوجهات، داخل المؤسسة الأمريكية الحاكمة، أو بسبب طبيعة العلاقة التي تربطها بإسرائيل، ومحدودية الضغط الذي يرجى أن تمارسه عليها؛ فإن لهذه التحركات أسبابا جديرة بالدراسة للكشف عن أبعادها، ودوافعها، ومآلاتها.
o_shaawar@hotmail.com