أصداء

الهروب ليس حلاً!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

والله أحترنا مع إخواننا العرب، والعراقيين بشكل خاص، ماذا نفعل لننال رضاهم السامي؟ لقد أحببناهم منذ عرفناهم، وأحببنا لغتهم ودينهم، حتى هجرنا من أجل دينهم ديننا وكدنا نستبدل لغتنا بلغتهم، وثقافتنا بثقافتهم!! لولا أن صحينا على حقيقة مرّة مفادها ؛ أننا كلما حاولنا أن نرفع من شأنهم وننشر في الآفاق ذكرهم وفضلهم، حطوا هم من شأننا وأنزلوا من قدرنا و(مرمطوا) بكرامتنا الأرض، وكلما حاولنا إثراء ثقافتهم وإظهار اصالة حضارتهم، جففوا منابع ثقافتنا وزرعوا في نفوسنا شكاً متواصلاً في عدم قدراتنا الذهنية واللغوية في التعامل مع مفردات الواقع (كمافعلها الكثير من مفكريهم ومثقفيهم وآخرهم خالدالقشطيني الذي ادّعى في احدى تجلياته الفكرية أن الأكراد لايملكون أيّ مقومات حضارية بسبب لغتهم البدائية) مع أننا شكّلنا بعضاً من ملامح ثقافتهم وحضارتهم، بدءاً من صلاح الدين الأيوبي وأبن تيمية الحّراني ومرورا بمحمدكرد علي وأحمدشوقي والزهاوي والرصافي وغيرهم، حتى صورونا مجرد كيان غير ذي قيمة، ساذج، لايعتد به في البناء الحضاري المعاصر...

وعلى هذه الصورة الشنيعة أدخلونا في ثقافتهم وحشرونا في موروثاتهم الشعبية، حتى شاع عندهم أن الكردي، لا يتمتع بالذكاء، قصير النظر لايرى أبعد من أرنبة انفه، ينقصه (الأتيكيت) المناسب للتعامل مع المجتمع المتحضر.. وينتشر هذا التصور في معظم البلدان العربية، ففي العراق ولبنان وسوريا مثلاً عندمايقوم العربي بحركة غيرطبيعية تنم عن الغباء والجهل المطبق، يُقال له على سبيل التوبيخ والتقريع (لاتصير كردي!!) أي لاتصبح غبياً كالكردي!!، وفي مصر رغم بُعدها الجغرافي عن كردستان، تتكرر نفس الصورة السيئة عن الكردي، فعندما يريد أحدهم خداع الآخر واستغفاله يُقال له متهكماً (تريدتستكردني؟!!) أي تريد أن(تستعبطني) وتجعلني أحمقاً كالكردي؟!

ماذا نفعل لنحسن هذه الصورة السيئة لدى إخواننا العرب؟..لاشيء، لانفعل شيئاً، ولماذا نحاول؟ وقد فعلنا كل ما في وسعنا لتغيير قناعاتهم دون جدوى! وقد سلكنا كل الطرق لنصل معهم الى آخر النفق المظلم وفي كل مرة نخفق وندفع الثمن الباهظ لهذه الإخفاقات..

أبرمنا اتفاقيات تلو اتفاقيات مع كل الحكومات العراقية المتعاقبة، وقعنا إتفاقية (الشراكة) مع عبدالكريم قاسم وعقدنا معاهدات (الصداقة) مع الأخوين عبدالسلام وعبدالرحمان عارف وأبصمنا على بنود اتفاقية آذار للحكم الذاتي عام 1970"بالعشرة" فماذا كانت النتيجة؟

النتيجة أننا خرجنا بعد كل إتفاقية بمزيد من القتل الجماعي والقرى المدمّرة والأنفالات والقصف الكيمياوي..والعجيب أننا لحد الآن لم نتعظ من هذه الدروس القاسية التي أخذناها منهم، ويبدوا أننا لن نتعظ أبداً!! فالاتفاقيات والتحالفات والزيارات المكوكية المحمومة الجارية معهم على قدم وساق من دون الوصول الى حلول شافية ووافية لقضايا مهمة تتعلق بالبلاد بشكل عام وبالأمن القومي الكوردي مباشرة مثل : تثبيت الحدود بين الإقليم والمركز وقضية كركوك والبيشمركة وإقرار قانون النفط والغاز وتطبيق مفهوم الفدرالية بشكل واضح وصريح، لا لبس فيه ولاغموض، ولاتحايل في التفسيرات ولا تدليس في التأويلات..

وإن كانت حجة السياسيين في بغداد سابقا تتركز حول عدم وجود الدستورالدائمي للبلاد، فقد تم إقراره وصوتت عليه الشعوب العراقية في عملية ديموقراطية قل نظيرها في العالم، وأصبح العراق بموجبها بلداً فدرالياً دستورياً، من المفترض ان يسير وفق مواد الدستور، ولكن مع الاسف ظلت الحكومة التنفيذية المركزية"الراعية للدستور" تعتمد سياسة ثابتة في تعاطيها مع القضية الكردية وهي ؛ المماطلة والتسويف و عدم الجدية في معالجة الامور المتفاقمة وإبقاءها على ما هي عليه لحين انفراج الوضع العراقي الراهن ومتى انفرج سابقا حتى ينفرج لاحقا؟ في محاولة لكسب الوقت ظنا منها وهي خاطئة أن الوقت في صالحها وهو كفيل بحل القضية، وهي بذلك تكرر نفس الخطأ الذي ارتكبته الحكومات العراقية المتعاقبة في اعتمادها على عامل الوقت كاستراتيجية ثابتة للتعامل مع القضية الكردية، ولكن فشلوا وبقيت المشكلة تراوح مكانها من دون حل، فيما ظلت الحكومة الجديدة تتابع هروبها المعيب في مواجهة المشكلة الاكثر إلحاحا لمدة سبع سنوات بحجج وأعذار واهية لامحل لها من الاعراب!..

التهرب بالطبع ليس بحل ولايمكن أن يعتمد عليه في معالجة قضية شائكة كالقضية الكردية، وهي قضية قوم أكثر من كونها قضية عراقية داخلية. فعلى الحكومة أيا كانت وجهتها السياسية أن تبادر فورا الى معالجة القضية "التاريخية" بعيدا عن الشعارات الرنانة والافكار المسبقة التي كانت السبب الاساسي في نشوء حالات عدم الإستقرارالسياسية التي شهدتها الدولة العراقية منذ تأسيسها، كل تأخير في التصدي للمشكلة من شأنه أن يضيف مشاكل جديدة وعقبات في طريق تقدم المجتمع وتطوره و يكلفه ثمنا باهظا في طاقاته البشرية والاقتصادية وقدراته الانتاجية والابداعية ويؤثر على راحته واستقراره، وهو في غنى عن ذلك كله.

m.wany@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف