وهم ثروات الأمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا اعتقد إن تداول عبارة "ثروات الأمة" للإشارة إلى المواد الأولية مثل النفط و الغاز الطبيعي و الفوسفات و باقي المواد المنجمية المتوفرة في الدول العربية يمثل مشكلة في حد ذاته. لكن الخطأ يكمن في المبالغة في أهمية هذه الثروات و الاعتقاد السائد بان سوء استعمالها هو مكمن الفقر و التخلف الحاصل حاليا في الدول العربية.
تفيد بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عن صندوق النقد العربي في سنة 2009 إن مجموع إنتاج قطاع الصناعات الاستخراجية لم يتجاوز 77 مليار دولار في سنة 2008 في الجزائر، على سبيل المثال، رغم ارتفاع أسعار النفط، و هو رقم أعمال شركة صناعية صغيرة في الغرب. و حتى إذا ما أخذنا مجموع إنتاج هذا القطاع في الدول العربية الذي بلغ 823 مليار دولار، فهو لا يتجاوز نصف إنتاج فرنسا خلال نفس السنة. فقيمة "ثروات الأمة" مبالغ فيها إلى حد كبير. أي انه لا يمكن التعويل على المواد الأولية لتحقيق الثروة في بلداننا، خصوصا و أن هذه الثروة تنحصر في معظمها في دول معينة و قليلة السكان.
و الاسوا أن هذه الثروة تنعكس سلبا على قدرة الاقتصاد الوطني على النمو على المدى الطويل، مما يؤدي في النهاية إلى ضعف نسبي في معدل دخل الفرد في الدول العربية الغنية بالمواد الأولية. يعود ضعف النمو في هذه الحالة إلى ما يسمى بالمرض الهولندي ldquo;Dutch Deceaserdquo; لان من طبيعة الدولة ذات الثروات الطبيعية أن تهدر هذه الثروات بإتباع سياسات اقتصادية غير مجدية، و ألا تعطي قطاعات الصناعة و الخدمات الأولوية اللازمة. كما أن ارتفاع الأجور و سعر العملة المحلية يقللان من تنافسية الصادرات في الأسواق الخارجية لهذه الدول، مما يحد من قدرتها على الاستيراد.
يمكن أن نقول بلغة الأرقام إن اكتشاف ثروة طبيعية بإمكانه أن يضاعف من معدل دخل الفرد من 750 إلى 1500 دولار على المدى القصير. لكن الدولة التي لا تتوفر لها هذه الثروات و انطلاقا من نفس المستوى (750 دولار معدل دخل الفرد) سوف يكون بإمكانها أن تلحق بمستوى عيش الدولة الثرية بالموارد الطبيعية خلال ثلاثة عقود فقط، إذا ما حققت نسبة نمو سنوي لدخل الفرد بحدود 4% بينما لم تستطع الدولة الغنية بالثروات الطبيعية تجاوز نسبة نمو 2% للأسباب المذكورة أعلاه.
بل سيكون بإمكان الدولة الفقيرة بمواردها الطبيعية قلب الطاولة و تحقيق مستوى عيش أعلى لمواطنيها إذا تجاوز فارق النمو ما هو مذكور في المثال السابق. و هذا ما يفسر تحقيق النمور الاسوية مستوى عيش أعلى من الدول النفطية رغم فقرها من ناحية الموارد الطبيعية. كما حصلت عملية "قلب الطاولة" هذه في أمريكا الجنوبية، إذ استطاعت تشيلي تحقيق معدل دخل الفرد أعلى من جارتها البرازيل نتيجة انفتاحها الاقتصادي الاستثنائي و المبكر على يد الديكتاتور بينوشي في بداية السبعينات من القرن الماضي. و بالمثل، قلبت تونس الطاولة على جارتها النفطية الجزائر بتحقيق مستوى عيش أعلى، إذا ما استثنينا الزيادة الاستثنائية في أسعار النفط، خلال السنوات القليلة الماضية، و ذلك نتيجة التنويع الاقتصادي و تطوير الصناعات التصديرية الذي اعتمدته تونس منذ سنة 1972.
خلاصة القول، غالبا ما تمثل الثروة الطبيعية "لعنة" تحد من النمو الاقتصادي، إذ إن وجودها يمثل في حد ذاته عائقا أمام التنمية المستدامة. و هي حقيقة يجب أن تدركها النخب العربية و صناع القرار. و إلا بقيت هذه الدول تدور في حلقة مفرغة من موارد محدودة و بيئة مؤسسية لا تساعد على النهوض بالاستثمار و زيادة الثروة.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
M5432112@hotmail.com
a
التعليقات
غير مستقيم
حامد -الثروات الطبيعية لا تكون لعنة على من يمتلكها إلا في الحالة التي يكون فيها المالك معتوها.
المقال ممتاز
ali -المقال ممتاز وياريت تعطينا المزيدلتشخيص مواطن الخلل بارك الله فيك ز