فضاء الرأي

البغدادي وفروسية الفكر الليبرالي الشجاع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ها هو الموت، يُغيّب بالأمس أحمد البغدادي الفارس الكويتي الليبرالي الشجاع. وهو خسارة كبيرة لليبرالية الكويتية والليبرالية العربية. فبالأمس غيّب الموت نصر حامد أبو زيد، وقبله غيّب الموت مُعلمنا وأستاذنا فؤاد زكريا. وكلها شموع أضاءت قلاع الحرية، والديمقراطية، والليبرالية العربية، واستلمت المشاعل من أيدي طه حسين وتوفيق الحكيم، وعباس العقاد، وانطلقت تعدو في البراري العربية، وتسابق الزمن الإنساني، الذي قطع أشواطاً طويلة في تلك المسيرة، حتى يأسنا من اللحاق به!

البغدادي وتجديد الفكر الديني
أحمد البغدادي الأخ، والصديق، وهاتفي في الكويت، لم يكن ناشطاً سياسياً ليبرالياً فقط، بقدر ما كان مفكراً ليبرالياً ثميناً وشجاعاً. فقد كان ينتقد السلفية والأصولية الدينية المنغلقة والمتخلفة، من موقعه الأكاديمي والعلمي. فكان انتقاده لجهل السلفية والأصولية من موقع العلم بهذا الجهل، ولم يكن من موقع الجهل بهذا الجهل.
وأحمد البغدادي عندما كان يتحدث عن خطورة الدولة الدينية وجرائمها، كما يريدها الأصوليون، كان يتحدث من خلال معرفته بالتاريخ، وتاريخ السياسة الدينية الماضي والحاضر، وليس من خلال أيديولوجية متعصبة، وعقيدة متصلّبة، غير قابلة للأخذ والعطاء، كما الحال عند السلفية التي حاولت إقصاءه عن الحلبة الثقافية، لكي تتفرد هي وحدها بالرأي العام الكويتي. وقالت عنه بالأمس (شبكة أنا المسلم) بأنه كلب هلك!

إن العرب اليوم بحاجة إلى الآخر علمياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، كما لم يكونوا بحاجة إليه في أي وقت مضى. ومن هذا المنطلق قام المفكرون الليبراليون من أمثال أحمد البغدادي، بالدعوة إلى تجديد الفكر الديني، واستعمال العقل في هذا التجديد، لكي يفوّت الفرصة على السلفيين من أصحاب الثوابت والحرص على المنابت، لأن يجددوا هذا الدين كما يريدون، وكما يشتهون، فتكون الطامة الكبرى كما هي الطامة الآن في العالم العربي، والتي تتمثل في هذه الفوضى بالفتاوى والفتاوى المضادة، وفي هذا السباق من السلفيين إلى اعتلاء منابر الرأي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ليقذفوا من عليائها هذه القذائف اليومية التي تدمّر مسيرة الفكر والثقافة الحرة.

دعوة لاستخدام العقل
منذ بدأ المُعلِّم أحمد البغدادي المشاركة في تكوين الفكر العربي الليبرالي الجديد، وهو يركز على "ضرورة تجديد الفكر الديني"، والدعوة لاستخدام العقل في هذا التجديد. وهو خلال أكثر من عشر سنوات، استطاع أن يؤكد على أن تجديد الفكر العربي الليبرالي لا يمكن أن يتم دون القيام بتجديد الفكر الديني الذي هو أساس، وأُس تجديد الفكر العربي. ولعل كتابه (تجديد الفكر الديني: دعوة لاستخدام العقل، 1999) قد جاء ليؤكد على هذه الحقيقة التاريخية العلمية.

أسباب إعاقة تجديد الفكر الديني
فما هي الأسباب المعيقة لتجديد الفكر الديني عموماً للوصول إلى تجديد الفكر العربي، الذي يمثِّل الفكر الديني فيه النسبة الكبرى، والمساحة الأوسع، علماً بأن الإسلام دين مرن، فيه قابلية التجدد الفكري، الذي حدث في الماضي عدة مرات، وعلى مدار خمسة عشر قرناً ، وتعسَّر في الحاضر؟!

هناك عدة أسباب منها:
1- لا مستقبل عربياً مضيئاًَ، بعيداً عن الحداثة، أو إقصاءً لها بخيرها وشرها.
2- الفزع من الحداثة، عطّل التجديد لمن ابتغى التجديد الديني، في الحاضر.
3- لقد تعرّض الإسلام منذ مطلع القرن العشرين، وحتى الآن على أيدي الجيل الثاني من الليبراليين (طه حسين، قسطنطين زريق، علي عبد الرازق، أمين الخولي، خالد محمد خالد، وغيرهم) إلى نقد علمي تاريخي، ترك ردة فعل عنيفة لدى المصلحين والمجددين الدينيين، الذين اعتبروا ما أنتجه هؤلاء الليبراليون من فكر هو "هجوم على الإسلام" وهو "مشروع تخريبي" وليس "نقداً علمياً". فتعطلت بذلك كل حركات التجديد الديني، كردة فعل لذلك.
4- إن معظم دعوات تجديد الفكر الديني جاءت من خارج الفكر الديني. وهي جاءت من الفكر الليبرالي بالدرجة الأولى. ونستثني من ذلك بعض الأمثلة البارزة (الأشياخ: الطاهر الحداد، علي عبد الرازق، الطاهر عاشور، خالد محمد خالد، خليل عبد الكريم، جمال البنا، أحمد صبحي منصور، وغيرهم).
5- كان الإسلام كقضبان الحديد في الخرسانة السياسية العربية، منذ بدء "دولة الرسول" في المدينة وإلى الآن. بل إننا نقول أن الذي لعب دوراً كبيراً في تشكيل الدولة العربية من العهد الراشدي إلى الآن كانت السياسة، وليس الدين وحده.
6- في السنوات الماضية، زادت مقاومة أية دعوة لتجديد الفكر الديني بعد وقوع كارثة 11 سبتمبر 2001 ، لربط الإصلاح الديني والتجديد الديني وتعديل المناهج الدينية المدرسية بهذه الواقعة، وما تبعها من أعمال إرهابية، حيث تم الربط بين الإسلام والإرهاب، وبين المسلمين والإرهابيين.

دعوة ورجاء من أجل إكمال المسيرة
هذه دعوة ورجاء سبقني إليهما الصديق عبد الخالق حسين. فلكي تواصل الأجيال القادمة المسيرة التي قطع فيها البغدادي مسافة كبيرة، ومن أجل أن تُعلي هذه الأجيال ما بناه الفقيد البغدادي في الكويت والعالم العربي، فإنني آمل من الأستاذ الأخ أحمد الجار الله رئيس التحرير، والصديق شوكت الحكيم مدير تحرير جريدة "السياسة" الكويتية، التي نشر فيها الفقيد البغدادي لعدة سنوات خلاصة فكره الحداثي والليبرالي التنويري من خلال عاموده اليومي "أوتاد"، وقاد من خلال هذا العامود أعنف وأشرس المعارك الفكرية ضد الأصولية الدينية المنغلقة والمتخلفة.. آمل أن يبادرا إلى جمع وتنقيح مقالاته اليومية المهمة، ونشرها في كتاب أو عدة كتب، حفظاً لهذا التراث الفكري الإنساني العربي الثمين. وبذا تكون جريدة "السياسة"، قد قدمت خدمة ثقافية كبرى للمسيرة الليبرالية وللفكر الحداثي في العالم العربي.

السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
مروان خالد -

فعلا خسرنا فارسا ليبراليا مغوارا في حلبة الصراع ضد قوى التخلف الدينية، والبغدادي كافح كفاحاً شجاعا قلما نجد له مثيل بين مثقفين اليوم.واقتراحك استاذ شاكر بجمع افكار البغدادي سأقوم بتنفيذه على الصعيد الشخصي وذلك سهولة الرجوع اليه من خلال التصفح الالكتروني فهو خير الزاد لنا في هذه المرحلة الحرجة.

لأسلام و العقل
MOUSA -

شكرا لكاتبنا المحترم النابلسي:عندي ثلاث نقاط:1-أرجو للبغدادي الرحمة,و أتمنى أن تكون مساهماته في تصحيح الدين تصب في جهود أحياء الدين.2-لا أوافق الكاتب أن تصحيح الجمود اللذي أعترى بعض التيارات الأسلامية يصحح فقط من منظور الحداثة و بمعزل عن الأستفادة من بقية المذاهب,بعض المذاهب الأسلامية تضع العقل في مرتبة متقدمة لتمحيص التشريع الأسلامي و معظمنا يعلم بحدة الأصطدام بين المدرسة السلفية و مدرسة أهل البيت في هذا الشأن.و الكاتب أصقط بل نفى هذا التوجه.لكم و لأيلاف الشكر.

تعليق
مروان خالد -

فعلا خسرنا فارسا ليبراليا مغوارا في حلبة الصراع ضد قوى التخلف الدينية، والبغدادي كافح كفاحاً شجاعا قلما نجد له مثيل بين مثقفين اليوم.واقتراحك استاذ شاكر بجمع افكار البغدادي سأقوم بتنفيذه على الصعيد الشخصي وذلك سهولة الرجوع اليه من خلال التصفح الالكتروني فهو خير الزاد لنا في هذه المرحلة الحرجة.

أسف
monsef -

للاسف شخصية كبيرة ومتنورة طالماأغنت الفكر العربي فقدناها ولم نفقد الادعياء الجدد الذين يصولون ويجولون في بعض المحطات الفضائية

أسف
monsef -

للاسف شخصية كبيرة ومتنورة طالماأغنت الفكر العربي فقدناها ولم نفقد الادعياء الجدد الذين يصولون ويجولون في بعض المحطات الفضائية

شمعه الخليج تنطفأ
بندر الاسمري -

مما لاشك فيه اننا بموت الدكتور المفكر الحر احمد البغدادي فقدنا اخر شموع وقلاع الليبراليه القديمه الصادقه والواضحه في الخليج ( هناك ليبراليون المصالح ولازالوا ) , بوفاة مفكرنا الكبير خسرنا خساره لاتقدر بثمن فقد نقد قوى التخلف والجهل والرجعيه ومداهنة السياسي لرجل الدين وهذا قلما تجده في ليبراليوا هذا العصر ( ينتقدون رجال الدين والفكر الديني بعيدا عن رجل السياسه والفكر والنظم السياسيه التي اسست لرجل الدين ) , نم قرير العين احمد البغدادي فاسمك وحده يفزعهم وسنظل نحمل فكرك وخطك النير المبارك , صحيفة السياسه الكوتيه كنت افتحها لأرى نور اوتادك اما الان فاسفتحها لاارى ذكرى اوتادك .

good man
same -

يريد الخير والتطور لهذه الامه وانتشالها من التكفيريين الرجعيين اللذين دمروا الحداثه والتمدن والتحضر ومنه لابد من التركيز على مفهوم العلمانيه الانسانيه الراقيه والعملبها او الجمود ومنه الرجوع الى حقب وتفكيروممارسه سلوكيات القرون الوسطى.

ضحد الرأي
نبيل هنيه -

لا يمكن ان تهزم شئ بلا شئ ,الليبراليه العربيه تراجعت امام المد السلفي الرجعي لعدة اسباب اهمها 1) الفشل بتعريف نفسها كعنصر وطني 2) فشلت بتحديد اهدافها والتي هي وحدها التي تؤدي الى حياه افضل 3) حتى الأن لا يوجد حزب او منظمه ليبراليه ديمقراطيه قادره عل التصدي للقوى الرجعيه وافكارها الخارجه من عبر الفضائيات 4) تراجع المد والشعور القومي العربي ترك الساحه خالية لكل الأفكار السلفيه الرجعيه .

ضحد الرأي
نبيل هنيه -

لا يمكن ان تهزم شئ بلا شئ ,الليبراليه العربيه تراجعت امام المد السلفي الرجعي لعدة اسباب اهمها 1) الفشل بتعريف نفسها كعنصر وطني 2) فشلت بتحديد اهدافها والتي هي وحدها التي تؤدي الى حياه افضل 3) حتى الأن لا يوجد حزب او منظمه ليبراليه ديمقراطيه قادره عل التصدي للقوى الرجعيه وافكارها الخارجه من عبر الفضائيات 4) تراجع المد والشعور القومي العربي ترك الساحه خالية لكل الأفكار السلفيه الرجعيه .

تعليق رقم 2
fadil -

عاشوراء على الابواب عندها كلمنى عن العقل حيث لامكان للعقل اخى العزيز ليس هناك عقل فى الدين واذا استخدمت العقل والاسلوب العلمى لتمحيص الدين ونقده ستصل لطريق مسدود حبث لامنطق اما ان تقبل بها بكل خرافاتها وتعتبرها مسلمات او ان ترجع للعقل الطبيعى وتفكر بطريقة علمية.اما الاختلاف بين المذاهب فهو فقهى وليس جوهرى

تساؤل
المستغرق في البحر -

السلام عليكمكاتبي الكريم بعد التحية والاحترام الوفير للكم . اشكو اليك عند مصداقية هذا الموقع في كلامهم وشعارهم بحرية الطرح وذللك لاني كثير التساؤل في مقالاتك وخصوصا ان سيادتكم من كبار الليبرالين بل من الليبرالين الذين يعلمون الناس اللبرانة ولكن للاسف هذا الموقع يحذف مشاركاتي ولا يضعها وقد حدث هذا مرات كثيرة لاني اتساءل دائما في نقاط مقالاتك ,, اتحدى اصحاب هذا الموقع حتى لو اتوا بانسهم وجنهم وخيلهم ورجهلم ان ياتوا ولو بكلمة واحدة من تعليقاتي ان اسأت الادب ولو بكلمة واحدة لان هذا ليس بخلق لي ابدااا ولله الحمد .. فارجوا ايها الكاتب الكريم مناقشة هذا الامر الابن الكثير تساؤل في مقالاتك : البحر

تساؤل
المستغرق في البحر -

السلام عليكمكاتبي الكريم بعد التحية والاحترام الوفير للكم . اشكو اليك عند مصداقية هذا الموقع في كلامهم وشعارهم بحرية الطرح وذللك لاني كثير التساؤل في مقالاتك وخصوصا ان سيادتكم من كبار الليبرالين بل من الليبرالين الذين يعلمون الناس اللبرانة ولكن للاسف هذا الموقع يحذف مشاركاتي ولا يضعها وقد حدث هذا مرات كثيرة لاني اتساءل دائما في نقاط مقالاتك ,, اتحدى اصحاب هذا الموقع حتى لو اتوا بانسهم وجنهم وخيلهم ورجهلم ان ياتوا ولو بكلمة واحدة من تعليقاتي ان اسأت الادب ولو بكلمة واحدة لان هذا ليس بخلق لي ابدااا ولله الحمد .. فارجوا ايها الكاتب الكريم مناقشة هذا الامر الابن الكثير تساؤل في مقالاتك : البحر

الى تعليق# 7
علي القطري -

تعليق وتحليل ممتاز-اصبت كبد الحقيقه

الى تعليق# 7
علي القطري -

تعليق وتحليل ممتاز-اصبت كبد الحقيقه