فضاء الرأي

من قاسم إلى سردشت.. الموت في أزقة الوطن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"من كتب لبج.." (ضٌرب باللهجة اليمنية) الشيخ عبدالله الأحمر

لا يختلف الأمر كثيرا إن قتلك الغول سرا في قبو مظلم بدائرة أمن - وما أكثرها - في مكان ما من مدينتك في عصر الدكتاتورية، أو أن يقتلك على قارعة الطريق أمام الجمهور كما يحدث في العصر الذي لا اسم له ما بعد الدكتاتورية. ولعل الحسنة الوحيدة في الموت غدرا هذه الأيام في أي مكان في العالم هو ذلك العملاق الخرافي المسمى بالانترنت الذي يسمح على الأقل لمن رأى أو سمع بنشر وقائع الموت المعلن على الملأ في العالم أجمع. فبدلا من أن تموت وحيدا مزويا في سراديب الرفاق، هاهو خبر موتك العلني على أرصفة الوطن يتراقص على أشرطة الأخبار في الفضائيات وصفحات الفيس بوك، وخلا بعض من مناصريك (بعد موتك بالطبع) فإن الجمهور الصامت هنا هو ذات الجمهور الصامت هناك، والمسئول العاجز أو المتواطئ أو اللامبالي هنا هو ذاته هناك بلباس آخر و لغة أخرى ومنطق آخر. وهذا صامت وذاك لا مبال لأن هذا انتج ذاك والعكس صحيح.
من قتل سردشت عثمان أو قاسم عبد الأمير أو كامل شياع أو المئات بينهما؟ حقيقة لا اعرف من قتلهم، فالقاتل لا اسم له ولا وجه، سيان أكان جماعة مسلحة أو مسئول حانق أو حتى قاطع طريق اعتيادي فكل هؤلاء أدوات للغول الأكبر الكامن في ذواتنا الاجتماعية منذ قرون، ذلك الغول الذي ينتجنا جيلا بعد جيل حكاما ومحكومين، انه الغول الذي بات "الأنا العليا" التي لا تعيش إلا على أشلاء الأخر مهما كان شكله أو لونه أو حتى دمه. هو ذلك الغول الذي يبرر قتل المعارض السياسي والكاتب الحالم بل وحتى المختلف وإن كان مسالما، كما يبرر قتل الأخت والابنة والأم بدواعي الشرف الرفيع. انه الغول الذي يقطع رؤوس الأطفال ويفجر الكهول باسم فكر أو عقيدة أو أي ذريعة لا تساوى أكبرها قطرة دم بريئة واحدة تراق، وهو الغول ذاته الذي يجرنا وقت الأزمات للتشرذم عكس التوحد والتجمع كما هي سمة الإنسان العصري، بل والاختباء خوفا ووجلا خلف أية واجهة صغيرة محدودة كالدين أو الطائفة أو المذهب أو العشيرة حتى ننفجر عنفا وتقتيلا بالآخرين، وكل خوفا من المسؤولية الأكبر، مسئولية المواطنة المتساوية حيث لا إلغاء ولا إقصاء، وحيث تغيب تلك اللغة القميئة التي تتنكر بكلمات من قبيل إخواننا هؤلاء وأشقائنا أولئك، هروبا من مفهوم الندية والمساواة تحت لافتة الوطن الإنسانية والحقوقية.

ولأن الغول يتناسخ ويرتدي كل الأزياء ويتكلم جميع اللغات ويتجول في جميع أزقة الوطن، مستعدا لالتهام أي كان وفي أي وقت كان، فإن وقائع الموت واردة في أية لحظة، أكان ذلك بسيارة مفخخة أو مسدس كاتم أو بقطع الرأس وغيرها من التقنيات التي تفوقنا فيها على الجميع، ولأن موت قاسم وسردشت وغيرهما من الآلاف الذين نعرفهم ولا نعرفهم، كما هو موتي وموتك وموت جارك ومن تحب لا يعني شيئا لأي أحد، فإن الغول سيكبر و يتغذى حتى يصل الذروة قبل أن ينهار ساحبا معه كل المحيط بشرا وعمرانا وحضارة وأخلاقا، كما علمنا التأريخ الذي لا يقرأه أحد.
أستذكر هنا اغتيال قاسم عبد الأمير في ذكراه السادسة، التي حلت وواقعة قتل سردشت الدرامية تخيم على الأجواء الثقافية في العراق، وهما إن كانا ضمن سيل عرم من العراقيين الذين قضوا قتلا عمدا أم خطأ حتى اعتادوا الموت واعتاد الموت عليهم، تميزا بكونهما يعشقان القلم والورق، تلك الحرفة الحالمة المميتة التي يتصدر الوطن قوائم العالم بضحاياها بامتياز. وجل من اغتيل من هذه الفئة قتل عن سابق إصرار وترصد، وبوحشية رمزية متميزة، فالقاتل هنا استهدف القلم قبل الصفة الإنسانية أو القومية والمذهبية، فالغول يكره الأقلام والأوراق، ويعشق الجهل والأمية، ويكره كل ما ينطق حبا وحياة، لأنه نتاج لثقافة الموت والإقصاء، يتلبس رداء الدين تارة وبزة العسكر تارة أخرى، ولثام قاطع الطريق والبدلة وربطة العنق في أوان أخرى.
الغول في أنفسنا لن يموت بالمدافع والصواريخ، ولكن مقتله في قيم الحب والعقل والسلام التي لن تسود النفوس قبل أن تتم إعادة برمجة عقول وقلوب أجيال بثقافة جديدة تتسع للجميع. وحين لن يسأل الطفل قرينه في المدرسة إن كان سنيا أم شيعيا، أو مسلما ام مسيحيا، أو بعثيا ام شيوعيا، أم دعوة أم صدريا، وما غير ذلك من التفريعات، حينئذ فقط لنا نتحدث عن بداية وفاة الغول ومولد شعب جديد وقيم جديدة، وحتى تنضج العقول والنفوس، وتتبخر المغامرات والتجريب التي ابتلعها هذا الوطن منذ عقود حتى الغثيان
وحتى ذلك الحين فإن "من كتب لبُج" أو ضرب باللهجة اليمنية كما قال شيخ مشائخ اليمن الراحل عبد الله الأحمر عندما سئل عن حادث الاعتداء بالضرب المبرح على الكاتب الكبير أبو بكر السقاف في صنعاء قبل سنوات طويلة، مختصرا ببساطة دور حرفة القلم في مجتمعات الموت والقهر والإذلال.

وتحية لأيلاف في عيدها العاشر..


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الغولُ ما الغولُ
نبيل كوردي من العراق -

وما ادراك ما الغولُ، الغولُ معروفٌ يا سعد، وبصمتهُ في حرية القتل معروفه، وللغول يومٌ وللأحرار يوم، فويلٌ لهم من يومهم لأن يوم الغول الظالم أسوأ من يوم المظلوم، وهكذا يقول التاريخ وهكذا أثبتتهُ نهاية الغول الصدامي

مححرى امس!!!!
لاوك قرداغى -

قتلة سردشت معروفون لدى الشعب الكردى انهم ممحررى امس وطغاةاليوم انهم فقراء ومحتاجى امس واثرياء اليوم ، انهم من ادعوا الى الفضيله والعدل الأجتماعى و و و ومنظمى الليالى الحمراء وسارقى قوت الشعب اليوم ، ببساطه انهم جنرالات السكر ، والأدويه ، والأسمنت ،والنفط ، والدعاره ، انهم ببساطه قياديى وازلام الحزبين الكرديين !!

قوة الضلام
ئاري -

شكرا كاكة صلاح على موضوعك القيم .كثيرين هم دفعوا حياتهم ثمنا في سبيل ايصال كلمة الحق ولو كان خيالا,فسردشت قتل لمجرد حلم قد حلم بها ودفع ثمنة غاليا.

صدقت يا لاوك
shwan -

لا فض فوك

The Imposible
Dr Riad Awwad -

The danger today is that the commitments to spread human rights and democracy in the Middle East will remain an empty promise. In order to ensure that lip service, nondemocratic regimes in the region must understand that they, too, face a clear choice: If they continue to repress their people and stifle dissent, they will lose all the benefits of the free world has to offer from legitimacy and security guarantees to direct aid and trade privileges.The free world should not wait for dictatorial regimes to consent to reform. If there are courageous leaders in the Arab world who are genuinely willing to democratize and liberalize their countries, then they should be applauded and supported.We must also not wait for the support of international organizations. Many of the countries that wield that influence in these organizations are nondemocratic regimes.To protect and promote democracy around the world, I believe that new international institution, one in which only those governments who give their people the right to be heard and counted will themselves have a right to be heard and counted can be an enormously important force for democratic change. Perhaps in less than a couple of generation, the world could become a community of free nations in which each country would built a democracy that suits its unique culture, history, religion, and traditions, but where no nation would be able to undermine the right to dissent that truly is God’s gift to humanity.I am convinced that a successful effort to expand the freedom around the world must be inspired and led by the United States. In the twentieth century, America proved time and again that it possessed both he clarity and courage that is necessary to defeat evil. Following that example, the democracies of the world can defeat the tyranny that threatens our world today and the tyrannies that would threaten it tomorrow. To do so, we must believe that all the peoples are created equal.

al gol
peshmarga -

إن ألثمن ألذي دفعه سردشت من حياته وهوشاب 23سنه من أجل حريه ألكلمه في كردستان وسكوت ألسلطه يظهربوضوح زيف ألمفاهيم وألشعارات ألتي رفعناهاوألدعم ألذي أعطيناه لفئه ضاله جاهله لتقودنا.وأن ألأوان للتغييروأعطاء ألقيمه لمن هوأهل للمسؤوليه وعدم ألأنجرار وراء تاريخهم ألفاسد.

قتلة معروفون
saman -

نعم قتلة معروفون,هم الذين كانوا يفتخرون بمذبح بشت ئاشان وقتلوا و ذبحوا مئات من كوادر حزب الشيوعي العراقي لأجل 5 ملايين دينار هدة من حزب البعث عام 1983 و تفاوض معه والان اسياد الحرية و الديمقراطية قتلة معروفون قتل مئات من المثقفين في السليمانية في سبعينات و ثمانينيات و ايضا تسعينيات والان مقتل سردشت واضح من قتله نوشيروان واعوانه من البعثين

الى سامان
ازاد كركوكلي -

نوشيرون معروف في اوساط السياسية والشعبية بانه مناضل شريف يحب وطنه وشعبه ويناضل لاجل شعوب كوردستان وانه ابا عطوفا ورحوما وشفافا مع شعبه . اما قتلة سوردشت معروف بين شعب كوردستان بدكتاطريتهم وعنجيتهم .

الى سامان
كريم -

كاك نوشيروان قائد محترم وشريف وبسيط ، نظيف اليدين وجيوبه خالية وعقوله نظيفا ...انه الوحيد تمكن ان يقول للدكتاتوريين لا لا لا ، وهو الوحيد من بين القادة تمكن برجوع كرامة الاكراد من بين انياب قتلة الشهيد سوردشت .