فضاء الرأي

التطهير الديني الشرير: المشروعية تعلو علي الشرعية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أتوقع تصاعدا متناميا ومتناغما في نبرة التنديد (والتهديد) الغربية لمصر، خاصة بعد مذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية في مطلع هذا العام 2011، لأسباب متعددة وكثيرة، منها ردود أفعال النظام المصري نفسه التي تحمل كثيرا من العناد (والعنجهية) والتسويف، وقليلا من مفردات هذا العصر الذي يهمل ولا يمهل.
لم تستوقفني تصريحات البابا بنديكت السادس عشر، والتي ذكر فيها أقباط مصر بالأسم ودعا فيها إلى "وضع حد لمطاردة المسيحيين الذين يعيشون في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط ".
ولا تشديد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل علي ضرورة حماية حرية الأديان، حيث دعت في رسالتها الأسبوعية التليفزيونية على الإنترنت إن الحرية الدينية أحد حقوق الإنسان الكبري.."وإننا جميعا ملزمون بالدفاع عن الحرية الدينية not; مثل حرية الرأي وحرية الصحافة وحريات أساسية أخرى".
وإنما تسمرت عيناي أمام مقولة وردت علي لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وهي: " التطهير الديني الشرير " الذي يستهدف الأقليات الدينية في الشرق الأوسط.
عبارة ساركوزي الصادمة أجبرت النظام المصري علي الرد رسميا وبحدة، فهو ليس بابا الفاتيكان حتي يدفع اليه برجل دين مثله في قامة ومقام شيخ الأزهر ليرد عليه وينتهي الأمر، وهو ليس معاديا لمصر أو سياساتها الخارجية، العكس تماما فهو صديق للرئيس المصري حسني مبارك وهو الذي رشح مصر لقيادة جنوب المتوسط، فما هي الشحنة الكهربائية التي حملتها عبارة ساركوزي لتصعق كل ذلك، ويهاجم وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الاتحاد الأوروبي كله أو ما أسماه " بالنادي المسيحي "، وليس ساركوزي وحده.
التطهير الديني الشرير مثل " التطهير العرقي الشرير "، من أهم وأخطر العبارات التي صيغت عقب تفكك الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية بعد عام 1989، وهي تصنف تحت ما يعرف ب(حرب) ما بعد الحرب الباردة، ويعلم مغزاها جيدا معظم وزراء الخارجية في العالم، خصوصا في مصر، فقد صيغت في عهد الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي أعلن وهو علي رأس المنظمة الأممية: " أن الدول المستقلة أختفت من العالم تقريبا "، ولا حديث بعد اليوم عن داخل وخارج، أو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول.
كوفي عنان الأمين العام السابق أيضا للمنظمة توسع في تفسير هذه العبارة وطبقها بالفعل، ليدشن عهدا جديدا في السياسة الدولية، قال: " ان السيادة الوطنية لها حدود وان التدخل قد يقع للتصدي لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما ان فكرة السيادة المطلقة لم تعد أمرا مقبولا في زمن العولمة، وان ما كان يعتبر شأنا داخليا محضا في الماضي أصبح شأنا دوليا وانسانيا.
لكن أهم ما قاله عنان هو: " ان مفهوم سيادة الدولة يمر بعملية تحول كبري، وان الدول ينظر اليها اليوم باعتبارها (أدوات) في خدمة شعوبها وليس (العكس)، ومن ثم فإن هناك حاجة لإعادة تعريف المصلحة الوطنية بشكل يتسق ومتطلبات القرن الحادي والعشرين ".
ففي عام 1999 صدر تقرير دولي عن الأمم المتحدة، دشن مرحلة جديدة في النظام العالمي، جاء فيه: " ان التدخل العسكري يمكن أن يصبح ضروريا لمنع عمليات إبادة جماعية أو (تطهير عرقي - ديني) واسع النطاق أو طرد قسري أو ترويع واسع المدي أو اغتصاب مدنيين. "
جاء هذا التقرير بعد خمس سنوات من المجازر، في روندا بوسط أفريقيا عام 1994، ولم يحرك المجتمع الدولي وقتئذ ساكنا، باستثناء دراسة مهمة بعنوان " مسئولية الحماية " صدرت برعاية الحكومة الكندية، وكانت محور النقاش الذي تفجر مع افتتاح كوفي عنان لدورة الجمعية العامة للمنظمة الدولية عام 1999 بشأن ما يتعين عمله، عندما لا تستطيع حكومة ما حماية مواطنيها أو ترفض حمايتهم.
وعلي الرغم من أن أول مقولة موثقة لعالمية حقوق الإنسان، أو قل حق التدخل (لأسباب) إنسانية وجدت في كتابات جروتيوس عام 1625، الذي افترض حق التدخل لمنع المعاملة القاسية من قبل دولة ما لرعاياها، فإن هذا المبدا قد همش منذ القرن السابع عشر ليعود بقوة كالروح المستحضرة في نهاية التسعينيات من القرن العشرين، ويصبح أهم آليات تطويع القانون الدولي لتتوافق مع واقع توزيع القدرات في النظام الدولي الجديد.
الجديد في الأمر هو أن مبدأ حق التدخل لأسباب انسانية قد أسقط تماما الفقرة الأولي من المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي: " عدم القيام بأي فعل اكراهي سواء تحت ترتيبات اقليمية أو منظمات اقليمية دون موافقة مجلس الأمن "، فقد تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999، وتدخلت بريطانيا في سيراليون عام 2000 دون موافقة مجلس الأمن !، ليبدأ عهدا جديدا يؤكد علي أن (المشروعية) تعلو علي (الشرعية) في التدخل الخارجي في القرن الحادي والعشرين.

عصام عبدالله
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جنون الجنرالات
الدكتور كرومبو -

من منبر ايلاف المحترم اسجل اكتشافى لمرض خطير يسمى جنون الجنرالات و سببه الاصابة بفيروس الدين التعصبى الذى يعتبر تطورا لفيروس جنون البقر و انفلونزا الخنازير و الماعز- يهاجم المرض الجنرالات وخصوصا حكام البلاد فيقضى على الفص الخلفى من المخيخ وهو الفص المختص بالتفكير العقلانى و الانسانى من ابرز المصابين بالمرض الجنرال البشير و الجنرال مبارك

ربنا يخلف توقعاتى
عقل مفكر/ نزية -

التطهير الدينى كانت غاية وهدف الجماعات السلفيةالتى كانت تمول من بلاد النفط , ولم تتوقع هذة الجماعات انتشار أفكارها بهذة السرعة الجنونية بين جموع الشعب المصرى, فقد بدأ انتشار هذا الفكر فى النجوع والقرى الفقيرة ثم انتشر فى اقاليم و محافظات مصر بعد ذلك وخصوصا فى الصعيد ثم ظهر فى المناطق الشعبية فى القاهرة و لكنة الى الان لا يوجد بصورة واضحة بين الاوساط الاكثر رقيا فى القاهرة ,, و هذة الاوساط هى التى تسيطر على الاعلام والميديا بصفة عامة و لا تستشعر حقيقة معاناة الاقباط , وقد يوجد اقباط فى هذة المناطق الأكثر رقيا لا يشعرون بالضيق والاضطهاد أيضا أللذى يعانى منة باقى الأقباط فى مصر و هم الفئة التى يعتمد عليها الاعلام لتحسين الصورة.. ولكن من خلال قرائتى للرسم البيانى لانتشار فكر التطهير الدينى أزعم أنة فى خلال سنتين على الاكثر سيصبح هذا الفكر هو السائد و ستتحقق مخاوف الكاتب عصام عبد أللة على أرض الواقع,, و ربنا يستر على البلد....

مقالة هامة جدا
اسكندر -

جيد جدا ان نعرف ان ما يحاربه النظام ويخشاه ويستنكره هو عمل مشروع ومعترف به على مستوى الامم المتحدة.وحقا يتدخلون فلا يمكن ان يعقل ان هؤلاء المسئولين مسئولين فعلا عن سلامة مواطنيهم.لا يمكن ان نرى على مدى سنين طويلة من يسعى الى حرق البلد تحت سياسات معينة واصرار غريب ثم ننكر التدخل على المجتمع الدولى المتحضر. بل عدم التدخل هنا هو مايدين المجتمع المتحضر الذى يتقاعس عن دوره فى حماية البشر اى كان دينهم او عرقهم.

شعار الحكومة
افرده واكويه -

شعار الحكومة الوهابية المصريةالقبطى انا حرة فيه -اقتله اسرقه اغتصب بناته او افرده واكويه

ما تفاولش يا سيد ؟!!
عابر ايلاف -

مقال مكتوب بروح كنسية .... والله وضمنت خرجه عليها القيمة وقت زهوق الروح يادكتوور ؟! امال فين العلمانية وواللبرالية ولا هي اقنعة تتخفون وراءها ؟!! ما تبشروش المصريين بالتدخل الخارجي ولتكن تجربة العراق في بؤرة الشعور والعاقل من اتعظ بغيره لا تفتحوا أبوابا للشر لا يمكن سدها سيعاني منها الجميع الحل الامثل هو طرد التيار المتطرف الذي يختطف الكنيسة ورعاياها ويستخدمهما في حلم خرافي لا يمكن تحقيقه في تطهير عرقي لسبعين مليون مصري مسلم ثم الانقضاض على الطوائف الاخرى وارذثكستها ;

الحاكم
أبو القاسم -

لو سألنا حاكم مصر عما يعتقد فى حق التدخل الدولى لأسباب انسانية فسوف يكرر الرفض القاطع ويردد صدى ما قاله ديكتاتور السودان عمر البشير، ضاربا مطالب وصوت ضمير المجتمع الدولى بعرض الحائط. ولكن المفارقة أنه بعد أحداث الاسكندرية الاخيرة، بدأ حاكم مصر يدعى بأن هناك يد ;أجنبية وراء الحادث، وهو بذلك وبدون أن يدرى يكون قد برر وجوب التدخل الدولى فى التحقيق.نقطة أخرى: أليس بابا روما هو رئيس دولة الفاتيكان؟ لماذا لم يرد عليه الرئيس المصرى، أو وزير الخارجية. لماذا شيخ الازهر. ولماذا إذا لم يتدخل وزراء التموين والاقتصاد والتعليم ... الخ.

الى عابر ايلاف
القرصان الأحمر -

ردودك دائما عشوائية وبدون تفكير، وباين انك اخونجي نمرة 1 ونؤيد أعمال جماعتك القاعدة الارهابية.

الي عابر ايلاف
مصري حزين -

ياشيخ كفانا الله شر تعليقاتك فاذا كنت في مصر فسوف تري العجب من معامله المسلمين للمسيحيين فقد بحا التمميز واضحا لاي انسان فالمسلم لباسه الان اللباس الافغاني او الجلابيه القصيره جدا والذقن كفر سياره كما يقول السعوديون والمراه لباسها الثوب الخليجي والنقاب وهلم جرا والحكومه تتعامل مع المسيحيين كانه تشفق عليهم وتساعدهم انما العكس هو الصحيح تماما

أراء العقلاء
Kamal Fathy -

لا يقصد الكاتب الأمين أن يحث الأقباط على المطالبه بالأنفصال ولكنه يحذر من تنامى الاضطهاد وتجاهل الحكومه الذى أدى الى تصريحات بابا الفاتيكان وساركوزى وغيرهم فلو أعطت الحكومه حقوق الأقباط وأمنتهم ما تدخل بابا الفاتيكان ولا غيرهتحيه من القلب لكل قلم حر مثل قلمك يا دكتور