ليس للـدكتاتور من يكاتبه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الشعوب لا تلجأ إلى الثورة بسهولة!.. خصوصاً "ثورة جماهيرية" في بلد لم يمارس هذا النوع من الثورة من قبل. هذا يخبر أن الثورة الجماهيرية التي وصلت بـطريقة مفاجئة للجميع، قد وصلت لها عبر تصاعد داخلي طويل الأمد، وهو تصاعد واحتقان حقيقي مبني على وقائع تجريبية وظروف مرتبطة بواقع هذا الجمهور. لذا تأتي الثورة الجماهيرية، عادة، مجردة من أي إيديولوجيات وزوائد تنظيرية. هكذا، ثورة أتت بسبب واقع مرير وظروف لا تطاق دفعت الشعب إلى مثل هذا التصرف الارتجالي.. فتروتسكي، الذي يعتبر من أهم من كتب عن الثورات، كتب يقول "لا تتوق الشعوب إلى القيام بثورة تماماً كما لا تتوق إلى الحروب، ولكن هناك هذا الفرق وهو أنّ "الإكراه" يلعب دوراً مصيرياً لنشوء الحرب، بينما وحدها "الظروف" تكون قسرية في اندلاع ثورة. تندلع الثورة فقط في غياب أي مخرج آخر".
ثورة الجماهير عادت اليوم بشكل مفاجئ في وقت تضعف فيه توقعات حدوثها. يرى البعض أن "العولمة" قضت على إمكانية الثورات. فحقبة ما بعد "الحرب الباردة" قد شهدت هدوءً عالمياً نسبياً. فالقوى العولمية زادت من قوى دول التنمية، وعملت على توسيع نشاطات هذه الأخيرة من أجل تمرير المصالح السياسية والاقتصادية، فتطور جهاز الدولة في هذه البلدان. بالإضافة إلى أن هذه الحقبة شهدت تحولات ديمقراطية أو شبه ديمقراطية في الكثير من البلدان، والعديد من المنظرين في علم "الاجتماع السياسي" قد كشفوا عن علاقة كبيرة بين وجود الديمقراطية وضعف المحاولة الثورية، باعتبار أن الديمقراطية "تهدئ وتُخضع" عدداً من النزاعات.
الثورة التونسية اليوم هي حدث عظيم وبالغ الأثر، وهنا بعض الملامح المهمة التي تصدر عنه:
أولاً: أن أروع وأهم ما في الثورة التونسية (يناير 2011) هو أنها ثورة "سلمية"، وهي بذلك تخلق أنموذجاً مهم، يفترض فيه ألا ينسحب لفوضى لاحقة، تضيع منه كل المكاسب التي تحققت، وتفسد "الأمن" الذي يعتبر أهم شيء. فنفس الثورة هو في العمق نفس مريض، قائم على الإقصاء والراديكالية، وأي استمرار واستلطاف لهذا النفس (كما حدث في ثورات كثيرة) هو أمر بالغ الخطورة!. في تونس، هناك ارتباط وثيق بين سلطة زين العابدين بن علي التي سقطت، وقطاعات وعائلات متمكنة موجودة في المجتمع، وأي توسع وإفراط في الهجوم والثورة قد يعقب فوضى وأحداثاً مؤسفة لا تنتهي. لذا لا بد من تدخل وإيضاح قانوني قوي من قبل "السلطة الانتقالية" لإنهاء أي إمكانية لاستمرار مثل هذا التوسع.
ثانياً: تتضح سرعة تخلي الدول الغربية عن أعوانهم في بلدان العالم النامي، فهي كما قال لي صديق "لا يستثمرون في مُدبرٍ أبداً !". نلاحظ كيف أن ساركوزي الداعم الأكبر لابن علي قد رفض استقباله في فرنسا، بينما أوباما يعلن احترامه لإرادة الشعب التونسي. وفي هذا دلالة مهمة للبقية، فالقوى الغربية كانت دوماً حاجزاً بين الشعوب وسلطاتها، فهذه الأخيرة تقوي نفسها وتتمنع عبر اصطفاف القوى الغربية معها. أمّا الآن فيتضح أنه لا مفر لديها من الالتحام الحقيقي مع شعوبها واحتياجاتهم، وأنها ذات "قدر واحد" معهم. وهي كسلطة إن انعزلت عنهم "باختيارها" حال قوتها، ستكون لابد معزولة عنهم لاحقاً حين ضعفها "باختيار شعبها"، تماما كما هو حال "كولونيل" غارسيا ماركيز الذي عاش وحيداً كئيباً لا يجد "من يكاتبه".
ثالثاً: الثورة تغير الطريق لكنها لا ترسمه. أعظم المخاوف التي تقع بعد الثورات هو كونها تخلو من "رؤى مستقبلية" مرسومة، فالثورة الجماهيرية بالأخص تحدث كما قلنا نتيجة ظروف لا تطاق، وليس بسبب وجود خطة بديلة لديها. يخبر المكسيكي خورخي كاستانيدا أن منطق الثورات من انكلترا في القرن السابع عشر، وحتى رومانيا عند نهاية الألفية الثانية إنما اعتمد على "النقمة" التي يثيرها الوضع الراهن. يقول " إن أقوى جدال قدمه اليساريون في أميركا اللاتينية أو أي مكان آخر، لم يكن أبداً -ولن يكون- الحلول البديلة التي تقترحها الثورة. اعتمد الثوار على الوضع الراهن غير المقبول أخلاقياً الذي يعيشه معظم سكان المنطقة".
إن الثورة تغير الدكتاتور، ولكن الهيكل والنظام السياسي قد يبقى كما هو!. مثل ذلك قد حدث في ثورات متأخرة لم تستفد الشعوب شيئاً منها، لأن القضية كانت قضية هيكل وطبقة مسيطرة وليست مختزلة في ذات شخص واحد، مثل الثورة التي حدثت في صربيا حين أسقط ميلوسفتش في العام 2000، أو تلك التي حدثت في اندونيسيا حين أسقط سوهارتو في العام 1998. اليوم يتحدث خبير قانوني دستوري أن تسليم السلطة للوزير الأول محمد الغنوشي هو "مغالطة كبرى للدستور"، بالإضافة إلى أن الرجل من نفس الطبقة ومن نفس النظام، مما يجعل الهيكل السابق يميل إلى أن يبقى كما هو!. في ثورة اندونيسيا تعاضدت جميع قطاعات الشعب في الثورة من أجل "شعار" رئيسي ورمزي كبير، وهو "إسقاط سوهارتو"، وحين سقط لم تذهب السلطة إلى الشعب، بل ذهبت إلى أحد أفراد نخبته وأحد المقربين منه وهو بحر الدين يوسف حبيبي، لذا لم يستفد الشعب من ثورته، التي لم ينتج عنها أي تغيير اجتماعي أو اقتصادي مهم.
رابعاً: الثورات المحتملة في أجزاء العالم اليوم، تختلف عن تلك "الكلاسيكية"، وعن تلك التمردات والثورات "العالم ثالثية" التي حدثت في منتصف القرن العشرين، التي وجهت ضد استعمار خارجي. اليوم، الاحتجاج والتمرد سيكون من شعوب تجاه استعمار واستغلال داخلي لها، من قبل السلطات والقوى المسيطرة التي تستغل ثرواتها، وتحجم حقوقها. لقد تعاضدت حكومات العالم النامي مع قوى العولمة، والتعاون الخاص والحصري مع الدول الكبرى والشركات متعددة الجنسيات أدى إلى حدوث أزمات متزايدة لدى سكان هذه الدول، وإلى تضييق على طبقات وسطى لديها، وخلق رقعة واسعة من قطاعات فقيرة، أُرهقت من اللا مساواة ومن التقصير في الشفافية وفي العمل الإداري الذي يفترض منه وضع مصلحة المواطن في أعلى أولوياته. هذا التعاون القائم على الوضع الاقتصادي العالمي أدى إلى بروز ما يسميه أحد الخبراء بـ "اقتصاد الفقراء النفسي"، وهو اقتصاد نشأ في "سياق جيل كامل على الاعتقاد بأن العمل المضني والولاء السياسي يكافآن بمنزل في المدينة وفرص عمل". إنها جماهير تصحو اليوم وتكتشف واقعها المر أمامها..
تونس، كانت أنموذجاً لما يسمّى "تنمية من غير ديمقراطية". فقوى "العولمة النيوليبرالية" من دول ومؤسسات رأسمالية اخترعت هذا النموذج الألعوبة وحاولت تعميمه، كي تتحقق لها المصالح بهدوء مع حلفائها من نخب هذه البلدان. تونس كانت مناسبة لهم لأنها بلد كبت لم تكن تصدر عنه الإشارات. لعقد كامل وهذا العالم يتحدث لنا ويقدم تقاريره عن تنمية تونس ومثال تونس!. حتى انفجر الوضع وبانت الحقيقة، فمصلحة النخب في الأعلى لم تكن أبداً مصلحةً وأساساً للوطن. فمامن شجرة تنبت من أعلى، ولا من مبنىً يبدأ من فوق. ليرحم الله شهداءك الأبطال يا تونس، وصرختك يا شابي سُمعت والقيد انكسر.
التعليقات
القيد انكسر.
Majida -نعم; ثورة نابضة بالحياة والكرامة إلى حد مدهش; إنها صفحة مشرفة رائعة تسجل في تاريخ تونس الجديد هي نهاية طريق كان طويل ومظلم للدرجة التي لم يعد ممكن العيش والإستمرار في حالة القهر والبؤس الذي تعاني منه كل شعوبنا العربية .. حان الآن موعد رحيل وانصراف كل ديكتاتور وطاغية (الكيان الصهيوني) وأتباعه; حسني وحسن والبشير السوداني وبشار السوري والقذافي أبو قذاف الدم; إرحلوا الآن; الوقت ينفذ.. إرحلوا قبل فوات الأوان والقطارارت والطائرات وقبل أن تردم شعوبكم جام غضبها فوق حفركم إن وجد لكم مأوى حينها أو حفر ... إرحلوا لم يعد بوسع شعوبكم إبتلاع الدموع والقهر..
ماثقافتك الثورية
حزم الظامي -ياليت أعرف ثقافة الكاتب الثورية . أول سطرين تدل أنك تهرف بما لا تعرف .لست على مستوى إيلاف .أتمنى نشر الرأي الحر يا إيلاف . فأنا متابع لكم من بداية هذا الموقع .
سفسطه اعلاميه
أ.د.أسامه عبد اللطيف -يجب أن أن يكون الكاتب صاحب تجربه معرفيه متراكمه مع الزمن حتى يكون أهلا لتصديقه والاقتناع بما يكتبه...وللاسف فانى أرى أن كاتب هذا المقال (وهو ما يتضح من صورته) مازال حدثا صغير السن (أغلب الظن بالعشرينات من عمره) حتى أن مقاله هو بمثابه هرتقات أو مذكرات مراهق يكتب ما يعتمل داخله من انفعالات دون وجود رصيد معرفى أو ثقافى ودون وجود تجربه حياتيه عمليه تؤهله لما يكتب...أرجو أن تقوم أداره ايلاف بالتركيز على الكتاب من أصحاب الخبره ولا تفسح صفحاتها لكل من هب ودب.
استقلت تونس
كنزة -كان المفروض أن ينهي الكاتب موضوعه ببعض النفاق السياسي ويمدح المنجزات حتى يعطي موضوعه وزن عند المنزعجين من نتائج الثورة التونسية الغراء.. وحتى لا يتعرض للهجوم الشخصي .. ماذا يا ايلاف هل تنتظرون القراء ليعينوا لكم الكتاب؟؟ هناك فعلاً كتاباً لا يستحقون البقاء هنا وما هم إلا مطايا يخدمون غيرهم من خلال الكتابة في هذا الموقع يدورون في نفس الحلقة لأعوام الآن !! .. كما علينا ألا ننسى أن إيلاف تتبنى حرية الرأي أولاً وأخيراً وأن ما كتب في هذا الموضوع كلام معقول جداً بل ويعبر عن رؤية جيدة.. وأتفق مع الكاتب في المقلب الذي شربه بن علي من فرنسا التي طالما أرضاها بضرب شعبه بالعصا وإنتهاك حريته بالقبضة البوليسية.. وأنه فيما سبق فأن المعارضة التونسية في فرنسا لم تجني الا الحصرم من تبني فرنسا لبن علي على حساب كرامة شعبه!! .. لذا فإذا كنا نحن الشعوب المقهورة لا نستطيع أن نقلد القصة التونسية فعلى حكامنا أن يرتدعوا مما حدث لهذا الرئيس المخلوع بأنهم سيعاملون بخسة كما وصف أحد صحافيي فرنسا موقف بلده من رفضه لإيواء بن علي.. بل اليوم ترفض بنوك فرنسا التحويلات المنهوبة وسيحذو حذوها البنوك الأخرى... فماذا جنى السراق للسلطة والمال إلا ملاذا سرياً وربما مؤقتاً بعد ليلة طويلة في المجال الجوي لم يرحمها إلا ملك السعودية الذي رأف بحاله وأعطاه مأوى تحت شروط جبرية مشددة فاستراح منه المواطن التونسي البريء البسيط ونام ملء عينيه في بلده التي قام بإسترجاعها بيده الحرة! هنيئاً لتونس الحرة بلد الشجعان وإلى الأمام.. ولا تخف يا حضرة الكاتب وأمثالك فلن يجروء أحد على المساس بسيادة هذا الشعب الصعب بعد هذا الدرس العظيم بدء من هذا التاريخ!
right on
Abdallaa -The analysis is right on. There is, however, a difference between thawrah and ingilab; the first includes changing structure and personnel, the latter includes keeping structure in tact and changing personnel only.Very interesting analysis.
.د.أسامه عبد اللطيف
Majida -من الخطأ تبخيس أعمال الآخرين وتدمير جهودهم ( حرف د.) شهادةتدل على الوعي العقلاني والعلمي .. ليس من الضرورة تجاوز شروطالنشر والإساءة للكاتب .. فالعقول والأدمغة على سبيل المثال , لاتقاسبالأعمار عالمنا مليء بالعباقرة لا الدكاترة وأعمارهم لم تتجاوز العشرينومن هؤلاء العباقرة صاحب فكرة /Face Book Mark Zucker Berg,,من اللطف البحث عن النقد الهادف والبناء لإنجاح كل ثورةإن مسفل الغير يضخم ذاته في الوقت عينه ..