تركيا تدفع ثمن خياراتها، ولا تسدد ديون الآخرين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عدد الاستاذ الكبير فهمي هويدي في مقال له بصحيفة الخيج الإماراتية ( 21 يونية ) تحت عنوان " تركيا تدفع الثمن نيابة عنا " الأسباب التى يري - بعد زيارة يبدو أنه قام بها إلي انقرة - أنها ستكلف الحكومة التركية الحالية ثمن " تصالحها وتاضمنها مع الشعب الفلسطيني " الأمر الذي يراه ممهداً لإنقلاب إستراتيجي تلوح بوادره في الشرق الاوسط الذي يمثل غياب مصر عن موقعها القيادي علي مستوي دول المنطقة " نقطة الضعف الأساسية فيه "..
من البداية، ليس هناك ما يُجبر تركيا علي وضع أو تنفيذ خططها التكتيكية وأهدافها الإستراتيجية نيابة عن الآخرين.. تركيا في كل ما تفعله تسعي أولا وأخير لتحقيق مصالحها الأساسية ضمن دوائر متعددة.. وهي حين رفضت عام 2003 فتح مجالاتها الجوية لمرور المقاتلات الأمريكية لضرب العراق، كانت تعمل من هذا المنطلق.. ولما قررت مؤخرا ان تتعامل مع مطلب عبور الطائرات العسكرية الإسرائيلية فوق إراضيها " كل حالة علي حدة " كانت تنطلق من ثوابت مصالحها.. ولما كادت ان تشعل - منذ عدو سنوات - حرب مياه بينها وبين سوريا والعراق بسبب إصرارها علي تخزين مياه سد الأناضول، كانت تراعي مصالحها.. ولما فتحت حدودها لعبور الأخوة السوريين بلا تأشيرة كانت تعبر عن مصالحها..
موقف تركيا من القضايا العربية وعلي رأسها الملف الفلسطيني، يختلف في المضمون والجوهر عن جارتها سوريا التى تدفع منذ سنوات فواتير موقفها المؤسس علي رؤيتها الخاصة، وحين يقول البعض ان دمشق تدفع الثمن او بعضه نيابة عن العرب فإننا نصدقه لأن الموقف السوري مؤسس علي حقائق ومصالح لا خلاف عليها.. أما في الحالة التركية فالأمر جد مختلف..
تركيا في موقفها من الرئيس الإسرائيلي بمؤتمر ديفوس، حين ترك رئيس وزرائها المنصة.. هي نفسها تركيا التى رفضت قبل بضع سنوات خفض علاقاتها مع إسرائيل برغم العديد من السياسات العنصرية التى كانت تمارسها ضد الشعب الفلسطينيى الذي تحتل أرضه.. هي نفسها تركيا التى كانت مرتعاً خصباً لبؤر التجسس الأوربية والأمريكية والإسرائيلية علي مستوى الشرق الاوسط الكبير.. هي نفسها تركيا التى تتسلل عن طريقها إسرائيل إلي الأقليم الكردي في العراق..
تركيا لا تتكلف بسداد فواتير أحد، صحيح أن تخلف الدور المصري وفراغ المنطقة من التوازنات العربية التى كانت تحكم حركة الشرق الأوسط فتح الطريق أمام قوي إقليمية أخري لكي تظهر فوق المسرح السياسي للمنطقة، ولكن هذا لا يعني أن أي منها عندما يقوم بدوره يتكلف سداد الدين نيابة عنه..
الضمير التركي الذي ظل نائماً في أحضان العلاقات المتميزة التى تربط بين نُظم حكمه المتتالية منذ عام 1949 وحتى أربع سنوات مضت، لا يمكن أن ينتبه مرة واحدة وفق أسس واقعية.. ما نراه اليوم من تجديد للإنتماء التركي للدولة الإسلامية التى نسي ثوابتها لأكثر من ثمانون عاماً، تحكمه المصالح والرؤية الجماعية للنخب السياسية والتنويرية في المجتمع التركي.. ما نراه من احتضان الشعب التركي للقضية الفلسطينية محكوم بالمصالح والرؤية ذاتها، سواء من منظور الاستمرار او التقهقر..
نفس القاعدة تنطبق علي غضبة الشارع التركي والعلاقات التجارية و الإقتصادية والأمنية بين الطرفين الاسرائيلي والتركي، لا تملك حكومة رجب طيب أردوغان مقومات الإضرار بتلك المصالح دفعة واحدة لأنها أعمق من قدراتها!! حتى موقف القوات المسلحة التركية وتراجع دورها علي مستوى مجلس الأمن القومي، مرتبط بمصالح الوطن العليا.. وإذا طُلب من الحكومة لسبب أو لآخر ان تبرر أفعالها وسياساتها، فمن المؤكد انها لن تتعلل بأنها كانت تسدد فاتورة غيرها لأن الرد عليها سيتحول إلي محاسبة معمقة حول مصلحة الوطن العليا ومن المسئول عن رعايتها والحفاظ عليها..
من جانبي أتفق مع الكاتب الكبير أن ملف علاقات تركيا وإسرائيل أكثر تعقيداً وسخونةً علي حد قوله.. التعقيد في رأي يرجع إلي 61 عام من العلاقات المشتعبة خاصة علي المستويين العسكري والأمني برعاية من واشنطن، وأما السخونة فلأنها - أي العلاقات - في معظمها كانت ضد الدول العربية سواء كانت معتدلة او متشددة كما كانت علي طول الخط مناصرة لإسرائيل وسياساتها العدوانية والعنصرية..
من هنا نقول أن مواقف الطرفين أيضا حيال ما بينهما من تردي وتراجع تتسم أيضا بالتعقيد والسخونة.. فمن قائل أن تركيا تقوم بما تقوم به وهي تعرف أين تقف وأنها لن تتجاوز بأي حال من الأحوال الخط الأحمر، بدليل انها لم تبادر فور سقوط قتلاها التسعة بقطع علاقتها مع أسرائيل ولم توقف مسارات التجارة المتبادلة معها، وحتى لم تجمد تعاملاتها كعضو عامل في حلف الناتو.. ومن قائل ان كل ما أقدمت عليه يُعد من قبيل تحصيل الحاصل، أي انه حدث مدوي دون ان يكون له نتائج فعالة " ضجيج بلا طحين ".. ومن قائل ان الولايات المتحدة لو رأت فيما جري ضرراً بمصالحها علي مستوى المنطقة، لكانت أظهرت لها العين الحمراء فوراً وبلا تلكؤ..
نتفق مع التحليلات التى تتنبأ بأن لا تُقدم إسرائيل اعتذار رسمي لتركيا، وأن ذلك ربما يصل بالعلاقات بين الطرفين إلي الحضيض.. لكن وشائج الإرتباطات المتينة بين الجانبين لن تتأثر أو تتوقف علي الأقل فيما يتعلق بـ:
1 - العلاقات التجارية والصناعية، لان المصالح المشتركة بلغت من التداخل وتبادل السلع والمنتجات الصناعية والزراعية قدراً لا يمكن لأي منهما ان يضحي به أو يقدر علي فض اشتباكه.. وهي علي عكس العلاقات المصرية الإسرائيلية لا تتسم بالبرود أو الإنكماش المتوالي او الحجم المحدود من التبادل، بل بلغت من ناحية مستوى عدم القدرة عن الإستغناء من جانب السوق التركي وعلي تعدد وتنوع الانتاج المشترك بينهما الذي يسوق عالميا من ناحية أخري..
2 - العلاقات العسكرية، التى تحولت إلي ورقة ضغط إسرائيلية لا ينفع معها إستبدال المكون الإسرائيلي للأسلحة والمعدات وطرائق الصيانة والتحديث بغيره من المكونات حتى لو كانت روسية.. خاصة وان الضامن لفاعلية هذه العلاقات هو واشنطن وجماعات الضغط التى تمثل المصالح الأمريكية الاستثمارية لدي كل منهما..
3 - العلاقات الأمنية التى أصبحت تركيا تقتات عليها كل يوم، لأنها عند صانع القرار التركي تأتي في مرتبة متقدمة علي علاقاته المشابهه بكل من الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلنطي والإتحاد الأوربي..
لما ركبت تركيا الموجه الشرق أوسطية ورفعت شعار قضية الشعب الفلسطينيى، كانت تسعي لجمع أوارق إضافية تبروز وتأطر بها صورتها لدي الاتحاد الأوربي لكي يقبلها عضوا بين أفراد أسرته التى تتوسع وتضم كل عام أفراداً جدد.. لكن عليها أن تأخذ بعين الإعتبار التقارير الأقليمية التى تفيد بأن سعيها الحثيث لتحقيق هذا الحلم قادها لإهمال ما هو مطلوب منها لحساب ما تتخيل انها قادرة علي القيام به.. تهمل حقوق الإنسان وترجأ خطط توسيع مجال آلايات السوق الحرة وتتلكأ في وضع اشتراطات التنوع الثقافي والاجتماعي موضع التنفيذ، وتزكي القدرة علي القيام بدور قيادي بين سوريا واسرائيل وبين إيران والغرب بينما هي غير قادرة علي القيام بدور علي المستوي الاوربي..
مرة أخيرة تركيا تعمل لمصلحتها وليس هناك في الأفق ما يشير إلي قدرتها علي أن تضع علاقاتها التجارية والعسكرية والامنية مع إسرائيل علي الرف، في مقابل المزايدة علي أصحاب القضية الفلسطينية أنفسهم.. وما يقال انها تدفعه مقابل هذه المواقف لا تدفعه نيابة عن أحد..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk
التعليقات
ff
Omar Kareem -ان مصر كانت فرعونية قبل الاف السنين ,هل تقصد انها ستبقى كذلك الى نهاية الحياة_ يا اخي ان المواقف والسياسات تتبدل وفق الظروف ووفقا للمبادىء, ان تركيا الان هي ليست تركيا قبل 20 عاما وهي ليست تركيا العثمانية بالتاكيد, والذي رفض تسليم فلسطين لليهود كان تركيا واما الذين مشوا تحت لواء الانكليز وسلموا فلسطين كانوا عربا على ما يثبت ذلك كثير من الوثائق
في سبيل الله والقدس
محمد ابو مصطفى -نتوقع من تركيا ان تدفع اثمانا بالنيابة عنا؟ ونجلس متكئين على الوسائد نحلل دوافع تركيا لعمل فيه من الكرامة والعزة الكثير مما نسيه العرب وحتى لا نجد ضيرا في المقارنة بكم ونوع المعاملات التجارية والعلاقات سخونة وبرودة.أوليس التغير في الموقف التركي يسير على خط بياني صاعد منذ تسلم اربكان الذي خذله العرب قبل غيرهم ومن ثم اردوغان الذي يبحث له العرب عن نيات يفسرونها على هواهم بدل ان يبحثوا عن النقاط المضيئة ويسلطوا عليها الضوء ويشجعوها والاهم يساندوها بالعمل وليس بالكلام فقطاخيرا كيف لنا ان ننتقد من يقدم الارواح في سبيل الفدس ونقارن بمن يقتل ابناء القدس وغيرهم دعما صارخا لاسرائيل
وامعتصماه
gogchan azaldin -فقط اريد من الكاتب ان يضع تركيا في كف والدول العربيه في كف؟؟؟لمادا لا يدافع اي رءيس دوله عربيه عن الفلسطينين؟؟؟اللي يدافع عنكم لا يخلص منكم؟؟انقدوا الزعماء الدول العربيه؟؟؟
Arab Leaders
Ahmed Alzughaybi -اخي العزيز هل تعلم ان هؤلاء الحكام العرب يبحثون عن الذي يدافع عنهم في ظل الضربات الموجعه الى انظمتهم من قبل امريكا و حلفاءها في المنطقة. فاقد الشىء لا يعطية.