فضاء الرأي

القضية الفلسطينية: وقائع أخرى للاستعبار [ 2-2 ]

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الجزء الأول

في 1937، نص مشروع الكتاب الأبيض البريطاني على قيام دولة عربية مستقلة في فلسطين على أن يكون ربع سكانها من اليهود. ولكن قيادة مفتي فلسطين الراحل، الحاج أمين الحسيني، رفضت المشروع ورفضها العرب. وبدلا من انتهاز الفرصة، اتجه المفتي نحو المحور الفاشي ابتغاء الدعم، وكان موقفه مبنيا على وهم فوق وهم، وكان من عواقبه تشجيع ضباط العراق على حرب غير متكافئة مع القوات البريطانية في قاعدة "الشعيبة" الجنوبية". اندحر الجيش العراقي، وعاد الاحتلال العسكري لبغداد، وفُتِحت المعتقلات، ثم جرى إعدام عدد من خيرة ضباطنا الوطنيين. أما المفتين فهرب لعواصم المحور، ثم لجأ للسعودية، بدون أن تحصل القضية الفلسطينية إلا على المرارة والخيبة.
وفي 1947، جاء قرار التقسيم الدولي، فعارضه الفلسطينيون والحكومات العربية، وكان القرار يقضي بقسم "للعرب" وقسم "لليهود"، مع تحديد المساحات. وبدلا من التعاطي الواقعي مع موازين القوى والأوضاع الدولية، شنت الدول العربية حربا فاشلة، أدت لأن تقضم إسرائيل مساحة إضافية من القسم المخصص للفلسطينيين. وفي 1967، جاءت حرب حزيران وكارثة الفشل المروع لتضيف إسرائيل لنفسها أراضي محتلة جديدة، فلسطينية وعربية.
لقد كان الراحل حبيب بورقيبة من دعاة سياسة "المراحل" لحل القضية الفلسطينية، وكان في اتصالاته بالدول العربية يدعوها علنا للاعتراف بقرار التقسيم رغم أن قرار ألحق غبنا تاريخيا بالشعب الفلسطيني. وأراني هنا عائدا لمقال آخر للعفيف الأخضر في الحياة، بتاريخ 29 تموز 2002، تحت عنوان:" لماذا نحن جبناء فكريا وسياسيا؟" هذا المقال يذكّرنا بأن الوثائق أكدت بأن الراحل عبد الناصر كان يفكر، منذ 23 تموز 1952، بالحل السلمي للقضية الفلسطينية، لكنه، باستثناء تصريح نادر في مؤتمر باندونغ في 1955 عن قبول قرار التقسيم سرعان ما تناساه كما أغضب جمهوره، ظل يردد الشعار الشعبوي [تحرير فلسطين السليبة]، الذي استخدمته إسرائيل بكل مكر في إعلامها الدولي. ويقول الكاتب إنه عندما التقى عبد الناصر وبورقيبة في القاهرة سنة 1964، سأل الثاني الرئيس المصري عن استنكافه من إعلان ضرورة العودة لقرار التقسيم، فأجابه: "عندئذ [حيجننوني]" [الأسبوعية التونسية " حقائق" في 17 نيسان 2002 ]. فقال له بورقيبة إنه سيتكفل بالأمر، وبعد يوم ألقى خطابه في أريحا عن قبول التقسيم، فثارت عليه وسائل الإعلام العربية تحاملا وتشهيرا واتهامات. وهاجمته القاهرة نفسها. وردا، أرسل بورقيبة رسالة لعبد الناصر يذكره بلقائهما وكلامهما في القاهرة ويستغرب رد فعل القاهرة. وتذكر المعلومات أيضا أن الرئيس التونسي السابق نصح الراحل عرفات بإعلان القبول بقرار التقسيم من على منبر الأمم المتحدة عام 1974 رغم أنه كان ظلما تاريخيا، وأن يطالب بتطبيقه. ولكن عرفات رد: " سيدي الرئيس: تستطيع أنت أن تقول ذلك. أما أنا، فلا. لو أقوله فلن يتبعني أحد."
ونذكر أيضا الحملة العربية الرسمية والشعبية و الإعلامية على الراحل السادات، رغم أن اتفاقه مع بيغين هو الذي استرجع سيناء.
واليوم؟ ضاعت فرصة القبول حتى بتطبيق قرار التقسيم كما كان في الأصل، وصار الشعار السائد منذ 1967، العودة لحدود 1967. وجاءت فرص لتحقيق جزء كبير ومهم من هذا الشعار، ولكن استمر تلاقي تشدد اليمين الصهيوني - ذي العقلية التوسعية وحامي راية مبدأ بنغوريون - بتشدد المتطرفين الإسلاميين الفلسطينيين، وحكومات عربية، اعتاد كثير منها المتاجرة بالقضية للاستهلاك المحلي، ولحسابات خاصة. ومن الحكومات العربية من استغلت الورقة الفلسطينية لتبرير القمع الوحشي والمغامرات الخارجية. وكأنما ذلك لم يكف. فقد نزلت إيران الفقيه للميدان بعد أن وضعت حماسُ أمانة القضية في يدي المرشد الأعلى في طهران. وتواصل إيران استغلال الورقة الفلسطينية واسم القدس لمآربها في النووي والتدخل في شؤون المنطقة، رغم أنها سبق واستعانت بالسلاح الإسرائيلي في الحرب مع صدام- وهذه حقيقة بتعمد تناسيها "فلسطينيو إيران وعربها".
إننا نعرف أن إيران لم تطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، أو صاروخا، خلال العمليات الإسرائيلية في لبنان عام 2006. كما لم تطلق رصاصة واحدة عندما هاجمت إسرائيل غزة. ويذكّرنا طارق الحميد في مقالته الأخيرة " هل على سورية أن تجرب؟" بأن القيادة الإيرانية حذرت الإيرانيين من مغبة التدخل بحجة أن لا حدود مع إسرائيل!
إن من يريد الخير للفلسطينيين لا يعرقل المصالحة بين فتح وحماس، وهو ما تفعله إيران. والحريص على القضية الفلسطينية لا يعمل على تحويل حزب الله إلى دولة داخل دولة بيدها هي مفاتيح السلم والحرب مع إسرائيل. ولا يتدخل لتخريب العملية الانتخابية والسياسية في العراق. ولا يتآمر على مصر والكويت. ولا يطالب بالبحرين. ولا يمول الحوثيين... ألخ.. ألخ...
ومع إيران، ينزل فريق أردوغان- غول - داود اوغلو للميدان باسم القدس، وذلك بحثا عن النفوذ في المنطقة والعالم الإسلامي، ومن منطلقات عثمانية إسلامية تحن لدولة الخلافة.
وهكذا، لا توجد قضية في العالم، استغلت لكل المآرب والغايات ومن فرقاء كثيرين ومتعارضين أحيانا، كالقضية الفلسطينية، التي هي قضية عدالة وحق؛ قضية دولة فلسطينية حقيقية معترف بها دوليا. فكم من مغامرات، وكم من حروب، وكم من مؤامرات، تمت باسم الحرص على هذه القضية. والدروس كثيرة جدا.
أعتقد أن القيادة الفلسطينية الشرعية مدعوة لاستيعاب حقيقة أن النظامين الإيراني والسوري وحماس هم ضد هدف المصالحة، إلا إذا كانت مصالحة عرجاء وبشروطهم هم.. وقد صرح السيد محمد دحلان للتو بأن خالد مشعل يفضل أن يتم الحل في [قم ] لا في القاهرة. كما أرى انتهاز كل فرصة دولية مناسبة للعودة للتفاوض فهو الطريق الواقعي برغم طول الطريق، وهو وحده يفضح كل تعنت ومناورة إسرائيليين. وحتى العودة للتفاوض المباشر نفسه، أراها الأفضل - أي، وكما بينت في المقال السابق- انطلاقا من نقاط الاتفاق في أنابوليس، وكانت نقاطا هامة. أما فيما يخص الاستيطان، فهناك الرواية الفلسطينية عن تعهد إسرائيلي سابق بوقف الاستيطان. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ألمرت، فيرى أن قضية بناء المستوطنات كانت دوما تبحث في حوار منفصل. ويقول في مقاله "كيفية تحقيق سلام دائم"، [المنشور في واشطن بوست، وترجمته العربية نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 20 تموز 2009]:
"حتى اليوم، لا يمكنني أن أستوعب سبب عدم قبول القيادة الفلسطينية العرض بعيد المدى وغير المسبوق، الذي قدمته لهم. وكان اقتراحي يتضمن حلا لجميع القضايا المعلقة: التفاهم حول الأرض، والترتيبات الأمنية، والقدس، واللاجئين." ويضيف: " يجب رفع بناء المستوطنات من على الأجندة العلنية ونقلها إلى حوار منفصل، كما كان في الماضي"، مؤكدا أن العملية السياسية كفيلة بحل مشكلة المستوطنات. وفي تصريحات السيد محمد دحلان بتاريخ 5 الجاري [ الشرق الأوسط ]، إشارة إلى أن إسرائيل قررت سرا وقف بناء 1600 وحدة استيطانية في رايات شلومو. كما يذكر أن المفاوضات غير المباشرة ستركز على مسألتي الأمن والحدود، ويقول:" نريد أن نختبر المجتمع الدولي وإسرائيل، ولا نريد أن نذهب لمفاوضات مباشرة فضفاضة"، مبديا عدم تفاؤله من مواقف نتناياهو.
إن ما يتمناه كل حريص صادق على القضية الفلسطينية أن يستطيع شعبنا الفلسطيني الممتحَن أن يحقق، في نهاية المطاف، أهدافه العادلة والمشروعة تماما، وأن تحل أخيرا قضية سياسية قومية كبرى، يرتبط بها مجمل أمن المنطقة وشعوبها والأمن العالمي. أما بعض الإعلاميين العرب، فعليهم وقف المزايدة على القيادة الفلسطينية الشرعية والتحريض على عدم التفاوض، والتستر على نشاطات إيران والدعاية المبطنة لها باسم القدس والقضية الفلسطينية. ويجب الكف عن نشر دعايات تكريه اليهود والدعوة للعنف- هذه الدعايات التي استخدمتها إسرائيل دوما أمام العالم للتدليل على أن العرب لا يريدون السلام، وزاعمة أن هذا أيضا هو معنى وهدف شعار "لا للتطبيع"- وهو شعار صار يستخدم فعلا حتى ضد أي مثقف فلسطيني أو عربي يترجم كتابا ضد السياسة الإسرائيلية عن العبرية مباشرة، أو يجلس مع مؤلفين إسرائيليين من دعاة السلام والدولتين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
للتاريخ
عبود الكنعاني -

عزيزي الكاتب ، الكتاب الابيض وقرار التقسيم لعام ١٩٤٧ تم رفضهما من اليهود والعرب معا . فالكتاب الابيض الذي اصدرته بريطانيا عام ١٩٣٩ وليس عام ١٩٣٧ وسمي انذاك كتاب مكدونالد على اسم وزير المستعمرات حينها مالكوم مكدونالد وينص على اقامة دوله في فلسطين ثنائية القوميه وبرمجة هجرة اليهود اليها بحيث يتم استقبال ٧٥،٠٠٠ مهاجر فور صدور الكتاب وبعدها ٢٥،٠٠٠ مهاجر سنويا ، ولقد تم رفض الكتاب من اليهود اولا على لسان مناحيم بيغن عندما قال ، هذا اخر كتاب ابيض وضع لهدم أمال الشعب اليهودي فيما يتعلق بفلسطين ، كما رفضه بقية اعضاء القياده الصهيونيه ، وبعدها رفضه العرب ،، اما فيما يتعلق بقرار التقسيم الشهير عام ١٩٤٧ ، فعندها كان الفلسطينيون يشكلون ٦٧٪ من السكان واليهود ٣٣٪ يملكون ٧٪ من الارض ولكن القرار اعطى اليهود ٥٦.٥٪ من التراب الفلسطيني ، ،مع ذلك رفضه اليهود قبل ان يرفضه العرب بل وقاموا بعمليات عسكريه ضد الجيش البريطاني واغتالوا مبعوث الامم المتحده السويدي اللورد برنادوت ردا على هذا القرار . فكما ترى عزيزي الكاتب اليهود كانوا يريدون فلسطين كلها منذ البدايه حتى لو كنا وافقنا على هذه القرارات فلم يكن سيتغير شيء ، فلنتوقف عن تحليل ومحاكمة التاريخ الماضي بمعايير ومقايس الحاضر .وشكر لك ولايلاف .

الاحتلال الفلسطيني
بياع أوطان وجنسية -

الفلسطينيين فشلوا في الحرب والسياسة ودفع الاردنيين الثمن

leadership crisises
karadaghy -

Kaka Aziz, palestinians are suferring from a proper leadership from the start of the crisis up to now, tehy are like other Arab leaders without proper strategy. Today Palestinian do not knwo who are their real enemeies neither know who are their real friends . By the way palestinian will remain the most bright intelectual people of the middle east. To my opinion they should limit their POLITICAL relation with the Arab /Moslim world and play only international card towards direct talk .Thank you as usual for your great words of wisdom, we kurds are proud to have you Kaka Aziz.