إشكالية الكرة: تآخي؟ أم كراهية وشوفينية؟ سلام؟ أم صدام وعنف؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يطغي موسمها، في كل مرة، على كل أحداث العالم، ومصاعب الشعوب ونكباتها هنا وهناك. إنها في صدر الأخبار ومقدمة التعليقات. كنت قد كتبت عنها مرة، وأعود اليوم، خصوصا بعد حادثين كرويين في فرنسا.
الكاتب الهولندي، [ إيان يريما]، البروفيسور في إحدى جامعات أميركا، كتب مؤخرا مقالا بعنوان " كرة القدم، ملجأ الشوفينية."
الكاتب يعيد للذاكرة تصريحا لمدرب فريق هولنده، خلال المباراة العالمية لعام 1974، يقول: " كرة القدم، هي الحرب". وكان السباق عهدئذ مع ألمانيا فخسرت هولنده. وعندما ثأرت عام 1988 كبطلة أوروبا، فقد رقص الناس في الشوارع بأعداد أكثر مما فعلوا عند نهاية الحرب العالمية الثانية! وفي حالة بعينها، في لعبة بين هندوراس والسلفادور، تحول السباق إلى فتيلة اشتعال نزاع مسلح عرف باسم " حرب كرة القدم"، بعد أن كان الجو متوترا أصلا بين البلدين. فما حدث من عنف عند مكان مشجعي فريق هندوراس، وحرق علمها، أشعلا النار.
صحيح، وكما يقول الكاتب، إن "حروب الفوتبول" نادرة جدا، ولكن مسابقات كرة القدم ليست مناسبة استعراض للأخوة، كما أراد مؤسس الألعاب الأولمبية، البارون[ كوبرتين]. فما توقعه هو محض حلم رومانتيكي.
نعم، لا حروب اليوم بسبب الكرة، ولكن المسابقات تتحول لعامل تفجير العواطف والغرائز القومية الحادة، وتتحول في أحيان غير قليلة لأعمال عنف بين المشجعين. وتلتهب العواطف أكثر عندما تكون المباراة بين فريقي دولتين لهما تاريخ من الجروح المتبادلة- كما في الحالة الجزائرية وفرنسا مثلا. ونذكر كيف كان المشجعون الجزائريون الفرنسيون يصفرون للنشيد الوطني الفرنسي في باريس خلال مباراة بين فريقي البلدين. أما خسارة الفريق الجزائري أمام الفريق الأميركي بالذات، - أميركا المعتبرة "الشيطان الأكبر" حتى بوجود أوباما اليساري، الشعبوي - فقد كانت بارود اشتعال أعمال حرق وعنف وتكسير من جانب مئات من زعران الجالية الجزائرية في باريس، وراحت عشرات السيارات وواجهات المحلات ضحية لها بعد ظهر 23 منه أمام الملعب الباريسي، الذي كان يبث المباراة مباشرة. ولدينا أيضا التوتر الحاد بين مصر والجزائر بسبب السباق رغم أنه ليست هناك "ثارات" تاريخية بين البلدين.
وأما الحدث الفرنسي الأكبر، فهو انهيار الفريق الفرنسي بعد فشله في بعض المباريات على إثر شتائم مهاجم الفريق لمدربه، وتضامن الفريق معه، بعد إقصائه، برفضهم التدريب، وثم خسارتهم نهائيا في فضيحة مدوية. وقد أتت تعليقات بعض الفضائيات العربية عن الحدث مخالفة تماما لما جرى وللحقيقة. فقد اتُهمت فرنسا بالعنصرية ضد العرب والسود، مع أن رئيس الفريق أسود البشرة وكذلك العدد الأكبر منهم. وإن تصرف مهاجم الفريق [ وهو أسود أيضا] طرح بعض التساؤلات عن السبب الحقيقي لتصرفه: هل لتغطية الفشل؟ أم بنية تخريبية وبتعمد، ولغرض ما، كما نوهت بعض التعليقات؟ ونعرف أن فريق فرنسا كان يضم زيدان الجزائري الأصل، والذي وصلت شعبيته في فرنسا لتصل أكثر من شعبية جميع ساسة البلد، بمن فيهم الرؤساء. فأين التمييز العنصري؟ أم التمييز العنصري له لون واحد هو الأبيض فقط، وليست له ألوان أخرى، كاللون الأسود مثلا؟! فالعنصرية السوداء، التي لا يراد الحديث عنها، هي الأكثر حدة في كثير من الأحيان- ليس في أميركا وحدها، بل وكذلك على النطاق الأوروبي. وهذا، على أية حال، ليس مجال تحليله هنا.
نعود لكاتب المقال، الذي يقول إن من الطبيعي أن الشعور الأممي والأخوة العابرة للثقافات لا تأتيان النفوس البشرية بقدر ما تأتيها المشاعر القبلية. والقبيلة قد تكون ناديا أو شعبا. والمشاعر القبلية هي محرجة، بل، وقد تكون خطيرة.
إن كرة القدم رياضة إشكالية، ذات وجوه وأبعاد عديدة. فهي، مثلا، الوحيدة التي تجمع داخل البلد الواحد كل مراتب الشعب برغم التباين في العنصر والدين والثقافة. وانتصار فريق البلد يعتبر انتصارا ل"كرامة" و"شرف " كل الشعب والبلد. وقد نجد في البلد خصومات داخلية، فإذا بمباراة الكرة مع دول أخرى توحد الجميع دفعة واحدة- ولو إلى حين. ولدينا في العراق، ورغم كل القيود الإسلاموية الحكومية السخيفة على اللعبة، حالة تحولِ نجاحِ فريقنا في المباراة الآسيوية، قبل سنتين أو أكثر، وعندما كان الاحتراب الطائفي قائما، إلى فرحة عامة للجميع رغم أن الحكومة عملت جهدها لتهميش مظاهرات الفرح العامة في الشوارع. وإذن، وفي حالات، كهذه، قد تكون الكرة عامل تجميع وأخوة، ولكن داخل البلد الواحد، وإن كان ذلك مؤقتا.
أجل، كرة القدم لعبة إشكالية، وحاملة تناقضات، حسب الحالات المختلفة، سلبا أو إيجابا. وكون السباقات الكروية قد تفجر أحيانا مشاعر بدائية، فإن ذلك ليس مبررا لإدانة اللعبة بحد ذاتها، وهي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، ولكن دون نسيان تحولها إلى بيزنس، وتجارة، وشراء اللاعبين المبرزين بالملايين.
التعليقات
حالة فريدة
بوحة المونديالي -بعد كل مباراة يخسر فيها الجزائر بيصير يوم اسود للامن في فرنسا تكسير وتخريب من الجالية الجزائرية للممتلكات هناك واشعال حرائق . اتوقع انه لو عندهم طبيب نفسي سينتحر منهم
لاعب بدون برهان
حمد الشرهان -هل يمكننا أن نصنف مقالة الأستاذ الحاج على إنها تندرج في السر المترتب على فهم الكرة وفنونها، فكرة القدم رياضة جماهيرية، ولكن ليست في بلدان تركض بالكرة وكأنها قنبلة موقوتة، أو مباراة للعراك والصخب حيث الجريح جريح ومن هو في النفس الأخير فهو منقولاً إلا المستشفيات، كما حصل بين الفريقين الجزائري والمصري قبل أشهر فهم لعبوا من أجل التحرير من الآثام والكراهية اليعربية. أوربا صنعت الكرة وإستفادة منها تجارياً حيث تنشط اسواق السفر والتجارة والبيع والشراء، كذلك تضم الملايين من الأيدي العاملة كي توفر لقمة عيشها لأشهر. ولا يصاب بالسأم إلا من أمضى حياته يتقصى أخبار السياسة، ففيها تحل اللعنة على الشعوب، فكم هو جميل الكتابة عن الرياضة ومن منظار رياضي وليس سياسي، فبالله عليك يا أستاذ ماذا يعني معسكر أشرف الذي اقيم في العراق في زمن الحكم السابق والحالي، ولم تحرك الآلاف المقيمة فيه ساكناً في بنية نظام الملالي في إيران. أود في هذه المناسبة أن أقول إن المعزاة الهاربات فهن يسرحن في الفلاة ولا يلعبن في الساحات، مرة سألت عامل أوربي في البلد الذي أعيش فيه عن هاهية هذا الصخب والضجيج، فرد صحيحاً رأيك أنه ضجيج من نوع ضجيج الجبل ، فنحن نشتغل ساعات طويلة تحت هوس الآله إفلا يحق لنا ممارسات صخبنا لساعة أو أكثر. فهل هذا العامل يقول الصواب، أم هو غير خبير بحرب الشعب الثورجية، والتخرير الغير منطقي. يا أستاذ يقول المثل : أعطي العجين للخباز وليس للنجار أو القصاب.