فضاء الرأي

قافلة الحرية: عدوى قطاع الطرق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كان بإمكان إسرائيل منع قافلة الحرية من الوصول إلى شواطئ غزة من دون اللجوء إلى استعراضات عسكرية بهلوانية. لكن اصحاب القرار في إسرائيل قرروا عن سابق تصور وتصميم صناعة مجزرة بشرية وإعلامية وسياسية في الوقت نفسه. وفي النتائج الأولية يمكن تسجيل التالي:
رفعت إسرائيل من منسوب حماوة الأزمة في الوقت الذي تجهد الإدارة الأميركية إلى ترتيب بارد لموضوعات التفاوض والحلول. والحق ان مثل هذه المجزرة من شأنها أن تحرج الإدارة الأميركية اكثر من غيرها بطبيعة الحال. ذلك ان الإدارة الأميركية ستجد نفسها ملزمة مرة أخرى في التزام جانب الدفاع عن إسرائيل وتجنب صدور إدانة دولية صارمة في حقها. والأرجح ان نتانياهو وحكومته تصرف بوصفه الولد المدلل والضال للإدارة الأميركية والتي تجد نفسها مجبرة على الدفاع عنه مهما بلغ ضلاله وفساده. وتالياً استطاع نتانياهو من دون شك ان يضع الأمور في المنطقة على سكة مخالفة للتوقعات. فمن جهة أولى لم يكن يستطيع ان يشعل حرباً شاملة من دون موافقة أميركية، وهي، اي الحرب الشاملة، ما قد ينقذه من العزلة الدولية التي يواجهها يوماً بعد يوم. لكنه من جهة أخرى وضع نفسه في موقع قاطع الطريق الذي يقطع مسيرة القافلة. والقافلة التي يريد نتانياهو قطع طريقها ليست قافلة المساعدات التي تعرضت للهجوم الإسرائيلي في المياه الدولية، بل القافلة التي يقودها باراك أوباما استناداً إلى رؤيته وخطته للسلام في المنطقة.
من جهتها تدرك الإدارة الاميركية حجم الإحراج الذي سببته القرصنة الإسرائيلية الموصوفة، لكنها، وبخلاف دول العالم الأخرى، الكبيرة منها والصغيرة، لن تلجأ إلى إدانة إسرائيل او تحميلها عواقب الهجوم. لكن هذا الحرج الأميركي لن يمنع الإدارة الاميركية من تشديد الضغط الداخلي على حكومة نتانياهو، وهذا ما بدأت طلائعه تظهر في متن السياسة الإسرائيلية، وهي مرشحة للتصاعد في الأسابيع القليلة المقبلة بما يعيد الحكومة الإسرائيلية إلى عنق الزجاجة مرة أخرى، إنما هذه المرة من بوابة الداخل.
رغم الإحراج الناشئ عن الجريمة الإسرائيلية التي حدثت عن سابق تصور وتصميم، إلا ان هذه الجريمة وتداعياتها قد تكون عظيمة الفائدة للسياسة الاميركية في المنطقة. إذ ليس خافياً على اي كان حجم الامتعاض الأميركي من سياسات نتانياهو، وتالياً ليس مستبعداً ان تمارس الولايات المتحدة الاميركية اقصى الضغوط من أجل هزيمة التحالف اليميني في إسرائيل داخلياً واستبدال الطاقم الحالي في الحكومة الإسرائيلية بطاقم أكثر طواعية وتعقلاً. لكن الجانب الأهم الذي تنظر إليه الإدارة الأميركية بعين الرضا على الأرجح، هو الجانب المتعلق بتصدر تركيا، التي تقع على باب أوروبا والعضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي، لخوض المعركة السياسية والإعلامية ضد إسرائيل وسياساتها في المنطقة. هذا فضلاً عن دورها الأساسي في الاتفاق الثلاثي مع إيران والبرازيل في ما يخص الملف النووي الإيراني. والذي كشفت الصحف البرازيلية انه نسخة طبق الأصل عن الرسالة التي بعث بها اوباما إلى الرئيس البرازيلي، حين عزم الاخير على تفعيل مسعاه في اقناع ايران بالاستجابة للمبادرة التركية - البرازيلية.
واقع الحال ان تصدر تركيا يزيح إيران عن الواجهة، وفي هذه الإزاحة ما يجعل الإذرعة الإيرانية في المنطقة أقل قدرة على الفعل. بل يمكن القول ان الهجوم التركي على السياسة الإسرائيلية اثمر انقلاباً في المعايير منذ اللحظة الأولى. حيث وجدت إسرائيل نفسها في موقع من يسعى إلى التخريب، في وقت كانت طوال زمن الهيمنة الإيرانية على مقاليد الصراع مع إسرائيل، تقع في موقع المنضبط تحت سقف الرغبة الدولية.
تركيا تتصدر المشهد، وإيران إلى الخلف. في النتائج الأولية لهذا الإنقلاب، ثمة تصحيح لمسار الصراع كان طوال الزمن الماضي مقلوباً. إنها المرة الأولى منذ سنوات التي يعاد فيها تصويب البوصلة حيث تتصاعد الأصوات الدولية والعربية مطالبة إسرائيل بفك الحصار عن غزة. قبل ذلك اجتهدت حركات المقاومة الإسلامية المرتبطة بإيران إلى نقل الصراع من الجبهة الإسرائيلية إلى الجبهة المصرية. حتى بدا ان مصر هي اصل المشكلة مع الفلسطينيين وليس إسرائيل. على أي حال، يجدر بنا ربما ان ننتظر تفعيلاً إيرانياً متجدداً لقضية معبر رفح. ذلك ان إيران لا تتسيد على المشهد إلا حين تنجح في قلب الوقائع والحقائق رأساً على عقب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
nero
nero -

مخالف لشروط النشر

ومايدريك بالخافي
الصاحي -

ومايدريك اية هالكاتب ربما تكون الامور متفق عليها بين تركيا وايران والهدف هو اسرائيل وامريكا او بين تركيا وامريكا والهدف هو ايران واسرائيل وفي كلتا الحالتين ايران هي ان لم تكن الرابح الاكبر في هذه الاحداث مع تركيا الا انها على اقل تقدير ضمن الرابحين الكبار والشاهد هو ان كل الاحداث تصب في فكرة تهشيم صورة اسرائيل الكيان على كل الصعد العسكرية والسياسية والنفسية اذ انه ومنذ خروج اسرائيل القسري من لبنان في عام 2000 وهي تتلقى الضربات والاخفاقات من كل جانب حيث اخفقت في حربها عام 2006 على لبنان وحربها 2008 على غزة وافتضاحها على المستوى العالمي في عملياتها خارج الحدود الفلسطينية كاغتيال المبحوح والهجوم على قافلة الحرية وما نتج عن ذلك، وعليه المتابع لشأن الصراع العربي الاسرائيلي يقدر بأن هذا الكيان السوبر اصبح في حالة انحدار سريعة ومخيفة حيث لايخرج من اخفاق الا واصيب باخفاق آخر استخباراتي وعسكري دون تدخل او عمل من الدول العربية وكأن الدول العربية خارج المعادلة مما يوصلنا الى نتيجة ان الاخفاق الاكبر والقاتل بالنسبة لهذا الكيان غير مستبعد وربما يكون قريب. وعليه ازاحة اسرائيل من معادلة الشرق الاوسط يضعف الوجود والدور الامريكي في المنطقة مما يقوي ويعمل لصالح ترسيخ دور الدول الاقوى في المنطقة وهم دون شك تركيا وايران.أما اذا كان وراء كل هذه الاخفاقات الاسرائلية والصعود التركي سياسة امريكية تهدف الى خلق معادلة جديدة في الشرق الاوسط تقلل من الاعتماد الشبه كامل على الوجود الاسرائلي المكلف ماديا وعسكريا وامنيا بالنسبة لامريكا دون المساس بدولة اسرائيل الحالية واعطاء الفلسطينيين كيان بأي شكل كان ينهي قضية الشرق الاوسط ويفسح الطريق للاعبين آخرين يملكون من اللياقة للعب ادوار كبيرة في المنطقة تخدم الوجود الاستراتيجي الامريكي كتركيا وايران وربما مصر لو استطاعت ترتيب اوراقها الداخلية فالدور المصري لاشك مرهون بوضعها الداخلي الذي لايحتاج الى توضيح، ولتحقيق هذه المعادلة يتطلب من امريكا اقناع الاسرائليين بحجمهم وقوتهم الحقيقية باستغلال هذه الاخفاقات ودفعهم للاعتراف صاغرين دون اختيار عبر التراكم الكمي والنوعي من الاخفاقات بوجود لاعبين آخرين في المنطقةلايمكن تجاهلهم او استثنائهم من المعادلة وهم تركيا التي اخذت على عاتقها تحمل مسؤلية او ربما كلفت بمسؤلية ترتيب البيت الفلسطيني اولا عبر التواصل المقب