أصداء

القتل قتل كيفما كان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس الحب وحده اعمى، الكراهية ايضا عمياء. واذا كان عمى الحب فضيلة - اذ لا يرى المحب في محبوبه سوى الجمال والخير، وهو امر حسن، ذلك ان التعامي بقايا رحمة مطلوبة - فإن عمى الكراهية رذيلة، اذ لا يرى الكاره في المكروه سوى الشر، ولا يهمه سوى امر واحد، محوه عن الارض، حتى وان كانت السبيل تقضي بتدمير بلد باكمله.

رحب المعارضون لصدام بغزو الامريكان للعراق، بل وسعوا اليه سعيا حثيثا، ولم يروا ما يمكن ان يلحقه الديناميت وربع مليون جندي امريكي من تدمير وقتل وفوضى، وهو ما حدث فعلا. وفرحَ الكارهون للقذافي بعملية الاطاحة به وان كان رجالها طالبانيون هوى وعقيدة، يساندهم حلف الناتو - الذي اعوزه سواهم، ليزيح العدو الذميم، حليف الامس- بغاراته الوحشية التي جعلت من ليبيا ارضَ يبابٍ مخضبة بدماء ما يقارب من خمسين الف بريء. وها هي الكراهية مرة اخرى تتجلى احتفالات ورقصا ومرحا وزغاريد لقتل رئيس دولة وهو اسير جريح على يدي آسريه. القتل الذي يبدو اغلب الظن انه جاء املاءً من الجهات العليا. تخلصا من تبعات واجراءات ودوخة رأس، وتجنبا لاشكالات وتعقيدات ومراسيم مزعجة تستعيد فترة اعتقال صدام ومحاكمته. يبدو ايضا ان من ساندوه في الماضي ارادوه ميتا بأي ثمن كي تـُدفن معه اسرار كثيرة ربما تفضح امورا غير مرغوب فيها، حين كان ورقة نافعة في ايديهم. اسرار تبدأ من انقلاب الضباط الوحدويين قبل اربعين عاما مرورا بسلسلة الاغتيالات والتغييبات وليس انتهاء بحروب كشمير والعراق وفلسطين. القذافي حيا سجينا افضل منه " شهيدا" واكثر عبرة. لكنْ قضي الامر. تلك بعض سجايا عمى الكراهية، يستولي على القلوب والمشاعر، ويفضي بانسان ما الى مباركة أمر جَللٍ كالقتل، شفاءً للصدور، حتى وانْ كان اختراقا للمبادئ الانسانية التي يومن بها.ليس للقتل من تسويغ او شريعة انسانية، بل يظل جريمة صريحة، سواءً أكان ابتداءً ام جاء قصاصا. ولا يمكن لمن يومن بمفاهيم العدالة وحقوق الانسان انْ يبارك عملية قتل حتى لو كانت لمجرم عتيد كالقذافي...والا فأي فضيلة بقيت له على من سواه من القاتلين او المباركين. اقول القتل، واعني ايضا عمليات الاعدام تحت منصات المحاكم. التي يسميها اغلب الناشطين في حقوق الانسان بالجريمة "القانونية الرسمية" وهي لا تقل بشاعة عن القتل الاعتباطي. بل هي اكثر غرابة ووحشية، ذلك انها تتم بقصد وتصميم وبرودة اعصاب خلافا للقتل الاعتباطي الذي ياتي استجابة لمشاعر وانفعالات غامضة غالبا ما تكون خارج ارادة القاتل... ليس دفاعا عن، او تبريرا للقاتلين بالطبع، بل مسايرة للشرايع الانسانية الحديثة الراقية التي جعلتْ، حسب ميشيل فوكو، من العقاب محاولة فقط للردع والمنع، وليس انتقاما او تدميرا. كنت اظن بكثير من اليقين ان امرا كهذا مفروغ منه، لكن يبدو ان ظني، وبعضه ليس اثما، على خطأ. على الاقل ليس في عالمنا العربي، حيث اصبح القتل المصدرَ الوحيد للاحتفال والفرح، وصارت وجوه القتلى على الفضائيات المشهد الوحيد الذي تانس اليه العيون والقلوب.علما ان ما يحدث في ليبيا لا يمكن ان يندرج بأي حال ضمن موسم الربيع العربي، فلا يمكن مقارنته بما حدث في تونس او مصر، او بما يحدث في سوريا واليمن حيث الثورات خيار الشعب وادواتها الشعب وباسلوب سلمي مشروع. مايحدث في ليبيا لا يختلف كثيرا ، وليس مبالغة او تسويفا، عن الانقلابات العسكرية التي غمرت بلدان العرب بـ"الريلات" الامريكية منتصف القرن الماضي حيث حلتْ الانظمة الدكتاتورية محل الملكيات الديمقراطية التي كانت قفزة نوعية باهرة في عالم العرب، لا مثيل ولا سابق لها، كان يمكن لها ان تنمو ويشتد عودها وتستقيم اكثر لولا الانقلابات التي اجهضتْ على الاخضر واليابس. والا فما الفرق، بربكم مثلا، بين " الثائر" عبد الكريم بلحاج قايد العمليات٬ المعروف بايديولوجيته الارهابية المعلنة، والملطخة يداه بدماء الالاف من الضحايا ومن بينهم العراقييون، وبين شخص القذافي.على اية حال، لننتظر ونر، انْ كان الثوار قادرين على رمي اسلحتهم والعودة الى بيوتهم واعمالهم استجابة لنداء الحكومة الليبية الجديدة، ام ان قانون ادمان السلاح سيفرض وصاياه وتعاليمه القاضية بأن اليد التي يطربها السلاح لن تقدر على العيش والى الابد دون مغازلة السلاح. اتمنى من كل قلبي ان يبرهن " الثوار" الليبيون ان قانون ادمان السلاح هذا ليس حتميا ولا ساريا على الدوام. من بعض المفاهيم العظيمة، التي تناولها المرحوم علي الوردي في اكثر من موضع، انه ليس من انسان ملاك وآخر شيطان. كل امرئ يولد على الفطرة نقيا كصفحة بيضاء، ثم تنسجه البيئة على النحو الذي سيصير عليه. ومن يدري ربما قيض لأي واحد منا انْ يكون القذافي او صدام لو شاءت الاقدار انْ نولد في البيت الذي ولدوا فيه وانْ تمر علينا الرياح التي مرتْ عليهم، وان نغتسل ونشرب من النهر الذي اغتسلوا فيه وشربوا منه. فلا يغرن احداً كونه نقي السريرة، ولا يجزعن احد من كونه مغمورا بالضحايا وملطخة يداه بالدماء. تلك مصايد الحياة وتصاريف الاقدار. لعله قد نجى الناجون من ذلك القدر التعيس بضربة حظ، لا اكثر ولا اقل. ربما سيستاء البعض من حديثي هذا، وربما يراه بعضهم مواربة ومجاملة لنظام القذافي. او يحسبه بعضهم خيالا طاويا (من الطاوية) ورومانسيا حالما، لكني رأيت الواجب الاخلاقي والضمير يمليان علي انْ اقول كلمة على الاقل استنكارا ضد هذا الواقع المشوش المرعب، وتحللا منه. لعله يأتي اليوم الذي لا يجيء. هل قلت شيئا ما، ذا معنى؟ اتمنى ان لا اكون.سدني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العقل
عابر -

هذا واحد من المقالات القليلة التي قرأتها عن مقتل القذافي ووجدت أن فيه حكمة وأنه نابع من العقل، وليس من غريزة القتل التي استسلمنا إليها وأدمناها للأسف الشيد.

العقل
عابر -

هذا واحد من المقالات القليلة التي قرأتها عن مقتل القذافي ووجدت أن فيه حكمة وأنه نابع من العقل، وليس من غريزة القتل التي استسلمنا إليها وأدمناها للأسف الشيد.

إنتقام مشروع
حازم محمد -

عزيزي أبو العبس : من طبيعة البشر الأسوياء - وليس المرضى - الإنتقام المشروع من مجرم كان قبل دقائق يفتك بهم ويقتلهم ، بل للعلم الشخص المجرد من مشاعر الكراهية والإنتقام من الظلم هو شخص غير سوي يتصف ببلادة المشاعر وانعدام ردود الأفعال المطلوبة ، التعامل الأخلاقي الإنساني مع من يستحقه وليس مع المجرمين ، والكثير من المثاليات والأفكار الرومانسية هي لاتنسجم مع طبيعة البشر ، ولكن من يكون خارج المشهد ينظر للأحداث بدم بارد وتجده يطلق الشعارات المثالية !

لاتجوز المقارنة
احمد -

شيء جميل منك عزيزي فاضل ان تمتلك هذا الحس الانساني الرفيع، ولكن كان عليك ان لاتقارن فعل القذافي برد فعل الليبيين.. رد الفعل كان متوقعا على المستوى الجمعي، ولكنه على المستوى الفردي من الممكن ان لايحدث.. بمعنى ان شعوب العالم بمافيها الغربي المتحضر سيكون رد فعله بمثل رد فعل الليبيين على قاتلهم لان القضية ان الحس الانساني الرفيع القائم على التسامح المطلق هو من صفات بعض الافراد وليس على مستوى المجتمعات.. كنت اتمنى ان لاتجعل اليبيين قتلة بمجرد هذا الفعل لشخص تافه ومجرم من الدرجة الاولى.. هؤلاء فقدوا اطفالهم ونسائهم وشبابهم واغتصبت بعض نسائهم من قبل قوات القذافي فكان من الطبيعي ان يكون رد فعلهم بهذا الشكل.. شكرا لك ولقلبك النقي

لاتجوز المقارنة
احمد -

شيء جميل منك عزيزي فاضل ان تمتلك هذا الحس الانساني الرفيع، ولكن كان عليك ان لاتقارن فعل القذافي برد فعل الليبيين.. رد الفعل كان متوقعا على المستوى الجمعي، ولكنه على المستوى الفردي من الممكن ان لايحدث.. بمعنى ان شعوب العالم بمافيها الغربي المتحضر سيكون رد فعله بمثل رد فعل الليبيين على قاتلهم لان القضية ان الحس الانساني الرفيع القائم على التسامح المطلق هو من صفات بعض الافراد وليس على مستوى المجتمعات.. كنت اتمنى ان لاتجعل اليبيين قتلة بمجرد هذا الفعل لشخص تافه ومجرم من الدرجة الاولى.. هؤلاء فقدوا اطفالهم ونسائهم وشبابهم واغتصبت بعض نسائهم من قبل قوات القذافي فكان من الطبيعي ان يكون رد فعلهم بهذا الشكل.. شكرا لك ولقلبك النقي

كثيررر صح
lina -

أيها الكاتب الفاضل،،،، كل ما كتبته صح واحساسك وتحليلك صح هذا شعور إنساني طبيعي وأنا احسست نفس الشيء ولما تحدثت مع من حولي كانو نفس الشيء شعولر بالإشمزاز من المنظر والطريقة التي تم القتل بها،،،، أنا مع الثورة الليبية من اول يوم واتابع الأخبار بكل تفاصيلها ومع جميع الثورات ضد الدكتاتورية أو اسميهم انا ب الوحوش بس لايمكننا أن نتصرف بنفس المنهج وأن نقبض روح بيدنا لها من يحاسبها وليس نحن،،،، أتمنى أن لانتوه عن انسانيتنا

صحيح
سعد الخير -

كلام صحيح ومشاعر راقيه انا عشت سنوات طويله من عمري في ليبيا واعرف حكم القذافي ولكني معك القتل قتل كيفما كان واذا كنا نتصرف مثله فما فضلنا عليه؟؟؟؟؟

صحيح
سعد الخير -

كلام صحيح ومشاعر راقيه انا عشت سنوات طويله من عمري في ليبيا واعرف حكم القذافي ولكني معك القتل قتل كيفما كان واذا كنا نتصرف مثله فما فضلنا عليه؟؟؟؟؟

تصرفوا مثله
خوليو -

ثوار الشريعة تصرفوا مثل القذافي ، كان برعونته إن غضب من شخص أباده، وهم نفس الشيئ كانوا غاضبين فأبادوه، فوتوا عليه فرصة المعاناة ،فلو أنه يعرف ماهية المعاناة لما أمر بقتل وسجن وتعذيب خصومه السياسين ، القذافي مثله مثل كل الديكتاتوريين بشقهم الفردي الديني والديني الجماعي ، كان من المفروض سجنه ومحاكمته ووضعه في الزنازين ليعرف مدى العذاب النفسي والجسدي الذي سببه لللآخرين ولو لفترة معينة عله يفهم معنى العذاب والتعذيب، الديكتاتوريين بوجه الاجمال ساديون يتلذذون بعذابات الآخرين، فلو أن الثوار تصرفوا بشكل مغاير لكانوا كسبوا درجة أفضل منهم، ولكن هؤلاء الثوار يحملون بداخلهم ديكتاتورية دينية لاتقل بشاعة عن غيرها من الديكتاتوريات، ليبيا الآن ستدخل في مرحلة كل شيئ ممنوع وحرام واعتبار القصاص حياة ، شعوب حظها سيئ وسيبقى كذلك إلى أن تدخل في مرحلة الوعي واكتشاف سبب بؤسها وتخلفها.

لا تهينو ولا تقتلوا أسيرا ....
صخر -

لا يجدر بعاقل أن يدافع عن الديكتانورية أو الأنفراد بالسلطة و أختزال القرارات المتعلقة بشعب و وطن في شخص أو حزب أو جماعة معينة دون سواه .... لأن ذلك فيها أجحاف بحق الآخرين و أستهتار بما أوصانا الله و العارفين و التربية الأنسانية بأشتراك الجميع في أبداء الرأي و المشورة ( و أمركم شورى بينكم)....... أن الأنسان جزء جميل من مكونات هذه الطبيعة و البيئة التي خلقها الله بعظمته و جلاله و أن أستمرارية بقائها بعافية يتطلب أن لا يتغطى أو يسود أحد على أحد أو جماعة على جماعة أخرى ..... و أن يتعلم و يقر الكل بأن أستمرار التوازن الطبيعي يتطلب المشاركة الأيجابية للجميع في بناء مقومات الحياة المشتركة للمجتمع الذي يعيشون بين ظهرانه ..... أذن فأن القانون الألهي و الطبيعي يرفض الدكتاتور و الحكم الشمولي ..... و عليه لا نجادل في ذلك , أما ما يتعلق بالأنتفاضة الليبية أهل كانت صحيحة ؟؟ نعم كانت صحيحة و هي كانت حتمية تأريخية لابد من حدوثها..... و لكن اثناء الأنتفاضة و ما حدثت من المجريات و تطورت من الأحداث سواء اكانت من قبل النظام أو من قبل المنتفضين و كذلك و ما رافقتها من التدخلات االخارجية و من جهات متربصة بليبيا ( شعبا و وطنا و قيادة ) .... كل ذلك أفسدت تلك الأنتفاضة المباركة ... و أدخلتها في مسارات و معارج يمكن أن يتحمل الكثير الكثير من النقد و التمعن ..... و آخر تلكم الأخطاء القاتلة فيها هو ما حدث من المعارك بشكل عام و حصار مدينة سرت بالذات و التي أحتمت بيها القائد معمر القذافي ومن ثم النيجة المأسوية التي آلت اليها الأمور من هدم المدينة و تشريد سكانها و الأستمرار في المعركة لآخر نفس !!!!...... فأذا كان يجوز بحكم المنتفضين أن يحصار مدينة من وطنهم و هي مأهولة بالسكان و آمنة ... و حلال قصفها و تدميرها كما رأى العالم بأم أعينهم ...... فلماذا يأتون و ينتقدون قوات المعمر في حصارها لمدينة مصراتة ؟؟؟!!! ...... و كيف أجاز هم لأنفسهم أن يعتمدوا على الأجنبي لأهانة و قتل شخص كان رئيسهم لمدة 42 عاما و هو يعتبر جزاءا من تأريخكم بأيجابياته و سلبياته شاؤا أم أبوا ..... أذا يحلون ذلك فلماذا يمجدون القائد االتأريخي البطل عمر المختار الذي أهدى حياته في مقارعة الأجنبي ؟؟؟!!! ..... و أذا كانوا مسلمين و ثوارا حقيقيون و يعيرون قوانين الحرب أهمية .... فلماذا قتلوا و أهانوا المعمر و المعتصم أمام أعيننا جميعا ود

إلى من يهمه الأمر
ن ف -

... لكني رأيت الواجب الاخلاقي والضمير يمليان علي انْ اقول كلمة على الاقل استنكارا ضد هذا الواقع المشوش المرعب، وتحللا منه.. انتهى الاقتباس. لقد أوحت لي هذه الجملة بالسيناريو التالي: بعد خمسة أعوام أو يزيد من محاكمة ترافع فيها عشرات من المحاميين للدفاع عن القذافي، جاء يوم الحكم: حكمت المحكمة حضورياً على العلّامة القذافي بالبراءة وإعادته إلى حكم ليبا لـ 42 عاماً آخراً. كما حكمت المحكمة على الشعب الليبي المجرم بالذل والهوان ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وختم افواههم بالشمع الأحمر إلى ما شاء الله! ملاحظة: لا بد لكل مواطن ليبي بالغ، متزوّج ولديه طفل أن يعدّ ويهيأ طفله من تاريخ هذا الحكم لأن يحكمه سيف الإسلام. يهتف الحاضرون في المحكمة (رجال الأمن والمخابرات الليبية) يحيى العدل!!