أصداء

الحصاد المرّ: ماذا بعد تراجع القيم الانسانية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

" من أجل حكم الشعب والتعامل مع الطبيعة، لا شيئ أفضل من مبدأ اللافعل" لاو تسي 1

ومبدأ اللافعل في الحكمة الصينية يتمحور حول ترك البشر على سليقتهم الطبيعية وفطرتهم الانسانية الخام دون تشويهها، ودور الحكام في سياسة الرعية يكون عبر مساعدة الانسان للعبور نحو السلام، والخدمة من أجل إعادة الحضارة إلى أحضان الطبيعة.
إنها رؤية سياسية لحكماء الصين قبل أكثر من ألفي عام !

إنها تتمحور حول خدمة الطبيعة والانسان وهو مايعرف بفلسفة "الداو" اي "السبيل" إلى الطمأنينة.
فكيف هو حال سياسيينا مع البشر، نحن أبناء الألفية الثالثة؟

قد تبدو الأزمات متفرقة غير انها في جوهرها متشابكة وتتمحور حول غياب الإنسان، ففي عصر عولمة رأس المال وانتصار نموذج السوق ولو على المستوى النظري، تدهور العامل الانساني وتراجعت القيم الانسانية بشكل ملحوظ، وتراجعت إرادة الفرد وقوته، حيث أمست القوة الاقتصادية المطلقة تهيمن على قرارات الدول، وتكاد تكون المحرك الأبرز الوحيد للعلاقات.

أمام تلك المنعطفات الحادّة يصبح واضحًا أمام البشر، أن الخسارة الكبرى بالنسبة لهم هي فقدان الثقة بالعامل الانساني، فالصراعات السياسية هي في حقيقتها صراعات "إرادوية" حيث يحاول كل طرف الضغط على الآخر للإستسلام له بحيث يفقد هذا الآخر إرادته في المقاومة ومواصلة النضال.

إن تراجع العامل الانساني في العمل السياسي والعلاقات يقلب نظام الأشياء إلى فوضى عارمة، فتتحول البنى المؤسسة للحياة و أهدافها؛ لذلك فالتجارب أثبتت فشل الانظمة الشمولية، كما فشلت السياسات التي لا تتجاوب مع الواقع واحتياجاته ومتطلباته ومستوياته بما فيها الأنظمة الديموقراطية والعلمانية، وذلك عندما أهملت المكونات المتكاملة للانسان؛ لقد انهارت الماركسية الشيوعية وفشلت لأنها ربطت تخلّف الأمم بالبنية الاجتماعية والاقتصادية المادية دون سواها من العوامل الاخرى المكونة للانسان؛ والرأسمالية الجشعة اليوم فشلت بالتأكيد لأنها شيَّئَت البشر وحولتهم الى سلعة تُباع وتُشترى لصالح الدول الأثرى في العالم المتحكمة برأس المال.

لقد فشلت كلّ هذه الانظمة في صنع جنة الله على أرضه كما وعدت شعوبها، لأنها لم تستطع الارتقاء بمستوى الوعي والمعرفة والارادة عند الشعوب، كما انها لم تتعامل مع أبعاد الكائن الانساني المتكاملة بما فيها النفسية الروحية، بهدف تحقيق أكبر قدرٍ من انسجامه مع الوجود من خلال الأخلاق والوعي والفضيلة.

وفي هذا السياق يقول المفكر ندرة اليازجي:"عندما ينقلب النظام الى فوضى، تتحول أسس الحياة من وعي أو معرفة إلى جهل أو لا معرفة، ولما كان واجب الانسان يتمثل في الوعي والفضيلة، فإن كلّ عملية أو اختبار في نطاق النظام تحقق له ما يريد وكل عملية فوضى تقضي على إنسانيته، لذا كان النظام ضرورة كونيّة لأنه يمثّل الإطار التي تعمل فيه قوى الوعي كلّها"2

إن المنطقة العربية شهدت ولادة قيادات فكرية متنورة قدمت الكثير من النضالات والتضحيات غير أنّ ذلك لم يكن كافيًّا للنهوض، والسبب ربما يعود إلى أن هذا التنوير لم يكن متكاملا ولم يتناول الأبعاد الانسانية كلّها ولم يتمكن من الانفلات من الماضي، فغالبا ما نرى أنّه "تنويرًا" من جهة واحدة ولجهة واحدة فقط ويرتكز على "التاريخ"، فكرًا أحادي البعد لا يتناول سوى الجانب المادي من حياة الكائن الانساني، واننا لغاية الآن برغم من التطور الهائل الذي حققناه كبشر على مر العصور، نقوم باسم الحضارة والثقافة والدين بكافّة الاعمال القمعيّة والبربرية مُلقين التّهم على الآخر، مبتعدين عن حقيقة ان الوجود بكليّته وحدة عضويّة، الأمر الذي حولّنا إلى طوائف متصارعة وذوات متنافرة، تُكرّس الأنوية السياسيّة التي تتشكل من مجموعة توترات نلف انفسنا بها ونعيش في سياجها، كما حوّل الطاقة الجماهيرية إلى عنف جارف، في ظلّ اختفاء شبه تام للقيم الجمالية والأخلاقية ومفاهيم السلام.

إن السياسة الأدوم نجاحًا، هي تلك التي تعتمد على استراتيجية منسجمة مع ايقاع الكون وتناغمه الطبيعي، وقد يبدو هذا الطرح حلمًا صعب المنال، غير انه آن لنا أن ندخل الى الفكر السياسي من خلال الفن والجمال والقيم وبشكلٍ معاصر، والمعاصرة هي ان نحيا مستوى اللحظة الآنية لعصرنا ولواقعنا، فهي اللحظة الحيويّة انها نقطة برزخية بين مستويات الواقع كلها وهي نقطة دائمة التطور والتحرك في آن معًا.

أما على مستوى علاقات الشعوب مع بعضها البعض، فلا بدّ من افتراض حجة أخلاقية كاملة ومستند قيَميّ مفاده أن أصحاب القضايا العادلة3، لم يُنصت لهم ولم يؤخذ وضعهم الانساني بعين الاعتبار يومًا في المجتمع الدولي بشكل كامل، وان كل شعوب المنطقة، امام تاريخ طويل مشترك من الاضطهاد والمعاناة الانسانية وانهم موجودون على مساحة جغرافية لهم فيها مشروعية إنسانية، ويجب ان يحيوا فيها كشعوب وطوائف وأديان جنبًا الى جنب بسلام وتكافؤ، مرتقين لمستوى التحديات لا أن يبقوا فيها عرضة للتسويات المذلة والعنف المستباح.

فمن حقنا كبشر أن نحلم بالجمال ومن حقنا كما من حق غيرنا من الكائنات ان نحيا بسلام !


http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف