القوة ومنهجية الوقت والأمل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يزداد الحديث في الأوساط الأميركية عن الحاجة إلى صفقات سياسية تبرمها الإدارة الأميركية مع ما بات يسمى في السابق أطراف" محور الشر" والقصد إيران وسورية وحزب الله وحركة حماس" الذي لا يمكن الاستغناء عنه في صنع السلام في منطقة الشرق الأوسط.
من الصعب دوما الحديث عن سياسات أمريكا دون المرور على عامل القوة*، وغالبا ما تتوه حقيقة هذه القوة، بين تنظيرات المثقفين والسياسيين، والقوة دوما موجودة لتقبض ثمنها، لا يوجد قوة مجانية في هذا العالم، القوة عندما تكون عارية تكون بشعة، وأكثر عرضة لأن تنهار، ولكن القوة عندما يكون لديها محفزات حضارية ونموذج تاريخي تصبح أكثر رسوخا، أمريكا بالذات تحولت إلى قوة دون أن تمر بمرحلة الاستعمار التقليدي، لا بل هي في مرحلة من المراحل كانت مستعمرة إنكليزية، وتقاتلت بريطانيا العظمى مع فرنسا، من أجل استعمارها، أو من أجل إدامة هذا الاستعمار، حتى حققت الولايات المتحدة الأمريكية استقلالها عن بريطانيا، أمريكا منذ استقلالها وربما حتى اللحظة شكلت نموذج تاريخي للبشرية، فنزحت البشر إليها من كل حدب وصوب كمجتمع الفرصة الذهبية، هذا النموذج التاريخي"الأرقى" والذي يجمع بين قوته الأولى وبين ثقافة يصدرها مجتمعها على أنه" المجتمع الحلم" مع أن هنالك دول في اوروبا العجوز، كما يطيب للأمريكان تسميتها، فيها مجتمعات أرقى حضاريا ومدنيا، ولا تقارن فيها بعض الميزات مع المجتمع الأمريكي، مثل سياسات الضمان الاجتماعي والصحي، وخلوها من الجريمة المنظمة والفقر..الخ كالسويد والنرويج وسويسرا، إضافة إلى معدلات دخل عالية لمواطنيها، رغم أنها دول لم تشارك في الهجمة الاستعمارية التقليدية على دول ما سمي بدول العالم الثالث، أمريكا في العقود الأخيرة حاولت استثمار قوتها العسكرية لأبعد مدى ممكن، من أجل التحصل على ميزات تفضيلية أخرى على الصعيد الدولي وعلى كافة المستويات، وفي العالم كله وليس في اوروبا وامريكا والصين فقط هنالك إجماع" على أن الشرق الأوسط بما فيه هو المفتاح الأكيد لتحقيق كل ذلك دفعة واحدة أو بالتقسيط الضاغط أو المريح! إن السياسة الأمريكية ليست صفقات وفقط، كما أنها ليست تدخلات عسكرية فقط، وليست علاقات ثنائية مهتزة أو راسخة، وأيضا أمريكا تملك تقريبا أكبر طاقم دبلوماسيين ومستشارين، ومؤسسات رديفة لصنع القرار.
هذا كله يحضر بكل ثقله في الشرق الأوسط أكثر ما يحضر في أي مكان في العالم، وسبب الوجود الإسرائيلي ليس غائبا بالطبع، ولكن في النهاية الأولوية هي لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما تصيغها مراكز القوى وهذا الكم المرعب من العاملين في الشان السياسي والدبلوماسي عبر مؤسساتهم الحكومية والمدنية.
من شأن المتتبع لأحوال السياسة الأمريكية في المنطقة، ألا ينجر فقط نحو الإخفاقات والانجازات، بل عليه رؤية ما لم يتم تحقيقه، ولماذا؟ وبنفس الوقت كيف يمكن تحقيقه؟ مناسبة هذا الحديث هو دورة المفاوضات الجديدة بين السلطة الفلسطينية من جهة والحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى وبرعاية الرئيس أوباما شخصيا، ثم في المقلب الآخر يجري الحديث عن إطلاق المفاوضات السورية- الإسرائيلية، خاصة بعد تعيين السيد ساركوزي للسيد جان كلود كوسران مبعوثا من أجل إطلاق هذه المفاوضات، فإذا كانت السياسة الفرنسية مفهومة، وتريد أن تشارك مع السلطة السورية في استكمال ما بدأته من الانفتاح على السلطة، ومعروف كم هي مهمة بالنسبة للطرفين كم هو مهم ملف المفاوضات مع إسرائيل من أجل استكمال المهمة، والتي لا علاقة لها أصلا بإنتاج سلام عادل وشامل، بل لها علاقة بوضع السلطة السورية إقليميا ودوليا من جهة، وحشر أنف باريس في ملف السلام من جهة اخرى، وللعلم معروف عن جان كلود كوسران ومدير المؤسسة الحالية التي يعمل فيها وهي شبكة السيد الآغا خان أنهما لعبا دوراً مهماً في إعادة العلاقات بين باريس ودمشق عام 2007، إذ بعثه الرئيس نيكولا ساركوزي المنتخب حديثاً آنذاك في مهمة خاصة إلى لبنان وسورية قادت فيما بعد إلى جملة تفاهمات فرنسية سورية تركزت على المسألة اللبنانية، ويشغل كوسران حالياً منصب مدير الأكاديمية الدبلوماسية الدولية، في باريس التي تمولها بشكل أساسي شبكة الآغا خان.
استكمال إعادة العلاقات وما يترتب عليها هي الغاية من هذا التعيين، ليس إلا. هذا التعيين من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تعيره أهتماما كثيرا، لأنها في النهاية لا تريد شركاء لها في الملف الخاص بإسرائيل، تريد داعمين لسياستها في هذا الملف ماديا ورمزيا فقط، لهذا لم تكترث كثيرا مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو بعضا منها، بمهرجان عودة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في واشنطن واعتذرت السيدة آشتون منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن الذهاب، ورأت أن ذاهبها لا يقدم ولا يؤخر. في النهاية ما أردنا قوله في هذه الحالة، هو أن هنالك في السياسة الأمريكية والأوروبية عموما، لكونها تمتلك القوة، شيئان نادرا ما يجري التطرق لهما، أضع الوقت وأعطي الأمل، أضع الوقت حتى تصبح جاهزا" بمفاوضات وفشل مفاوضات وعودة مفاوضات وتعيين مندوبين لإحياء المفاوضات، وبعث الأمل من جديد، وهكذا دواليك. هذه السياسة لا يمكن أن تكون دون أن يكون هنالك وراءها قوة تحميها، فإن اللعب على الوقت لتحقيق أهداف، يجب ان تكون القوة موجودة لكي لا تضيع الأهداف الأساسية في غياهبه أو في بروز قوى جديدة أو منعطفات لم تكن في الحسبان. وهذا نجده في العين الأمريكية على ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية بشكل أساسي، وإسرائيل كنخب حاكمة وكأكثرية مجتمعية تعبر عنها مؤسساتها هل هي جاهزة لسلام مع الفلسطينيين أو السوريين؟ أعتقد أن أي مراقب يرى أنها غير جاهزة، وخاصة أن إسرائيل تريد معرفة الأوضاع الإقليمية وماهو موقعها فيها وهذا سبب آخر يضاف لسياسة إضاعة الوقت وإشاعة الأمل التي تنتهجها الآن حكومة باراك أوباما على صعيد الملف الفلسطيني والسوري. لأن عينها على العراق وإيران وأفغانستان. وإسرائيل مستمرة في إجراءاتها في قضم الأراضي وتحصين الجدار العازل، وتهويد القدس.
لهذا ستفشل هذه المفاوضات كغيرها وإن حققت شيئا ما لذر الرماد في العيون فسيكون وقف العمل بمستوطنة ما رفع الحصار عن مدينة فلسطينية ما.
فهل ستبقى القوة الأمريكية قادرة على هذا النوع من السياسة في الشرق الأوسط" إضاعة وقت الآخرين وإشاعة الأمل لديهم وكسب الوقت لها؟
* لايعني تراجع هذه القوة أو تعثرها هنا أو هناك أنه لم تعد كذلك. وامريكا إقليميا لم يعد بيدها كل أوراق الحل، ولكن بيدها تعطيل أي حل.