الفارق الكبير بين الإسلاموفوبيا والإرهابوفوبيا

72% من المقترعين رفضوا مشروع بيت قرطبة، وأمام هذه النسبة في بلد ديموقراطي، ما قيمة أصوات تؤيده لسبب سياسي أو دستوري أو لأمر في نفس يعقوب؟

الترميز السياسي
ولاية نيويورك واسعة جدا، وقول الإمام عبد الرؤوف (الذي يكتب قبل إسمه في الاعلام مواطن اميركي كما ورد على سبيل المثال في مقاله في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 30 رمضان 1431) ان إختيار الموقع صفر لبناء "بيت قرطبة"، هو للتقريب بين الاديان، قول مردود عليه لرفض كل متجاهلي أسباب التنزيل والمتشددين، وهو منهم، لمعاهدات السلام بين دول عربية وإسرائيل، كما يثير ايضا ذاكرة رفض الترميز السياسي لأحداث متنوعة.

رفض الخليفة عمر بن الخطاب دعوة الصلاة من البطريرك "صفرونيوس" في كنيسة القيامة بعد أن فتح القدس قائلا: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليها مسجدا. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى. وتحققت وجهة نظر الخليفة وجاء المسلمون من بعده، وبنوا على المكان نفسه مسجدا لم يزل قائما حتى اليوم. ما يعني أن الخليفة رفض الترميز السياسي لصلاته في الكنيسة، وهو أفهم إسلاميا من الإمام عبد الرؤوف الذي رفض مع جماعته قيمة 25% أعلى من ثمن العقار إياه من دونالد ترامب إتقاء لشر قد يحدث، من بناء يعتبره الناس رمزا سياسيا لإنتصار الارهاب!

حوّل الرئيس كمال أتاتورك مسجد آياصوفيا إلى متحف، إحتراما لمشاعر أوروبا، والمسيحييين بوجه عام، الذين كانوا منزعجين من تحويله من كنيسة إلى مسجد، ترميزا لإنتصار العثمانيين عسكريا.

ألغى الرئيس حسني مبارك الاحتفال العسكري بذكري إنتصار 1973، بعد إغتيال الرئيس أنور السادات أثناء العرض العسكري سنة 1981، لأن الاحتفال بالطريقة نفسها التي إبتكرها الرئيس الشهيد بمثابة ترميز سياسي لإنتصار متجاهلي أسباب التنزيل بإغتيالهم لصاحب الذكرى.

رفض منتخب الاتحاد السوفياتي المشاركة في مونديال 1974 اللعب أمام منتخب تشيلي على بطاقة التأهل للمونديال، إثر مقتل الزعيم التشيلي سلفادور أليندي في انقلاب عسكري أطاح بحكومته الاشتراكية، وإغتياله في القصر الحكومي على أيدي القوات المسلحة بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه. جاء رفض الاتحاد السوفياتي المشاركة في المباراة، بعد معرفته بإقامتها على الاستاد الذي شهد حشد الحكومة التشيلية للمعتقلين اليساريين فيه وتصفية المئات منهم، إضافة الى آلاف قتلوا واختفوا عن وجه الأرض، لتشارك تشيلي في البطولة بدون لعب المباراة الأخيرة في التصفيات.

المساواة عدل
تمسك الإمام عبد الرؤوف وكل مؤيدي مشروع "بيت قرطبة" بالدستور الاميركي كافل حرية العبادات للناس كافة، ما يعني بدون أي لبس أو إثارة للغرائز الدينية، أن الدساتير العلمانية تكفل العبادات، بينما الدساتير المستمدة من الشريعة الاسلامية لا تكلفها، سوى مستورة، أو غير معلنة كما، أو مضطهدة كما في مصر.

الامام فيصل عبد الرؤوف ممثل وزارة الخارجية الاميركية داخل الشرق الاوسط، وهو في جولات دائمة يتحدث فيها" عن التعاون بين الناس من مختلف الديانات" كما ورد في مقاله المشار إليه آنفا. والتساؤلات التالية ليست له وحده بل لكل هؤلاء الممثلون أمثاله من مختلف الديانات "السماوية": ما هي قيمة إجتماعاتكم لمسيحيين ومسلمين مضطهدين في بلدانهم الاصلية ويضطرون للهجرة إلى دول اخرى؟ يهاجرون بسبب إختلاف العقائد كما يحدث في العراق، وبسبب إختلاف المذاهب داخل العقيدة الواحدة، كما يحدث في إيران، أو غيرها من دول صديقة لأميركا؟ ما أهمية إجتماعاتكم لمسيحيين يصلّون في شقق في دول عربية لعدم وجود نص في دساتيرها يكفل حرية العقائد وممارسة شعائرها في الاماكن المتعارف عليه؟ هل مناصبكم مجرد وسائل إرتزاق ومصادر سلطة إضافية ووجاهة وعلاقات عامة؟

المساواة في الدساتير العلمانية عدل، فمتى تتم المساواة في الدول التي تستمد دساتيرها من الاسلام وهو شريعة وحقيقة؟ ثم أن "العدل أساس المُلك" "ومن ساواك بنفسه ما ظَلم"، حسب الشريعة الاسلامية نفسها! السؤال موجه هذه المرة للرؤساء/الملوك والملوك وأولياء العهود.

اسباب التنزيل
من الملاحظ أن القس تيري جونز قد صب غضبه على الاسلام نفسه، لدرجة أن كنيسته وزعت قمصان عليها عبارة "الاسلام دين الشيطان"، ودعوة القس لحرق القرآن تعتبر قمة العدائية للإسلام، الذي يربطه البريطانيون ايضا بالتطرف، وبدأت موسكو ترفض بناء جوامعه فيها، وهو ما يُطلق عليه إسلاموفوبيا، بينما الوقائع تشير إلى إنه إرهابوفوبيا، لأن معظم المسلمين أنفسهم يحاربون المعركة، نفسها ولا يُعقل أن يحارب المسلمون الاسلام أو القرآن!

أشهر ضحايا هذا الارهاب الرئيس أنور السادات، الذي أيده الأئمة في مصر قبل وأثناء حربه مع إسرائيل بأنه يحارب القوم الكافرين، ثم نودي بعد مبادرة السلام في الجوامع نفسها " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"، وبعد أن رفعه الشيخ متولي الشعراوي إلى مرتبة "الذي لا يُسأل عما يفعل!" متجاوزا يقينا إسلاميا راسخا هو أن الله فقط وحده لا شريك له ولا يُسأل عما يفعل، قالت الجماعات متجاهلة أسباب التنزيل بهدر دمه!!

إستخدم كل هؤلاء آيات من القرآن لم تنزل على أنور السادات أو من اجله!! بل لها مناسات تنزيل محددة، يتجاوزها متجاهلو أسباب التنزيل لأسبابهم الخاصة، وهذا الامر يحدث تزلفا للسلاطين، أو بايعاز منهم منذ الإنقلاب على الاسلام نفسه، وبناء الدول الملكية منذ ألف عام ونيف.

هذا هو "الارهابوفوبيا" الذي يجب أن يُحارب ويتكاتف المسملون والمسيحيون معا ضده، ويجب أن يعود علم أسباب التنزيل إلى الواجهة، خصوصا عند ترجمة معاني القرآن، حتى يدرك الناس أن آيات إعلان الحرب وما إلى هنالك نزلت على النبي محمد نفسه لسبب محدد، ولا تصلح آيات نزلت بسبب مشركي مكة وعابدي الاصنام وأبي لهب لتُستخدم ضد أهل أوروبا والولايات المتحدة، الذين لم يشر أحد منهم، ولا حتى المسلمين، إلى اسباب التنزيل هذه لأسباب غير معروفة.

روائي لبناني مقيم في الولايات المتحدة