أصداء

"سيبّاريت بط جويند" والمفاوضات المباشرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


لا تظنّني عزيزي القاريء ضليعا في اللغة الإنجليزيّة ولكني حتى لا "ألطُش" كلمات لأحد قررت أن أستعمل كلماته وباللغة التي استعملها لأن له الحق الأول عليها، كما له حقّ أساسيّ على "دولة المواطنين" لم يطالب به يوما. ترجمة هذا الاصطلاح أو الفكرة الحرفيّة هي "منفرد أو منفصل ولكن مرتبط أو متداخل" والمقصود منها جوهريّا "دولتان مستقلتان لكن مترابطتان".

جمعتني قبل مدّة والمحاضر سعيد زيداني وصديق مشترك "نحفاوي" ابتلاه الزمن مؤقتا في أميركا، سهرة "رام اللاويّة" غصنا خلالها في الهموم المشتركة وتوصلنا في النهاية إلى أن مرحلة "دولة المواطنين" التي كان أهم أصحابها، انتهت ميدانيّا إذ كانت نتاج ظروف أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات وهذه الظروف انتهت مفاعيلها ومعها يجب أن ينتهي نتاجها، والميدان عالميّا وإقليميّا ومحليّا أنهى أحلام "الدولة الواحدة العلمانيّة" و"الثنائيّة القوميّة" وكذلك حلم "الدولتين" وحلم "دولتين لشعبين"، على الأقل إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وبعد طول أخذ ورد رسونا على فكرة "دولتان مستقلتان لكن مترابطتان" وفي لسان المحاضر زيداني "سيبّاريت بط جويند" كالحل الذي يجب أن يطرح بعد تعذّر تحقيق البدائل.
حل الدولتين والمتبنى شعارا وعلى أساسه انطلقت المفاوضات المباشرة هو ليس ما يطرح كل طرف بقبوله "الدولتين"، وهنا تكمن العقبة الأولى والتي لا بوادر لإمكانيّة تخطيها وهذا قبل أن يصل المتفاوضون إلى العقبات الكأداء الأخرى. الدولتان من وجهة النظر الفلسطينيّة هما "فلسطين وإسرائيل ال-1967" أما من وجهة النظر الإسرائيليّة هما "فلسطين (- /ناقص) وإسرائيل اليهوديّة (+)". الفجوة بين هذا وذاك ليست "سيمانتيّة"، الفجوة جوهريّة، وما دام الجانب الفلسطيني لا يقبل اعترافا بإسرائيل يهوديّة (+) والجانب الإسرائيلي لا يقبل بأقل من يهوديتها (+)، فحتما لن يصل الطرفان إلى أبعد من الدخول في المفاوضات.

الدراسة التي صدرت مؤخرا عن مركز "بيجن- سادات للبحوث الاستراتيجيّة" في جامعة بار- إيلان وبقلم الجنرال احتياط غيورا آيلند وتحت عنوان "بدائل إقليميّة لفكرة دولتين لشعبين" وقبل انطلاق المفاوضات المباشرة، هذه الدراسة إضافة لموقف ذوي العلاقة الإسرائيليين والعرب، يفضيان إلى نتيجة واحدة هي أنّ حل "الدولتين" أو "دولتين لشعبين" المطروح ما هو إلا حلم يقظة ليس إلا.

الفرق بين الباحث الإسرائيلي والباحث العربي المعارضين شكلا أو مضمونا غير المختلفين في عدم قبول حلّ الدولتين وليس بالضرورة بسبب حظوظه، يختلفان في البدائل المطروحة فبينما يطرح العربي (والإسلامي) المعارض عدم المشاركة في المفاوضات وبديله ترتيب أوراق الصمود والمقاومة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، إلا أن اليهودي يطرح بدائل هي "سباحة ضدّ التيار التفكيري التقليدي" كما يسميها، بعد أن يصفي الحساب مع كل الأطروحات منذ أوسلو ال-1993 إلى مؤتمر كامب ديفيد صيف ال-2000 ومباديء كلينتون نهاية ال-2000 وأنابوليس ال-2007 والتي لم تنجح بالتوصّل إلى حلّ رغم أن كل المعطيات والعقبات كانت أسهل مما هي عليه الآن دوليّا وإقليميّا.

أربع وجهات نظر ممكنة لحل قائمة في إسرائيل:
الأولى: تفترض أن لا مجال للتوصل إلى حلّ سياسيّ في المستقبل المنظور، ولذلك من الأفضل أن يُدار الصراع وألا يُحل. (اليمين الإسرائيلي بدء بالليكود)
الثانية: حل مؤقت بدولة فلسطينيّة مؤقتة لاستبعاد الدخول في القضايا الأساسيّة. (الليكود بجزئه ويمين العمل)
الثالثة: حل الاتفاق النهائي، حل الدولتين لشعبين كما هو مطروح كعنوان اليوم ورغم الفهم المتناقض له عند كلا الطرفين. (الليكود بجزئه مناورا والعمل واليسار الصهيوني)
الرابعة: حلول أخرى وليس بالضرورة عل قاعدة دولتين لشعبين. (أبحاث ودراسات، اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراؤها)
في الثلاث الأولى لا مجال للتوصل إلى حلّ فالحد الأعلى الذي يمكن أن تصل له أية حكومة في إسرائيل وتبقى، لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يستطيعه أي حكم فلسطيني وأي كان لكي يبقى، ولذلك المفاوضات الحاليّة وكل مفاوضات لن توصل إلى أي مكان.

الجنرال غيورا آيلند يعود في دراسته أعلاه للحل الفدرالي الأردني الفلسطيني مطوَّرا، بإقامة مملكة أردينّة فدراليّة مركبّة من ثلاث دول States على شكل الولايات الأميركيّة، واحدة في شرقيّ الأردن وأخرى في الضفة الغربيّة والثالثة في غزّة على أن تكون هذه في مرحلة لاحقة، والدارس يدعّم إمكانيّة نجاح اقتراحه بحجج كثيرة فيها تغلّبٌ حسب اجتهاده على كل الصعوبات في الحلول المتداولة وبالذات حل الدولتين.

أمّا الحل الآخر الذي يقترحه آيلند هو بتبادل أراض يكون فيها شركاء مصر والأردن والسعوديّة وكالآتي:
تتنازل مصر عن مثلث من سينا متاخم لقطاع غزة طول ضلعه على البحر المتوسط 24 كم وضلعه على الحدود المصريّة الإسرائيليّة 30 كم وبمساحة 720 كم أي ضعفي مساحة قطاع غزّة البالغة 365 كم يقام عليها ميناء عصريّ ومطار دولي، وهذه المساحة مساوية ل-12% من مساحة الضفة التي تطلبها إسرائيل (كتل الاستيطان)، وبالمناسبة جدار الفصل أبقى خلفه قبل تدخّل المحكمة العليا 12.5% أما بعد تدخلها فبقي 8% غربه، وهكذا في اقتراح باراك كامب ديفيد ال-2000.

تأخذ مصر بالمقابل 720 من النقب الجنوبي في منطقة فرّان وممر تحت أرضي سياديّ بين سيناء والأردن شمالي إيلات، تستفيد منه الأردن والسعوديّة وغيرهما من دول المشرق العربي كالعراق. طبعا الدراسة تعدد الكثير من الامتيازات الأخرى التي يمكن أن يستفيد منها كل الأطراف.

هذه هي الحلول المطروحة والمتفتق الذهن عنها وكل باحث أو متتبع أو مراقب يستطيع أن يجتهد فيها "مُشرّقا ومُغرّبا"، ولكن في نهاية الأمر الامتحان هو الثوابت الفلسطينيّة الأخرى، القدس وحقوق اللاجئين وهنا الصراع تناحريّ استعارة من الماركسيّة. إذا ليس صدفة أن التشاؤم هو سيّد الموقف والكل ينتظر ما يمكن أن يأتي به الزمن حسب أمانيه وأحلامه التي ليست بالضرورة قابلة للتطبيق على الأقل في المستقبل المنظور.

وما دام أنّ أي حل ومهما كان هو اعتراضي حتى لو أسميته دائما ومنهيا للصراع، ولأن الشعوب بحاجة لاستراحة محارب وبالذات الشعب الفلسطيني، فمن هنا الحلّ تحت العنوان "سيبّاريت بط جويند: دولتان منفردتان مستقلتان ذاتا سيادة تتشاركان في الكثير من المرافق وفي الديموغرافيّة" هو الأقرب للتطبيق.
طبعا الفكرة والتي يمكن أن تبدو للوهلة الأولى "فنطازيا" لكنها جديرة على الأقل لبحث الباحثين ودراسة الدارسين على ضوء فشل البدائل أو بغيابها، وخصوصا أن الوقائع ليس فقط النوايا تجعل كل حلّ آخر مطروح غير قابل للتطبيق بطرق الحلول السلميّة التقليديّة.

كل هذا لا يعني من وجهة نظري عدم الدخول في المفاوضات رغم استحالة إمكانيّة التوصل إلى شيء فيها، وفي هذا أنضم أنا إلى أشدّ المتشائمين ولكن ما دامت المفاتيح اليوم في يد اللاعبين الفاعلين وبالذات دول الغرب و"معسكر الاعتدال العربي" كما يسمى، فلا ضير من المحاولة وانطلاقا من استبعادي أن أي قائد فلسطيني مهما بلغ "اعتداله" لا يستطيع حتى لو أراد، وأستبعد أن هنالك من يريد، أن يتنازل عن أي من الثوابت الفلسطينيّة، فليحاولوا ولعلّ في ذلك كشفا على الأقل للأوراق الإسرائيليّة لمن لم تتكشّف حتى الآن لديه أو تكشّفت لكن عيونه حولاء فيمعن عندها البصر والبصيرة.

وعندما تنتقل المفاتيح للأيدي "الرافضة" فليفتحوا الأبواب بالطريقة التي يشاءون، فالبوصلة يجب أن تكون الآن حياة ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال وفي الشتات، ولن يمنعنا ذلك من أن نبقى نحلم وإياهم بما نرغب ليبقى لأبنائنا حلم ينطلقون لتحقيقه مع الأيام إذ ربّما يكونون يومها أكثر منّا فعلا وتكون شعارات محو إسرائيل انتقلت من على شاشات التلفزيونات إلى شاشات الرادارات المصنوعة بأياديهم!

النائب المحامي سعيد نفّاع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف