أصداء

المعارضات والأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي 3 من 5

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الإخوة الأعداء، الشيوعيون والأكراد في العراق


لست بصدد البحث في الدوافع السيكولوجية الكامنة خلف دموية الحركات السياسية في عراق الأمس واليوم، ربما يتصدى لهذه المسألة من يملك المؤهلات لتحليل هذه الظاهرة المرعبة، رغم أن حال الجغرافيات المحيطة بالعراق ليس أفضل منها، بل ربما أسوأ بالكثير من المراحل، حيث يسجل للشعب العراقي ريادته ضمن محيطه في طرح المشاريع السياسية واجتراح الحلول المدنية في بعض الجوانب، إلا أن ما يسجل عليه أكثر من أن يعد K من جهة أنهار الدم التي لم تتوقف، منذ الخلافة الإسلامية الأولى وحتى اللحظة الراهنة، وكأنه قدر العراق.

المعارضات والأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي 2من 5

أسس الزعيم الكردي الراحل، الملا مصطفى البارزاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني في السادس عشر من شهر آب أغسطس من العام 1946 على أراضي جمهورية مهاباد الكردية التي أسسها القاضي محمد في كردستان إيران، وكان الراحل البارزاني قائدا لأركان الجيش الكردي في تلك الجمهورية التي لم تعمر طويلا، وعلى أثر أنهيار الجمهورية الكردية الأولى، التجأ الملا مصطفى مع المئات من مقاتليه إلى الاتحاد السوفياتي ولم يجد الحزب وقيادته التاريخية طريقا للعودة إلى أرض العراق إلا بعد إنقلاب عبد الكريم قاسم في العام 1958 وبوساطة من الحزب الشيوعي العراقي، أما الحزب الشيوعي فيعود تأسيس خلاياه الأولى إلى العام 1927 في البصرة ومن ثم تكونت الخلايا الفاعلة في الناصرية ومن مؤسسي الحزب " يوسف سلمان " المعروف باسمه الحركي " فهد " الذي أشرف على صدور أول منشورات الحزب،بخط يده، وتحت عنوان " يا عمال وفلاحي البلاد العربية أتحدوا " وفي 31 مارس آذار عقد الشيوعيون مؤتمرهم الأول تحت أسم " لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار " وكان نشاطه مركزا في مدن الجنوب حيث الغالبية الشيعية، لم يجد الحزب طريقه إلى المدن الكبرى والعاصمة إلا بعد انقلاب عبد الكريم قاسم، حيث استثمر الحزبيون قرب هذا الأخير منهم، ولعبوا حينها على الوتر الدموي نفسه الممتد حتى اليوم في التعامل مع خصومهم الإيديولوجيين.

يسجل للشيوعيين العراقيين أنهم أول من نادوا بالحقوق القومية لأكراد العراق ويسجل عليهم أنهم أول من ارتكبوا المجازر الجماعية في حق المختلفين معهم في الرأي من بعثيين وقوميين عرب، ولعل أشهرها مجازر كركوك والموصل في العام 1959 الذي ذهب ضحيتها الآلاف من المحسوبين على حزب البعث على أثر فشل محاولة البعثي المكلف من جمال عبد الناصر، المدعو عبد الوهاب الشواف في الإنقلاب على قاسم، ويسجل عليهم أيضا، تبعية قرارهم للمركز الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفياتي.

توجس عبد الكريم قاسم خوفا من خطر الشيوعيين المتضخمين عددا وعتادا بعد حفلات الدم التي جرت في المدن العراقية، بدأ باعتقال كوادرهم، وفي ذروة انشغال الشيوعيين باتخاذ القرار الأنسب في شكل التعامل مع ديكتاتورية عبد الكريم قاسم وانتظارهم للقرار السوفياتي، نفذ البعثيون انقلابهم في العام 1963، ومباشرة بدأت شلالات الدم ابتداء من رأس قاسم ووصولا إلى كوادر الشيوعيين والمحسوبين عليهم، فامتلأت الشوارع بالجثث وصبغت باللون الأحمر، آلاف الشيوعيين قتلوا خلال الأيام الأولى من انقلاب البعث، حفلات الثأر الدموية كانت عنوانا تحاكي التواريخ القديمة والحديثة، الحجاج بن يوسف الثقفي كان مذهولا في قبره لتفوق البعثيين عليه.

في وسط الذهول الذي ضرب قواعد الحزب الشيوعي، خرج الكاتب الغني عن التعريف، عزيز الحاج، من الحزب ليؤسس الحزب الشيوعي العراقي القيادة المركزية 1967، وخاض تجربة الكفاح المسلح، ليقابل بدموية مستطيرة ويتم سجنه لمدة أشهر، يخرج بعدها ليتم تعيينه مندوبا لنظام البعث في منظمة اليونسكو !! *.

لم تعرف مدن العراق طعم الراحة، ولم يتنفس الشيوعيين الصعداء، إلا حين أنقلب البعثيون على بعضهم البعض، وأمتدت شهوة الدم، ليتخلص واحدهم من الآخر، ودفعت الأيام بأحمد حسن البكر إلى سدة الحكم مرة ثانية، المستمع الجيد والمصدّق لمستعير فكر البعث من بطون الفاشية الإيطالية، السوري الأرتوذكسي، ميشيل عفلق، وأول بشائر البكر للشيوعيين بعد انقلابه الثاني في 17 تموز يوليو 1968 هو إصداره عفوا عن المعتقلين الشيوعيين الباقين على قيد الحياة و مهادنته للحزب الديمقراطي الكردستاني وعقده لاتفاق 11 آذار مارس 1970، الاتفاق الذي بموجبه تم منح الحكم الذاتي لأكراد العراق، وإصداره قرار التأميم على الطريقة الناصرية بتأميم شركة النفط العراقية في يونيو حزيران من العام 1972 وتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي في إبريل نيسان من العام نفسه، وتعيينه بعض كوادر الشيوعيين من التائبين في مناصب رمزية.

سرعان ما تناسى الشيوعيين المجازر الانتقامية التي أشرف عليها البكر عبر ميليشيات الحرس القومي بحقهم، أبان أنقلابه الأول في العام 1963، حيث شغل رئيسا للوزراء لمدة عشرة أشهر قبل أن يطيح به عبد السلام عارف، ولبّوا أوامر الرفاق السوفيات للمشاركة في الجبهة الوطنية القومية في العام 1973، لتكون واجهة مقبولة لحكم البعث، وعبر ذلك سيتسلل " الرفيق المهيب " صدام حسين ليصطاد ما يقدر على اصطياده من أرواح الحلفاء الشيوعيين في الربع الأخير من عقد السبعينيات، لتكون النهاية الدرامية مرة أخرى بين البعث والشيوعيين في العام 1979.

لم يعر الشيوعيون العراقيون أية أهمية للعبة التي بدأها نائب البكر مبكرا، المحفور له، صدام حسين، مع حلفائهم الكرد، حين أنقلب على اتفاقية 11 آذار، مهد لذلك بسحب الرجل الثاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الرئيس الحالي، جلال الطالباني، إلى جهته وتحضيره للعمل إلى جانبه للتخلص من الزعيم الذي تحول إلى رمز للكرد، الراحل الملا مصطفى البارزاني، فأسس الطالباني حركة ثوار كردستان وساهم إلى جانب ميليشيات البعث من الحرس القومي والجيش العراقي في القضاء على الثورة الكردية وحدثت النكسة في صيف العام 1975، فرّ الناجون من المجازر الدموية التي ارتكبتها قوات تحالف صدام والطالباني و فدائيي فتح الفلسطينية إلى المناطق الكردية المحاذية في سوريا وتركيا.
بعد نكسة الأكراد في العراق بادر جلال الطالباني إلى تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في الأول من يونيو 1975 من مجموعة حركات قريبة من الفكر الماركسي أكبرها، حركة كادحي كردستان بزعامة نوشيروان مصطفى، الذي عين كنائب للطالباني في الاتحاد، فيما ألتجأ البارزاني إلى شاه إيران إلى أن رحل في العام 1979 في واشنطن، ولكن سرعان ما أنقلب صدام حسين على الطالباني وبدأت المواجهات العسكرية فسارع الأخير في الانتقال بين طرابلس الغرب ودمشق وبرفقة نائبه الأبدي نوشيروان ولم يتوقف من تقديم الخدمات ولعل أكثرها إيلاما هي تلك المجازر التي ارتكبها بحق الشيوعيين العراقيين في بداية لجوئهم إلى كردستان، أشهرها مجزرة بشت آشان، ولم يتوانى أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي من تقديم الخدمات للجيش الإيراني بعد فشل المفاوضات بينه وبين نظام صدام مما أعطى مسوغا لديكتاتور العراق في استعمال الأسلحة الكيماوية بحق الكرد " مجزرة حلبجة وباقي المجازر التي أطلق عليها اسم الأنفال ".

عاد الحزب الديمقراطي إلى المشهد العراقي بعد رحيل قائده التاريخي، وتعيين ابنه، رئيس إقليم كردستان الحالي، مسعود البارزاني، في رئاسة الحزب وبدأت قواته في تنظيم نفسها، فيما واصلت قيادة الحزب تنقلها بين عواصم الاستبداد العربي من دمشق إلى طرابلس الغرب ومنها إلى عدن وبالعكس، وطالما اشتبكت قوات الديمقراطي مع شقيقتهيا الاتحاد الوطني والحزب الشيوعي، تصاعدت هذه الاشتباكات وزاد وتيرة عنفها بعد حرب تحرير الكويت والانتفاضة الكردية في الشمال العراقي وتأسيس الحزب الشيوعي الكردستاني من لدن الشيوعي العراقي، استمرت الحرب بين قوات الطالباني والبارزاني من العام 1994 وحتى العام 1998 حيث عقد الحزبان معاهدة صلح برعاية أمريكية في واشنطن، وأثناء أعوام الحرب بين الإخوة الأعداء لم يسلم طرف من الأطراف السياسية الموجودة في كردستان العراق من اعتداءات من أحد الطرفين وبناء على إملاءات من أنظمة ديكتاتورية، ففي الوقت الذي بدأ فيه الطالباني بالاستقواء بحليفيه الإيراني والتركي في ضرب قوات حزب العمال الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي، قامت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني بطلب النجدة من ديكتاتور العراق فدخلت مناطق نفوذ الطالباني في العام 1996، الحكاية أطول من أن تسرد في مقال.

رغم أن الحروب انتهت بين الإخوة الأعداء، إلا أن الإملاءات الخارجية بسبب رحلة السبي الطويلة والارتهان المديد للأنظمة الاستبدادية ما زالت تفعل فعلها في القوى التي تشرف على مصير الكرد في كردستان العراق، ما زال نظام الملالي يجد من ينفذ تعليماته وإملاءاته وما زال النظام السوري بكل مواقفه المناوئة لأي تقدم إيجابي في العراق وفي المنطقة الكردية تحديدا يستطيع أن يملي الكثير، فيما

تركيا، الدولة التي تمارس حرب إبادة ضد أكرادها، تستطيع فعل الكثير هناك، أنها نتيجة تواريخ المنفى والارتهان، حتى حاكم ليبيا يستطيع فعل الكثير في تلك الجغرافيا.


walidkhalifa@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف