الرحالة العثماني أوليا چلبي واليونسكو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ستعلن منظمة اليونسكو العام المقبل، عاما للاحتفاء بمرور 400 عام على ميلاد الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611- 1683)، الذي أعتبره الاتحاد الأوربي ضمن عشرين شخصية خدمت الثقافة الإنسانية. الا أنه من الغريب قيام وزارة التربية التركية بسحب كتاب (مختارات من سياحتنامه) من الأسواق، والتي كانت قد أوصت بدراسته ضمن المنهج الدراسي للمرحلة الثانوية. ويعتبر كتاب (سياحتنامه) لأوليا جلبي المؤلف من عشرة أجزاء، أحد أهم المصادر في دراسة أدب الرحلات في العهد العثماني. وتبرر الوزارة المذكورة قرارها بأن الكتاب يضم إيحاءات مستهجنة وغير لائقة.
وقد استنكر العديد من المثقفين، هذا التوصيف لبعض المقاطع في الكتاب المذكور، مؤكدين أن معنى الاستهجان يختلف من شخص إلى آخر. وانه من المستحيل العثور على عبارات خليعة في كتاب (سياحتنامه)، الذي كتب أساسا للتعريف بالمدن والبلاد التي زارها جلبي في رحلته التي استغرقت نصف قرن من الزمن.
وقد أدان رئيس المجمع اللغوي التركي د.شكري خلوق، المصير الذي يتعرض له كتاب (سياحتنامه)، الذي يأتي بعد قرار منظمة اليونسكو في الاحتفاء بالرحالة العثماني المعروف، معتبرا ذلك اهانة للقيم الثقافية التركية.
ولد أوليا جلبي في 20 آذار/ مارس بمدينة اسطنبول عام 1611. تلقى تعليما جيدا في عصره. بعد دراسته للقرآن وتفسيره وتجويده لمدة سبع سنوات قبل أن ينتقل للدراسة في مدرسة القصر العثماني (أنده رون)، التي تأسست في عهد السلطان مراد الرابع. وكانت تقوم بتدريس علوم القرآن والحديث والأدب واللغات كاليونانية والعربية والفارسية، إضافة إلى المنطق والرياضيات ,اصول وتقاليد القصر العثماني، وقواعد البرتوكول والبيروقراطية والرياضة ومختلف الفنون. وقد استمرت المدرسة في ممارسة نشاطها حتى عام 1908.
وقد عين أوليا جلبي بعد إنهاء دراسته في القصر في سن مبكرة، الا أنه بسبب شغفه بالرحلات ورغبته الملحة في الترحال ومشاهدة أمكنة جديدة، لم يبق طويلا في القصر، مختارا عالم السفر والرحلات خاصة بعد مشاهدته لحلم غير حياته ودفعه دائما إلى عالم جديد، لم يستطع الفكاك منه الا بعد نصف قرن من التجوال، بدأه بالتجول في اسطنبول وضواحيها، قبل أن ينطلق إلى زيارة كل البلدان الواقعة داخل حدود الإمبراطورية العثمانية، حيث صادف خلال ترحاله مجتمعات وعادات وطقوس مختلفة، تعرض خلاله إلى حوادث غريبة، وشهد حروبا مختلفة.
وقد سجل مشاهداته في مؤلفة الشهير (سياحتنامه) بأجزائه العشرة، باسلوب قصصي سلس وفنطازي شيق. الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى اعتبار كتابه مصدرا مهما في تأسيس تاريخ القصة التركية، إضافة إلى أهميته في أدب الرحلات. حيث ويعتبره جميع المثقفين قيمة أدبية مهمة في القرن السابع عشر.
نموذج من الفقرات المستهجنة
اعتبرت وزارة التربية التركية بحجب كتاب (سياحتنامه) باعتباره يخدش الحياء العام، واليكم نموذجا من الكتاب الذي أعترضت عليه الوزارة (رغم أنها طبعته) ضمن مجموعة كبيرة من سلسلة الكتب التي قامت بطبعها :
" مثل ذات يوم في حضور السلطان مراد الرابع، صبي لا أنف له. وقد سئل والده المدعو الحاج أنور فيما إذا كان قد ردد (البسلمة) عند مواقعة زوجته.فكان جوابه : في الحقيقة في تلك اللحظات الحميمية، كنت في قمة النشوة، أداعب زوجتي وألاطفها في ليلة عيد الأضحى، لذلك لم أفكر بالبسملة.احسست برعشة في جسدي إلى درجة فقداننا الوعي أنا وزوجتي. وفي الصباح وبسبب الإرهاق فاتتني صلاة العيد. وقد حبلت زوجتي بولدي في تلك الليلة..".
مقتطفات من كتاب (سياحتنامه)
حلم يقوده للسفر والترحال:
يقول أوليا جلبي " حلمت في ليلة العاشوراء من شهر محرم 1630 بأنني أصلي في جامع (آخي جلبي)، عندما شاهدت رسول الله أمامي، اضطربت من جلال الموقف، وبسبب المفاجأة التي سيطرت على مشاعري وبدلا من أن أردد أمامه (شفاعت يارسول الله! )، إذا بي أقول (سياحت يارسول الله!). بش الرسول في وجهي وهو يكرمني بحق الشفاعة والسياحة (السفر).
في تلك اللحظة اقترب مني من بين الجموع سعد بن أبي وقاص قائلا: انطلق كالسهم والرمح في بلاد الله. عليك أن تسجل كل ماتراه في المدن والبلدان التي ستمر بها والحوادث الغريبة التي ستصادفك. اكتب عن مأكل سكانها ومشربهم ومعشرهم، لتكون في الآخرة ابني الروحي. احرص على الخبز والملح. كن صديقا جيدا للجميع، إياك والاقتراب من الأشرار!".
بدأت بعد ذلك رحلته الطويل انطلاقا من اسطنبول إلى جميع المدن والبلدان الواقعة داخل الحدود العثمانية وخارجها. حيث يزور القرم وبلاد الشام ومصر وتفليس وباكو وكرجستان (جوجيا) وجميع سواحل بحر إيجه وداغستان وشركسستان وصوفيا وألمانيا وبلغراد وفينسيا والبوسنه والسلانيك والنمسا وألبانيا واسبانيا والدنمارك وسواحل بحر الأدرياتيك، وغيرها من البلدان.
عملية جراحية في النمسا
" كان ثمة جريح مصاب برصاصة مستقرة في صدغه. وقد بدأ الطبيب ومعاونوه بإخراج الرصاصة. بعد موافقة الطبيب جلست أراقب عن كثب تفاصيل العملية التي بدأت بنزع فروة الرأس من جانبيه، ثم بدا الطبيب بإحداث ثقب في جانب الرأس. وقد تمكن بفضل قطعة حديدية من فصل عظم الجمجمة من منتصفه بوساطة أنياب منشار حاد. اقتربت أكثر من المشهد، ووضعت منديلا على أنفي.سألني الطبيب عن السبب.قلت له :ربما اعطس فأضر بالمريض. أجابني، كان عليك أن تكون طبيبا.
حرك الطبيب رأس المصاب قليلا فسقطت الرصاصة منه. بدأ الطبيب بتنظيف مكان الجرح بوساطة اسفنجة قبل أن يعيد الجمجمة إلى حالتها الطبيعية. في نهاية العملية احضر المئات من النمل (نملة الحصان) تم وضعها الواحدة تلو الأخرى في مكان الجرح، وبمجرد وضعها كانت تعض على الجرح فيروح الطبيب يقص كل نملة من ظهرها، وبذلك إغلاق مكان الجرح. وقد بدأ النمل بالتساقط فيما بسبب تيبسها. بعد أسابيع شفي المصاب تماما".
شتاء مدينة أرضروم
يقول أوليا جلبي " تدور على ألسنة العامة الطرفة التالية:
سئل درويش في إحدى المرات : من اين أنت قادم ؟ فقال: من جليدستان. من مدينة أرضروم التي تظلم الناس (شتاء أرضروم قاس وطويل). قيل له :هل صادفت فيها موسم الصيف ؟. فأجاب الدرويش : والله لقد أقمت فيها 11 شهرا و92 يوما وكنت اسمع من العامة، أن الصيف سيأتي، ولكنني لم أره قط.
وثمة طرفة أخرى عن قسوة الشتاء في هذه المدينة.تقول الطرفة أن قطة تجمدت عندما كانت تقفز من سطح بيت إلى آخر. بعد مرور ثمانية أشهر وتحسن الطقس وذوبان الثلوج، سقطت القطة على الأرض، وهي تموء مواءا غريبا قبل أن تنطلق بأقصى سرعتها وتختفي في إحدى الأزقة ".
مستشفى محمد الفاتح في اسطنبول
".. تمتلك 70 غرفة و80 من القباب و200 من العاملين. عندما يصاب أحدهم بمرض، يتم نقله للمستشفى لمعالجته والعناية به. يقدم الطعام للمريض مرتين في اليوم. قواعد العمل فيها منظمة للغاية. فإذا نفذت لحوم طيور الدراج والقطا والدجاج، يقدم بدلا منها لحوم البلابل والعصافير والحمام. ويعالج المصابون باللوثة العقلية في المستشفى بعروض من الموسيقى والغناء ".
المهرج الطائر
" احتفاءا بميلاد ابنته، أقام السلطان مراد حفلا كبيرا، ذبحت فيه الكثير من الأضاحي. اشترك في الحفل أشهر مهرجي القصر. قام أحد هؤلاء بإعداد خمسين أوقية من البارود، صنع منها رصاصا وضعه على سبع شدات من الحبل قبل أن يصعد فوقها في حضرة السلطان ويشعل فيها النار، حيث انطلق في الجو وهو يقول للسلطان : في آمان الله يامولاي، أنا ذاهب للحديث مع السيد المسيح.
أضاءت الشعلة وجه البحر قبل ان تنطلق إلى مسافة بعيدة. حيث هبط المهرج بعد فترة في البحر وبفضل جناح نسر كبيرحان يضعه على كتفيه. مثل أمام السلطان قائلا وهو يقول مازحا : مولاي، السيد المسيح يقرؤك السلام".