أصداء

اليوم خَمرُ وغداً أمرُ لشركاء القرار العراقي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قائلُ المثل "اليومُ خمرُ ُ وغداً أمرُ، لاصحو اليوم ولا سكر غداً" هو الشاعر العربي امرؤ القيس لما وصله خبر مقتل أبيه على يد قبيلة بني أسد. ومالاأستطيع تفسيره وتعليله وفهم مغزاه هو : هل قصدَ أن الخمرة ستجعله يستقر على قرار وهو في نشوته وتحذير لِمن سيقتص منهم غداً؟ أم كان قصدَهُ أنه سيقيّم الأمر بعد زوال مفعول الخمرة ويصحو منها ليتخذ القرار المناسب؟

الحقيقة المُرّة، أننا نعيش القرن الحادي والعشرين في هوة مظلمة ومخيفة بين مشاريع التكتم والثرثرة من شركاء القرار العراقي دون أتخاذ قرار يزيل الغشاوة والتضليل عن أهداف العراق المستقبلية . مازالنا نبحث عن الخيار الأفضل بطريقة نشوة خمور اليوم وأمور الوعيد بالغد القريب ونخاطب العقول بعد تخديرها بمشاعر الكبرياء والتهديد والتحذير والأنتقام والعنف المُبطن للتمسك بالعنصرية وتمجّيد العشائرية وتهييج الأنفصال القومي والجغرافي تحت مسميات العدالة والمساواة والحرية، ولاتجد من بين قادة العراق من يوقف تيار السموم للروح الأنفصالية وتفرقة الشعب الواحد. وبدون تعريف دستوري محدد " للخيانة العظمى" وحالات المحاسبة عليها يبقى مَثلُ أمرؤ القيس سائداً في حقل قرارات حانات الليل "اليوم خمر وغداً أمرُ " ويستمر التسيب والعنف الفكري والاضرار المادي بالعراق " البلد" الذي تتحكم فيه نسب عالية من قوى الأرهاب لتفتيته. وتتضح نواياهم وخفايا تحزبهم بمحاولات أيهام الناس بشعارات وتصريحات.

أقول أن من الصعوبة مثلاً فهمُ مغزى تصريح رئيس مجلس النواب على لسان ممثله الذي نشرته "إيلاف" ( بأن النجيفي وزملاؤه السياسين يعملون بجهد متواصل في ادامة الشراكة الوطنية بكل تفاصيلها السياسية والامنية والاقتصادية ). هل يعني أدامة الشراكة بشكلها الحالي؟؟ وقوله " (ان هنالك ممارسات غير صحيحة تتبناها حكومة بغداد تنطوي على تمييز مناطقي وفئوي واذا لم يجر تدارك هذا السلوك والتعامل مع الجميع بمساواة وعدالة فإن بعض المحافظات التي تشعر بغبن، ستندفع مضطرة الى خيار الأقاليم الجغرافية). ولم أجد في هذه التصريحات وما أضافه ممثله أِلا عبارات الفوضى والتخبط الفكري والغموض والتخدير وعدم الأستجابة التي أتبعها بعض رموز القائمة العراقية وكتل أخرى لأعاقة أي تقدم كنا نأمل فيه.. وكما أسلفنا، أنها خمور اليوم وأمور الغد،أنها تصريحات تتشابه في مدلولاتها مع فقرالأعلام الليبي المشوه خلال الثورة الشعبية ضد القذافي. تصريحات لاتدل على صواب الفكر وصدق الفكرة ووضوح الطريق.


وقبل أيام وخلال زيارة مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق الى كركوك، قاطعَ عرب كركوك الاجتماعات التي عقدها في المحافظة رغم اعلانه انه يحمل رسالة "التعايش والوئام" ووعوده بتحسين الاوضاع في المحافظة الغنية بالنفط. قاطعو الأجتماع رغم قوله "نحن لم نتجزأ عن العراق، لكننا وفق تجربتنا وتجارب العالم، نعلم أن الفدرالية للعراق هي أفضل حل". لنفترض ونظن (وأترك للقارئ الفطنة) أن قادة الكتل يفهمون أن فدرالية الدولة لاتعني الانفصال القومي أو المذهبي والأنظمة الفدرالية غالباً تحقق أعظم النجاحات وألانجازات لمواطنيها في الدول الاتحادية الفدرالية (وكما نراها في أنتعاش ألأقليم الكردي مثلاً). فلماذا يشكُ الناس في نواياهم ولماذا وضع الفدرالية موضع الأختبار من جديد وأخضاعها للمزايدة وتهديد سلطة الحكومة المركزية بالتصريحات الجانبية ضدها وعن تدابير لحلول ومقترحات؟

البعض منا ينتقدُ قادة الكتل من أمراء الطوائف وشيوخ المليشيات ومن بنى تاريخه السياسي على خمور وأمور، لأنهم اليوم شركاء القرارات العراقية وتتضح نواياهم عندما يكون الشركاء الثلاثة أعداء وتتلاطم بينهم رياح الكراهية والأنتقام وعدم الأعتراف بالخطأ وتصحيحه. وتتضح أكثر عندما تجري العملية السياسية وفق نهج صراع مرير وتهديدات يومية بين كتل شيعية وسنية وكردية لأنتشال العراق من واقعه الحالي بلا نتيجة مثمرة . وأكثر عندما تسرق الأموال العامة على مرأى ومسمع من قادة منتخبين ويتم دفن تفعيل حكم القضاء لأستردادها. فالبلاد وبعد 8 سنوات تفتقد أبسط عناصر خطط وضع أستراتيجية سياسية، مالية، علمية، وعسكرية موحدة له، ومحو شراكة الكراهية التي أدخلها قادة الفكر الأجتماعي والسياسي العراقي أنفسهم علينا لم تزل العلامة المُميَزة. ليس في الأمكان تطهير المجتمع بثقافة حقن أجياله القادمة بسموم مزمنة لاتشفي امراضه بأعلانات وتصريحات ( يتضح منها) أن العراق ماهو أِلا مناطق متنازع عليها بين قبائل وكتل . أتهمني البعض بأفكار شوفينية بعثية بعد أن نشرت أيلاف مقالي عن "الخيانة العظمى صفعة في قاموس العراق السياسي" كان الغرض منه تعرية من يحرضون على أنفصال أجزاء من العراق تحت حجج أثينية قومية أو مذهبية أو لغوية . وللتأمل والموضوعية، سرعان مايكتشف المرء عند الحديث عن تاريخ العراق الحافل بالصراع أن مُنظرين لطروحات نظرية الهوية الاجتماعية أدخلوا بسوء تقدير تعاريف زادت من حدة الكراهية والعنف في مجتمع يخوض صراعاً عرقياً وقومياً ومذهبياً وهيأت لجماهيره الساحة العامة لفوضى مفاهيم الأنفصال ونزع روح الوطنية لأستمرار التناحر و الاقتتال. هذه المفاهيم والتلويح بها من كتل النظام وتحريض الجماهير لها هي سياسة لا تُفهم وتحتاج (لصق صفة الخيانة العظمى) لمن يروج لها وخاصةً من هو داخل مؤسسة وعمل السلطة.

ممثل النجيفي في دفاعه عنه يقول " أن ماطرحه النجيفي حول الاقاليم لم يكن طائفيا وانما جغرافيا استنادا الى الدستور العراقي الذي نص عليها في مادته 119 التي اعطت الحق لكل محافظة لتكون اقليما وضمن الوحدة الادارية والجغرافية، وليس وفق الاسس القومية والمذهبية والسياسية التي يحاول البعض الدس حولها". وأنا أقول اذا كان العراق وطن قومي للعرب والأكراد وباقي الأقليات فلماذا دعوات التقسيم ورغبات الأنفصال التي طالما تقود الى تفكيك المجتمع وتراجع قيمه الحضارية. تشويه المعنى الحقيقي للفدرالية بعدم فهم المادة 119 ومغزاها في تلبية حاجات للمحافظات بدعم من السلطة المركزية هو ما أعنيه بالأستجابة الى خمور وأمور.

وأستطيع القول أن مايريده بعض قادة الكتل من تدابير وحلول أدارية تتناقض مع الاعتراف الكلي بالشعب العراقي دستورياً، كما تتناقض مع الأعتراف الدستوري وبأرضه وسيادته التي على ضوئها تم أنتخاب قيادات كردية وشيعية وسنية في مراكز القرار العليا، هي طروحات خاطئة و تختلف في جوهرها عن مفاهيم متعارف عليها بين حكومات ومجالس برلمانية وشخصيات سياسية أوصلت الى شعوبها رسالة صافية نقية تحرص فيها على تثقيف التعلق بألأرض وصيانة كرامة هوية المواطن. كالطبقة السياسية المتنورة في مراكز القرار في تركيا وأيران مثلاً، وتحرص كل الحرص على تعميم ثقافة وتثقيف الطبقات الشعبية لحب وعشق بلدانهم والحفاظ على تراثها وأثارها وأحترام معتقداتها . وكما نراها في حقيقة ثقافة وتحضر وتجمع مجتمعات دول الخليج وأنضمامها في وحدة مجلس التعاون الخليجي، وهي دليل آخر على نجاح مأأوصلته القوى الحاكمة من ثقافة سياسية الى شعوبها.

بالتركيز على القيادات العراقية الرئيسية وتصريحات ممثليها يلاحَظ أن العراق لايمتلك سياسة وطنية واضحة لأن هيكل الدولة الهش والثقافة السياسية السائدة والتكوين العسكري لجيوش الأمن والمليشيات والفرق الأمنية جعلته يُبرر للمواطنين أسباب فقدان ألأمن وعدم شيوع ألأستقرار. وسرعان ما تكتشف أنهم أولاً يفترضون أفتراضات أستراتيجية من داخل مقررات حزبية أوعشائرية ويُمثل بعضهم سلطة التنفيذ والتشريع والقضاء عند اللزوم، وثانياً أنهم يتفادون تفسير ظواهر الفساد وكيفية القضاء عليه وثالثاً متناقضات التحالف أو عدم التحالف مع الدول الأقليمية والأجنبية وطرق ألأنفتاح على العالم أو الأنغلاق على أنفسهم، ورابعاً الدخول وأدخال الأخرين في لغط مفاهيم تتجاوز النصوص والأعتراف الدستوري بدستور العراق الذي تبنوه والقسم على وحدة تربة العراق التي تدعوهم الى تعليم طوائفهم وتثقيف أبناء عشائرهم الى أن النظام الفدرالي يعني وحدة الوطن الذي أقسموا على صيانته وتعزيز كرامته وسيادته والدفاع عنه.


Easy707@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جبناء المال
سلمان -

لايوجد سياسيين يملكون الشجاعه الكافيه باتخاذ قرارات مصيريه في العراق الموجودين على الساحه السياسيه هم جبناء المال الحرام همهم الوحيد هو المال وكيفية الاستحواذ على المال ولذلك فهم عديمين الثقه فيما بينهم وفي انفسهم وهذه حاله نفسيه ومرض نفسي طبيعي ينتشر بين اللصوص

والبادئ أظلم
جعفر المظفر -

الستاذ العزيز ضياءتصديكم لهذه المسالة كعنوان, حتى قبل الخوض بالتفاصيل على أهميتها, هي مساهمة تستحق عليها التقدير.. العراق الآن بات على حافة الهاوية التي كان يتحرك بإتجاها خلال العقود الأخيرة, لقد حطمت حروب صدام وسياسته القمعية كل إمكانات العراق لبناء نهضته والحفاظ على سيادته وإستقلاله, وجاء ورثته من أعدائه لكي يضعوا لبنات تأسيس دوله الطائفية والأثنية.. الطريق صعب والأيام حبلى وكل ما يجري على الأرض من إعتقالات وإتهامات وتشكيل خرائط إنما تجري إستعدادا لمرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي.. إن العراق لم يتكون بعد, فهو ما زال ومنذ يوم الإحتلال مشروعا تحت التكوين وإن كل ما تأسس فيه من سياسات ومناهج إنما تخدم مشاريع التقسيم. ولقد صرح هذا اليوم كمال الساعدي أحد أبرز معاوني المالكي أن الحكومة ( وكأن الحكومة فقط هي حكومته ) على علم بمشروع فدرالية صلاح الدين منذ قبل ستة شهور فإن صح ما يقوله فسينطبق عليه القول: إن كنت تدري فتلك مصيبة.. لأن الذي يعلم بهذا ولا يتخذ الإجراءات الإيجابيةالكفيلة بمنع هذا المشروع ويتصرف وكأنه لا يدري إنما يساهم بشكل غير مرئي لدفع الآخرين نحو هذا الطريق. إن صديقا قال لي هذا اليوم إنني أرى الطرفين على إنسجام فالحكومة التي تدري بمشروع الفدرالية الصلاح دينية ثم تقوم بإجتثاث ما يقارب المائة والخمسين استاذا من جامعة صلاح الدين لا بد وأن تكون على رأس العاملين من أجل تفتيت العراق, ورغم إدانتنا لكل مشروع يستهدف النيل من وحدة العراق إلا أن علينا أن نضع النقاط على الحروف ونقول إن البادئ أظلم, وإذا كان من الضروري أن ندين الطرف الذي يلجأ إلى الحلول - السلبية- كخيارات إضطرار فإن علينا أن ندين الحكومة الملتهية عن قضايا الوطن الحقيقية بحساب أرصدتها في البنوك وعقاراتها في عواصم العالم

عادي
مصطفى البصري -

عادي جدا تجربة وليده وتحتاج لوقت لتنضج ما الذي تريده اعلان حروب هنا وهناك والكل مسلح ودول الجوار عابثه ؟!!

والبادئ أظلم
جعفر المظفر -

الستاذ العزيز ضياءتصديكم لهذه المسالة كعنوان, حتى قبل الخوض بالتفاصيل على أهميتها, هي مساهمة تستحق عليها التقدير.. العراق الآن بات على حافة الهاوية التي كان يتحرك بإتجاها خلال العقود الأخيرة, لقد حطمت حروب صدام وسياسته القمعية كل إمكانات العراق لبناء نهضته والحفاظ على سيادته وإستقلاله, وجاء ورثته من أعدائه لكي يضعوا لبنات تأسيس دوله الطائفية والأثنية.. الطريق صعب والأيام حبلى وكل ما يجري على الأرض من إعتقالات وإتهامات وتشكيل خرائط إنما تجري إستعدادا لمرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي.. إن العراق لم يتكون بعد, فهو ما زال ومنذ يوم الإحتلال مشروعا تحت التكوين وإن كل ما تأسس فيه من سياسات ومناهج إنما تخدم مشاريع التقسيم. ولقد صرح هذا اليوم كمال الساعدي أحد أبرز معاوني المالكي أن الحكومة ( وكأن الحكومة فقط هي حكومته ) على علم بمشروع فدرالية صلاح الدين منذ قبل ستة شهور فإن صح ما يقوله فسينطبق عليه القول: إن كنت تدري فتلك مصيبة.. لأن الذي يعلم بهذا ولا يتخذ الإجراءات الإيجابيةالكفيلة بمنع هذا المشروع ويتصرف وكأنه لا يدري إنما يساهم بشكل غير مرئي لدفع الآخرين نحو هذا الطريق. إن صديقا قال لي هذا اليوم إنني أرى الطرفين على إنسجام فالحكومة التي تدري بمشروع الفدرالية الصلاح دينية ثم تقوم بإجتثاث ما يقارب المائة والخمسين استاذا من جامعة صلاح الدين لا بد وأن تكون على رأس العاملين من أجل تفتيت العراق, ورغم إدانتنا لكل مشروع يستهدف النيل من وحدة العراق إلا أن علينا أن نضع النقاط على الحروف ونقول إن البادئ أظلم, وإذا كان من الضروري أن ندين الطرف الذي يلجأ إلى الحلول - السلبية- كخيارات إضطرار فإن علينا أن ندين الحكومة الملتهية عن قضايا الوطن الحقيقية بحساب أرصدتها في البنوك وعقاراتها في عواصم العالم