عام جديد نصنعه نحن، بعيدا ًعن ثقافة الإستهلاك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لقد تعودت الطيور أن تهجع بعد غروب الشمس لتعود إلى اعشاشها فتحط على أغصان الأشجار أمام البنايات السكنية في ليل شتوي هادئ بارد من الليالي الإسكندنافية، فهي تنتظر طلوع الشمس لتبدأ رحلة البحث عن الطعام في يوم جديد. أما في رأس السنة الميلادية فتهرع مفجوعة وهي تسمع أصوات الألعاب النارية في إستقبال العام الجديد لتنتقل من مكان إلى مكان على هيئة جوقات كبيرة وهي تبحث عن ملجأ تستقر فيه حيث لاتعلم مالذي يجري في منتصف هذا اليوم المميز. هي لاتعلم مارأس السنة وماذا يعني عام جديد، حيث تعيش بعالمها الذي له دورة حياته الخاصة به.
فبالرغم من أن رأس السنة الميلادية يعتمد على دورة كاملة للأرض حول الشمس بأكثر من 365 يوما ً، وهو مقياس فلكي موضوعي، فأن لهذا اليوم معان كثيرة أذا ما أخذنا بالإعتبار المقياس الذاتي والتجارب الشخصية لكل البشر. فرب عام كامل عند فرد ينقضي وينطفأ كعقب سيكار، هو عمر كامل بكل تفاصيله عند فرد آخر. ربما عام جميل يمر مرور السحاب عند فرد عاش أروع أيام حياته في هذه السنة يساوي سنوات ثقيلة تجرها سلاسل عند فرد عاش في ألم وفقد وحرمان. لكل منا عامه الخاص به وسنته الميلادية التي تبدأ وتنتهي حسب تجربته الشخصية حيث لايشاركه بها أحد من البشر، فهو يعيشها بحلوها ومرها ويعدها كالثوان أو كالسنين. رب فرد لايريد أن يحتفل بالعام الجديد، فهو غير منتهي بالنسبة له، ورب آخر أنهى عامه مبكرا ً وحذفه من تقويمه الشخصي قبل حلول الأوان وقبل أن تكمل الأرض دورتها حول الشمس.
إذن، توجد هناك دائما ً مسافة ومساحة وفضاء بين ماهو عالم موضوعي مفروض علينا وعالم ذاتي يمس تجربتنا الذاتية وأحساسنا بالوقت والذي لايشاركنا به أحد. فكل ماهو موضوعي تفرضه علينا ثقافة الإلتزام بوقت محدد ومعين، حيث تسجله في تقويماتنا الشخصية وتجعلنا نؤمن به كأنه شيء طبيعي نتبعه ولانخالفه أفرادا ً ومجتمعات ودول، وإن تجاوزناه أو لم نتبعه سوف نبدو غير طبعيين ومخالفين. إن هذه الثقافة تمتد في جذورها مئات السنين وإنها ترتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالسياسات والنظم الإقتصادية والإجتماعية للمجتمعات والدول، وخاصة الدول الغربية، حيث تقوم بإنتاج وإعادة إنتاج هذه الثقافة من أجل تفرد وسيطرة خطاب واحد، فيهيمن على مقاليد الوقت محاولا ً التحكم بالزمان لتحويله إلى موضوع يمكن به فرض ثقافة وخطاب معينين على ثقافات أخرى. ولاننسى دور الرأسمالية والربح التجاري الذي تحققه الشركات المنتجة للسلع الإستهلاكية لتنشيط ثقافة الإستهلاك. فكل شيء مرتبط ببعضه بشكل مخطط أو غير مخطط له. وعلى هذا الأساس تجد من يحتفل ببذخ كبير في الدول الغنية وتجد من لايعرف طعم الإحتفال لمن يعيش في أفريقيا وبعض الدول الفقيرة حيث لايوجد بابا نؤيل الذي يوزع الهدايا على أطفال لايجدون مايملئون به بطونهم فيتساوى عندهم العام الفائت والعام القادم في الحسابات الفلكية.
كلنا يعرف أن هناك أكثر من تقويم في أكثر مكان في العالم، حيث هناك التقويم الصيني والتقويم الهجري وغيرها الكثير لحساب الوقت ومحاولة وضع المجتمعات على خارطة الزمن من خلال ثقافة معينة لحساب الوقت. لكن السائد والذي يروج له هو التقويم الميلادي الذي يحتفل به البشر في جميع أصقاع الأرض، وهو وإن كانت له جذور دينية ترتبط بميلاد السيد المسيح لكنه تحول لمناسبة للإستهلاك تعتاش عليها دول كثيرة وعلى حساب مجتمعات كثيرة. وهو تحول أيضا ً لمناسبة لإستهداف دول ومجتمعات غربية، بإعتبارها مجتمعات مسيحية، لتنفيذ عمليات إرهابية يقتل بها أناس كثيرون لاناقة لهم ولاجمل في الصراع بين أفكار إستعمارية رأسمالية تشتهي الحروب وتعيش على الأزمات وأفكار سلفية رومانسية تحمل معها ثقافة الموت والدمار ولاتمت للواقع بصلة.
أما التقويم الذاتي الذي نصنعه بأنفسنا حيث لايشاركنا به أحد ويعبر عن تجربتنا الفردية، فيطول ويقصر حسب إحساسنا الداخلي، فهو فرصة للإفلات من ذلك العملاق الذي نسميه تقويم موضوعي وهو فرصة أيضا ً لحساب الزمن أو بالأحرى الإفلات منه ومن مرارته حيث يحتفل الإنسان على طريقته الخاصة بلقاء حبيب أو هطول مطر لسقي الأرض أو لإنهاء مشكلة عائلية. فيمكن لنا أن نمنح لأنفسنا مسافة من الحرية نغرد بها خارج السرب ليس من أجل شيء سوى الشعور بالإنفلات من قيود كبلنا بها آخرون، وتحقيق وجود ذاتي يمكن به التعبير عن الهوية الذاتية الفردية مقابل الهوية الجمعية التي يصبغنا بها المجتمع ونبدو بها كالعبيد في الحفاظ عليها. وهذا الإفلات لايحتاج إلا إلى الجرئة والشجاعة والنظر للأشياء بشكل مختلف لندرك أن العالم شيء يمكن أن نصنعه بإنفسنا ولايفرضه علينا أحد فنتحول إلى قطع من الشطرنج تتحكم بنا ثقافات معينة تدعو للإستهلاك الغير مبرر وذلك لندبو كما تريد تلك الثقافات أناس طبيعيون لانختلف عن الآخرين الذين يبذخون في هذا الوقت من السنة. إذن، لكل منا تقويمه الخاص به، يحتفل به أنٌا شاء ولتعد الطيور إلى اعشاشها بعيدا ً عن ثقافة الإستهلاك.
التعليقات
ثقافة الترکمان
فاضل عثمان -ثقافة الاستهلاك نابعة اساسا من ذات الثقافة التي يمتلکهاا المجتمع، وکلما کانت الثقافة مرکزية و ذات أبعاد محورية و جوهرية کلما کانت ثقافة الاستهلاك محددة وان ثقافة الترکمان هي اساسا ثقافة مبرمجة و مهيأة للمواکبة و تمشية الامور.
مع التحية
عراقية -مقال رائع بتلك النكهة الفلسفية المميزة تجعل الانسان يقف عندها وقفة تأمل!
الاستهلاك
شيركو باله تيي -..... الحمد لله نحن في الاقليم ماعدنا ثقافة الاستهلاك ولو ان السيد الريس والحزب القائد قد وفروا لنا كل شي ما لز وطاب من خلال شركات الاستيراد من توركيا الطورانية وإيران والرواتب جيدة ونحن نشكرهم ونحمدهم ونسجد لهم وهم شوكة في عيون الحاقدين ... الي آلامام بو بيشوا بو بي شوا يا بارزاني ولا تلتفت الي الورا كلنا فدوة لك ولابنايك وأحفادك ;
مع التحية
عراقية -مقال رائع بتلك النكهة الفلسفية المميزة تجعل الانسان يقف عندها وقفة تأمل!
ثقافة الإستهلاك
Ayoob -May be i missed the point of the above article.Does the writer intended to write about the consumption culture in general or in relation only to Kurdistan,may be the commentator No.3 can advice
ثقافة الإستهلاك
Ayoob -May be i missed the point of the above article.Does the writer intended to write about the consumption culture in general or in relation only to Kurdistan,may be the commentator No.3 can advice