فضاء الرأي

الإرهاب تكتيك لا عدو [ 1 - 2 ]

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من أحاديث الساعة في الإعلام وثيقة الأمن القومي الجديدة لإدارة أوباما، ومن محاورها الأهم التصدي للإرهاب. هنا نتوقف عند موضوع الإرهاب، على أن نعود لمناقشة بعض النقاط الهامة الأخرى الواردة في الوثيقة.
إن موضوع الإرهاب والتصدي له قد تناولناه عشرات المرات، وتناوله معنا، بل، وسبقنا إليه، فريق من الكتاب العرب الموضوعيين، في حديثهم عن قضية الإرهاب الإسلامي، وخصوصا منذ 11 سبتمبر. ومصطلح "إرهاب إسلامي" ليس بدعة من جورج دبليو بوش، بل لقد أكثر هؤلاء الكتاب العرب من استعماله من قبل بوش، ولكن استعماله توسع بعد 11 سبتمبر. كما أنهم هم من بدئوا باستعمال تعبير" الفاشية الإسلامية" لتوصيف حَمَلَة الأيديولوجية الشمولية الدينية المسيسة في محاربة الآخر باسم الإسلام، البريء منها ومن حملتها. والفاشية هي كل أيديولوجيا وحركة سياسية تعادي الديمقراطية، وتكره الإنسان بسبب الدين أو العرق أو الرأي المخالف. والإرهاب الإسلامي يحارب حتى المسلمين الذين يرفضون منطقه وممارساته وغاياته. والفاشية لا تتورع عن استخدام أكثر الأساليب وحشية وقسوة وسادية لفرض فكرها وهيمنتها، غير أبهة بأرواح الآلاف من الأبرياء. وكنا قد كتبنا في هذا مقالات، منها مقال بتاريخ 13 آب 2006 بعنوان " الحرب الأخرى".
لا يمكن إلا لجاهل أو مغرض أن يعتبر استخدام توصيف " الإرهاب الإسلامي" اتهاما لدين الإسلام نفسه، لأنه، وبكل وضوح وبساطة، يعني استخدام الإرهابيين- من قاعدة وطالبان أو التنظيمات الإرهابية العسكرية وشبه العسكرية الشيعية في إيران والعراق ولبنان وغيرها - للدين ولكلمة "جهاد" ستارا وتبريرا لما يقترفونه من جرائم وحشية، كثيرا ما تطال الأبرياء، وكثيرا ما تكون الخسائر البشرية جماعية. وعندما يصف الإرهابيون القاعديون والطالبانيون وأمثالهم أنفسهم ب"الجهاديين"، أي الجهاد من أجل الدين والقرآن، فإن تجاهلنا لهذا التوصيف هو الذي يهدد بالعمى عن طبيعة هذا الإرهاب، الذي يتعدى الحدود، وراح ينتشر في كل مكان، وكل ذلك باسم الدين. إنه إرهاب يختلف في طبيعته، ومداه، وخطورته، عن إرهاب الفوضوي السياسي اليوناني، أو الإرهابي الباسكي الأسباني، أو الفارك المكسيكي، وأمثالهم؛ فهؤلاء لهم غايات سياسية محددة تنحصر في نطاق البلد الواحد- وعلما بأن هذه الأنواع من الإرهاب سياسية وحسب. أما الإرهاب "الجهادي"، فهو يتبنى أيديولوجيا سياسية متسترة بالدين، ومحتواها تكفير كل الغير، غربا وشرقا، وتكفير حتى أنظمة دول إسلامية معينة والقوى العلمانية في العالم الإسلامي نفسه، وبالتالي فهو يتعدى الحدود، ويخترق القارات.
ما نقوله نعتبره بديهيات، سبق تكرارها مئات المرات بأقلام فريق واع من المثقفين العرب، مؤكدين أن إرهاب القاعدة وشريكاتها، سنية وشيعية، قائم على أيديولوجيا سياسية دينية، وهو ليس بمجرد "تكتيك" كما تزعم وثيقة أوباما، التي راح الإعلام العربي يصفق له كما يصفق لكل بيضة تبيضها إدارته باعتبارها "دفنا" لتراث "الكاو بوي" بوش الابن! وكان العشرات من المثقفين العرب قد وجهوا، قبل سنوات، مذكرة للأمانة العامة للأمم المتحدة تطالب بالملاحقة القضائية الدولية لفقهاء التطرف والإرهاب الإسلاميين، الذين يبررون علنا - بالفتاوى والتصريحات والمقالات ونشر الصور- عمليات القاعدة، ومنها قطع رؤوس المختطفين. فنشر فقه الكراهية والتطرف الديني المعادي للآخر جريمة لا تقل هولا عن جريمة مقترفي عمليات الإرهاب. وها نحن وهيئة علماء الدين في السعودية نفسها تصدر بيانا يجرّم تمويل الإرهاب والتحريض الفكري عليه، وهي بادرة جديرة بالتشجيع.

وثيقة أوباما حافلة بالمغالطات والتناقضات:
دعاة الوثيقة وممجدوها يصفقون لأنها لا تستعمل عبارة " الحرب على الإرهاب. الوثيقة تقول :
" نسعى لنزع الشرعية عن الأعمال الإرهابية، وعزل كل من يمارسونها. لكن هذه ليست حربا عالمية على تكتيك هو الإرهاب أو ديانة هي الإسلام". لاحظوا إقحام العبارة الأخيرة [ أو ديانة هي الإسلام]، إذ متى قال بوش أو بلير إنها حرب على الدين الإسلامي؟!!! أين؟!! ومتى؟!! بوش والإدارة السابقة قاموا مرارا بالتفريق بين إرهاب القاعدة وطالبان وبين الإسلام، وبلير شارك بعد 11 سبتمبر في ندوة إسلامية بمقر مركز الخوئي في لندن لتبرئة الإسلام من الجريمة. وتصريحات المسئولين الأميركيين السابقين بهذا الشأن كانت واضحة.

تقول الوثيقة أيضا: "نحن في حرب مع شبكة بعينها هي القاعدة وفروعها التي تدعم الأعمال الإرهابية."
ترى ما الفرق بين مصطلح "الحرب على الإرهاب" وبين مصطلح " الحرب على القاعدة وفروعها" ؟؟!! فقد شُنت حرب أفغانستان تحت شعار الحرب على الإرهاب- أي الحرب على القاعدة وطالبان. أم إن مستشاري أوباما لا يعتبرون طالبان مؤسسة إرهابية مرتبطة تماما بالقاعدة- وهو ما نلاحظه من الميل إلى "الحوار" مع طالبان، بل ومن التفريق الأميركي بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان. وهذه التخريجات، التي تفتقت عنها عبقرية المستشارين، المتخبطين والمتصادمين أحيانا، إنما تساعد على الضبابية وتشويش الحقائق، وما يؤدي إليه ذلك من تخبط في المواقف السياسية، وعلما بأن ما يجري في أفغانستان في عهد أوباما هو استمرار " الحرب على طالبان"، ولحين تحقيق وهم المصالحة معهم. كما أن القوات الأميركية في العراق لا تحارب القاعدة وحدها، بل وتحارب أيضا فرق الموت والمليشيات التابعة لإيران، والتي تهاجم وتقتل من العراقيين والقوات الأميركية معا. وقد وجهت القيادة العسكرية الأميركية مرارا إلى إيران تهمة تمويل وتشجيع الهجمات على قواتها في العراق. بل، ونضيف أن النظام الإيراني يستخدم شبكات من القاعدة في العراق، برغم التضاد في العقيدة المذهبية والغايات.
إن مستشار أوباما في موضوع التصدي للإرهاب، جون برينان، قد صرح يوم 26 من أيار 2010 مع صدور الوثيقة ، قائلا:
"الإرهاب تكتيك لا عدو." هل فهمتم؟!! ثم يقول- [ نقلا عن صحيفة الفيجارو الفرنسية بتاريخ 28 منه] :
" لا نريد وصف أعدائنا كمجاهدين أو إسلاميين لأن استخدام هذه المصطلحات يخدم مفهوما مزيفا يصور القاعدة وفروعها كمدافعين عن قضية مقدسة بينما هم قتلة." أما لماذا يجب عدم استخدام هذا التوصيف: فلأجل إفشال محاولات القاعدة قطع علاقات أميركا بمواطنيها من المسلمين!! وقد ذكرنا أعلاه أن العكس هو الصحيح، وذلك بأن نقول إن هؤلاء الإرهابيين "الجهاديين" يسيئون للدين، ويستخدمون كلمة جهاد لقتل البشر ومحاربة الحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
أميركا تحارب في أفغانستان، عمليا وبالسلاح، مؤسسة إرهابية كبرى من بشر يحملون فكرا ظلاميا متطرفا. إنها لا تحارب مجرد "تكتيك" مجرد، بل تواجه وحوشا بشرية منظمة، لها فكرها، وبرنامجها، وإستراتيجيتها، وتكتيكاتها. وأميركا تحارب في العراق، مع القوات العراقية، شبكات القاعدة، التي هي توأم الطالبانيين وحليفتهم. وتقارع في باكستان طالبانيين باكستانيين، أي تنظيمات بشرية، لا مجرد "تكتيك".
إن تجاهل فكر الإرهاب الإسلامي- بكل فروعه ومذاهبه- وتجاهل غاياته، وإستراتيجياته، وحصر القضية في تكتيك الجريمة وحده؛ نقول إن هذا التحليل لا يخدم قضية التصدي الفعال ضد الإرهاب. إنه يعمينا عن أن نرى الروابط بين ظاهرة طالبان باكستان، وظاهرة طالبان أفغانستان، وظاهرة القاعدة، وظاهرات أمثال جيش المهدي وعصائب أهل الحق في العراق، وفيلق القدس الإيراني، وظاهرة عمر عبد المطلب ونضال حسن وشاه زاده [ تايمس سكوير] في أميركا، وتفجيرات متروات باريس [ 1995] ولندن وقطارات مدريد، ومهاجمة مسلمين متطرفين سود أميركيين لمحلات بيع الخمور عام 2006 في غرب أوكلاند، وفتاوى قتل أطفال الغرب، ألخ.. ألخ.. وكيف تفسر أطروحة "مجرد تكتيك" هجمات المتطرفين الإسلاميين على المساجد نفسها وقتل المصلين- وأخر ذلك في باكستان؟!!
إن الخيوط الأيديولوجية السياسية هي التي تضع كل هذه الأطراف والظواهر في جبهة واحدة، وبرغم الخلافات وتنوع المقاصد؛ جبهة تقف بوجه التقدم الإنساني، وحرية الفكر والتعبير، والحداثة، وحقوق المرأة وحقوق الإنسان عامة. والفكر المتطرف والتكفيري المسيس هو الذي يجند شبانا مسلمين لاقتراف عمليات انتحارية دموية لينالوا بعدها تذاكر الدخول إلى الجنة والتمتع بمسراتها!!
وأما أنها حرب عالمية، فهذا واضح لمن يرى خارطة انتشار الإرهاب "الجهادي" في بلدان العالم، ورد الدول التي تواجه خطره، وهي ليست الولايات المتحدة وحدها، ولا الغرب وحده.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف