مصر..صراع الشرعية بين نخبة النظام والنخبة المضادة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على قدر ما كان لثورة يوليو 52 في مصر من ايجابيات بحكم الظرف الذي وجد فيه الضباط الأحرار أنفسهم وحاجتهم الي بناء شرعية على قدر ما كانت هناك أخطاء جسيمة وبعيدة المدى في تأثيرها . فعلى سبيل المثال ان عملية القطع الذي أحدثته الثورة للفترة الليبرالية المصرية بكل ما كانت تحمله من إنجازات مؤسسية ودستورية ومجتمعية انعكس سلبيا على مناحى كثيرة كان أبرزها ان التعمد في تغييب المؤسسات والأحزاب قد أدى على مدار العقود الماضية الى ضعف المجتمع وتراجع المدنية المصرية وبالتالى تسلط النخبة الحاكمة ، والتى كانت تستشعر نتيجة تسلطها في انها في حاجة للمزيد من الشرعية من قبل المجتمع الذي أهانته .. ومن ثم باتت الحاجة ملحة لاصطناع شرعية عن طريق النخبة الثقافية والإعلامية لتهيئة الرأي العام لشرعية السلطة السياسية والحكم في مقابل مغانم تحصل عليها تعويضا عن نقص في الإمكانيات الإبداعية ، وهو مادشن علاقة بات سمة مميزة لمرحلة ما بعد ثورة يوليو ما بين المثقفين والنخبة الحاكمة قائمة على بناء الشرعية المتبادلة بين فئة من مثقفى السلطة والنظام حتى وان كان الثمن يتطلب تهميش النخبة التى تقف ضد هذه الشرعية سجنا او نفيا مثل فترة الرئيس عبد الناصر ومحاولة صناعة مثقف مستأنس (نموذج هيكل وعبد الناصر) على حساب قادة الرأي الذين كان تأثيرهم من خلال الصحف قويا قبل صدور قانون تأميمها في عام 1960. ونلاحظ انه مع بداية القرن الواحد والعشرين استطاع النظام السياسي المصري ان يستمر على نفس النهج الذي كانت تسير عليه نخبة ما بعد ثورة يوليو في استيعابها للنخبة الثقافية والسياسية الا انه تفوق عليها في انه لم يحدث تصادم بشكل استقصائي مثل الذي حدث في عهد عبد الناصر او الرئيس السادات ؛ فنوع من أدوات تجنيده خصوصا بعدما تضاءلت مكانة النخبة الثقافية المستقلة التى كان لها حضورها في السابق وحلت محلها النخبة السياسية لتأخذ المكانة الإعلامية والنفوذية. فنجد أولا : أنشئت لجنة السياسات لتكون بمثابة الإطار المجمع لصفوة النخبة بأشكالها المختلفة لتكون أداة لتخليق الشرعية للحزب الحاكم ولمرشحيه أمام الرأي العام في الانتخابات سواء البرلمانية او الرئاسية .. وعلى قدر ما كانت هذه الأمانة فوائد للحزب الوطنى على قدر ما كنت آثارها السلبية متعددة سواء على المدى القصير او البعيد أولا في كونها قد فرغت النخبة وأضعفت من قوتها في ان يكون لها دور واضح في الكثير من القضايا المتعلقة بالدولة المصرية وتحدياتها في القضايا المتغيرة اقليميا وعالميا ، حيث باتت هذه النخبة تابعة للحزب الحاكم ومحنطة داخل أمانة سياساته ، هذا على عكس الدور الاستقلالي الذي كانت تقوم به هذه النخبة في فترات سابقة ، بحيث كان هذا الدور المستقل لا ينفي عنها وطنيتها وحبها لبلادها والدفاع عن قضاياها بشكل يفوق الحزب او التنظيم الحاكم نفسه. ثانيا: أوجدت هذه الأمانة فئة من رجال الأعمال الذين تكونت ثرواتهم بسرعة من جراء هامشية وسطحية التكوين الرأسمالي ذا الربح السريع والذي يفتقد لآليات التكوين الرأسمال بعيدة المدى في الربحية ..وتعدى الأمر الى ان رجال الاعمال هؤلاء اصبحوا في مواقع تنفيذية سواء داخل الحزب او الحكومة . رابعا : يتشابه مع ما يحدث في أوساط النخبة المصرية وعلاقتها بالحزب الآن بفترة العشرينيات من القرن الماضي بمحاولات الملك فؤاد من أخذ شرعية النخبة الدينية في توليه الخلافة بعد انهيارها في اسط نبول على يد كمال اتاتورك ..ولولا صرخة الحق التى تمثلت في كتيب صغير من الأزهري المستنير الشيخ على عبد الرازق لابتليت مصر بأوهام لتحقيق مصالح أفراد على حساب الصالح العام.. والتاريخ يعيد نفسه الآن باستراتيجية تتناسب مع العصر الجديد ينسج خيوطها ، للأسف الشديد النخبة نفسها ، اكثر من صاحب الأمر الذي أدى الى أن المجتمع بات يهيئ نفسه لشئ أشبه بالخلافة سواء من ناحية تعديل الدستور بتضييق المنابع على الأحزاب والقوى السياسية لصالح منبع حزب الأغلبية .فضلا عن تجيش الإعلام والنخبة وليس بالضرورة بنفس الشكل والمضمون وانما بمضامين مختلفة قد تبدو للكثيرين أنها في ظاهرها معارضة لحزب الأغلبية ولكن في صميم مضمونها تعمل لصالحه.. الا أننا نلاحظ ان الفارق بين الماضي والحاضر ان النخبة المصرية في الماضي كانت مستقلة عن مصالح الحكام فانية نفسها في خدمت الشعب وقضايا الدولة المصرية.. عكس الوقت الحاضر ان هذه النخبة أصبحت مشكوك في ذمتها لدى المواطن العادي الامر الذي افرز نوعية بديلة للنخبة الوطنية يلهث وراءها الرأي العام متمثلة في الدعاة الجدد ، ما بين دعاة مودرن وسلفيين ، فضلا عن نجوم الكرة والغناء ..هذا اذا لم يكن هؤلاء موظفون ايضا لخدمة الحزب الحاكم. خامسا: نلاحظ أيضا انه قد حدث قدر من التغير في شكل العلاقة ما بين الحزب الحاكم ورئيس الدولة والتى كانت تأخذ ، الى وقت قريب ، مايشبه علاقة التوحد ، إلا أن الوضع تغير مع ظهور لجنة السياسات وبدأ تدريجيا يصبح للحزب الوطني كيانا يبدو ذو ملامح مختلفة عن رئيس الجمهورية في شكل الاجتماعات الدورية لأمانة السياسات التى تشكل الدينمو المحرك للحزب .. وقد يبدو ان ذلك ظاهرة صحية في ان يكون هناك ما يشبه التمايز بين الحزب ورئيس الدولة ، الا ان هذا الافتراض تكتمل صحته فقط إذا ما كان الذي على قائمة لجنة السياسات ليس له صلة دم مباشرة برئيس الجمهورية ؛ كأن يكون فردا منتخبا من داخل الحزب ،في هذه الحالة كان سوف يسهل الإيجابة عن علامات الاستفهام الكثيرة المطروحة الان، هذا فضلا على ان عملية التعبئة التي يقوم بها الحزب للانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تحسب للحزب وجهوده ..إلا أن الواقع يقول ان ما يحدث ان قرابة الدم من رئيس الجمهورية للامين العام للجنة السياسات والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية هي عامل السحر في تجميع النخبة بأشكالها المختلفة وراء هذه اللجنة والحزب .. سادسا : لقد أدى هذا الاستقطاب المميت للنخبة أن المجتمع لم يعدم ظهور نخب ثقافية وسياسية مضادة للنخبة النظام في الفترة التى ظهرت فيها إرهاصات عمليات انتقال السلطة في مصر عبر التوريث تمثلت في قوى سياسية واجتماعية تقف ضد هذا المشروع الذي يحمله ، للأسف جزء كبير من النخبة على أكتافها لتمريره ، ففي الفترة من عام 2005 وحتى الآن ظهرت نخبة أخذت شكلا مجتمعيا ممثلة في قادة عمليات الاحتجاجات والاعتصامات والمدونين وحركة كفاية وأخيرا النخبة المضادة لمشروع التوريث والمحتملة ترشحها للانتخابات الرئاسية في عام2011 مثل ايمن نور ..الخ الا انه تبقى شخصية محمد البرادعى هي الأهم والتى سحبت بقدر كبير البساط من تحت أقدام نخبة النظام وتحولها لصالح النخبة المضادة التى وجدت ضالتها فيه لتتخذ منه رمزا لها ولمشروعها الرافض للتوريث .. وهو أمر له دلالتين مهمتين الأولى تتعلق بشخصية المرشح المفترض من النظام للرئاسة والذي أدى ظهور البرادعي كشخصية تكتسب شرعية مجتمعية يوميا بعد يوم الى خفوت الأضواء حولها . والدلالة الثانية هي بداية بزوغ نخبة مضادة تتسم بوطنيتها وبأفكارها المضادة للنخبة التى خلقها النظام السياسي ، تأخذ أشكالا متنوعة ما بين ثقافية وإعلامية وحزبية تعمل وتدعم البرادعي كشخص يمكن أن يرشح للانتخابات الرئاسية او تعمل بشكل مواز له في وجه النظام... وهو الامر الذي زاد من حيوية الحراك السياسي داخل المجتمع المصرى حتى وان بدت الصورة مظلمة ونتيجتها محددة سلفا