لاشئ مقابل کل شئ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد إنتهاء فترة الحداد على وفاة الاب، خاطب الاخ الکبير أخاه الصغير بقوله: الان لابد من حسم موضوع الدار الذي ترکه المرحوم والدنا من بعده، فأجابه الاخ الصغير بهدوء؛ حسنا الامر واضح جدا نصفه لك و النصف الآخر لي! فهتف الاخ الکبير مستهجنا الرأي: لا لا، هذه قسمة غير منصفة، يجب أن تأخذ أنت القسم الاکبر من الدار، وهنا تعجب الاخ الصغير وقال: کيف ذلك، أنا لاأريد غير حصتي ولاشئ غير ذلك، فبادره الاخ الکبير: أنظر عزيزي، الدار عندما ندخلها إبتدائا من الباب و حتى نهاية سطح الدار لي، أما من نهاية سطح الدار و حتى عنان السماء حيث هي أطول مسافة فلك لوحدك!
طريفة وجدت من المناسب سردها وانا أتابع تداعيات و مستجدات الوضع في ترکيا حيث تسعى حکومة حزب العدالة و التنمية خلال الآونة الاخيرة الى ممارسة قدر أکبر من الضغط السياسي و حتى الامني على حکومة إقليم کوردستان العراق عبر سلسلة زيارات معلنة واخرى غير معلنة من أجل وضع حد نهائي لقضية نضال حزب العمال الکوردستاني من أجل الحقوق المشروعة للشعب الکوردي في ترکيا وتجريده من السلاح. الحکومة الکوردية التي دأبت على فتح بابها على مصراعيه أمام الاتراك في مختلف المجالات وجعلت من تواجدهم الاقتصادي و الثقافي وحتى الامني رقما صعبا لايمکنها مطلقا أن تتجاهله وهو في کل الاحوال لصالحهم من کل النواحي، تستقبل مختلف المسٶولين الاتراك وعلى مختلف الاصعدة والرتب و تتقبل مختلف"الاساليب"و"اللهجات"من جانبهم، لم يعد في وسعها سوى أن"تتمنى"و"ترجو"و"تتوسم"من الحکومة الترکية(الرشيدة) أن تهتم لأمر الشعب الکوردي هناك وان تسعى لحل القضية الکوردية حلا سلميا ديمقراطيا وفي الوقت الذي لايجد هذا الخطاب الرسمي الکوردي من صدى له سوى في المحافل الاعلامية، فإن حکومة السيد رجب طيب أردوغان ماضية قدما في سياستها الخاصة لمعالجة القضية الکوردية في ترکيا بمنطق(تريد أرنب خذ أرنبا وتريد غزالا خذ أرنبا)، وهي تتصرف وکأنها هي(الخصم و الحکم) و مازالت تصر على أن اولئك المقاتلين الشجعان الذين أجبروا ساسة و جنرالات أنقرة على الاذعان و الاقرار بأن هناك فعلا قضية کورديـة، هم مجرد زمر من المخربين و قطاع الطرق وليست لهم أية علاقة بالقضية الکوردية لامن قريب او من بعيد!! أما حکومة أربيل التي تسعى من خلال اسلوب يغلب عليه التوافقية و المجاملة"الفجة" الى الترحيب بأي خطوة ترکية سطحية بل وحتى قشرية لحل القضية الکوردية هناك، وهي"أي حکومة أربيل"، لاتعلن عن مخالفتها لهکذا منطق وانما حتى ترحب به ضمنا لکن"من دون شوشرة"، يبدو أن أنقرة تحبذ و تفضل أن تتعامل مباشرة مع هذه الحکومة من أجل حسم موضوع سلاح حزب العمال الکوردستاني أملا منها في أن يدفع ذلك الى إنهاء دور هذا الحزب او تقليله داخل الاوساط الکوردية في المنطقة الکوردية من ترکيا.
حکومة العدالة و التنمية ذات الجوهر الاسلامي الخاص(المعالج من أجل التأقلم مع الکماليـة و الدخول للأتحاد الاوربي)، مازالت تراهن على قدرتها وامکانيتها على حسم الملف الکوردي من دون حزب العمال الکوردستاني، وهي تبغي من خلال سياسة جديدة بالغة الخبث جعل هذا الحزب مثل أحزاب کوردية"إيرانية" معارضة، مجرد هيکل سياسي لاعلاقة له البتة بالداخل وانما هي تجمعات تعمل و تناضل داخل أبنيتها لنفسها فقط من دون أن يکون لها أي حضور وعلى أي صعيد في الاحداث و المجريات الداخلية والحق أنها تنتظر الحدث وليس تصنعه او توجهه بعکس حزب العمال الکوردستاني تماما، وقطعا فإن هکذا سياسة مشبوهة و خبيثة لاهدف من ورائها سوى الاجهاز على حرکة التحرر الکوردية ذات الطابع الديمقراطي و المحتوى الانساني وإختصار المطالب الکوردية في مجموعة ديباجات منمقة معدة داخل الاقبية الاستخبارية و الامنية الخاصة سيما وان الاعداد لزيارة"هاکان فيدان" مستشار وکالة الاستخبارات الوطنية الترکية لأربيل قريبا هو أمر ذو صلة قوية بهذا السياق وان مجريات الامور و الاحداث تظهر بشکل او بآخر بأن التنسيق و التفاهم بين أنقرة و أربيل قد قطع شوطا بعيدا من حيث رسم خارطة طريق خاصة للإلتفاف على حزب العمال الکوردستاني وجعل حزب العدالة و التنمية ناطقة و ممثلة لآمال و تطلعات الشعب الکوردي لکن وفق منطقها و اسلوبها و طروحاتها الخاصة.
أما بشير أتالاي وزير الداخلية الترکي الذي وصل هو الاخر الى أربيل أخيرا، فهو لايکف عن إطلاق تصريحات بخصوص(مسيرة الانفتاح الديمقراطي التي باتت تسير بسرعة أکبر)، إنفتاح ديمقراطي لکن من دون ممثلي الشعب الکوردي الحقيقيين، إنفتاح ديمقراطي تجهز و تعلب فيه الحلول و طرق المعالجة و حسم القضية عبر الدوائر الامنية و الاستخبارية وعبر مشاورات مع جهات غير معنية بالشأن الکوردي في الشمال الکوردستاني کما هو الحال مع حزب العمال الکوردستاني، وان حکومة العدالة و التنمية التي تسعى لإيهام الشعب الکوردي و خداعه بأنها جدية في حل القضية الکوردية، مازالت کل خطواتها ذات طابع اعلامي و دعائي محض وانها في الوقت الذي ترى بأم عينيها الحرمان و الحيف الکبيرين الذي يلحقان بالمناطق الکوردية، لاتسعى ازاء ذلك سوى بإطلاق الوعود و العهود وتماما مثل ذلك الاخ الکبير الذي قام بتقسيم أرث أبيه مع أخيه الاصغر کما اوردناه بداية المقال، ذلك أن کل ماعلى الارض فهو لغير الکورد، أما مايتواجد بين الارض الکوردية و حتى عنان السماء فهو للکورد لوحدهم!
سقيم و مشلول منطق يعتمد على سلب کل شئ مقابل لاشئ کما تفعل الحکومة الکوردية مع حرکة التحرر الکوردية في الشمال الکوردستاني وانها"أي الحکومة الترکية"، لن تجد حلا نهائيا للمشکلة أبدا طالما أبعدت او سعت لإقصاء أصحاب القضية الحقيقيين من الساحة ولن يتحقق سلام مطلقا بدون أن يکون المفاوض الکوردي من حزب العمال الکوردستاني، وان على حکومة إقليم کوردستان العراق أن تعي جيدا بأنها لو مضت و توغلت أکثر في هذه البرکة الترکية الآسنة فإنها لن تحقق أبدا أية نتيجة إيجابية على الارض وانما ستهيأ الارضية لتقديم المزيد و المزيد من التنازلات و الخضوع أکثر فأکثر للإبتزاز الترکي الذي لن ينتهي أبدا طالما بقي هنالك حلم کوردي!