فضاء الرأي

ويكليكس... جدل المعرفة والسلطة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ أن بدأ موقع ويكليكس في تسريب الوثائق السياسية الطازجة تغير العالم، لا سيما الولايات المتحدة. فما قام به الاسترالي جوليانج أسانج لا يندرج فقط ـ كما هو شائع ـ في تلك التداعيات التي ستنشأ على هامش الوثائق التي لم ينشر منها حتى الآن إلا أقل القليل، وما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة لجهة تخفيف آثار هذه التداعيات مع حلفائها من ناحية، والطريقة الفعالة لمعاقبة جوليانج أسانج من ناحية ثانية. بل ربما كان يندرج أساسا في سؤال المعرفة ومواجهتها للسلطة والتأمل عميقا في تلك العلاقة حيال التحولات البنيوية التي أدت إلى فتح صندوق باندورا عبر اختراق تحصينات موقع وزارة الدفاع الأمريكية. فما كان يمكن أن يحدث بعد خمسين أو خمس وعشرين عاما ـ بحسب العمر الافتراضي للوثائق ـ أصبح بالإمكان نشره في نفس الوقت وعلى أوسع نطاق وبالمجان. لقد أثارت تلك الوثائق جدلا لا يمكن أن ينتهي في الوقت القريب حيال الكثير من المخططات السرية والاتفاقات المبرمة وراء الغرف المغلقة لرجال السياسة، وهي مخططات تتعلق بمصائر دول ومجتمعات في أماكن مختلفة من العالم. ورغم أن كثيرا من المراقبين شبه هذه التسريبات التي أقدم عليها موقع ويكليكس في آثارها وتداعياتها بأحداث 11 سبتمبر الإرهابية، إلا أن ثمة الكثير من الملابسات ستنشأ بفوارق جوهرية يمكننا أن نرصد من خلالها طبيعة هذا العمل وما سيثيره من جدل كثيف حول تلك المطابقات التي تجعل من عالمنا عالما يسير بحسب إرادة القوة والمعرفة في مسار اضطراري، ظل يعكس في نفوس الكثيرين خوفا لا عقلانيا حيال قوة مطلقة بفعل تلك العلاقة الرهيبة. ماقام به جوليان أسانج هو بمثابة اختراق لذلك التابو من موقع الحق الإنساني في المعرفة من ناحية، ومن موقع المواجهة المباشرة من ناحية أخرى دون أي تجاوزات أخلاقية تدرجه في دائرة الإرهاب مثلا. برغم الآثار التي ستخلفها هذه العملية في الكثير من أنحاء العالم، وبرغم ماستثيره الولايات المتحدة من تنظيم دوافع تأويلية بحثا عن أي ثغرة في لوائح العقوبات القانونية علها بذلك تلعب دورا مؤثرا في تخويف جوليان أسانج بتلك الطريقة الغبية لتوقيفه عبر البحث في تاريخه الشخصي والسلوكي كسبب لاعتقاله بأسلوب مكشوف لا يمكن أن ينطلي على أحد. فبعد الإفراج عن أسانج بكفالة مالية في لندن فجأة سكتت كل التهديدات الأمريكية حول الوعيد الذي توعدت به صاحب ويكليكس. وإزاء هذه المواجهة بين المعرفة والسلطة، وإمكانية التحدي المتواصل من طرف موقع ويكليكس الذي كان يواصل نشر الوثائق فيما كان صاحبه يخضع للمحاكمة، لا ينشأ الجدل حول : ما إذا كان الذي قام به أسانج هو صحيح أم خطأ في النقاش العريض الذي يجري في العالم اليوم، ولا يمكن أن يكون ذلك سبيلا لإدانة أخلاقية لفعله ذلك فالإدانة أتت من قبل السلطة (الولايات المتحدة وحلفاؤها) وهي وحدها ـ وبحسب قانونها الذي يقوم على فائض القوة ـ من تعرف أثر تلك العاصفة التي إثارتها ويكليكس نتيجة للتناقضات التي تكشف عنها الأسرار. والحال أن ما تزعمه الولايات المتحدة من أن هذه الوثائق ستعلب دورا في كبيرا في الاخلال بأمن العالم أنما هو وسيلة لا شعورية في الدفاع المبكر عن تلك التداعيات التي تقع نتيجة لتصرفات القوة والسلطة في تسوية القضايا بأساليب سرية وغير عادلة، لا سيما في واقع متخلف وضعيف كالواقع التي يعم المنطقة العربية. إن الصدام الذي ينشأ من حرية المعرفة المشروعة وبين تحكم القوة والسلطة على خلفية وقائع ويكليكس لن يتوقف على هذه العاصفة بل سيمتد عميقا وسيحيل على تحديات أخرى وسيطلق رهانا كاشفا عن المزيد من صور الافتراق بين السلطة والمعرفة في الواقع السياسي للعديد من مناطق العالم. ستتكشف أوهام كثيرة، وستصدق تكهنات لمحللين سياسيين واستراتيجيين أدركوا قراءة الواقع فجاءت الوثائق مصدقة لما معهم من تصورات، وسيجري كل ذلك بطريقة أكثر إثارة وحيرة. ذلك أنه كلما اتسع التناقض بين الحق والقوة، كلما دل ذلك على قوة المعرفة وقدرتها لا على كشف الأسرار فحسب ـ مثل الاختراقات الالكترونية لعبقرية أسانج ـ بل وعلى أن المعرفة أيضا بطبيعتها تنحاز إلى القيم الإنسانية الكبرى كالحق والعدل. ولعل هذه القوة الأخلاقية لجوليان أسانج هي ماعززت موقفه المبدئي وإصراره على ضرورة كشف الوثائق السرية ليتم التعرف على مقدار الهول والدمار والكوارث التي وقعت نتيجة لتلك الأسرار، وليتمكن كل باحث عن الحقيقة من معرفة الآثار الكارثية لما يجري في الغرف المغلقة وما ينتج عنه من حروب لا سيما في منطقة الشرق الأوسط حيث الحلقة الأضعف التي يتم فيها تجريب فائض القوة العسكرية تحت مسميات عديدة. ومن خلال هذا الموقف الذي تسلح به أسانج أمام الوعيد الأمريكي يمكننا أن ندرك تهافت السلطة حين تتعرى أمام المعرفة والأسرار. صحيح أن آثار ويكليكس قد تكون بمثابة زلزال مثل زلزال 11 سبتمبر ولكن هذا تشبيه مع الفارق فقد حدث زلزال ويكليكس في ضوء المعرفة والموقف الأخلاقي الذي يخلق تعاطفا أشبه بالقوة الناعمة ويتحدى القانون بالقانون، فيما جرت أحداث 11سبتمبر الإرهابية تحت جنح الظلام وعبر قراءة متخلفة للدين، إذ لا يزال صاحبها هاربا في كهوف تورا بورا. بيد أن التناقض الأكبر الذي سيتكشف هنا هو تناقض السلطة (الولايات المتحدة) فهي إذ تدين صاحبي الزلزالين (أسامة بن لادن، وجوليان أسانج) من خلال رؤية مصالحها (المشروعة وغير المشروعة) تفضح الوجه العاري لها وتقع في تناقض كبير حين تساوي بين موقفين مختلفين تمام الاختلاف في الحقيقة والواقع. أن تسريبات وثائق ويكليكس لا تزال تتحدى الولايات المتحدة وتمعن في الكشف عن الجانب المظلم من سلطة القوة العارية، لتفتح بذلك طريقا معرفيا قد يلعب في المستقبل دورا ما في الحد من فائض القوة العارية، ويسمح بأدوار أكثر شفافية حيال استثمار الوقائع والمصالح المتناقضة بين الدول والشعوب. إنها بمثابة صندوق باندورا الذي فتح (شرورا) كثيرة على السلطة والقوة حين ساهم نسبيا في التشويش على قدرتها في التحكم بالأسرار بطريقة جعلت من المؤكد أن العالم سيكون بعد (ويكليكس) ليس كما كان قبله.
Jameil67@live.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عقيـدتنـا وقتالنـا
هشام محمد حماد -

[[••]] لا لا ؛ رويداً علينا أيها الكاتب المجتهد ؟ فلا عقيدة إلا الإسلام ؛ ومصير من يعلوا غير الإسلام معلوم لهُم ولنا [[••]] جمبع فعالياتنا كمسلمين [حتى القتال] تكون لنصرة دين الحق وفي سبيل الله .. [اللهُم أجعل جميع جميع أعمالنا خالصة لوجهك الكريم وفي سبيلك ونصرة الإسلام والمسلمين .. اللهُم إستجب اللهُم إستجب اللهُم إستجب ؛ وصلي اللهُم على سيدنا محمد وسلم إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين] [[••]] أما من يتقولوا بما أسموه ;وطنية ; نجدهُم بذلك بمأزق كبير عندما نسأل كل منكم : * هل أنت على إستعداد لقتال في غير سبيل الله ؟ * وهل أنت بإستعداد لتخسر الجنة في سبيل موطن تعيش فيه جغرافياً ؟ ولماذا نذهب بعيداً : ماهو مثلاً مصير جميع العاملين والعاملات المنتسبين للإسلام ويعملوا بالمخابرات أو بالداخلية مثلاً ؟ طيب - خذ الأثقل : حتى وإن كانوا من المصلين ؟ ؛ [[••]] والمسلمون حقاً أهل تقوى وقتال في سبيل الله تعالى بقدر إستطاعتك ؛ ولو بالدعاء حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : قاتلوا بأموالكم وأياديكم وألسنتكم صدق رسول الله ؛ ويقول الله تعالى [بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ صدق اللهُ العظيم] ؛ [[••]] ويأمرنا اللهُ تعالى بالآية التالية أمراً محدداً : [بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ صدق اللهُ العظيم] .. ومع تلك الآية الكريمة [وآيات متعددة أخرى] فلا مجال لمهادنة إلا بعد تقديمهُم الجزية مبلغاً وشروطاً .. لأن ذلك هو شريعة الله تعالى بالأرض التي خلقها وخلقنا فيها ؛ [[••]] فالأعمال تُرفع يومياً للعرض على الله عز وجل ؛ ولا تُرفع أعمال للظالمين ؛ ولا غير المسلمين ؛ ولا المتكبرين على شريعة الله ؛ ولا من يقاتلوا مسلمين [ولو بعدم منع الدخان بقرار] ؛ ولا من يحاربهُم اللهُ والرسول - نتاجاً لشيوع الربـا بالبنوك وبالأسواق ؛ وكذلك معتادو الن

اشادة
منير العبيدي -

ماقام به جوليان أسانج هو بمثابة اختراق لذلك التابو من موقع الحق الإنساني في المعرفة من ناحية، ومن موقع المواجهة المباشرة من ناحية أخرى دون أي تجاوزات أخلاقية تدرجه في دائرة الإرهاب مثلا.ومن خلال هذا الموقف الذي تسلح به أسانج أمام الوعيد الأمريكي يمكننا أن ندرك تهافت السلطة حين تتعرى أمام المعرفة والأسرار ضيق مساحة التعليق يجعلني اكتفي باقتطاع المقتبس اعلاه لكي اشيد بما كتبت!

يقع الشاعرعلى الشاعر
الصديق -

مقال جيد.. لكن لاحظت أنه متشابه مع طرح الأستاذ محمد الشنقيطي في مقاله على الجزيرةنت المنشور بنفس العنوان تقريبا في الثالث من ديسمبر الماضي، حتى العنوان هو نفسه. لعله توارد خواطر بينكما، فالشاعر يقع على الشاعر أحيانا بدون علم، وكذلك الكاتب.