عاصفة الأوراق (1 - 2): صناعة الخراب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
العاصفة تأكل حياة كل العراقيين
نعم، انها ldquo; عاصفة الاوراقrdquo;، كما وصفها احد الكتّاب العراقيين الذين احترم كتاباتهم ـ نقلا عن ماركيز ـ، لكنه لم يكن موفقا في مقالته الأخيرة! كل شيء هائج في العراق هذه الأيام.. كل القيم مفقودة في العراق الحر.. الاضطراب يعصف بكل الأفكار.. الثقافة القديمة مترّسخة في مجتمع من الصعب ان يرحل مع الراحلين الجدد عن أجندته السابقة.. من لم يزل يصفق لما كان قد ترّبى عليه، فسيخيب أمله، فهو مقارب للرحيل النهائي والانتقال إلى الرفيق الأعلى، وسيأتي جيل جديد نجهل تماما كيف سيكون تفكيره، وهو يخرج من تحديات الماضي وخنادق الأشرار.. فأما يستجيب لتحديات الحاضر، أو ستستمر معاناته، ولكن بأشكال أخرى!
الأزمة، لا تجدها منحصرة عند السياسيين والمتحزبين والملالي ورجال الدين، بل يعيشها حتى المثقفين والكتّاب والمفكرين والفنانين.. الذين يعّبرون اليوم عن مشاعر متنافرة، ويستندون ـ ربما ـ إلى معلومات خاطئة، يتداولها احدهم عن الآخر، من دون تدقيق، ولا أي تحقيق!! العراقيون قاطبة، لا يعرفون ماذا يريدون في خضم هذا المأزق التاريخي الذي هم عليه، أو المخاض الذي هم فيه اليوم.. التشظيات تجدها بين تنافرات جيل مضى زمنه من قوميين وشيوعيين وبعثيين وإسلاميين! أو بين هوس جيل قديم وضياع جيل جديد! أو بين أفراد من شيوخ عشائر، وضباط عسكريين متقاعدين، ورفاق درب ومناضلين الأمة العربية ومجاهدين الأمة الإسلامية.. أو عصائب وميليشيات وجماعات.. تلحق بهذا أو تترك ذاك، سعيا وراء المال والسلطة والقوة والنفوذ، أو بين قبائل وعشائر تنادي بالافضليات، وتعيش أمجاد ذاكرة الأصول والبطون والأفخاذ والأطراف، أو بين مدن أصبحت مخيفة، أو كسيحة، أو كئيبة وبين أرياف قاحلة ومتخلفة عن حياة العصر حتى وان بقيت تستلم العالم عبر ستالايتات مزروعة فوق أسطح صرائف وأكواخ، أو بين طوائف منقسمة ومتناحرة، وبين اكثريات أسموها بـ " المكونات الأساسية " وبين أقليات هادئة الطبع، كبيرة الإنتاج، تنسحق يوما بعد آخر.. الخ
تفاقم المشكلات: المضامين والتداعيات
المشكلات تتفاقم بفعل عدم وجود اتفاق بين العراقيين، لا على معرفة أسبابها فقط، فهم راضون بواقعهم ـ كما يبدو ـ من دون أية احتجاجات ولا أية مظاهرات.. ولا أية معارضات! أو لأنهم يختلفون في أساليب حلّ تلك المشكلات، إذ لا تجد خمسة عراقيين يتفقون على مبدأ واحد، فهم مختلفون لأسباب أو حتى من دون أي سبب واحد.. العراقي لا يتنازل للعراقي الآخر حتى وان اخطأ بحقه.. والعراقي لا يعترف بالخطأ الذي ارتكبه أبدا! وعليه، فان الحياة العراقية لم تختزل مشاكلها بالأمن والحواجز والمنطقة الخضراء والمناطق الحمراء والصفراء وانطفاء الكهرباء وانسداد المجاري، ولا حتى بالأصابع البنفسجية.. بل تمتد العاصفة لتشتمل على ضياع القيم، وانفلات الألسنة، وصناعة العبث، والسخرية من المواطنة، وتزوير التاريخ، ونهش المال العام، وتمجيد الهوامش، وقتل المضامين.. لقد غدت فكرة العراق الموحد مجرد أحلام عصافير عند واحد من الزعماء العراقيين! وحذار من العروبة، فهي في عرفهم، أفيون العراق ومن سموم الماضي القاتلة!! وكأن بغداد والبصرة والكوفة والموصل والنجف وغيرها.. لم تكن يوما بمراكز حيوية للحضارة العربية المسالمة والانفتاح على العالم برقي منقطع النظير.. إنها كانت ـ في عرفهم ـ مجرد قرى قاحلة في قلب صحراء، أو في جوف واد غير ذي زرع أو ضرع!
صناعة الخراب
منذ نصف قرن، والعاصفة تأكل العراق أكلا، وتنهش المجتمع نهشا، وتدمّره تدميرا: انقلابات عسكرية، وبيانات على شاكلة بيان 13، وتدخلات خارجية، وتآمرات داخلية، وخيانات وطنية، وسحل أجساد بالحبال، وانشقاقات حزبية، وصراعات سياسية بين الأحزاب الثورية، واغتيالات عشوائية، وعذابات قصر النهاية، وسلطات قمعية، وميليشيات شبه رسمية، وإعدامات جماعية، وانقسامات مبدئية، وفتن داخلية، ومحاكمات صورية، ومشانق علنية، وتهجيرات سكانية، ومزارع رعب بالسواطير والطوابير، وإلغاء وجود بشر حتى الدرجة الرابعة من القرابة.. وميادين حروب دموية سقط فيها الآلاف، وتجفيف اهوار، وذبح نخيل، وقطع السنة، وجدع انوف، وشرم آذان، وإبادة مدن، وحصار ظالمين، وانسحاق عملة، واحتلال وطن، وتجريم شعب، وشريعة غاب، وسحق مؤسسات، وحرق تراث، واخذ ثارات، وتهريب آثار، وحرب طوائف، وقطع رؤوس، وذبح نساء، وتدخل دول الإقليم، ونهب ثروات، وفساد أنفس، وشراء ذمم، وتهميش ملايين، وسيادة مكونات، وانفصام أقاليم، وهجرات ونزوحات.. الخ
أبعد كل هذا وذاك، كيف يمكننا تخّيل نوع العواصف في العراق؟ كيف لا ينسحق أي عراقي وينكر مواطنته بحجة تحلل الشعب إلى مجرد مكونات وطوائف واقليات؟؟.. ويحاول أن يجدها عنده هو نفسه فقط؟ كيف يثق أي عراقي بالآخر، وقد مرّ هو وكل أبناء جيله بماراثون لا يمكن تحمّل تداعياته أبدا؟ كيف لا ينكر عروبته، وهو يجد نفسه، وقد انقسم بيته إلى نصفين متصارعين: عراقي لا يتّسعه أبدا، وعربي يعبث به العابثون؟ كيف لا يرى هولاكو، حكيما وتيمورلنك منصفا بعد أن شهد الويلات في النصف الثاني القاني من القرن العشرين؟ كيف لا تجده ينفر خفافا وثقالا من تعابير مبتذلة، وأغان فجة، وشعارات مملّة سمعها كثيرا، ورددها مسؤولون جهلة، وعاشت عليها ذاكرته ليل نهار، وهو مرغم على سماعها، بل وألزم باستخدامها من دون أن يعترض أبدا؟ ماذا تتوّخى منه وهو من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن عاش قرابة خمسين سنة من حياته أن ينّفذ فقط من دون أن يناقش أبدا؟ ويخاف مرتعبا؟ وينام مرتجفا؟ لماذا تطالبه أن يحفظ قيم العراق، والعراق غدا عنده خرابا يبابا ـ أو كما وصفه الصديق الروائي صلاح صلاح في روايته المميّزة بـ " بوهيميا الخراب " ـ؟
ما الذي نطالب به من جيل جديد تربّى على اصداء العنف، وعلى بيانات الحروب، وعلى ازيز الطائرات، وقصف القاذفات، وحرب المدن..؟ ما الذي نرتجيه من وصول اكوام من الجثث، وتفرقها على اسطح السيارات الى بيوتاتها حيث جزع الامهات الثكالى؟ ما الذي نبتغيه من تدمير المحتل الغاصب تراب العراق، وقتله العشوائي لكل من يصادف في طريقه؟ ما الذي انتجه تاريخ مضمخ بالدماء لمجتمع يعشق الحرية، ولبشر كان يوما يغني ويرقص ويطك اصبعتين؟ ما الذي وجده العراقيون، وهم يجدون وطنهم يذبح امامهم ذبح الشياه.. وتبعثر مكتباته وتدمّر متاحفه؟ ما الذي تنتظره من اقوام كانت تنتظر أي فرصة للنهب من دون أي خجل؟
الاقنعة الديمقراطية
كيف تريد منه أن يصدقك، وقد كذب عليه كل الذين حكموه.. ولعبوا بخلقته، وعبثوا بمصيره؟ واستخدموه دميّة في كل حفلاتهم الهستيرية، وهوساتهم الجماهيرية، ومسيراتهم المليونية، وهيجان مناسباتهم؟ كيف تريده يحترم غيره، وقد وجد أجمل ما يعتز به مذموما مدحورا؟ كيف تريده مواطنا طبيعيا بعد أن عبث الآخرون بهيئته ومعابده وطقوسه.. وبأهله وباعزّ ما يملك؟ كيف تريده يعترض وينتقد ويتظاهر.. وقد عاش حياته كله لا يعرف إلا أن يذبح حنجرته بالروح بالدم؟ كيف نريد من أولئك الذين أسموهم بـ " الأقليات " أن تسكت بعد أن عاشت عمرها كله، وهي تشعر بالاضطهاد ليس السياسي حسب، بل بالجزع الاجتماعي أيضا؟ وكلنا يعرف ما الذي كان يصيب حنا أو ميخا في ثكنات الجيش، أو ساحات العرضات، أو في النوادي الليلية من إصابات جارحة للنفس والوجدان..؟؟ كان بعض هؤلاء قد صدّق أيام 14 تموز 1958 أن الزمن تغير، وأصبح العراق ديمقراطيا حرا، وأصبح شعبه سعيدا.. فخرج هؤلاء من مكامنهم، يعّبرون عما في صدورهم باسم الحرية والزعيم الأوحد والجمهورية الخالدة، ولما كان الزمن العراقي يكذب على شعب العراق دوما، فقد دفعوا أثمان باهظة في ما بعد! هكذا، صدّق العراقي اليوم أيضا، انه يعيش عصرا ديمقراطيا للمكونات الجديدة، فراح يغّرد كما يريد، أو يتصايح كما يرغب، بعد أن جرّب سابقا كيف يموء في الداخل، أو ينبح في الخارج (عذرا كما وصفوه في واحد من بياناتهم).. صدّق اليوم انه يعيش زمن الأنوار والحريات والديمقراطية، فراح يحكي ما يشاء من دون رقيب أو حسيب.. ولكن ليس كل الصيد في جوف الفرا.. فثمة من يخرج عن الخطوط الحمراء، فيكون مصيره الخطف، أو القتل ورمي جثته في مكان بعيد!
وماذا بعد؟
لقد تقهقر المجتمع العراقي، وهو لم يزل يعاني من جملة مآس لا تعد ولا تنتهي، واذا كانت بعض المدن مستقرة بالرغم من كل الصعب، فان مدينة كبرى كالموصل قد أمست ـ ويا للأسف الشديد ـ مدينة نفايات مهمّشة، بعد أن كانت أمّا حقيقية للربيعين في عموم العراق! فهل تبدأ ساعة الصفر من اجل تغيير شامل لكل العراقيين.. ما مدى استيعابهم للمواطنة الحقيقية؟ ما وزنهم ازاء حكامهم؟ ما الرؤية التي يمكن اطلاقها لانقاذ العراق؟ وما المشروع الذي ينتظرهم جميعا؟ هذا ما ستجدونه في الحلقة القادمة بحول الله.
انتظروا الحلقة الثانية
www.sayyaraljamil.com
التعليقات
إلى من يهمه الأمر
ابن عم نيرو -تقديم: من هنا وصاعداً سأعلّق باسم ((ابن عم نيرو)) ليكون هذا الاسم شفيعاً لي لدى محرر التعليقات. والحق أقول إن الفرق بيني وبين ابن عمي هو أني متعلّم وهو اُمي جاهل. أنا قضيت حياتي في الدرس والبحث وهو يحاول جاهداً أن يضحك على خلق الله. كما لا اخفي سراً إن قلت أن نيرو يبذل من الجهد ضعف ما يبذله كتّاب إيلاف في صياغة تعليقاته التي يحرص على أن لا نفهم منها شيئاً، وهذا لعمري خراب فكري وثقافي. إلا أن ما يزيد من هذا الخراب خراباً هو مَنْ يروج له ويحرص على نشر تعليقاته أول بأول. وحين ينظر محرّر التعليقات على منجزه في نهاية اليوم يقول في سرّه: اليوم اتممت لكم رسالتي الاعلامية ورضيت لكم الديموقراطية سلوكاً. في الوقت الذي لا ينشر فيه تعليقاتي عامدا متعمدً! الله وحده والراسخون في العلم أعلم بذلك. والآن أعود إلى موضوع المقالة والعود أحمد وأقول: بعد أن استمعت للقاء الرئيسة الفنلندية مع قناة الجزيرة قبل أيام وددت لو أني ألقيت بجنسيتي العراقية في سلة القمامة. والقمامة لمن لا يعرف هي الزبالة. لماذا؟ لانها أجابت رداً على سؤآل مقدم البرنامج عن سر النهضة والقفزة التاريخية التي تعيشها فنلندا بالقول: إذا ما أردتُ أن أجيب بثلاثة كلمات.. التعليم، التعليم، التعليم، لكن إذا ما أردتموني أن أقول المزيد سوف أقول إن دولة ديمقراطية قوية تحترم حقوق الإنسان وتحترم الديمقراطية بشكل عام يمكن أن تكون أساسا جيدا للحكم وأساسا جيدا للنشاط الإنساني والاقتصادي، نحن لسنا أغنياء، لا نمتلك البترول ولا الذهب ولا المعادن النفسية، لكن مواردنا هي سكاننا وإنساننا، لهذا السبب نريد أن نوفر له أفضل تعليم للبنات وللبنين. انتهى الاقتباس. لقد اصبت باكتآب ليومين اثر ذلك اللقاء. تاريا هالونن هي الرئيسة الحادية عشر لفنلندا. بينما حكم العراق أكثر من 125 حاكماً إلى يومنا هذا ولكن ليس بينهم من اعتبر الانسان مورداً، لا بل صعد أحدهم المنبر وقال إني أرى رؤساً قد أينعت وحان قطافها! اعتقد أن حبّ الوطن والانتماء إليه، منع ارتداء النقاب وخلق مجتمع مدني، يمكن أن تتحقّق بقرار سياسي. كان أحد رؤسائنا ينتشي بل يُصدّق شعبه حين يسمع هتاف: بالروح بالدم. ويا لسخرية القدر، قتل ذلك الرئيس شنقاً وعلى شاشة التلفزيون ولم يُفديه أحد. أما الحاكم الجديد فصحن قيمه أو فسنجون هما أحبُّ إليه من شعبه. ملاحظاتان: الاولى، لا اعتقد أن هذا التعليق سينشر كما هو
تكفي طلتك من جديد ..
س . السندي -تكفي طلتك من جديد يا عزيزي سيار ... ماذا نقول والكل من أهلنا ومن أهل الدار ... يعجز عن فهم العراق وما فيه من ألغاز وأسرار ...
زمن فسنجون
آية الله مثيلي -المقالة والتعليق كلاهما يعبران عن أحزان عراقية راكمتها الحالة التي لا حلول لها في عقل الأحزاب جميعاً، ومن الطريف أن أجد بالرغم من الحزن مساحة للمرح في عالم تم إغلاق نوافذه وأبوابه: وسؤالي هل تناول حضرة المعلق وهو إبن عم نيرو الملتبس في الكتابة والأفكار ، القيمة والفسنجون، ويا ترى هل طعمها غريباً عن المأكولات العراقية الدسمه .. ألخ وهذا أيضاً أعادني إلى العراق أيام الخير الستيني : فذات مرة قدم قاريء جديد من المدينة إلى القرى لقراءة وسرد واقعة عشرة عاشوراء ، وكان شعره أشقر ويرتدي بنطلون قصير وكأنه قادم من أوربا، وقد جاء معه أصدقاء يحيطونه في أوقات قراءة عاشورا تباعاً. وقد حط هذا العراقي المختلف تماماً من ناحية التفكير والفنطازيا رحاله في أول قرية في جنوب العراق، وبدأ في ذلك المساء في التعارف مع أبناء وشيوخ القرية، وما كان من المضيف له إلا وقال: عمي لم أر رجل دين مثلك، فلماذا لا ترتدي العمامة ، إضافة لملابسك العصرية ، وإنكليزيتك الطليقة، فهل أنت من كوكب آخر، والآن دعني أقول لك أهلاً وسهلا فأطلب ما شئت أنت وزملائك من مأكل ومشرب.. وهكذا تمضي البشر والطبيعة يحلو لهما ما تقدمه مروج الماضي من خضرة وآهة مكتومة على عراق حزين ، ومفرغ من أبناء، ولم يتبقى سوى الخواجات الذين يساهمون في كل شيء، يعني صناعة كل شيء الوطنية والقومية والدينية ، والتفجيرات الإرهابية، والثراء، والتطفل والضحك على ذقون العراقيين.
تكفي طلتك من جديد ..
س . السندي -تكفي طلتك من جديد يا عزيزي سيار ... ماذا نقول والكل من أهلنا ومن أهل الدار ... يعجز عن فهم العراق وما فيه من ألغاز وأسرار ...
رجال الظل
د. أبو فاضل -خالف شروط النشر