فضاء الرأي

اليابان الجديدة بين هاتوياما ونوتو كان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية أن تخلق من اليابان حصنا تكنولوجيا واقتصاديا منيعا ضد الشيوعية، واستفاد الشعب الياباني من هذه الفرصة بذكاء وحكمة، لتحقيق أمنه واستقراره، وتطوير موارده البشرية، وتقوية اقتصاده وتكنولوجيته الصناعية. وقد نما الاقتصاد الياباني ليصبح ثاني اقتصاد عالمي، وعمل على توزيع ثروته بعدالة، ليتحول لمجتمع تمثل الطبقة الوسطى معظم مواطنيه. ويتميز النظام الياباني برأسمالية ذات مسئولية مجتمعية، تجمع بين الملكية الخاصة وحرية السوق الخادمة للمجتمع، وتطبيق قوانين صارمة ضد الفساد والاستغلال. وقد أدى هذا النظام لتوفير الدولة الوظائف الدائمة للمواطنين، والتعليم والتدريب المجاني، والرعاية الصحية الشاملة، وضمان البطالة والتقاعد.
وقد حافظت اليابان على سياسة خارجية متزنة بعد الحرب، ولكن اتهمت حكومة المحافظين السابقة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، "بمعالجة تحديات العولمة بفرضيات الحرب الباردة." وقد أدى ذلك، كما يقول البروفيسور تيراشيما جيتسورو، لبروز الصراع الرأسمالي الأمريكي والاشتراكي السوفيتي، في خلافات المحافظين اللبراليين والديمقراطيين الاشتراكيين. وبعد أن تغيرت خارطة العالم في عام 1990، توقع الكثيرون، في عام 1993، تغير الخارطة السياسية اليابانية، بعد أن فقد الحزب اللبرالي المحافظ احتكاره للسلطة. وقد تبددت توقعات البعض حينما رجع نفس الحزب للحكم بعد عدة شهور، وقوى المعاهدة الأمنية الأمريكية اليابانية من جديد. واستمرت حكومة هايشموتو رايوتارو، في عام 1997، مضاعفة مسئولياتها العسكرية بدعم المجابهات الأمريكية، لاعتقادها باستمرارية الحرب الباردة في آسيا، وضرورة الأخذ بالمثل الأمريكي للرأسمالية، للمحافظة على التنمية الاقتصادية في البلاد. "وقد قامت واشنطن منذ عام 1994 بالتقدم بقائمة سنوية من الطلبات لإصلاحات اقتصادية في اليابان، لعولمة السوق الحرة، لتلغي اليابان قوانينها المنظمة للخدمات المالية والصناعية، وليؤدي ذلك لانفجار فقاعة الأسهم في التسعينات، وضياع عقد من النمو الاقتصادي."
وقد راجعت اليابان، بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، سياساتها الخارجية، ليعلن رئيس الوزراء، جونيشيرو كويزومي (2001-2006)، بأنه ليس هناك خيار غير الطريق الأمريكي. وحينما غزت الولايات المتحدة العراق وأفغانستان، طالبت بالدعم الياباني، فتركت الحكومة سياستها الخارجية "للطيار الآلي الذي رسمه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن." كما دعا وزير الخارجية، تارو أسو، في عام 2006 "لقوس الحرية والازدهار،" لضمان الأمن الأوروبي الأسيوي بين الدول الديمقراطية، التي تمتد من البلطيق وحتى شرق أسيا، وهو تعبير آخر لفكرة المحافظين الجدد لاحتواء الصين وروسيا. وطالب تقرير الأمن والدفاع بحق اليابان الدفاع عن نفسها، وذلك برفع القيود عن تصديرها للأسلحة، ومشاركتها الولايات المتحدة في مجابهة الخطر الكوري الصيني، والمحافظة على المظلة النووية الأمريكية.
وقد تغيرت المعادلة الدولية، حينما بدأ الرئيس الصيني السابق، دنج، إصلاحاته الاقتصادية في القرن الماضي، والتي أدت لتغيرات كبيرة في تجارة سوق العولمة، لتتحول الصين لمصنع عالمي للمنتجات الصينية المنافسة والرخيصة، ولتنشط تجارتها مع اليابان، بل ونافست التجارة الأمريكية - اليابانية. ففي عام 1990، ارتفع نصيب الولايات المتحدة من التجارة اليابانية الخارجية إلى 27.4%، ولم تتجاوز الصين 3.5%، وتغيرت هده النسب في عام 2009، لترتفع نسبة التجارة الصينية إلى 20.4%، والتجارة الأسيوية إلى 50%، بينما انخفضت نصيب التجارة الأمريكية إلى 13.7%.
وحينما نجح الديمقراطيون في انتخابات الصيف الماضي، وأنتخب هاتوياما رئيسا للوزراء، بدأت الحكومة الجديدة التحرك بفاعلية لوضع سياسة خارجية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، تتفهم عالم العولمة الجديد، بمصالحه الجديدة، وأقطابه المتعددة، وتفصل العلاقات الأمريكية اليابانية عن العلاقات الشرق آسيوية، والذي يعني مراجعة التحالف الأمريكي الياباني بأكمله. وقد كان هناك صراع مع اليسار الياباني حول ضرورة المحافظة على التحالف الأمريكي الياباني، كما كانت هناك حاجة لوقف الميل الأمريكي الطبيعي للعزلة، ودفعها للمشاركة البناءة في شرق آسيا، وذلك من خلال كسب اليابان ثقة جيرانها الأسيويين، لتصبح جسر التعاون الأمريكي الأسيوي. وقد وصف الصحفي الياباني، تاكاشي يوكوتا، السيد هاتوياما، بأنه: "الزعيم الذي يحاول أن يحدد موقع اليابان بين الصعود الصيني والانحسار الأمريكي، بين ازدهار رأسمالية السوق الحرة ورفاهية الخدمات الاجتماعية. وقد يكون أول قائد أسيوي لثورة الطريق الثالث، وهو منظر مرن، نتاج أزمة نظام بالي، يحاول أن يخفف وحشية الرأسمالية الفائقة وبدون أن يدمرها. وقد فهم البعض خطاء، مطالبته بتخفيف السلطة الأمريكية في سوق العولمة الحرة، ومناداته لإرجاع أخلاقية السوق وبساطتها، وأهمية الاهتمام بالبيئة والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وتباين الدخل، بأنها فلسفة مضادة للأمركة." وحاول هاتوياما خلق علاقة متساوية ومتزنة مع واشنطن، بسحب السفن اليابانية من المحيط الهندي، التي توفر الوقود للسفن الحربية الأمريكية، وخفض التواجد العسكري الأمريكي في اليابان، مع المطالبة بأمريكا قوية ليستمر دورها القيادي وتأثيرها الايجابي للمحافظة على الاستقرار العالمي.
وعرف هاتوياما باهتمامه بفلسفة "اليوأي" والتي وصفها الصحفي يوكوتا بقوله: "حينما يكون هناك تطرف في الحرية تضيع المساواة، وتحاول هذه الفلسفة أن تجد أرضية مجتمعية مشتركة لسوق رأسمالية حرة وعدالة في المساواة. كما تعني بأن اليابان يمكن أن تخلق التوازن بين الصين والولايات المتحدة، بتخفيف التأثيرات السلبية لواشنطن في المنطقة الأسيوية، وفي نفس الوقت تساعد الصين للصعود لقوة عالمية بمراقبة تقدمها العسكري. وتطالب بوحدة أسيوية، وعملة موحدة تشابه الاتحاد الأوروبي، وتدعو لاحترام القيم والأنظمة المختلفة في المنطقة." ويبدو بأن هاتوياما لم يستطع تطوير التحالف الياباني الأمريكي بصيغه الجديدة، وأضطر أن يبقي القاعدة الأمريكية في أوكوناوا، حسب ترتيبات حكومة المحافظين السابقة. والذي أدى لرفض رئيسة حزب الاشتراكيين الموافقة علية، مما أدى لطردها من الحكومة، لينتهي المشهد السياسي باستقالته، وانتخاب الحزب الديمقراطي خليفته، نوتو كان، ليصبح رئيس الوزراء ال 94 في الرابع من عام 2010، بعد أن وافق على ترشيح حزبه مجلس النواب الياباني.
وقد لد نوتو كان، في عام 1946، في مدينة أوبه، وكان والده تاجرا، وتخرج من كلية طوكيو للتكنولوجيا في عام 1970، وفتح مكتبا لتسجيل براءة الاختراع. ونشط في العمل السياسي في عام 1974، من خلال فيدرالية الاشتراكين الديمقراطيين، بحملة شعبية بيئية، وليفوز بمقعد في مجلس النواب في عام 1980. وقد زادت شهرته في عام 1996، حينما كان وزيرا للصحة، وممثل لحزب صغير متحالف مع الحزب اللبرالي الديمقراطي، فطالب بنشر وثائق حكومية تتعلق بمرضى الهيموفيليا، بغد تعرضهم لنقل دم ملوث، كما ألف كتاب طالب فيه بأن يكون الوزير مسئولا أمام الإمبراطور. وفي عام 2003، اتفق الحزب الديمقراطي مع الحزب اللبرالي لتشكيل كتلة معارضة موحدة، للتحضير للانتخابات، ورشح نوتو كان كرئيس للحزب الديمقراطي، ضد رئيس الحزب اللبرالي الديمقراطي، جونيشيرو كويزومي. وقد عين في هذا العام نائب لرئيس الوزراء ووزير للمالية بحكومة هاتوياما.
وقد صرح نوتو كان بعد انتخابه بأن حكومته: "ستعزز الاستقلالية الإقليمية، وإنشاء نظام خدمات اجتماعية جديدة، وتشكيل مجتمع شرق آسيوي، وزيادة الجهود لخفض العولمة الحرارية." كما يعتقد بأن الركود الاقتصادي الياباني، خلال العقدين الماضيين، لم يكن ظاهرة طبيعية، بل نتيجة لسياسات خاطئة، وسيعمل على إحياء الاقتصاد الياباني من جديد، وتطوير نظام أمن مجتمعي. وقد صرح عقب ترشيحه بأنه سيحترم الاتفاقيات السابقة مع الولايات المتحدة فقال: "قضية القاعدة الأمريكية في أوكوناوا مشكلة صعبة جدا، تواجهها خفض العبء على سكان الجزيرة، والإبقاء على علاقات ثقة بين اليابان والولايات المتحدة في القضايا الدفاعية، ضمن أطر الاتفاقيات اليابانية الأمريكية. وأعتقد من الضروري الاستمرار في العمل، لاستدامة الجهود لخفض العبء على مواطني أوكوناوا." وقد صرح مندوب حزب الشعب الجديد بقوله: "أعتقد بأن رئيس وزراء جيد قد ولد، عصامي بنا طريقه من القاعدة للقمة، ويهتم كثيرا لعامة الشعب، ولست قلقا أبدا على قدراته القيادية."
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف