أصداء

لوحة الخشخاش وعلى فين يا وطن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لوحة زهرة الخشخاش كانت موجودة بمتحف الفنان محمد محمود خليل وتم سرقتها الخميس التاسع عشر من اغسطس الماضي او يوم السبت الذي يليه فلا احد يعلم متي سُرقت من المتحف، اللوحة تقدر بحوالي 55 مليون دولار اي حوالي ثلث مليار جنية مصري. كارثة سرقة لوحة الخشخاش تعكس الانهيار الكبير الذي تعيشه مصر الان والحالة المتردية التي وصلنا لها،فمتحف به لوحات تقدر بمليارات وبه 43 كاميرة مراقبة بهم 38 كاميرا لا تعمل فلا رقابة ولا مراقبة. قصة لوحة الخشخاش منذ دخولها مصر والي الان تعكس مصر الجميلة ايام الثلاثينات من القرن الماضي ومصر الان والتي فقدت كل شئ. لوحة الخشخاش التي سرقت تعكس الفرق الكبير جداً بين من كانوا في مواقع المسئولية عن هذا الوطن في مطلع القرن الماضي وبين مسئولي مصر الان. فمؤسس المتحف هو الفنان المصري الكبير محمد محمود خليل خريج جامعة "السوربون" الذي كان وزيراً للزراعة عام 1937 ورئيس مجلس الشيوخ عام 1939 وبالرغم من ان الفنون لم تكن في حقيبته الوزارية بل كان فقط علي صعيد الهواية الا انه استغل هوايته في خدمة مصر والحياة الثقافية بها فكان راعياً للفن التشكيلي المصري وكان الوزير الفنان محمود خليل يجول بلدان العالم كله هو وزوجته "الغير مصرية" بحثاً عن لوحات اشهر الفنانين لينتقي منها ما يشتريه ويجلبه لمصر وكان لوزير "الزراعة" دوراً هاماً في التبادل الثقافي والفني بين مصر وفرنسا ونال ارفع الاوسمة والنياشين الفرنسية اعترافاً بدوره في هذا المجال. فكان كغيره من المسئولين في مصر في تلك الحقبة والتي للاسف لم نعيشها وطنياً فاشتري اكثر من 208 لوحة شهيرة من فرنسا والصين واليابان وتماثيل برونزية ورخامية ووضعهم بقصر شيده علي نيل الجيزة علي مساحة ثمانية الاف متر وبعد رحيله وبناء علي طلب زوجته "الفرنسية" ووصيتها تم اهداء هذا القصر بما فيه للدولة المصرية ليكون متحف مشرفاً لمصر.

وكان يُشرف علي هذا المتحف بل وكان المسئول عن جميع وثائق حصول مقتنيات المتحف الخبير العالمي اليهودي "ريشار موصيري" وهو غير مصري ايضاً ولكنهم كانوا لهم ولاء كبير لهذا الوطن يبدو اكثر من ابنائها الان فلم يسرق شئ في هذا الوقت. علي النقيض للوزير الفنان محمد محمود خليل نجد الوزير الفنان فاروق حسني الجالس في الوزارة منذ اكثر من عشرين عاماً، حدث تراجع كبير لدور مصر الثقافي فضلاً عن العديد من الكوارث والناتجة عن الاهمال الجسيم مثل محرقة مسرح بني سويف والذي تم حرق عشرات الفنانين به لعدم وجود طفاية حريق واحدة تعمل. وفي الوقت الذي كان المسئول المصري يحظي بتقدير في المحفل العالمي ويحظي علي اوسمة ونياشين من دول العالم المختلفة كما حدث مع محمود خليل من قبل الفرنسيين وغيرهم نجد الوزير الفنان الان والذي أنفقت الدولة عليه مئات الملايين يفشل في رئاسة اليونسكو امام مرشحه من بلغاريا. حتي للاسف

في كارثة سرقة لوحة الخشخاش الاخيرة كل ما فعله الوزير هو تبادل الاتهامات بينه وبين مدير المتحف وكل منهم يتهم الاخر بالاهمال وكأن اهم ما في الامر هو تبرأة نفسه فقط. كذلك اعلن الوزير فاروق حسني للاعلام وابلغ رئاسة الجمهورية عن العثور على اللوحة وانه تم القبض علي اللصوص وهم اثنين سائحين ايطاليين وذلك في مطار القاهرة اثناء محاولتهم الهرب خارج مصر، وظهر ان هذه القصة ليس لها اساس من الصحة وتم نفي هذا الامر. المسئولين المصريين في مطلع القرن الماضي حتي الانتهازيين منهم ومن لهم احلام خاصة كانوا يحملون لمصر بالافعال حبا وعشقاً واملاً في رفعة هذا الوطن فكان الوزير يستقيل لأجل مبدأ وحين يخطئ،وكان يهدي قصره او مقتنيات ثمينة لدية لتكون متحفاً لمصر فكانت مصر اولاً. بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش والتي لا يعلم احد متي سرقت تحديداُ، بل ويشير البعض انها سُرقت وقت الصلاة حيث يترك الموظفين اماكنهم واعمالهم الامنية للذهاب للصلاة ممكن ساعد اللصوص علي سرقتها لخلو المتحف اثناء الصلاة. وهذا ما صرح به المؤرخ والناقد في الفن التشكيلي الاستاذ اسامة عفيفي حيث قال "ما حصل عبارة عن تهريج ويجب وضع حد له فهوس الصلاة الجماعية قد يكلفنا خسارة الكثير من القطع الفنية والاثرية وغيرها"، وتابع "يجب ان يوضع حد لمثل هذه المسلكيات في الاماكن الهامة التي يجب الحفاظ عليها ولا يمكن للعمل ان يتوقف ويتعطل بسبب الصلاة". واضاف "اذا كان لابد من الصلاة في وقت العمل يجب حينها ان يتم تحديد المسؤوليات وعدم ترك المكان دون الحماية اللازمة. هذه اللوحة التي سُرقت التي وان كانت قد خرجت من البلاد ربما تراها في متحف في انجلترا او في باريس وسيذهب اليها الملايين من السائحين بينما حينما كانت لدينا وكما قال سيادة وزير الثقافة الحالي ان المتحف لا يدخله سوي تسعة اشخاص يومياً. ازمة سرقة لوحة الخشخاش وبهذه الطريقة وبهذا الشكل المهين من الاهمال والفساد واللامبالاه نتوقع ما هو أسوء وربما نصبح يوماً ما لا نجد الأهرام او النيل وكل شئ متوقع. اخشي ان نذهب الي ما ذهب اليه الكاتب الكبير وحيد حامد في رواية "الجماعة" والتي قالها علي لسان الفنان عبدالله فرغلي ان "مصر الان خسارة في اهلها فهم لا يعرفون قيمتها الكبيرة". ومنذ قرن من الزمان قال مصطفي كامل عن مصر "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي..لك حياتي ووجودي..لك دمي..لك عقلي ولساني". ومنذ عقود قال الشاعر صلاح جاهين عن مصر " علي اسم مصر التاريخ يقول ما شاء...انا مصر عندي احب واجمل الاشياء" ومنذ شهور قال الشاعر هشام عباس الجخ عن مصر الان " لا شفت فيك هنا ولا شفت فيك ترف...كل اللي فيكي قرف" ويضيف "وطن غرقان في النطاعة....كل شئ ريحته نطاعة" هذا ما بداخل الشعراء الان تجاه مصر الحالية. ووسط هذا الظلام الحالك والتراجع كبير في الانتماء لهذا الوطن تظهر بقعة بيضاء مضيئة تذكرنا بوطنية المصريين في الماضي فقد قرر رجل الاعمال المصري المهندس نجيب ساويرس بدفع مبلغ مليون جنيه لمن يعيد او يساعد في عودة هذه اللوحة الهامة جداً لمصر وهو موقف معتاد يضيف الي مواقف وطنية اخري فعلها. موقف لم يفعله من اخذوا من هذا الوطن كل شئ وعاشوا على خيراته سنوات هم وابناؤهم ولم يقدموا له شيئاً واحداً".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اضافة
رأفت جندى -

مقال رائع واحب أن اضيف أن باشوات مصر اجتمعوا لكى يسددوا دين مصر لإنجلترا ايام الخديوى اسماعيل ولكن انجلترا عطلت هذاالأمر لكى تكون ديون مصر غطائهم الشرعى للأحتلال فكيف نقارن هذا بما يتم حاليا من نهب لمصر من اقطاب الحزن الوطنى.

اضافة
رأفت جندى -

مقال رائع واحب أن اضيف أن باشوات مصر اجتمعوا لكى يسددوا دين مصر لإنجلترا ايام الخديوى اسماعيل ولكن انجلترا عطلت هذاالأمر لكى تكون ديون مصر غطائهم الشرعى للأحتلال فكيف نقارن هذا بما يتم حاليا من نهب لمصر من اقطاب الحزن الوطنى.