أصداء

الأردن: بعيدا عن أوهام التغيير الحكومي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

شهدت الاحتجاجات الشعبية في المملكة الاردنية يوم الجمعة الماضي، والتي حافظت حتى الآن على طابعها الاقتصادي المعيشي، تصعيدا لم يكن متوقعا، رغم استجابة الحكومة، ولوجزئيا، لبعض مطالبها.

ويثير ذاك التصعيد مخاوف لدى بعض الاوساط، من ان تتجه الاحتجاجات السلمية، التي تعاملت معها السلطات الامنية بذكاء وحكمة حتى اللحظة، الى تصعيد نوعي يأخذ منحى سياسيا خلال الفترة القادمة، لا يكتفي بتنازلات حكومية على صعيد خفض اسعار المواد الاستهلاكية والمعيشية الاساسية، بل يواصل المطالبة بضرورة إقالة الحكومة بغض النظر عن القرارات التي اتخذتها وستتخذها، ومدى استجابتها لمطالب الشارع. اي ان "الشارع" في حال نجاحة في تحقيق مطلبه هذا، قد يتحرك، في وقت لاحق، ليمارس نوعا من "الفيتو" غير المباشر على اية حكومة مقبلة، وبأثر رجعي، ما لم تستجب مع مطالبه المتنامية مع كل نجاح تحققه المعارضة على مستوى الشارع. وهذا يعني ان المسألة قد تتحول من الاحتجاج على ارتفاع الاسعار الجنوني، الى الاعتراض على حكومة بعينها، ثم معارضة آلية اختيار الحكومات وتعيينها، اي الاعتراض بشكل مباشر او غير مباشر، على صلاحيات الملك الدستورية، والتي تخوله تعيين الحكومات واقالتها، وكذلك على صلاحيات مجلس النواب، بسبب افتقاره الى الشرعية من وجهة نظر شعبية بسبب شبهات التزوير التي اعترت الانتخابات الاخيرة وسابقاتها. فالحكومات الاردنية، بما فيها حكومة السيد سمير الرفاعي، هي "حكومات جلالة الملك" طالما انه هو الذي يكلف رئيسها. وفي ضوء التشكيك بشرعية مجلس النواب، فإن منح الثقة من قبله للحكومة، بهذه النسبة الخيالية التي لم يشهدها اي بلد ديموقراطي في العالم عبر التاريخ، فتح الباب امام الطعن بشرعية المجلس، وبالتالي شرعية النظام السياسي الذي يرعى ويترأس السلطتين التنفيذية والتشريعية.

كنت عارضت في مقالة سابقة فكرة إقالة الحكومة التي هي برئاسة الرفاعي، رغم تعاطفي مع الاحتجاجات المشروعة، لعدة اسباب، من بينها ان الحكومة هي "حكومة جلالة الملك"، وبالتالي فإن إقالتها، بعد بضعة اسابيع من حصولها على ثقة "ساحقة" في مجلس النواب، ينطوي عن اعتراف غير مباشر بعدم شرعية المؤسستين التشريعية والتنفيذية، فضلا عن اعتراف ضمني بأن الطرف الذي عين رئيس الحكومة، اساء الاختيار، خاصة في ضوء التجديد للحكومة مؤخرا عبر السماح بإعادة تشكيلها كما حصل.

ثمة اسباب اخرى لمعارضتي إقالة الحكومة وهي انه لا يعقل تحميل الحكومة الحالية تبعات ازمة اقتصادية مركبة ساهمت حكومات سابقة عدة في تركيبها واستفحالها، مع انه بالإمكان انتقاد بعض القرارات التي اتخذتها هذه الحكومة خلال الفترة القصيرة التي اضطلعت خلالها بمهامها الدستورية، إلا انها لم تكن قرارات جوهرية او مغايرة لما اتخذته حكومات سابقة. كما ان تغيير الحكومة لا يعني اختفاء اسباب الازمة او تبخرها بفعل معجزة سيجترحها الرئيس المقبل الذي يحلم المحتجون بقدومه على حصان ابيض. فرئيس الوزراء المقبل سيكون محكوما بالمحددات السياسية والاقتصادية ذاتها التي تكبل يد الحكومة الحالية وتمنعها من اتخاذ اجراءات توفر الرفاهية للشعب. فالنظام الذي سيحكم اداء الحكومة المقبلة هو النظام نفسه الذي يحكم الحكومة الحالية، لذا فإنه من قبيل السذاجة السياسية السعي الى التغيير لمجرد التغيير، وهو ما خبرناه خلال العقود الماضية دون جدوى.

خلاف ذلك، يستطيع جلالة الملك ان يقرر إن شاء مثلا اجراء تعديل على الدستور ليسمح بإنتخاب رئيس الحكومة بالإقتراع المباشر، او عبر تكليف الحزب او التكتل الاكبر في البرلمان بتشكيلها (على افتراض ان تكل التكتلات السياسية تمخضت عن انتخابات جديدة وفق قانون انتخابي اكثر عدالة واجراءات اكثر شفافية)، وبذلك يتخلص جلالة الملك من عبء تعيين الحكومات والعبء السياسي الاكبر لفشلها، فيبقى فوق السلطات الثلاث، ويتدخل لحل الحكومة في حال خسارتها للأغلبية البرلمانية. إلا ان خطوة من هذا النوع لا يمكن لها ان تنجح بين ليلة وضحاها وعبر سياسية حرق المراحل، بل لا بد لها من مرحلة انتقالية قد تستغرق سنوات عدة للتهيئة لها وتهيئة الرأي العام وتثقيفه والإرتقاء به وبناء الثقة بينه وبين الحكم، كما يقتضي الاصلاح ثقافة جديدة لا بد ان تشمل الحكومات والمسؤولين الذين عليهم ان يفهموا بأن وظيفتهم هي خدمة الناس لا اكثر ولا اقل.

إلا ان البيئة السياسية والاقتصادية الحالية ليست مؤاتية لخطوة اصلاحية شاملة من النوع الذي نتمناه، قبل توافر الظروف المؤاتية. ويكفي في هذا السياق التذكير بان من اوائل مظاهر الاحتجاج التي شهدناها في المملكة ضد الحكومة، قبل نحو اسبوعين، كانت في مدينة الكرك، في اطار تجمع شعبي بمناسبة الذكرى الرابعة ل"استشهاد" الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، الذي لا داع هنا لذكر مناقبه الديموقراطية. إذ لا اعتقد ان المعجبين بالرئيس العراقي المخلوع كانوا من المولعين بالديموقراطية وتبعاتها...


أما الحركة الاسلامية، والتي اتفق معها ومع غيرها على ضرورة الحد من الفساد الذي استشرى في السنوات الاخيرة، إلا انني ما زلت بإنتظار برنامجها للإصلاح الاقتصادي والسياسي، بعيدا عن شعار "الاسلام هو الحل" الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. واستذكر لدى فوز حركة "حماس" في الاراضي الفلسطينية، ثم إنقلابها على حركة فتح في قطاع غزة، بأنني قلت في حينه انه ليس هناك طريقة اسلامية لجمع القمامة من الشوارع. وتغلبت "حماس" بعدها على "فتح" في فنون الفساد والقمع والاستبداد، قبل ان تعلن "هدنة" مفتوحة مستمرة مع اسرائيل تمكنت من تطبيقها امنيا افضل بكثير مما فعلت "فتح" عندما كانت تسيطر على القطاع، ولم يعد هناك مقاومة ولا ما يحزنون...

اعود للإحتجاجات الاردنية التي شهدت تصعيدا يوم الجمعة الماضي، مقارنة مع الاسبوع السابق، رغم تراجع الحكومة عن رفع اسعار مواد استهلاكية، وخفضها اسعار مواد اخرى، فضلا عن اجراءات اخرى للتخفيف من العبء على المواطن المسحوق.


فلماذا جاء التصعيد بعد تلك الاجراءات الاسترضائية؟


اعتقد ان الاداء الاعلامي للحكومة، قبل وبعد اندلاع الأزمة، مسؤول الى درجة كبيرة عن استفزاز قطاعات واسعة من المواطنين، بمن فيهم الاعلاميون الذين دفعهم هذا الاداء الى استعداء الحكومة، والى المواصلة في تحريض الشارع بشكل غير مسبوق، الى درجة انه لم يتوافر صحفي واحد في الاعلام الرسمي او الخاص، مستعد للدفاع عن الحكومة. وفيما تعامل جلالة الملك ورئيس الحكومة بهدوء وحكمة لإحتواء الازمة، اصر الزميل والصديق السابق وزير الدولة، الناطق الرسمي، على عمل كل شيء لإستفزاز قادة الرأي قبل ان يستفز القيادات السياسية الحزبية وغير الحزبية. فأقدم على وصف الاحتجاجات بأنها "هامشية" وكأن لسان حاله يقول إن على الناس ان تحتج بوتيرة اكبر واوسع وأعنف، مستدرجا اياهم الى التصعيد، بدلا من التركيز على حقيقة الاستجابة الفورية للحكومة والتي اظهرت حساسية عالية تجاه مشاعر المواطنين. ولم يسبق ان شهدنا اية احتجاجات في الاردن من قبل اقدم خلالها المحتجون على استهداف وزير بعينه وبالإسم، كما لم اشهد اجماعا لدى الاعلاميين الاردنيين على الاستياء من اداء الناطق الرسمي كما هو الحال في مختلف المواقع الاخبارية، بما فيها المواقع الرسمية وشبه الرسمية، رغم ان وظيفة الناطق الرسمي هي كسب ثقة الاعلاميين وإقناعهم بسياسات الحكومة، لا إستعدائهم وتحريضهم ضدها.

قد يكون مفيدا للزميل السابق ان يهديء من روعه، وان يضبط اعصابه ويتناول قدحا من عصير البرتقال او عصير التفاح، لعل ذلك يساعده على اظهار احترام اكبر للرأي العام وللصحافة ولزملائه السابقين. إذ ان اكبر خطأ يقع فيه اي مسؤول، ايا كان، هو ان يعادي الصحافة او ان يستكبر على زملائه، وان يظهر ازدراء للناس واستخفافا بعقولهم، خاصة وان الحكومات اليوم لم تعد قادرة على تكميم كل الافواه كما كانت في السابق، ولعل في تونس امس، التي كانت قد تغلبت على كثير من الدول العربية في قدرتها على قمع الحريات الصحفية، عبرة لمن اعتبر.

فإلى جانب ضرورة السماح للناس بالتنفيس عن الغضب والاحباط بسبب اوضاعهم المعيشية، ما يمنع لجوئهم الى وسائل لا يريدها احد من قبيل اقدام بعضهم على حرق نفسه، لا بد للمسؤولين ان يتخلوا عن العقلية العرفية التي كانت تسود في السابق. إذ ان اقل استفزاز، في ظل الظروف المشحونة اليوم، قد تقود الى نتيجة ليست في مصلحة احد...

وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، التخلي عن سيادة القانون او عن تطبيقه بالعدل ازاء كل من يضر بالمصلحة العامة او بالنظام العام.


خلاصة القول هي إنه لا بد من المباشرة بعملية اعادة بناء الثقة المتبادلة تمهيدا للإصلاح السياسي والاقتصادي التدريجي، بعد مرحلة انتقالية لتهيئة الاوضاع المناسبة، بعيدا عن اية قرارات او خطوات قد تقود الى زعزعة الاستقرار. فالحكومة الحالية مستعدة كغيرها لتنفيذ الاوامر الملكية تماما كأي حكومة اخرى يمكن تعيينها، وتغييرها اليوم لن يحقق شيئا من المطالب المشروعة، بل سيقود الى ترحيل الأزمات، مع جرعة تخدير مؤقت، دون علاج حقيقي، ثم يعود بعدها الالم اكثر حدة وخطورة...


* كاتب اردني

snematt@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
NEWSNIGHT
مراقب اعلامي - لندن -

اذا كنت تشير الى ايمن الصفدي اود القول ان اداءه كان رائعا في برنامج نيوز نايتعلى محطة البي بي سي في توضيح وجهة النظر الأردنية. هناك اخطاء وتقصير ولكن المطلوب خطوات مدروسة للاصلاح وليس اجراءات سريعة غير مدروسة لارضاء هذا الطرف او ذاك.

عدم لثقة
hala -

هناك حالة عميقة من عدم الثقة بين المواطن والمسؤول فالمواطن لا يشعر بان بالامكان ان ياخذ حقة ان لم يكن له ظهر او مسنودا او واسطة قوية او ابن عشيرة كبيرة وقوية وهو ما ادى الى حالة من الاحباط الشديد لدى المواطن العادي كما انه لم يتم حتى اللحظة تفعيل مبدأ المساواة والعدالة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص فالفساد مستشري في مؤسسات الدولة المختلفة والتعيينات تتم بالواسطة ومن لا واسطه لديه لا يعين حتى انني اذكر حادثة جرت امامي عندما سأل زميلي في العمل احد اصدقاءه الذي جاء لزيارته عن الدوائر والمؤسسات التي تقدم لها بطلب للعمل فاجابه صديقه ديوان الخدمة المدنية فما كان من زميلي الا ان قال له انت باين عليك ما بدك تشتغل

المشكلة والحل
البدوي الاحمر -

في الحقيقة بدانا نلاحض في الفترات الاخير ضهور ظاهرة في الحكومات الاردنية وهي وجود اعضاء منها يعملون على تاجيج الخلافات ما بين الحكومة ومؤسسات الشعب المدنية وذات مرة تم اطلاق عليهم وزراء التاجيج من قبل النواب، مع العلم بان الفريق الوزاري من ابسط البديهيات ان يكون متجانس ومتوافق والكل يعمل ضمن سياسة عامة دون اللجوء الى المشاغبة التي ليس لها اي تعليل

تعليق
عصام -

ان السبب الرئيس للأحتجات في الأردن هو الممارسات السياسيه والأقتصاديه الخاطئه للحكومات السابقه وترحيلها المشاكل الأقتصاديه والسياسيه الى الحكومات اللاحقه اضافة على ذلك عدم قيام الحكومات السابقه بتوضيح المشاكل الأقتصاديه التي يعاني منها الأقتصاد الأردني للشعب الأردني,وعندما اراد رئيس الوزراء سمير الرفاعي القيام بمعالجه جذريه خطوه جطوه لهذه المشاكل تتطلّب شد الأحزمه على البطون قامت بعض الجهات بما قامت به

كلام عقلاني
سعيد الجراح -

هذا الكلام عقلاني ... ومن اجمل ما سمعت ان يتم انتخاب رئيس الوزراء من قبل الشعب انتخاب مباشر ... ولا يعجبني ان يتم تعيينه من قبل الكتل (مثل لبنان) فكل الكتل فاسدة ومستفيدة وليس لديها اي برنامج سياسي للأصلاح فقط تملق واستغلال السلطة لمصالح ذاتية كما يفعل البرلمانيون الآن ... ولا اريد ان نعود الى الوراء وتكون القبلية والعشائرية هي الفاصل في تعيين رئيس الوزراء ... لا يا عمي تعيين الملك افضل !!!

.....
Olaf Palme -

لماذا لا يرحل الهاشميين والفلسطينيين عن الاردن

.....
Olaf Palme -

لماذا لا يرحل الهاشميين والفلسطينيين عن الاردن

المشكلة
أردني أصيل -

المشكلة ليست تراكمية. كل من شارك في الحكومات السابقة و كان سبباً في المشكلة موجود اليوم و يشار بشكل أو بآخر في هذه الحكومة. كل من باعوا مقدرات الوطن لا زالو يشاركون بشكل أو بآخر في هذه الحكومة. هل من المعقول أن يقوم خبير الخصخصة ببيع أحدى المنشآت الاستثمارية الكبرى بمبلغ 52 مليون دينار و يبيع أحد قصوره اللتي لا نعلم كيف حصل عليها بمبلغ 12 مليون دينار؟ المشكلة أن هذه الشخصيات و غيرها لا زالت موجودة و تحظى بدعم حكومي أن الجميع يسعى للحصول على المزيد من العمولات و آخر همهم هو الشعب

مواطن
اردني اب عن جد -

هذا الكلام يخلو من المنطق والعقلانية نحن في الاردن نملك دستور ويجب على الجميع اتباعة فرئيس الوزراء من صلاحيات جلالة الملك ولا يمكن تشبيه الاردن ببلد مثل لبنان فليس هناك وجه شبه بينما يمكن تشبيه الاردن مثل الامارات التي يعيش فيها مواطنون من الدرجة الاولى وهم المواطنون الاصليون واخرون من الدرجة الثانية وهم من اصول ايرانيه وبالتالي الحق كل الحق للمواطنون الاصليون في كل شيء اما الاخرون فهي ليست بلادهم وان كانوا يحملون جوازات سفر اماراتية وهكذا الاردن فكيف المساواة بين من هم من اصل اردني مع غيرهم من غير الاردنيين هذا لا يمكن ان يكون باي حال من الاحوال ابناء العشائر هم من لهم الحق في التعيين والحصول على كل شء قبل غيرهم في الامارات الكل يعلم ذلك ولا احد يقول او يقبل غير ذلك الكل يسلم به ويعمل به وهو راضي دون اية نقاش او اعتراض يقولون مواطن غير ليس كباقي الناس.