الانتصار لشهرزاد والليالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خسر المغفلون العائشون خارج العصر وخارج الحضارة قضاياهم التي رفعوها أمام المحاكم المصرية من أجل مصادرة أروع كتاب عربي سردي: " ألف ليلة وليلة".. خسروا قضاياهم بالضربة القاضية بصدور القرار الجريء من النائب العام في مصر (الثلاثاء 8 يونيو 2010) بحفظ هذه القضايا وإحالتها إلى الأرشيف.
انتصرت شهرزاد للمرة الألف بعد أن كانت قد انتصرت في الكتاب على شهريار، وجذبته من أذنيه وقلبه إلى سردها الماتع.
وكان عدد من المحامين - كما تذكر صحيفة الأهرام (9 يونيو 2010) - تقدموا ببلاغات تطالب بسحب الكتاب ومصادرته وعقاب المسئولين عن إعادة طبعه من إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافةrlm; في مصر.rlm; وأنصف النائب العام الكتاب بعبارة ناصعةrlm;:rlm; أنهrlm;rdquo;rlm; خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامةrlm;,rlm; وأنه كان مصدرا للعديد من الأعمال الفنية الرائعةrlm;، واستقي منه كبار الأدباء مصدرا لروائعهمrlm;rdquo;.rlm; وكان اتحاد الكتاب العرب عقد مؤتمرا ضد مصادرة الكتاب وبعث بمذكرة للنائب العام تشرح الوقائع المماثلة السابقة ضد الكتاب والتي صدرت فيها أحكام بالبراءةrlm;.rlm;
والمغفلون العائشون خارج الحضارة ينظرون إلى الحياة والمجتمع بشكل شيزوفراني، هم يخاصمون ما هو حسي ممتع في الكتب والمؤلفات الأدبية والإبداع الفني، والسينما، والمسرح، والدراما والموسيقى وفن الباليه، والرقص الشرقي والصالوناتي، فيما يتكالبون على الجنس ويتزوجون بالأربع نساء، سوى ما ملكت اليمين. هم يحرمون الحديث عن الجنس أو التعبير عنه بوصفه أحد عناصر الحياة، ويتابعونه سرا في أفلام البورنو، والقنوات الفضائية الإباحية. هم يحرمون التاريخ الجنسي للعرب والمسلمين، ويقفون موقفا مضادا ضد أي نص جنسي مكتوب، فيما يمنون أنفسهم بالحور العين، وبالنساء اللاتي تضيء ركبهن مسيرة ألف ميل من شدة بياضها كما ورد في حديث الإسراء والمعراج.
إن الحياة الجنسية في الموروث العربي كانت حياة اجتماعية حضارية مفتوحة، بمعنى أن العرب والمسلمين كانوا يعلون من شأن الحسية، فآيات القرآن الكريم التي تتحدث عن شهوات الجنة حسية، والأحاديث النبوية التي تبشر المسلمين بالجنة حسية، والرسول صلى الله عليه وسلم عاش عادات العرب، وسلم ببعض أركانها الحسية، وتزوج - كعادة العرب في تعدد الزوجات- تسع نساء، والصحابة تزوج كل منهم أكثر من امرأة سوى ما ملكت يمينه، وكان حديث الجنس شائعا لدى العرب، وأول ما فكر فيه العرب الأسلاف عند الفتوحات الإسلامية تمثل في كثرة الزواج والباه والتكاثر والنسل، وكثرة الإماء، والإقبال على الحياة الجنسية بمختلف أنواعها من الزواج بالنساء الأحرار وبنات القبائل، إلى استعباد النساء والقيان تحت شعار ملك اليمين.
وقد أباح الإسلام تعدد الزوجات - طبقا للعادات العربية الحسية- ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وبعض المفسرين يرى أن الآية ليست محكومة بأربع فقط لأن ( أربع) تحد من دلالة الفعل (طاب).
المغفلون الذين يريدون مصادرة كتاب الليالي.. لا يقرأون التاريخ سوى بعين واحدة، ومن هنا يحكمون على الأشياء بشهواتهم لا بعقولهم، فإذا فتحنا المجال لمصادرة كتب التراث فلنصادر مثلا كتب التفاسير التي تفسر بعض ما ورد في القرآن من قصة يوسف وامرأة العزيز، مثل تفسير الطبري أو القرطبي، بل ونصادر بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تتضمن عبارات جنسية.. ونصادر كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه لأنه يحتوي في بعض فصوله على عبارات ومشاهد جنسية، كما في فصل:" المجنبة في الأجوبة" أو كتابه:" عيون الأخبار"، وكتاب:" الأغاني" للأصفهاني، وكتب أخبار النساء والعشاق، ونصادر شعر امرىء القيس، وعمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس، ومسلم بن الوليد، وصريع الغواني، ودوقلة المنبجي، وابن زيدون، وولادة، والمؤلفات النقدية التي تحدثت عنها، ونصادر بعض كتب الجاحظ، وابن حزم، وبعض كتب اللغة والمعاجم التي بها تخريجات للألفاظ الجنسية، وبعض الكتب المترعة بالإشارات الجنسية.
هؤلاء المغفلون الذين يعانون من الشيزوفرانيا، لا يوقنون أن من طبيعة الحضارة العربية الإسلامية تسجيل الحياة الاجتماعية أو بعض ظواهرها، وبما أن الحياة الجنسية كانت مفتوحة ثرية بحكم الاختلاط بين الشعوب الإسلامية، وبفعل الفتوحات التي جمعت بين شعوب متنوعة من عرب وفرس وروم وأوروبيين وآسيويين، ,وأتراك، وأفارقة، وروس، وصينيين، فقد كان الحديث متوهجا عن مزايا المرأة الحسية والجسدية في هذه الشعوب، وتفيض كتب التراث بهذه المزايا والأوصاف.
إن من البديهي أن تصدر مؤلفات عن هذه الحياة، بل إن بعض الفقهاء كانوا يؤلفون في الموضوع الجنسي، وبعض فصول كتب الفقه حافلة بالموضوعات الجنسية، وأغلب أسئلة الفتاوى القديمة كانت تتضمن عبارات جنسية صريحة، بل إن كتابا مثل:" طبقات الشافعية) للسبكي يتضمن فصولا جنسية كاملة، وكان بعض الخلفاء يحتفون في مجالسهم بهذا الموضوع بدءا من معاوية بن أبي سفيان وليس انتهاء بهارون الرشيد.
إن كتاب ألف ليلة وليلة من الكتب الخالدة التي أرخت لمخيلة مجتمع عربي إسلامي قديم عاش حياته بشكل حر مفتوح، وبشكل طبيعي ديمقراطي قبل الجميع، وانفتح على مختلف الأمم، وقدم صورة أخرى ناصعة غير صورة القتل والاغتيالات والإرهاب، وأبقى الكتاب الشعبي العالمي على جميع الشخصيات التي تمارس بطولتها الحكائية وجاور بشكل ممتع بين لسان شهرزاد،و حواس شهريار و سيف مسرور وفطنة الزيبق، ومعرفة سندباد، وفكر تودد الجارية، وأسئلتها الثرية الخصيبة.
التعليقات
الكاتب
ايمان -مخالف لشروط النشر
اجابات من الف ليلة
يوسف - قطر -مخالف لشروط النشر
تعليق
ابن عم نيرو -هذه أول مرّة أقرأ فيها للكاتب. ولا بد لي أن اسجل اعجابي بهذه المقالة الشيّقة وأقول: إن ما يكتبه السمطي يمنمُّ عن وعي متفتق.