فضاء الرأي

كي لا تكون النتيجة ديكتاتورية من نوع جديد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يتطلع العالم العربي والغربي لما ستسفر عنه تطورات الحدث التونسي بعد اسقاط وهروب الطاغية زين العابدين بن علي، لأنه ليس مهما اسقاط الطاغية فقط، بل الأهم هو ما سينتج عن طرده وسقوط نظامه، خاصة انّه رغم الفارق في بنية النظامين الصدّامي و الزين عابديني، واختلاف النسيج الداخلي للمجتمعين العراقي والتونسي، إلا أنّ ما نتج في داخل العراق بعد سقوط نظام صدّام الديكتاتوري مرعب بصورة تعجز عنها أفلام الرعب الهوليودية، فجرائم القتل الجماعي اليومية فاقت بمئات المرات نوعية وعددا في السنوات السبع الماضية مجموع ضحايا صدام الفردية والجماعية. هذا مع فارق آخر هو سيادة الهدوء والنظام في الشارع والمجتمع العراقي، وبنسبة عالية خوفا من سلطة الديكتاتور وولديه اللذين عاثا فسادا وجريمة من نوع جرائم الوالد القائد. لذلك فالترقب هو سيد الموقف التونسي لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع الداخلية، ونوعية النظام الذي سيتم توليده أو الاتفاق عليه. ورغم أنه لم يمض سوى أيام قليلة على سقوط الطاغية وهروبه، إلا أنّ تفاعلات هذه الأيام القليلة وتحشداتها توحي بنظام قادم سيكون واحدا من إثنين.

الأول: إعادة استنساخ الديكتاتور بشكل جديد
ما يوحي بذلك هو نوعية المفاوضات والاتصالات التي جرت، وبقاء الوزير الأول محمد الغنوشي رئيسا للوزراء مشكلا حكومة جديدة، أبقى فيها ثلاثة من وزرائه في زمن الديكتاتور الهارب، ومنهم وزير الداخلية أحمد فريعة الذي لا يمكن لأحد أن يعفيه من مسؤلياته عن القمع والتسلط ومصادرة الحريات كافة في زمن الطاغية الهارب، وكذلك بقاء وزير خارجية الطاغية كمال مرجان الذي كان منظّرا للطاغية في المحافل الدولية، ويقدمه على أنّه الديمقراطي الأول والنوعي في العالم العربي. ولإضفاء لمسات ديكورية على هذا الاستنساخ أعلن محمد الغنوشي و فؤاد المبزع استقالتهما من الحزب الحاكم سابقا ( التجمع الدستوري الديمقراطي ) الذي لم يكن دستوريا ولا ديمقراطيا، لأنه لم يحافظ على الديمقراطية والحريات التي نصّ عليها الدستور. إنّ بقاء الرموز الأساسية من النظام البائد هو ما حدا بثلاثة وزراء ينتمون للمركزية النقابية أن يستقيلوا من الحكومة التي شكّلها وترأسها محمد الغنوشي نفسه ، وهم حسين الديماسي و عبد الجليل البدوي و أنور بن قدور، خاصة أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل قام بدور أساسي في تفعيل حركة الجماهير لإسقاط النظام البائد، لذلك يتخوفون من استمرار وجود رموز هذا النظام في قائمة الحكومة الجديدة، بعد أن ثبت أنّ محمد الغنوشي أجرى اتصالا هاتفيا بالديكتاتور الهارب قبل إعلانه تشكيل حكومته الجديدة. فما معنى بقاء رموز هذا النظام واستمرار اتصالاتهم بالطاغية غير أخذ التعليمات منه؟.
وهذه الحالة تعيد للذهن مسألة البعثيين الصداميين بعد سقوط الطاغية، وصدور ما سمّي "اجتثاث البعث" وعدم السماح بعودتهم للمشاركة في الحياة السياسية العراقية الجديدة. وليس سرّا أنّ هذا القرار كان غير موفق لأنه ليس كل القواعد الحزبية البعثية شاركت أو مسؤولة عن جرائم صدّام رغم سكوتها خوفا كباقي الشعب الذي لم ينتفض ضد الطاغية طوال أربعة وعشرين عاما من تسلطه وظلمه. وكذلك في الحالة التونسية فليست كل قواعد ( التجمع الدستوري الديمقراطي ) مسؤولة عن جرائم وتسلط بن علي، لذلك فمن حق هذه القواعد الحزبية المشاركة في الحياة السياسية التونسية الجديدة، ولكن ليس القيادات التي كانت الأداة التنفيذية الميدانية لجرائم بن علي. وذلك كي لا تعمل قيادات بن علي تدريجيا على استنساخ ديكتاتورية جديدة على قياسها وحسب مواصفات الديكتاتور الهارب، رغم أنّ قرار الحكومة الجديدة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي وإلغاء وزارة الاتصالات خطوة مشجعة .

الثاني: استمرار النضال من أجل ديمقراطية حقيقية
الاحتمال الثاني الذي نأمل وكذلك التونسيون المنتفضون الذين قدموا العشرات من الضحايا، هو بدء حياة ديمقراطية جديدة تشمل جميع الحركات والأحزاب السياسية على قدم المساواة من خلال انتخابات حرّة نزيهة، والحزب الفائز هو الذي يشكل الحكومة، وأهم الشروط هو تحديد مدة الرئاسة والانتخابات على الطريقة الأمريكية والأوربية بحيث لا تزيد عن فترتين مدة كلّ منها أربع سنوات.

ما هي المحاذير والتخوفات؟
أهم هذه المحاذير والتخوفات هو صعود حركات التطرف الإسلامي، هذا الصعود الذي من شأنه أن يحطّم كافة البنى الديمقراطية خاصة في مجال حقوق المرأة والأحوال الشخصية التي تأسست منذ زمن الحبيب بورقيبة. وربما كان هذا التخوف هو وراء استثناء حركة النهضة التونسية من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة وبالتالي عدم مشاركتها فيها. وهذا التخوف مردّه تطبيقات ميدانية في مجتمعات أخرى سيطر فيها الإسلاميون على الحكم، وآخر ما هو على مرمى السمع والصبر تجربة حماس في قطاع غزة، التي تقود المجتمع الغزّاوي تدريجيا نحو مجتمع طالباني على الطريقة الأفغانية. وهذا ما دعى تنظيما فلسطينيا مثل "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" أن تصدّر بيانا من داخل غزة تحذّر فيه الشعب التونسي ( من موجات الإسلام السياسي التي من شأنها أن تجرّ انتفاضته نحو مستنقع التطرف والإرهاب ). وناشد البيان الشعب التونسي ل ( قطع الطريق على الإسلام السياسي وشعاراته المضللة، وحتى لا تتكرر تجربة قطاع غزة في تونس ، حيث تسود قوى الرجعية والظلام )، ويقصد البيان حركة حماس بوضوح شديد. هذا رغم أنّه من المهم التذكير بأن القانون التونسي منذ زمن الحبيب بورقيبة يحظر إنشاء أحزاب على أساس ديني ورغم ذلك فهي موجودة، ولذلك تطالب حركة النهضة علانية بإلغاء هذا القانون وتغيير الدستور كاملا، وفي هذه المطالبة إشارة خطر بالارتداد عن كافة الخطوات التقدمية التي حققها المجتمع التونسي في مجال حقوق المرأة والأحوال الشخصية، وحافظ عليها طوال أكثر من نصف قرن مضى.
هذه مجرد قراءة احتمالية للوضع التونسي بعد سقوط وهروب الطاغية بن علي، والأيام القادمة ستثبت أي الاحتمالات أكثر قدرة على البزوغ والنجاح في الشارع التونسي؟


ahmad.164@live.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الاخ احمد ابو مطر
د محمود الدراويش -

الاخ احمد كاتب غزير العطاء , صاحب كلمة مهذبة ووقورة ,لكنني ورغم اني علمانيا تماما الا انني ااخذ عليه خوفه الشديد وغير المبرر وتحذيره من مخاطر الجماعات الاسلامية , وامكانية وصولها للسلطة هنا وهناك , وانا لا اجد موضوعية في موقف الاخ احمد عندما يتعرض للحركات الاسلامية , واضعا ايها في بوتقة القاعدة والارهاب ووصفه لها بالخطر والشرور وعظائم الامور الا يعتقد الاخ احمد اننا بهذا الشكل ننزلق تماما ونتوحد دون ان ندري مع مواقف عتاة اعداء العروبة والاسلام الذين لا هم لهم اليوم الا نشر وتعميق الكراهية وبث الرعب وتشويه صورة العرب والمسلمين في كامل المعمورة , فهل نجح هؤلاء في دفعنا لنردد اتهاماتهم واكاذيبهم ونبرر احقادهم وتآمرهم علينا جميعا معتدلين انسانيين او متطرفين متزمتين جهلة , طبعا هناك الة اعلامية ضخمة يقودها اعداؤنا وتهدف الى تكليب العالم وتجميعه ضدد معتقدنا وتراثنا , وبالتالي ضدد قضايانا ومصالحنا ومستقبل امتنا وحركتنا باتجاه التطور والبناء, ,, والمفجع ان كتابا بثقافة الاخ احمد ووعيه وصدقه وحبه لامته ينخرطون في هذا الدرب ربا بسبب عدم تحديدهم لدلالة مصطلح الارهاب والارهابيين الاسلاميين بدقة ووضوح , وكأن الاسلام فكرا غازيا دخيلا علينا ووباءا قد يذهب بالاخضر واليابس ويجر علينا محنا ومصائب بل وانهيارا وتراجعا في مختلف جوانب حياتنا لا يمكن علاجه او مواجهته او تعديل مساره او القضاء عليه ,, هل الاسلام والمسلمون الصادقون العابدون الزاهدون بسلامة طوية وصدق وانتماء لله والانسانية وفضائل الاسلام ووصاياه رعبا يهددنا ويطرق علينا ابوابنا وينشر السم الزعاف والموت والبؤس في ازقتنا وحاراتنا ؟ وهل الاسلام على الامة حمل ثقيل يجب الخلاص منه وطلاقه بالثلاث حتى تهدأ النفوس وتستقر الفرائص ,,, ان مسالة خوفنا ورعبنا من الاسلاميين الى هذا الحد , مسالة لا تستقيم مع تاريخنا ومجمل قيمنا وتراثنا الذي لا ندعي بهاؤه ونضارته وطهارته المطلقة ....., لقد قرأت الكثير عن حملات الفرنجة وحربهم الطويلة علينا باسم المسيح عيسى ابن مريم روح الله وايته رسول المحبة والسلام والاخوة , ورغم ان تلك الحرب وحملاتها قد استمرت قرنين ونصف تقريبا وجرت فيها الدماء جداول وسقط فيها عربا مسلمين ومسيحيين حتى , ضحايا لاحقاد لا تربطها بالمسيح رابطة وعم الخراب والنهب والسلب في بلاد العرب ,فكيف تصرف المسلمون

اختلاف موضوعي مهذب
أحمد ابو مطر -

الأخ الدكتور محمود الدراويش حفظه اللهتحياتي وتقديريتعليقاتك يا صديقي كما قلت سابقا ترقى لأن تكون مقالة مستقلة، تناقش حيثيات المقالة المنشورة. ما أحترمه فيك وأتمنى شيوعه وتبنيه بين كافة القراء هو النقاش الموضوعي الجريء مع ذكر كل نقاط الاختلاف مدعّمة بحيثيات وحقائق من وجهة نظرك...وبهذا الإسلوب فقط يمكن أن نصل لقناعات مشتركة...شكرا لك والسلام لك وعليك وكافة القراء والمعلقين...فالخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس.

العدالة الحقيقية
خوليو -

بعض المتدينون الاسلاميون يستخدمون تعابير ديمقراطية ولايتوانون عن استخدام كلمات جميلة مثل العدل والمساواة ويعززون أفكارهم بالاستشهاد بكتاب غربيون يبدون رأيهم بالاسلام وسماحته وعدله وقوة قيمه حسب ما يقولون لنشر العدل والمساواة والخير للبشرية،فهل يحتاج التسامح لرماح وسيوف وجيوش ليفرض نفسه؟ إن كان الجواب بنعم فهذا ليس تسامح، فهو غزو وفرض شروط مثبة وبعدها تمنين إن تركوا الخصوم على قيد الحياة ويسمونه تسامحاً، لاندري لماذا يدينون غزو الآخر لهم بينما يبررون غزواتهم لللآخر، ألا يوجد في الاسلام فروض يجب تطبيقها؟ وما هو موقف الشريعة الاسلامية(الحكم)للذين لايطبقونها من المسلمين ؟ الأجوبة الصعبة تختفي عندما نوجه إليهم الأسئلة المباشرة الصعبة أيضاً: ماهو رأي الاسلام وليس المسلمين بالزواج المدني؟ حيث هذا الزواج قمة المساواة الحقيقية،( أجوبتهم تكون بأن الاسلام زواج مدني، يستخدمون دائماً التسميات، وأما التطبيق فيا ويل الشعب،حماس مثالاً) ماهو رأي الاسلام وليس بعض المسلمين الظرفاء طبعاً والدبلوماسيين جداً بالمساواة السياسية ونقصد المنصب الأول في الرئاسة؟ وماهو رأي الاسلام وليس بعض المسلمين في قضية نصف المجتمع وهو المرأة ومساواتها المساواة التامة مع الرجل؟ ونقصد مساواة حقوقية اجتماعية اقتصادية وسياسية وحريتها الشخصية ؟ وماهو رأي الاسلام وليس المسلمين الظرفاء في مسألة تعدد الزوجات ؟ الظرفاء والمثقفون من المسلمين يخلطون الأمور بشكل يتعذر على القارئ فهم مايريدون، هل يريدون مجتمع مدني تتساوى فيه كل طوائف وأعراق المجتمع أم يريدون مجتمع اسلامي يراه كل متفحص أنه يطبق بالفعل تعاليم الدين وحدوده لاغياً حقوق الاخر المذكورة أعلاه ولكنهم لاينسون أن يستخدموا في ردودهم كلمة عدالة ومساواة، ولو أنهم يذكرون كلمة عدالة اسلامية خاصة بهم لكانوا ربما أكثر صدقاً. نأمل للمجتمع التونسي ان يختار بعد بن علي نظام المجتمع المدني بكل ماتعني هذه الكلمة من مساواة وحرية وعدل إنساني بعيد كل البعد عن المجتمعات الدينية وعدلها المزيف.

مقال استئصالي
ابو رعد -

هذا مقال استئصالي يحرض على الاسلاميين وقمعهم، ولكن الشعب التونسي ثار على النظام الاستئصالي وبغنى عن مقالتك لأن ما حدث في تونس هو هزيمة مذلة للعلمانية، وأنه لا يمكن إخراج الاسلام من أفئدة الشعوب مها طال الظلم، لا القهر ولا السجون ولا الاعدامات ولا تجفيف المنابع يفيد، ودعاة منع وصول الاسلامييين للحكم هم استئصاليون ومهزومون كما هزم ابن علي