العراق وعملية ترييف المدن؟ 2-2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ان الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي احتدمت بعد انتكاسة الثورة في كردستان العراق اثر الاتفاق العراقي الايراني في اذار 1975م وتنازل حكومة بغداد انذاك عن كثير من الاراضي والمياه العراقية مقابل غلق الحدود وايقاف الدعم للثوار الكرد، ومن ثم اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية بعد خمس سنوات من الاتفاقية وما اعقبها من تناقضات حادة، ثم في أعقاب حرب الخليج 1990-1991، وما أعقب ذلك من حصار اقتصادي على العراق، كل ذلك أدى إلى نشوء وضع معقد يكاد أن يكون فريدا في مواصفاته في المنطقة والعالم:
دولة شمولية ضعيفة خارجيا ومستأسدة داخليا، ومجتمع مدني منهك محروم تماما من منظماته ومؤسساته تضمحل مع تقهقره المواطنة، وتشضي كبير في بنية المجتمع المديني بالذات، وهيمنة ثقافة القرية والبداوة بشكل يكاد يخفي تماما مظاهر المدينة وتقهقرها ازاء عملية الترييف الحاصلة، واستبدال الهوية الوطنية بالانتماء العشائري او المناطقي.
في هذا الوضع المعقد والمشحون بالترقب والخوف تشوهت كثير من المعاني والمفاهيم وتقزمت معظم المدن الى قرى صغيرة في سلوكيات سكانها، وتقهقرت مظاهر التمدن ازاء الطوفان الريفي والقبلي، حيث نمت شبكات العلاقات القروية والبدوية على اسس الانتماء العشائري والمناطقي وبقية أشكال التنظيم القبلي بمساعدة ودعم مطلق من النظام وحزبه ومؤسساته، الذي اختزل مفهوم الوطن بالقرية والشعب بالعشيرة، لتسدّ مسدّ مجتمع مدني مغيَب وطبقة متوسطة شبه ملغاة، حيث برزت انسجة التضامن المحلي في صورة إعادة تنظيم للمكونات الاجتماعية حول الجوامع والشخصيات الدينية وشيوخ العشائر ووجهائها الذين شجعتهم الدولة على الإحلال في مفاصل ادارية مهمة لتقديم خدمات الأمن والقضاء القائم على الأعراف بعد تعطل أجهزة القضاء والشرطة، علاوة على التكافل الاجتماعي من خلال ما اطلق عليه في حينها بمشاريع مساعدة الأسر المتعففة في غياب أي دور مهم للدولة؟
لقد وصلت عملية ترييف المدن الى ذروتها عشية احتلال العراق وسقوط نظامه السياسي الذي انتج تلك العملية وما رافقها من تشويه لهوية المدن العراقية التي غلب عليها الطابع الريفي والقبلي بكل ما تعنيه المفردة من عادات وتقاليد وسلوكيات، وغدت هوية تلك المدن محصورة او مدفونة في مقابرها التي تعطي صورة حقيقية عن تركيبة سكانها، وعلى الجانب الآخر المتعلق بالشخصية الوطنية فقد تم اختزال المواطنة الى انتماء قروي او عشائري تم تكريسه للحفاظ عن طبيعة النظام وشخص رئيسه من خلال ربط تكوينات تلك العشائر وشيوخها بدائرة تتبع رئاسة الجمهورية هي المسؤولة عن العطايا والهدايا ومعاشات اولئك الشيوخ ووجهاء العشائر اضافة الى دائرة الانساب والاصول، اما رجال الدين فقد تم تنظيم معظمهم في تنظيمات اطلق عليها في حينها بلجان التوعية الدينية في المحافظات والاقضية والتي تحولت الى خطب منبرية اسبوعية تكتفي بالدعاء للقائد وتمجيده؟
إن انهيار الدولة وسقوط نظامها وغياب أي مظهر من مظاهر السلطة التي تقزمت الى قرى وعشائر طيلة اكثر من عقدين من الزمن تسببت في تغييب وتشويه معنى المواطنة، والتي ادت الى تلك الهجمة البربرية على كل منشآت الدولة ومخازنها ودوائرها ومؤسساتها في اكبر عملية نهب وسلب وسرقة في وضح النهار وأمام عدسات الكاميرات وقوات الاحتلال، اضافة الى مضاعفة الانتقال والهجرة من الارياف والقرى الى مراكز المدن واطرافها والاستحواذ على منشآت الدولة من معسكرات ومخازن ودور وملاعب للسكن، والتي تحولت هي الاخرى بسب نفس الظروف الى مجمعات قروية وعشائرية تلتف خلف شيخ العشيرة او رجل دين او وجيه متمكن مما فاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية بشكل لم تنجح الدولة ومؤسساتها من السيطرة عليها الا في زوايا ضيقة وظاهرية.
ان هذا الترييف الموجه وغير الموجه احدث خللا كبيرا وخطيرا في بنية المجتمعات العراقية ومناطق استيطانها وبالذات بعد سقوط النظام، حيث النزوح الكبير من القرى والبلدات الصغيرة الى مراكز المدن ونشوء مجمعات كبيرة بنيت على اراضي مملوكة للدولة زراعيا او بلديا في تجاوز واضح على خلفية التعامل معه لاحقا كواقع حال وتمليك تلك المباني للمتجاوزين او تعويضهم بمبالغ كبيرة؟
يعتقد كثير من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين للاوضاع العراقية ان التعجيل في اجراء تعداد عام للسكان سيضع معلومات مهمة وخريطة واضحة للتركيبات السكانية واحصاءات تسهل الحلول المطروحة لكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتؤشر حجم النازحين والمهاجرين من النواحي والقرى والارياف الى مراكز المدن واطرافها في ظاهرة الترييف للمدن العراقية عموما، اذا ما اعتمدت استمارات علمية ومهنية دقيقة تتضمن مجاميع من الاسئلة المرنة عن سنوات الهجرة من الريف الى المدن. وبالذات تلك الاسئلة التي تحدد او تؤشر حجم النزوح خلال السنوات السبع الماضية، اضافة الى اسئلة تحدد حجم التغيير الديموغرافي في كثير من مناطق العراق على اسس طائفية وعرقية كما حصل في العاصمة واطرافها وبابل والرمادي والنجف وكربلاء وفي كردستان العراق وتحديدا في كركوك والموصل وديالى واربيل ودهوك والتي تسببت في اشكاليات حادة تعاني منها البلاد حتى يومنا هذا.
التعليقات
الحل؟
د. احمد العبيدي -في الحلقتين بحث دقيق عن واحدة من اهم ما يواجه مجتمعاتنا العربية والاسلامية والشرقية عموما، تحت أي تسمية كانت ومهما كان السبب فيها او الجهة؟الا اننا سنواجه تضخما مرعبا في المدن واخلاءً تاما في البنية التحتية للمجتمعات، واذا ما استمرت الامور بهذا الشكل فاننا بعد عدة سنوات لن نمتلك قرية او اريافا؟والسؤال هل ان التعداد العام للسكان فقط هو الحل، ام هناك ارادة حقيقية لأعادة تنظيم المجتمع وفق اصول حضارية بما يجعل الريف ينافس المدينة ويمنع هذا التمدد المرعب؟
خطر مايواجه مجتمعنا
kwesta abdul -في جرائم الانفال تعرض أكثر من 182000 من الكرد الى الابادة و هم الى الان مفقودون و مجهولوا المصير وفيها ايضا دمرت الالاف من القرى ومدن باكملها باستعمال الغازات الكيمياوية السامة فى كردستان العراق وفى اهوار الجنوب وفى هذة الحملةهدمت اكثر من 4000 قرية كردستانية بزعم تمدين ساكنيها ا وتوطينهم في مجمعات (الأوردكا) وهي اقرب الى معسكرات الاعتقال منها الى أي شئ آخر .. وقد بلغ عدد القرى والقصبات المهجرة من عام 1963 حتى عام 1988 في كردستان العراق 3199 …و اهم ما يواجه الحكومة ومنظمات المجتمع المدني هي كيفية اعادة هؤلاء السكان الى قراهم بعد تحرر الاوضاع في الاقليم بعد انتفاضة اذار1991 فقد تعودوا حياة المدينة وتركوا الزراعة وانتاجها وتحولوا الى وضائف خدمية لا علاقة لهابالانتاج وبذلك انخفظت عمليات الانتاج الزراعى والحيوانى فى الارياف الى مستويات خطيرة ادت الى استيراد كل الفواكه والخضروات من دول الجوار ...ان مشكلة اعادة الانسان الى قراهم تستدعى عملية وطنية كبيرة للارتقاء بالقرية والريف الى مستويات منافسة للمدينة بحيث تتحول الى نقاط استقطاب وجذب انها فعلا واحدة من اخطر مايواجه مجتمعاتنا .