فضاء الرأي

التغيير يصنعه البسطاء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يذكر القرآن أن أحد أسباب تكذيب الناس برسلهم هو أن هؤلاء الرسل بشر مثلهم نشأوا نشأةً عاديةً في مجتمعاتهم: "بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم"، "أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ" ..وهذه مشكلة إنسانية تتكرر دائماً: يتوهم الناس أن التغيير سيأتي من خلال شخصية أسطورية محاطة بهالة من القداسة، وينسجون في مخيلتهم أوصافاً مثاليةً لهذه الشخصية، ومرد هذا التوقع هو أن الناس قد طبعوا على حب الوجاهة والمظاهر فيريدون تغييراً معلباً أنيقاً لا يكسر كبرهم أو الايتيكيت المألوف لديهم، فإذا قدر الله لإنسان فقير بسيط من المجتمع أن يأتي بأفكار تصحيحية يدعو إليها كذبوا بها عناداً واستكباراً.
لكن سنة الله عز وجل قضت بأن يأتي التغيير على أيدي هؤلاء البسطاء الذين لا يؤبه لهم وفي ذلك حكمة وهي أن الله عز وجل يريد بإرسال الرسل والدعاة والمصلحين أن يحق الحق ويبطل الباطل، وحتى يحق الحق فلا بد أن يكون اتباع الناس للمنهج لا للشخص والهيئة، فلو أرسل الله للأقوام ما يطلبون "رجل من القريتين عظيم" فإن اتباعهم له سيكون للوجاهة ولأهواء الدنيا ولن يكون من منطلق إيمان راسخ، والله يريد بإرسال الرسل والدعاة أن يزكي النفوس ويطهرها ويحررها من الأهواء ليكون ذلك تمهيداً لتحرير البشرية "الله أعلم حيث يجعل رسالته"..
هذه المشكلة الإنسانية لم نتخلص منها حتى مع كوننا مسلمين فإذا كانت قريش قد طلبت أن ينزل عليها ملك من السماء، فإننا ننتظر بلسان حالنا أن ينزل علينا المهدي المنتظر من السماء، ونرسم في مخيلتنا أوصافاً مثاليةً لمن سيكون على يديه توحيد الأمة وتحرير القدس فننتظر صلاح الدين أو الخليفة أو المهدي المنتظر، ولكن سنة الله التي عملت عملها في الأولين تعمل عملها في الآخرين أيضاً "ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً"..وستكون رفعة الأمة على يد أناس لا يؤبه لهم. لن يكونوا من طبقة المثقفين أو النخبة أو أصحاب الوجاهة، بل سيكونون أشخاصاً بسطاء في غاية البساطة إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا..يخبرنا القرآن بأنهم مستضعفون "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض"..وهذا الاستضعاف الذي يعيشه من سيكون على أيديهم التمكين ليس قاصراً على استضعاف الأمم الأخرى لأمتنا الإسلامية، بل حتى داخل الأمة نفسها، وداخل المجتمع الصغير نفسه تجد هؤلاء مستضعفين من بقية المجتمع لا يعتد برأيهم ولا يؤبه لهم..
حين يأتي التغيير على أيدي هؤلاء البسطاء يكون أعمق وأقوى لأنه يكون تغييراً جذرياً صادقاً خالصاً لا تشوبه شائبة من زينة الحياة الدنيا، وهو أجدر بالبقاء لأن بلوغه يكلف تضحيات ودماءً كثيرةً، بخلاف ما لو كان هذا التغيير على أيدي طبقة العظماء والمثقفين الذي لن ينفذ إلى أعماق النفوس فيغيرها..
حتى أنبياؤنا الذين ننظر اليوم إليهم كأسطورة ونحيطهم بجدران من القداسة بمن فيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون في إطار هذه السنة الإلهية، فتعظيمنا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وأسطرتنا لشخصيته نابع من كونه صار نموذجاً تاريخياً جاهزاً، ولكن الأمر لم يكن كذلك في زمن بعثته، فقد كان فقيراً يتيماً مستضعفاً من قومه، وكانت تكلفة الإيمان به باهظةً يدفعها الأتباع من أنفسهم ودمائهم وأموالهم..فلم يكن يؤمن به إلا صادق في طلب الحقيقة.لكن بعد أن مكن له في الأرض، وانتشر أتباعه لم يعد اتباع دعوته بحاجة إلى نفس التكلفة والجهد الذي بذله السابقون فبدأ الناس بإحاطة شخصيته بأسوار من القداسة والأسطرة أنستنا أنه نشأ نشأةً طبيعيةً كأي إنسان بسيط..
يذكرنا القرآن في مواطن كثيرة بأن الأنبياء كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وأنهم كانت لهم أزواج وذرية وذلك حتى لا نغفل عن طبيعتهم البشرية ولا نضعهم في قوالب أسطورية، وليكون ذلك عوناً لنا في زماننا الحاضر في فقه سنن التغيير وأنه يأتي من الناس العاديين..
إننا نلعن أبا لهب وأبا جهل وابن أبي سلول آناء الليل وأطراف النهار، ولكن هل خطر ببالنا هذا السؤال المزعج:ماذا لو كنا في ذلك الزمان..هل نحن واثقون بأننا كنا سنكون في صف أبي بكر وبلال بن رباح، أم في صف هؤلاء الملعونين لا قدر الله..
تخبرنا كتب السيرة بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة كان الناس قد عقدوا لعبد الله ابن أبي سلول تاج الملك عليهم وزينوه بالخرز وأوشوه بالديباج، فلما جاء النبي إلى المدينة والتف الناس حوله نظر إليه ابن أبي سلول بأنه قد نزع الملك منه، فأضمر في نفسه حقداً وضغينةً عليه، وقاد حركة النفاق في المدينة ضده..ألا يبدو تصرف ابن أبي سلول شبيهاً بتصرف أكثر الناس اليوم مع كونهم مسلمين تجاه من يأتي لينازعهم الجاه والمكانة الاجتماعية!!
لكننا لسنا بحاجة إلى هذا الافتراض فواقعنا المعاصر كفيل بتمحيص نفوسنا وتمييز الصادق من الكاذب في دعواه، ومقياس ذلك حين يسمع أحدنا بفكرة جديدة تخالف نمط مألوفه وإرثه الاجتماعي والثقافي، هل سيناقشها مناقشةً موضوعيةً فإن رأى فيها حقاً اتبعها أم أنه سينظر إلى صاحبها فإن رآه من طبقة السادة والكبراء هز رأسه إطراءً لأفكاره الإبداعية وإن رآه شخصاً مغموراً ليس له مكانة اجتماعية رد بلسان حاله "أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا"، أو قال بصريح العبارة بلغة اليوم مش ضايل غير هذا ييجي يعلمنا..
إن علينا أن نحرر عقولنا من أوهام انتظار الشخصية الأسطورية التي ستأخذ بأيدينا إلى بر الأمان، وأن نفقه سنة الله في التاريخ بأن التغيير يأتي من الحواري والشوارع الفقيرة ولا يأتي معلباً جاهزاً من السماء..
أليس لافتاً أن من يصنع التغيير اليوم في عالمنا العربي هم شباب بسطاء ليس لهم أي صفة رسمية أو حزبية، ولا يحملون ألقاب المثقفين والأكاديميين والنخبة والمخاتير..هؤلاء أنفسهم هم الذين انفجر جمال مبارك ضاحكاً حين سأله أحد الصحفيين:لماذا لا تحاورهم، فرد عليه بكل سخرية واستهتار: اذهب أنت وحاورهم..
فكانت نهاية جمال وأبي جمال على أيدي هؤلاء البسطاء الذين سخروا منهم..
"ويريد الله أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون"
abu-rtema@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لغة دينية
خوليو -

تبدأ مقالات السادة الكتاب الاسلاميين بالدين وتنتهي بالدين وكأن لاشيئ آخر سواه، إذاً لنتكلم معهم لغة دينية: بالنسبة للكتاب الاسلاميين يعتبرون كل بلد فتحه الاسلام(يقولون بصراحة فتحه الله لهم) أصبحت بلاد اسلامية هكذا دفعة واحدة، إذاً لماذا ينكرون على الغير هذه اللغة، فمثلاً إن قال مسيحي أن في فلسطين ولد وعاش وصلب المسيح فلماذا لايحق لهم أن يقولوا فلسطين مسيحية ولا تقبل دينان أسوة بجزيرة العرب ؟ وإن قبل الاسلاميون هذا المنطق أي بتسمية البلاد بأسماء دينية فلماذا يهاجمون الحروب الصليبية التي جاء المسيحيون لتحريرها منهم ؟ هل يحق لهم ما لايحق لغيرهم ؟ ياسيد الدنيا والكرة الأرضية لم تكن الأديان فيها إلا حوادث في تطور الفكر الانساني كما تطور الجسد البيلوجي ، لذلك رجاءً تغيير نمط الكتابة لأن الأوطان لاعلاقة لها بهذا الدين أو ذاك، وكل نبي إن كان بسيطاً أو مثل داود أو ابنه سليمان من الارستقراطية لم يكونا إلا حلقة من حلقات التطور الانساني ويجب أن يأخذوا حجمهم ومكانهم دون زيادة في التاريخ.

لغة دينية
خوليو -

تبدأ مقالات السادة الكتاب الاسلاميين بالدين وتنتهي بالدين وكأن لاشيئ آخر سواه، إذاً لنتكلم معهم لغة دينية: بالنسبة للكتاب الاسلاميين يعتبرون كل بلد فتحه الاسلام(يقولون بصراحة فتحه الله لهم) أصبحت بلاد اسلامية هكذا دفعة واحدة، إذاً لماذا ينكرون على الغير هذه اللغة، فمثلاً إن قال مسيحي أن في فلسطين ولد وعاش وصلب المسيح فلماذا لايحق لهم أن يقولوا فلسطين مسيحية ولا تقبل دينان أسوة بجزيرة العرب ؟ وإن قبل الاسلاميون هذا المنطق أي بتسمية البلاد بأسماء دينية فلماذا يهاجمون الحروب الصليبية التي جاء المسيحيون لتحريرها منهم ؟ هل يحق لهم ما لايحق لغيرهم ؟ ياسيد الدنيا والكرة الأرضية لم تكن الأديان فيها إلا حوادث في تطور الفكر الانساني كما تطور الجسد البيلوجي ، لذلك رجاءً تغيير نمط الكتابة لأن الأوطان لاعلاقة لها بهذا الدين أو ذاك، وكل نبي إن كان بسيطاً أو مثل داود أو ابنه سليمان من الارستقراطية لم يكونا إلا حلقة من حلقات التطور الانساني ويجب أن يأخذوا حجمهم ومكانهم دون زيادة في التاريخ.

كيف يسير التاريخ ؟ كيف ينتقل من مرحلة الى أخرى ؟
رمضان عيسى . غزة -

كيف يسير التاريخ ،كيف تقوم الثورات ؟ كيف تنتقل المجتمعات من مرحلة اجتماعية , اقتصادية الى أخرى ؟ والاجابةمتعددة: بالعظماء , بالارادة الهية , بالصراع الطبقي , بالحروب , بتطور الآلةوالتكنولوجيا ,بتطور الأفكار السياسية والاجتماعية ؟ أرى أنك لم تصل الى الاجابة السليمة عن كيفية تطور المجتمعات , وشيء جميل أن تقول ;إن علينا أن نحرر عقولنا من أوهام انتظار الشخصية الأسطورية التي ستأخذ بأيدينا إلى بر الأمان; ، ولتعلم ان تعظيم الأفراد نابع من فكرة التعظيم والتقديس المزروعة في الثقافة , ومنها ترفع العامة بعض الأفراد الى درجة التنزيه والأسطرة. ولتعلم أن الثورة وعي ثم رغبة في التغيير , واحساس بأنالشعب لا يستطيع أن يعيش كالسابق, أن يبقى مظلوما كالسابق . ان الطلبة والشباب ليسوا بسطاء وأُميون بل وعوا المرحلة , مرارتها , فانفجروا ثورة من أجل التغيير .من هنا يجب أن يحدث النفي للمرحلة السابقة , ويظهر وضع جديد .

مغالطات تاريخية
بهاء -

شكرا سيد أحمد على محاولاتك التنويرية للفكر الاسلامي، لكن التي تنقصها شجاعة المواجهة والثورة التي تباركها، فالفكر الاسلامي بحاجة لثورة لا تكتفي بتمرير الافكار بشكل موارب متجنبا أي مواجهة مع رجال الدين الغير بسطاء والمسيطرون على الساحة الاعلامية. ثانيا، لم يحدث تاريخيا ان الثورة والتغيير حصلت مع من تصنفهم بسطاء القوم! للأسف أن بسطاء الناس أو ما كان يسمى عامتهم كانوا مجرد متبعين للقادة والكهنة والفقهاء واصحاب القوة والمال والنسب! وللأسف مازال عموم البشر مستسلمين ليومنا هذا لقادة التاريخ الاقوياء ماليا حتى بثوراتهم! فمن حرك الماء الراكد واطلق الثورة العربية ليسوا شبابا بسطاء، بل شبابا متعلمين متنورين يتقنون الانترنت والتواصل السريع، فتبعهم الناس البسطاء بحسهم الانساني العفوي انتصارا للعدل واملا بالوطن.... لكن هاهم القادة اصحاب المال من بقايا النظام ومن كهنة السلفيين يعودون ويسرقون الثورة المصرية المباركة، ثالثا، اخ احمد، انت تفرض رؤيتك كمسلم للتاريخ وتفسره دينيا ولك الحق برأيك. لكن علم التاريخ يقول أن العالم أكبر بكثير من فلسطين وشعاب مكة وواد بين الرافدين لنحصر التغير التاريخي بمحطات الاديان! فالتاريخ لا يعترف علميا، بفيضان غمر الارض، وبممالك مزعومة منسية في فلسطين، أو قوم غرباء اثروا بتاريخ مصر واغرقوا ملكها مع جيشه وقتلوا أبكار المصريين.... نعم المسيحية شكلت غطاء لتغييرات تاريخية كبرى وكذلك الاسلام شكل غطاء لتغييرات تاريخية كبرى، لكن من قاد هذه التغييرات ليسوا يسطاء الناس! فالرسول الكريم كان فقيرا يتيما، نعم لكنه كان ابن شرف ونسب من ابناء هاشم وعبد المطلب حسب المعايير السائدة بعصره، وهو بنفسه قال انه من اشرف العرب قريش واشرف قريش بنو هاشم!!! وهو من دعى ان يعز الله الاسلام باحد العمرين لوجاهتهما بالقوم، وهو نفسه من عاهد زعماء القبائل العربية باواخر الهجرة عندما تدفقت القبائل لدخول الاسلام ولم يحالف أو يتحقق من اسلام كل فقراء وأناس كل قبيلة منهم.... ثم استمر التاريخ الاسلامي مع قادة اثروا على سير التاريخ من ابوبكر وعمر وابن الوليد ثم علي ومعاوية والامويين والعباسيين، ومعهم ترافق فقهاء الدين المقدسين من أئمة ومحدثين وشيوخ.... وكارثة الفكر الاسلامي الحالي السلفي المتعصب، انه لا يكتفي بتقديس الله والقرآن والرسول، بل يوسع غطاء القدسية لكل الصحابة والتابعين والائمة والفقهاء

كيف يسير التاريخ ؟ كيف ينتقل من مرحلة الى أخرى ؟
رمضان عيسى . غزة -

كيف يسير التاريخ ،كيف تقوم الثورات ؟ كيف تنتقل المجتمعات من مرحلة اجتماعية , اقتصادية الى أخرى ؟ والاجابةمتعددة: بالعظماء , بالارادة الهية , بالصراع الطبقي , بالحروب , بتطور الآلةوالتكنولوجيا ,بتطور الأفكار السياسية والاجتماعية ؟ أرى أنك لم تصل الى الاجابة السليمة عن كيفية تطور المجتمعات , وشيء جميل أن تقول ;إن علينا أن نحرر عقولنا من أوهام انتظار الشخصية الأسطورية التي ستأخذ بأيدينا إلى بر الأمان; ، ولتعلم ان تعظيم الأفراد نابع من فكرة التعظيم والتقديس المزروعة في الثقافة , ومنها ترفع العامة بعض الأفراد الى درجة التنزيه والأسطرة. ولتعلم أن الثورة وعي ثم رغبة في التغيير , واحساس بأنالشعب لا يستطيع أن يعيش كالسابق, أن يبقى مظلوما كالسابق . ان الطلبة والشباب ليسوا بسطاء وأُميون بل وعوا المرحلة , مرارتها , فانفجروا ثورة من أجل التغيير .من هنا يجب أن يحدث النفي للمرحلة السابقة , ويظهر وضع جديد .

خوليو
الصادق -

ـخالف شروط النشر

يامراقب التعليقات
الصادق -

أنا أرسلت فقط آية قرآنية ولاشيء غيرها ، لماذا حسبتها يامراقب التعليقات مخالفة للنشر ؟

خوليو
الصادق -

ـخالف شروط النشر