من النهضة إلى الحداثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عنوان الكتاب: من النهضة إلى الحداثة.
المؤلف: د.عبد الإله بلقزيز.
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 320 صفحة.
منطلقاً من أن كل حداثة تنهل بالضرورة من الحداثة الأوروبية بوصفها المصدر والأصل، يحاول الكتاب بيان أن أياً منها يتلوّن بلون المجتمع الخاص، الذي تنبع منه أفكار الحداثة، ويتكيف مع معطيات تاريخه. ومع اعتبار الحداثة العربية مجرد صورة عن الحداثة الأوروبية، فإن في هذا الاعتبار تجاهل للتاريخ وتخيل الأفكار الكائنة عابرة للمكان والزمان. فأي حداثة فكرية لا تنشأ مكتملة، وإنما تتطور وتنمو في سياق تراكمي.
يقرأ بلقزيز الحداثة في الفكر العربي بعيداً عن فكرة المضاهاة والقياس، وعن التسليم بأن "ماهيتها" كحداثة إنما تأتي من نظرتها الحديثة بمعزل عن مطابقتها أو عدم مطابقتها للنظرة الأصل، وبعيداً عن فكرة النموذج الأوحد الذي يتجاهل سياقات التطور التاريخي وقانون التراكم في الفكر والظواهر الفكرية. ويعتبر أن الحداثة العربية نجمت عن اتصال فكري عربي لم ينقطع بمصادر الفكر الغربي منذ قرن ونصف القرن، تخللهُ التقليد والاقتباس والاستلهام والتأويل والحوار والنقد، لكنها في الوقت ذاته نشأت كي تجيب عن أسئلة خاصة بالمجتمع العربي والثقافة العربية ما كان حداثيو أوروبا قبل قرن ونصف يواجهونها، لأنها لا تنتمي إلى حقلهم التاريخي والثقافي.
ويرى بلقزيز أن ثلاثة أجيال وموجات فكرية شهدها الفكر العربي، منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر، حيث يمتد الزمن الثقافي للجيلين الأول والثاني إلى منتصف القرن العشرين، وقد خصص لها كتابه الأول. أما موضوع هذا الكتاب فهو جيل الحداثة الثالث، الذي يبدأ في عقدي الخمسينيات والستينيات وإن كان معظم ما كتبه يقع زمنياً بين منتصف الستينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو الجيل الذي يتناول خطاب الحداثة عنده من خلال بعض أبرز ممثليه في العقود الأربعة الماضية، وبعض أهمّ الإشكاليات فيها.
ويرى أن خطاب الحداثة في الفكر العربي المعاصر مرّ بلحظتين فكريتين وإشكاليتين، تمتد حتى منتصف القرن العشرين، كان فيها نهضويّاً، وثانيهما، تبدأ منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي، كان فيها حداثياً، وعليه فإن البحث يركز على الانتقال من إشكالية النهضة إلى إشكالية الحداثة في الفكر العربي، والشروط التاريخية والفكرية لذلك الانتقال. ويحدد بلقزيز أربع سمات تسمُ الموجة الثالثة أولاها أن مفكريها كانوا أكثر اتصالاً بمصادر الفكر الغربي وتيارات الحداثة فيه أكثر من سابقيهم. وثانيها، غلبةُ منزع أكاديمي في التأليف ونقص في منسوب التبشرية في التفكير مقارنة بجيلي الحداثة السابقين، وخاصة بالجيل الثاني منهما. ويتصل النّفس الأكاديمي في تأليف مفكري الحداثة الجدد بواقع ميلهم إلى التخصص في مجالات وموضوعات بعينها.
وثالثها، علاقة نقدية بالمرجعين الثقافيين التراثيّ والغربيّ، اللذين تستقي منهما هذه النخبة معرفتها وتضعهما موضع مساءلة ونقد. وآخر هذه السمات هي النزعة التركيبية التي حكمت النظرة إلى مسائل المعرفة والفكر التاريخي والسياسة والاجتماع، تدخل حقائق الميراث الثقافي والديني في رؤية حداثية تنشد التقدم وتبني له فكرياً.
ويتساءل بلقزيز عن أسباب عدم تشكل صرح الدولة الوطنية، وعن العوامل التي أفشلتها، فضلاً عن مسائل الحداثة والعلمانية والنزعة التاريخية، وتقصي ذلك في السياقات الفكرية لدى كل من أنور عبد الملك، ناصيف نصار، علي أومليل، عبد الله العروي، ياسين الحافظ، هشام جعيط. فيعرض ما تقدم به أنور عبد الملك في كتابه "المجتمع المصري والجيش"، والذي عرّى فيه التجربة الناصرية من أوهام الاشتراكية، وانتقد حدة الاستبداد والقمع، وسيطرة الطبقة العسكرية على مقاليد الحكم نتيجة خروج رجالات ثورة يوليو عن مشروعهم الأساس، في تطوير المجتمع المصري، دون إنكار ما حققه النظام الناصري من إنجازات اقتصادية واجتماعية، ارتكزت على "رأسمالية الدولة" وليس على الاقتصاد الاشتراكي.
أما علي أومليل، فقد طرح مفاهيم تنهج نهجاً إصلاحيا إسلامياً، بدءاً مع رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، واستمر مع علي عبد الرازق، وصولاً إلى حسن البنَّا وسيد قطب، الذي قام بتأصيل نصوصه في إطار جاهلية العالم، وتكفير المجتمع والدولة. وفي إشكالية "العلمانية والدولة الوطنية" يعرض ما قدمه ناصيف نصار حول إشكالية الفصل بين الديني والسياسي، وإلحاحه على مدنية السلطة والحرية والديمقراطية والمواطنية؛ وتحليل أفكاره التقدمية، التي نهضت على المسار التلازمي ما بين بناء الدولة وبين المعارضة والتعددية الحزبية.
كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com