سخرية المسميات واحراج الانتماء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عندما يجعلك الآخرون تسخر مـن نفسـك بنفسك
يبدو أن الصور التي ترسم عن المغرب في المهجر ومن طرف ضيوفه وزواره جعلت "هيبته" في وضع لا يحسد عليه؛ خصوصا أن المسألة متعلقة بالشرف، فأفلام جنسية تصور على أرضه، واغتصاب لطفولة بريئة في منتجعات أو بيوت ضيافة...، واستغلال الفقر والأمية في التبشير بين أفراد الشعب، وربما هجرة جماعية لفلذات أكباده، بعض إناثه للدعارة وبعض ذكوره للعمل في ضيعات فلاحية وغيرها في ظروف لا إنسانية، سواء على قوارب الموت أو بعقود ابتزازية، ومعطلون في أهم شارع من شوارع العاصمة الرباط تدق ضلوعهم، وهنالك أشياء أخرى من مثل قنوات عربية وخليجية تسخر من ثقافة المغاربة؛ معتبرة نساءه مشعوذات و"بائعات هوى"، ودول تمنع منح تأشيرة دخول للمغربيات بسبب جنسيتهن، كل ذلك وسياسيونا في مؤسساتهم نائمون مستهترون بعقول الناس غير آبهين بما يحصل حولهم..، لا أريد أن أُكثِر من "سلخ" انتمائي للوطن بفضح القيم التي يتبناها نموذج المواطن المسئول، ولا أن أنقض قيم الانتماء للوطن، ولا أريد أن أبدو أكثر مثالية -على غير العادة- بما قد أظهره من أحلام أو مقولات نبيلة، قد تعبر عما يجب أن يكون عليه "مسمى الوطن"، دون أن أنسى بطبيعة الحال انتمائي الواقعي له؛ بكل ما يحمله مفهوم الانتماء من ثقافة ايجابية أو سلبية، ولا أريد أن أبدو في الأخير، أني أفعل ذلك كله للتنفيس عن غضبتي من شريط تافه وفقط.
إن ما استفزني حقيقة لأنحت هذه الأحرف في "مقالة بائسة" كهذه؛ أني تذكرت مقالة لصحفي مغربي كان في جولة بالأردن؛ حكى عن نفسه أن مدير مرقص سأله عن بلده فاضطر محرجا لتبني "جنسية افتراضية" غير جنسيته الحقيقية، وكان السبب أنه شاهد بأم عينيه راقصات وبائعات هوى من بلاده وهن ينشطن في المكان، وثاني شيء أني وجدت على صفحتي الشخصية في موقع "الفايسبوك"؛ تعليقات على الشريط الكويتي الهازئ ببعض قيم المغاربة "السيئة"، فقد علق بعض أصدقائي المغاربة تعليقات تعبر عن اعجابهم بالشريط، كأن حالة " مازوشية بالغة اليأس" اعترتهم، حتى خيل إلي أن الصورة الكاريكاتورية التي بثتها قناة "الوطن" الكويتية عن مجتمعنا تبدو مشوهة وذات بعد واحد، بالمقارنة مع رسومات المغاربة عن أنفسهم التي بدت واضحة وذات أبعاد ثلاثة "تروا ديمونسيون"، فتعليقاتهم كانت بديعة وأقرب للحقيقة رغم كونها ساخرة، فقد شكلوا صورة كاريكاتورية عـن أنفسهم وعن مجتمعهم بتعليقاتهم تلك بشكل مباشر بلا وسائط خليجية، متجاوزين "سخرية" الشريط الكويتي بأميال ضوئية، لأكتشف معهم أن رُب سخرية عرت عن النفس وعن الآخر من جدية حاجبة عنهما، وبتعبير أدق ان الإنسان قد يكون أكثر وضوحا وصراحة مع نفسه والآخرين وهو في حالة السخرية من نفسه بنفسه، فما وقع فيه أصدقائي الظرفاء في تعليقاتهم "الفايسبوكية"، لا يمكن إلا أن يكون لحظة وضوح متبرجة بسخرية.
كم من قائل أن الاستعمار كان ضرورة تاريخية لتحفيز روح الوطنية وتسريع الحركة التحديثية وتفكيك القيم التقليدية وغيرها، واليوم الكثيرون ممن علقوا على شريط أنتجته قناة "الوطن" الكويتية -وليس الكويت- اعتبروه إهانة و"حكرة" توقظ فيهم روح الافتخار بجنسيتهم وتنبههم للإعتزاز بتاريخ وطنهم "المغرب الأقصى"، لينال الشريط وضع "غير العادي" في طبيعته ولحظته، وليحفز بعض الكتاب والمثقفين والفنانين و"الوطنيين" المغاربة للدعوة لرد الاعتبار لمفهوم "المواطن المغربي" الذي تهان كرامته في كل مناسبة، سواء كان في داخل الحدود أو على أبوابها، لأنه بكل بساطة ينتمي لبقعة أرضية اسمها "بلاد المغرب الأقصى"، بحسب التوصيف التاريخي، ومما قد لا يعلمه هؤلاء الكتاب- وأنا منهم ربما- كون تلك الدعوة كانت ثملة بالسخرية أيضا، لأن حدثا كهذا قد زعزع الثقة في قيمنا الأخلاقية الثابتة، وأحرجنا لدرجة جعلناه موضوع جدل نتطارحه على موائد الإفطار كما كان للبعض الآخر مصدر تمويه عن جنسيتهم.
وفي الأخير؛ أخط أني لست بصدد زعزعة تعريف لمفاهيم فلسفية فضفاضة؛ كتعويض مفهوم "كرامة الإنسان" بمفهوم:"هيبة الدولة"، أو بصدد تأخير وتقديم لأولويات على أخرى، كأولوية المواطنة على مسمى الوطن؛ بقدر ما أحاول التعبير بدوري عن وطنيتي بشكل مختلف، ربما مخففا عن نفسي سخرية المسميات وإحراج الانتماء.
باحث في الأديان والتجديد الثقافي
جامعة السلطان مولاي سليمان -بني ملال- المغرب
اميل: B.yosuf@gmail.com