فضاء الرأي

العراق لم يعد جنة الأجناس (1ـ2)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

استرجاع نصوص "تعصبية" لا تزال تقرأنا: مدن، محلات، جماعات

شرفة الجحيم

لعل أحدا لن تفوته الملاحظة: ما يجري للمسيحيين العراقيين هذه الأيام شبيه بما جرى لليهود قبلهم. أولئك اقتلعوا كشجرة سدر عظيمة من البستان وهؤلاء يراد لهم الشيء نفسه. أولئك كانوا ضحايا مؤامرة كبرى لم تتكشف جميع خيوطها بعد، وهؤلاء أيضا ضحايا "مؤامرة " لا تزال في طور "الشائعة". أقصد الحديث الدائر عن إفراغ الشرق الأوسط من الأقليات الدينية غير المسلمة ونحن في العراق متحف حقيقي لها.
يقول جرجيس فتح الله في واحدة من أروع التماعاته:" وجدت في نفسي في كثير من الأحيان وأنا جالس في شرفة مكتبي المطلة على أهم شوارع المدينة ـ الموصل ـ أتفحص سحنات الذاهب والآيب فضلا عن تكوينها البدني على ضوء ما كنت أعيه من مطالعة جدية في علم الأجناس البشرية "الأنثربولوجي"، ممتزجا بما اختزنته ذاكرتي من تاريخ المدينة وهو كثير. فكنت أرى بين المارة ذوي العيون الزرق والبشرة البيضاء والشعر الأشقر إلى جانب العيون الدعج أو المنحرفة اللوزية التي تذكرك بعنصر المغول في أقصى شرق آسيا. والى جانب الشعر الذهبي هناك الأسود الفاحم والشعر الأحمر، هناك الشعر المسترسل والشعر الأجعد والبشرة الحنطية والزيتونية إلى جانب السمراء والحمراء المطرزة بالكلف إلى ما يقارب سواد الأفريقي.
ويمر بك خلال دقيقة أو أقلها صاحب الأنف الطويل المستقيم أو الأفطس أو الأقنى وذو الوجنات البارزة والجبهة العريضة يتبعه ضامر الوجنتين ضيق الجبهة بشفاه غليضة نافرة أو رقيقة صغيرة. كل عنصر وكل قومية تتمثل في هذا الخليط العجيب الذي هو بحق جنة لعالم في الأجناس البشرية"(1).
هذا النص الذي كاد يبكيني حين قرأته للمرة الأولى انتهى بي لاحقا إلى تخيل جنة عالم الأجناس وقد تحولت إلى جحيم لتلك الأجناس. بل لقد خيل لي جرجيس فتح الله نفسه وقد أطل من شرفة أخرى على تلك الأجناس وهي تهرب من المتحف بحثا عن الأمان.
ها هم اليهود يرتعبون من قتل وفرهود متوقعين، يتبعهم المسيحيون وهم يحملون صلبانهم متلفتين. أنظر رجاء إلى السنة وإلى الشيعة، إنهم يهربون أيضا للخلاص من بعضهم الآخر. ثم لاحظ اندحار الصابئة وتيههم بحثا عن مياه الخليقة الأولى. الآشوريون يهربون أيضا والأيزيديون معهم.
وفي لحظة مهولة، تنتهي شرفة عالم الأجناس من كونها إطلالة على جنة ذات ملامح عراقية إلى شيء يشبه مواجهة مع نيران جحيم تميل إلى صفرة صحراوية، حيث الجنس الأخير المنتصر يأكل نفسه رويدا رويدا.
أنظروا إليه كيف يدور كما كان منذ الأزل، ومحوره الرهيب عجلة اسمها "التعصب".
إنها لا تزال تدور، تدور بنا وعلينا، غاذة السير نحو النهاية.


بلاد الرافدين : زمن واحد بتفاصيل متنوعة

لا أدري كيف تسنى لجورج رو، وهو آثاري اهتم بالعراق وكتب أحد أهم الكتب عن تاريخه القديم، لا أدري كيف تسنى له أن يضع يده، ذات مرة، على علة ما يعانيه الرافدينيون من صراع داخلي منذ آلاف السنين. اسمعوا إليه ما يقول" هناك القليل من البلدان في العالم استطاع الماضي أن يبقى حيا بشكل غريب مثلما هو الحال بالنسبة للعراق حيث تجد كتابات المؤرخين عنه غاية في التناسب معها". ثم يمضي قدما لتبرير رأيه فيقول: " فوق التلال بقي الرعاة منذ العصور البابلية يرعون الغنم والماعز وفي الصحارى تتنقل باستمرار قبائل البدو من بئر لآخر مثلما كان يفعل الأقدمون.وفي السهول يسكن المزارعون بيوتا من الطين تشبه تماما تلك التي كان المزارعون البابليون يسكنونها، كما تتشابه أدواتهم أيضا. وفي المستنقعات يعيش صيادو الأسماك في أكواخ من البردي ويجذفون قواربهم ذات المقدمة العالية المماثلة لتلك التي كانت تستخدم من قبل أجدادهم السومريين". (2)
هل فاتت "رو" الإشارة إلى فظائع طغاة العراق القديم الذين ربما أحرقوا تلك القوراب وصياديها في ساعات الغضب؟
لا يهم، فالمحصلة هي خروجنا بفكرة امتداد الزمن في بلاد اخترعت العجلة، وجورج رو لم يكن، في الواقع، الوحيد الذي لاحظ امتداد الزمن في أرض الرافدين وتواصله في كل شيء بما في ذلك نزعة الصراع بين المكونات والجماعات البشرية.
نقرأ لإبراهيم حلمي في بدايات القرن العشرين رأيا مشابها إذ يقول في مجلة " لغة العرب": "سرح طائر نظرك في أرجاء العراق وأنعم النظر في أحوال قطانه وعاداتهم وتفقد شؤونهم وحركاتهم وسكناتهم وراقب احتفالاتهم ومجتمعاتهم وتدبر مسامراتهم ومحادثاتهم وانقدها نقد الصيرفي الماهر للدرهم والدينار، تجدها لأول وهلة لا تختلف كثيرا عما كان عليه آباؤهم في سالف القرون، بل لتجدن أطوارهم وعاداتهم التي هم عليها الآن لتنطبق تمام الانطباق على وصف الباحثين والأثريين والسياح لهذه البلاد قبل مئات السنين، وانك لا ترى فرقا كبيرا بينهم وبين أسلافهم سواء في العادات أو الآداب أو الأخلاق " (3)
ولكن ما علاقة فكرة امتداد الزمن بما يجري للأقليات هذه الأيام؟ هل نحن في حالة استعادة دائمة لطريقة تعاط "أصيلة" مع هؤلاء الذين نتبجح كل يوم بقولنا أننا نتعايش معهم؟
سؤالان ربما خطرا في أذهان الكثيرين ومنهم وليم ويلكوكس، المهندس الذي أشرف على بناء سدة الهندية، وكان عاشر الفلاحين والرعاة في مناطق الفرات الأوسط إبان عمله في العراق بداية القرن العشرين.
لقد رأى الرجل رأي العين كيف تدور عجلة الزمن في هذه الأرض ودليله هذه المرة مستقى من ملاحظته الكراهية والتحفظ اللذين يشوبان علاقة الرعاة بالمزارعين. وهو يعتقد، بهذا الخصوص، أن حكاية صراع الراعي قابيل والمزارع هابيل التي ترد في التوراة بوصفها أول صراع بشري دموي في التاريخ ما هي إلا نتاج عراقي لا تزال صرخاته مستمرة في أرض السواد.
يرى ويلكوكس، ومعه علي الوردي الذي ينقل هذا الرأي، أن علة هذا الصراع تعود إلى أن الرعاة غالبا ما يأتون بقطعانهم قرب السدود التي يقيمها الفلاحون لحماية أراضيهم من خطر فيضان النهر. ومع مجيئهم قد يتسببون في إحداث ثغرات بتلك السدود. وهذا الأمر يهدد حياة المزارعين ومحصولاتهم أشد تهديد. الأمر الذي يؤدي إلى نشوب صراع مستمر بين الاثنين.
هذه الخصومة الثقافية والاجتماعية لا تزال مستمرة، برأي ويلكوكس، ولا يجد الرجل أفضل من ذكرياته كدليل على استمرارها. ففي شهر آيار من عام 1909 وكان فيضان الفرات بالغا أقصى حدوده، كان الرجل يتجول على الضفة اليسرى من النهر متجها نحو الشمال بين الرمادي وهيت.
وهنا يرى أكثر من خمسين قطيعا من الغنم تسير في الوادي خارجة من المنطقة الصحراوية. وكان ظهور هذه القطعان سببا في إلقاء الرعب والفزع في نفوس الفلاحين.
عند رجوع ويلكوكس في اليوم التالي سالكا طريق النهر بسفينة، سمع رصاصتين تنطلقان، في المكان ذاته، واحدة بعد الأخرى. ثم شاهد من بعيد عددا كبيرا من الفرسان والمشاة يهرعون إلى محل الحادث: لقد تبين لاحقا أن معركة جديدة جرت بين الزراع والرعاة. (4)

من الراعي والفلاح إلى البابصري والنجفي

عداوة الفلاح مع الراعي ليست ظاهرة عابرة أبدا في تاريخ المجتمع العراقي. إنها تكاد أن تكون منظومة مستقرة وشغالة منذ آلاف السنين حيث الجماعات تتقوقع على أنفسها وتعيش في عوالم خاصة بها. وهذا يعني استحالة بروز حس جماعي يعبر بأبناء الجماعات من ضيق "محلاتها" ومدنها وعشائرها وطوائفها وأعراقها لتشكيل هوية كبرى.
ميزة هذه المنظومة أنها أصلية وتعمل كما لو كانت نظام فكر(سيستم)، ونظام الفكر هذا له قدرة على استيعاب ما يطرأ من متغيرات ومن ثم دمجها في بودقة هائلة اسمها "التعصب".
قدر تعلق الأمر مثلا، بصراع الراعي والفلاح، فأن المرء يستطيع التكهن بعلاقة ما تربط هذا الصراع ذا الطابع المهني والجغرافي بصراع السنة والشيعة.
ولكي لا تفوتني الفكرة سأتذكر معكم بعض أفكار علي الوردي التي حاول من خلالها تتبع خارطة الطائفتين في العراق. إذ على الرغم أن علاقة مثل هذه لم تخطر في ذهنه الوقاد بشكل صريح إلا أنه، مع هذا، يربط بين التشيع والمنطقة الرسوبية، من جهة، والتسنن والصحراء، من جهة أخرى.
يقول " يمكن القول بشكل عام أن القبائل التي تسكن منطقة الجزيرة هي أشد تمسكا بالقيم البدوية من القبائل الجنوبية إذ هي أقرب منها عهدا بحياة الصحراء. نستدل على ذلك من لهجتها التي هي قريبة من اللهجة الصحراوية وهي فوق ذلك تعتنق المذهب السني الذي هو المذهب السائد في صحراء العرب. أما القبائل الجنوبية فهي شيعية في الغالب" (5). ص144
ثم يفصل في ذلك لاحقا فيقول "أن التوزيع الطائفي في مناطقه المختلفة ـ العراق ـ يعتمد على مدى اتصال كل منطقة منها بالبداوة ففي منطقة الجزيرة وخصوصا في الجزء الشمالي منها نرى القبائل والمدن كلها على مذهب أهل السنة وهي تكاد تشابه في عقائدها وطقوسها بدو الصحراء.." وإذ يهبط المرء قليلا نحو الجنوب سيجد الناس تحافظ على التسنن مع ظهور التصوف. لكن ما أن نصل إلى وسط العراق "حتى نلاحظ أن التسنن بدأ يختفي في بعض القبائل والمدن ليحل التشيع محله..وحين ننتقل من وسط العراق الى جنوبه حيث المنطقة الرسوبية الكبرى نرى التشيع قد ضرب نطاقه في كل مكان"(6)ص 236
الواقع أن معرفة كيفية تحول الصراعات من طبقة إلى طبقة ومن مظهر ثقافي إلى آخر قد تكون شبه مستحيلة لكن من الواضح تماما أن مفهوم التعصب هو الذي يدير كل شيء رغم أنوفنا.
أي أن الراعي ديموزي والفلاح أنكي ـ امدو اللذان تنافسا ـ مثلا ـ على قلب إنانا وجسدها في محاورة شهيرة ترد على لسان ديموزي :
" انكي امدو رجل السواقي والسدود والمحاريث
ماذا عنده أكثر مني
فأن هو قدم الدقيق الأسود
فأني أقدم نعجة سوداء
وإن هو قدم الدقيق الأبيض
فإني أقدم نعجة بيضاء
وإن هو أسقاني صفوة جعته
فاني أسقيه لبني الدسم" (7)
هذان الخصمان، في الواقع، يمكنهما التجوال في تاريخنا عبر أسماء أخرى وألبسة مختلفة ولهجات لا تتوقف عن التناسل في بلاد الرافدين.
احد تمظهرات ذلك الزوج، الراعي ـ الفلاح، ربما يستعير تسمية عزيز باقر شام أو عزيز بابصري أو غيرهما. و"العزيزان" ليسا سوى مثال طريف رأينا أشباها له أيام حربنا الطائفية الأخيرة.
أما الأول،عزيز باقر، فبطل "تعصبي" نجفي مشهور يرد عند الأستاذ محمد سعيد محبوبة الذي يزعم أنه شاهده بعينيه في معركة نشبت بين عصبيتي"الزقرت"و"الشمرت"اللتين حكمتا النجف في بدايات القرن العشرين. هذه المعركة "الذهبية" كانت جرت عام 1323 هجرية. وكان بطل المعركة عزيز باقر شام الذي ينتمي إلى "الشمرت".
لقد شاهد "محبوبة" كيف قتل عزيز"رجالا مشهورين بالشجاعة والنجدة" ثم "سقط قتيلا هو وولداه فانتصر الزقرت وخمدت الفتنة". ويضيف محبوبة جاعلا للأمر نكهة يحتاجها السرد انه رأى الأثاث والفرش الثمينة التي انتهبها الزقرت من خصومهم " (8)ص 180
أما عزيز بابصري فيتكرر ذكره في العديد من الكتب بوصفه "بطلا" سنيا شعبيا مقداما لمع اسمه بوصفه قائد محلة "باب البصرة" البغدادية في القرن الرابع الهجري. وكانت تلك المحلة تخوض حربا "مقدسة" ضد محلات الكرخ الشيعية.
اقرءوا ـ مثلا ـ في أحداث سنة 379 كما يرد في "البداية والنهاية" و"المنتظم"و"تاريخ الإسلام"و"الكامل في التاريخ" وغيرها من الكتب: اشتد البلاء وعظم الخطب ببغداد وزاد أمر العيارين في جانبي بغداد، ووقعت بينهم حروب وعظمت الفتنة واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة، وصار في كل حزب أمير، وفي كل محلة متقدم، وقتلت طائفة ونهبت الأموال وتواترت الفتن وأحرق بعضهم دور بعض ووقع حريق في نهر الدجاج احترق فيه شيء كثير للناس وتوسط أبو أحمد الموسوي الأمر".
وفي صفحة أخرى يذكر المؤرخ نفسه أنه "لما تجهزت العامة للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الروافض وأهل السنة وأحرق أهل السنة دور الروافض في الكرخ وقالوا لهم ـ الشر كله منكم وثار العيارون في بغداد يأخذون أمال الناس"(9)
وبما أننا أتينا إلى مثل هذه الحوادث التي كانت بغداد تزخر بها أيام عاشوراء من كل عام فلنا أن نقف عند إضاءة لا غنى عنها تتعلق بالمدينة وتوزيعها الطائفي. فالبلدانيون يذكرون أن"باب البصرة" محلة ببغداد تكون بين شرق الكرخ وقبلتها وأهلها كلهم سنة، و"نهر الدجاج" محلة ببغداد قرب الكرخ من الجانب الغربي وأهلها كلهم شيعة.
ليس هذا حسب، فياقوت الحموي يقول في "معجم البلدان" أن "الكرخ وأهلها شيعة إمامية وبين شرقها والقبلة محلة "باب البصرة" وأهلها سنية حنابلة، وفي جنوبها المحلة المعروفة باسم "القلائين" وأهلها سنية حنابلة وعن يسار قبلتها محلة تعرف بباب المحول وأهلها سنية وتقع الكرخ غربي بغداد وأهل الكرخ كلهم شيعة إمامية لا يوجد بينهم سني البتة "(10)معجم البلدان 4/448
المهم أن اسم عزيز البابصري (نسبة إلى باب البصرة) يرد في ثنايا أخبار الفتن أحيانا كما يرد اسم أحمد الدنف وغيره من العيارين. لكن ارتباط عزيز بأيام الفتن السنية ـ الشيعية يوحي بأنه "بطل" طائفي كأبطال الأيام التي رأينا أهوالها بين أعوام 2004 ـ 2008.
إليكم ما ينقله الشيخ فارس الحسون في كتابه "المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد".
يقول نقلا عن كتب تاريخية عديدة : من حوادث سنة 383،في صفر قوي أمر العيارين واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة واحترق كثير من المحال وظهر العيار المعروف بعزيز بابصري واستفحل أمره والتحق به كثير من الدعار والمؤذين وطرح النهار في المحال ثم صالح أهل الكرخ"(11).
الحق أن بروز أبطال كعزيز بابصري وعزيز باقر شام وغيرهما من "شقاوات" تلك المرحلة مرتبط أشد الارتباط بضعف قبضة الدولة وانحسار مركزيتها. وهو شيء لا يحتاج إلى كثير ذكاء لتبينه أو تعليله : ما إن تتراخى يد الدولة وينحسر احتكارها للعنف حتى يبرز العنف المجتمعي اللامركزي، الفوضوي وغير الحائز على أي رأسمال رمزي يتيح له الحصول على الشرعية.
لقد عرفت بغداد مثل هذه اللحظات مرات ومرات أشهرها التي برزت في آخر أيام حكم الأتراك للعراق حيث برزت في المدن قوى "شعبية" نافست سطوة الحكومة الضعيفة وتمثلت في شريحة من أمراء المحلات (الشقاوات) من أمثال ابن عبدكة وخليل أبو الهوب وعبد المجيد كنه وجواد الاجلك وعبد الامير العجمي وغيرهم.
الحال أن هذه الظاهرة ظلت جزءا من ملامح المدينة في العراق حتى تأسيس الدولة الحديثة واحتكارها المطلق للعنف.
مع هذا، ورغم دخول الظاهرة في صلب موضوعة العنف التي تسود أشكال العلاقات بين الجماعات المتنوعة في العراق، آلا إننا معنيون، هنا، لا بتتبع صور العنف الاجتماعي المنفلت أحيانا، بل بعلاقة هذا العنف بمفهوم "التعصب" الذي تحدثنا عنه.

تنابزو فتشاتموا فتضاربوا

وأنت تنظر بعيني ويلكوكس وعلي الوردي إلى معركة الرعاة والفلاحين، معركة النهر والصحراء في العراق، ومن ثم معارك "الزقرت" و"الشمرت" و"باب البصرة" و"نهر الدجاج"، لابد أنك ستصادف هذا المشهد الطريف الذي تنقله "لغة العرب" لقرائها. ففي نهاية كل عدد من تلك المجلة كان دأب الأب أنستاس الكرملي على تحرير ما يشبه الأخبار الصحفية التي نقرأها هذه الأيام تحت عنوان " وقائع الشهر في العراق وما جاوره".
وإليكم ما ورد في نهاية العدد 2 شباط 1913 : "وقعت في الكاظمية نهار عاشوراء وقيعة مؤلمة أحزنت قلب كل عاقل. وصورة هذه الحادثة أن ألوفا من المسلمين يتجمعون في الكاظمية يوم عاشوراء تذكارا لواقعة الطف، ومن جملة من كان من المتألمين هناك في ذلك النهار، جماعات من جانب الكرخ، وفي هذه الديار عادة سيئة وهي أنه إذا اكتظ الناس في الساحة تساءلوا فيما بينهم: أيهم من المحلة أو البلدة الفلانية وأيهم من المحلة أو البلدة الفلانية الأخرى. فإذا ألقى أحدهم هذا السؤال ينشأ للحال نفور بين سكان محلة ومحلة أو مدينة ومدينة ثم لا يعتم أن يتجسم هذا النفور فيتحول إلى سب وشتم، إلى قدح وذم، إلى ضرب ولكم، إلى جرح وقتل، وهذا ما وقع في الكاظمية من هم من الذين من محلة الكرخ، تنابزوا فتشاتموا فتلاكموا فتجارحوا فتقاتلوا وانجلت الوقيعة عن قتل واحد من أهل الكاظمية وجرح ثلاثة منهم وعن جرح ثلاثة من أهل الكرخ فقبض على المتهم بالقتل وجماعته وأودعوا السجن "(12).


الهوامش

1 ـ " نظرات في القومية العربية مدا وجزرا حتى العام 1970 ـ أضواء على القضية الآشورية" جرجيس فتح الله، دار ناراس للطباعة والنشر ـ السلسلة الثقافية الجزء الرابع ص
2 ـ "العراق القديم" ـ جورج رو ـ ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، مراجعة د. فاضل عبد الواحد علي ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الثانية 1986 ص 20
3 ـ مجلة "لغة العرب" لصاحبها انستاس الكرملي، طبعة مديرية الثقافة العامة ـ سلسلة كتب التراث، اشرف على إعادة الطبع زكي الجابر، ابراهيم السامرائي، عبد الجبار داود البصري، المجلد الثاني ص 169
4 ـ "دراسة في طبيعة الشخصية العراقية " ـ علي الوردي، مطبعة الأديب البغدادية سنة 1965 ص 29
5 ـ المصدر نفسه ص144
6 ـ المصدر نفسه ص 236
7 ـ "سومر اسطورة وملحمة "، فاضل عبد الواحد، علي دار الشؤون الثقافية عام 200 ص 113
8 ـ " دراسة في طبيعة الشخصية العراقية "، علي الوردي ص 180
9 ـ "البداية والنهاية" للأمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي. حققه وعلق حواشيه علي شيري ـ دار إحياء التراث العربي الطبعة الأولى 1988 الجزء 11 ص 308
10ـ "معجم البلدان" للشيخ الأمام شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي ـ دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان ـ 1979 م ـ الجزء 4 ص 448
11ـ "المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد"ـ الشيخ فارس الحسون، كتاب مطبوع لم تثبت عليه جهة النشر والسنة.
12 ـ "لغة العرب" للأب أنستاس الكرملي المجلد الثاني ص361

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الترکمان ليسوا کذلك
فاضل عثمان -

مع احترامي الشديد للکاتب لکنني لااتفق معه في الخط العام لان الترکمان مازالوا يعتبرون العراق جنة الاجناس و الاعراق وان الترکمان هم الضمانة الوحيدة للمحافظة على ذلك، ارجو من الکاتب ان يراجع معلوماته بخصوص الترکمان حتى يعرف الحقائق عن کثب.

الترکمان ليسوا کذلك
فاضل عثمان -

مع احترامي الشديد للکاتب لکنني لااتفق معه في الخط العام لان الترکمان مازالوا يعتبرون العراق جنة الاجناس و الاعراق وان الترکمان هم الضمانة الوحيدة للمحافظة على ذلك، ارجو من الکاتب ان يراجع معلوماته بخصوص الترکمان حتى يعرف الحقائق عن کثب.

ليس عداوة فلاح وراعي
اسعد سالم -

الاستاذ محمد غازي الاخرس المحترمارجو قبول الاحترام والاعتذار مقدماً، ولكن يوجد مقالة يعرفها كل مسيحيي العراق الا وهي; اليهود العراقيين قبل رحيلهم من العراق قالوا للمسيحيين; يجب أن تنتبهوا فالاحد يأتي بعد السبت. مستكملين كلامهم; إن هؤلاء القوم لا يمكن الاستمرار في العيش معهم فقد عملنا جميعاً بكل اخلاص وها ترون النتيجة، العيب ليس في الناس نفسها ولكن العلة في المفهوم الديني لهم وهذا يرجع الى ١٤٠٠ عام ولا يمكن تعديله ألا بالتغيير الجذري. المسيحيين يعلمون هذا ولكن أملهم أن تتغير المفاهيم عند تطور الشعوب ولكن هذا لم يحصل والظاهر لن يحصل.كفانا القول هذه مصالح خارجية لها مصلحة لم نعلمها بعد واتهام أصابع خارجية لكل عمل اجرامي يقع على فئة أو مجموعة من مواطنينا، إذ هذا أصبح عذراً لا يقبله عاقل, الارهابيون والمجرمون الذين فعلوا فعلتهم الدنيئة إن كانت في العراق أو مصر هم من اأهل البلد نفسه والقسم الآخر منهم وإن كانوا من خارج ذلك البلد فأكيد يوجد من أهل ذلك البلد الذي حواهم في داره وهذا العار الاكبر للساكتين والغير مستنكرين. دعني أخذ أمر معاكس; هل يتمكن أي يهودي من خارج اسرائيل بتحريض اليهود من الداخل بقتل عربي مسلم نزيه يسكن اسرائيل نفسها!؟ وهل أي من هذا القبيل حصل في أية دولة مسيحية!؟ مع الملاحظة ان مسيحي العراق والكل يعرف هم الاصل وليس تركيبة دخلت المنطقة من مناطق مجاورة. هذا العمل الاجرامي ليست عداوة الفلاح مع الراعي مع احترامي للاخ فاضل عثمان، أما أن يكون رأيه فردي أو كما يقول المثل; نايم ورجليه بالشمس. لانريد التصيد بالماء العكر، فدائماً قول الحقيقة والوصول الى جذور المشكلة و الطريق لحلول الشاكل ليس العكس.

ليس عداوة فلاح وراعي
اسعد سالم -

الاستاذ محمد غازي الاخرس المحترمارجو قبول الاحترام والاعتذار مقدماً، ولكن يوجد مقالة يعرفها كل مسيحيي العراق الا وهي; اليهود العراقيين قبل رحيلهم من العراق قالوا للمسيحيين; يجب أن تنتبهوا فالاحد يأتي بعد السبت. مستكملين كلامهم; إن هؤلاء القوم لا يمكن الاستمرار في العيش معهم فقد عملنا جميعاً بكل اخلاص وها ترون النتيجة، العيب ليس في الناس نفسها ولكن العلة في المفهوم الديني لهم وهذا يرجع الى ١٤٠٠ عام ولا يمكن تعديله ألا بالتغيير الجذري. المسيحيين يعلمون هذا ولكن أملهم أن تتغير المفاهيم عند تطور الشعوب ولكن هذا لم يحصل والظاهر لن يحصل.كفانا القول هذه مصالح خارجية لها مصلحة لم نعلمها بعد واتهام أصابع خارجية لكل عمل اجرامي يقع على فئة أو مجموعة من مواطنينا، إذ هذا أصبح عذراً لا يقبله عاقل, الارهابيون والمجرمون الذين فعلوا فعلتهم الدنيئة إن كانت في العراق أو مصر هم من اأهل البلد نفسه والقسم الآخر منهم وإن كانوا من خارج ذلك البلد فأكيد يوجد من أهل ذلك البلد الذي حواهم في داره وهذا العار الاكبر للساكتين والغير مستنكرين. دعني أخذ أمر معاكس; هل يتمكن أي يهودي من خارج اسرائيل بتحريض اليهود من الداخل بقتل عربي مسلم نزيه يسكن اسرائيل نفسها!؟ وهل أي من هذا القبيل حصل في أية دولة مسيحية!؟ مع الملاحظة ان مسيحي العراق والكل يعرف هم الاصل وليس تركيبة دخلت المنطقة من مناطق مجاورة. هذا العمل الاجرامي ليست عداوة الفلاح مع الراعي مع احترامي للاخ فاضل عثمان، أما أن يكون رأيه فردي أو كما يقول المثل; نايم ورجليه بالشمس. لانريد التصيد بالماء العكر، فدائماً قول الحقيقة والوصول الى جذور المشكلة و الطريق لحلول الشاكل ليس العكس.

( 2 – 3).
jay -

خسارة الفريق العراقي امام الصين في اخر مبارياته التجريبية. الفريق الصيني التسجيل في الدقيقة الرابعة من المباراة عن طريق اللاعب هاو جوتمن ، ليعادل يونس محمود النتيجة في الدقيقة 44 من الشوط الاول الذي انتهى بهذه النتيجة.

( 2 – 3).
jay -

خسارة الفريق العراقي امام الصين في اخر مبارياته التجريبية. الفريق الصيني التسجيل في الدقيقة الرابعة من المباراة عن طريق اللاعب هاو جوتمن ، ليعادل يونس محمود النتيجة في الدقيقة 44 من الشوط الاول الذي انتهى بهذه النتيجة.