أصداء

الثورة السورية.. الآن

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


نظام بشار الأسد في زاوية حادة، بعد الموقف الصريح للجامعة العربية والإجماع غير المسبوق، على ضرورة غيقافه عند حدّه، ومنعه من قتل السوريين، واستباحة دماء الابرياء، ولكن حتى يحصل هذا، لم لا يفكّر السوريون بما يعيشونه الآن من انتقال من عالمٍ إلى آخر، من عالم الإيهام، إلى عالم الحقائق.

ولم يشهد التاريخ عوالم إنشائية كاملة مدهشة، ومرعبة، كما شهده في سوريا عبر عقود القرن العشرين، وكانت الحقيقة هي الاقوى في كل مكان، إلا في سوريا، التي انحازت إلى الفراغ الافتراضي، بدءاً من فكرة ممانعتها ومقاومتها (الإنشائية الشفهية) ووصولاً إلى كل ما تنتجه من ظواهر إنسانية واجتماعية وثقافية وسياسية، فالتطوير والإصلاح كان يعني المزيد من التخريب والانقضاض على مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد كانت تعني المزيد من دعم الفاسدين، وتقوية نفوذهم، والمزيد من إفساد المجتمع بكل الصور التي تخطر و لا تخطر على بال الشيطان ذاته، حتى باتت القومية العربية التي تعدّ دمشق افتراضياً وشفهياً قلب عروبتها النابض، تعني النوم في الحضن الإيراني، واستبدال علمانية الدولة، بعمائم الظلاميين الذين ينتظرون عودة قادة غابوا في سراديب المجهول! فيدعم نظام قومي علماني، أحزاباً وحركات دينية أنتي عربية!! ومن يروّج لمبادئ الديمقراطية في مفتتح شعاراته (وحدة حرية اشتراكية) يجعل من الحرية أقبية رعب وتقليع أظافر وانتزاع حناجر وسنوات من العتمة وحجز الحريات، ويجعل من الوحدة العربية سلسلة مؤامرات وأوراق لعب، تخوّله من تسليح مجموعات وتدريبها في معسكرات في منطقة الحجيرة قرب السيدة زينب لتقوم بتنفيذ انقلاب في البحرين، وتشعل الحرائق في لبنان، وتصل تقارير عن أسلحة سورية تم إرسالها لقراصنة الصومال، وجناح عسكري للبعث الصومالي، ودعم للقاعدة في العراق، وطبعاً تسهيل مرور الآلاف من المجاهدين عبر الحدود السورية الممتدة لتنفيذ عمليات وحدوية في الأرض العراقية، ودقم للانقسام الفلسطيني الفلسطيني وإصرار عليه وغير ذلك من القاموس الكبير للفكر الوحدوي الذي عهده العرب من نظام الأسد الأب والابن.

في الضفة الأخرى، كانت لدينا معارضة نضالية عملت على تقديم نماذج من القيادات أغرت الآلاف من الشباب بالقبول بالعيش في السجون، لتكتفي بتحويلهم إلى ضحايا للقمع الديكتاتوري، وحرمانهم من التدرّب على المهارة السياسية التي تحتاجها سوريا هذه الايام، معارضة عاشت ونمت في المنافي، حتى أصبحت معاييرها مختلفة كلياً عن معطيات الشارع، وتصوّرها أبعد ما يكون عن تصوّر الشعب السوري لدولته المستقبلية، ومعارضة أخرى بقيت في سوريا، وهرمت مع النظام الذي شاخ وترهّلت مؤسساته.
واليوم وقد صار لدينا ثورة في سوريا، تكاد دماء آلاف الشهداء تجعلها حقيقة لا زيفاً، ها هي النخبة السياسية والفكرية السورية، تسارع لإعادتها خطواتٍ إلى الوراء، لتصبح أيضاً مجرّد ثورة شفهية إنشائية افتراضية.

فنظام الأسد الابن يصرّ على أنه هو من سيصنع للسوريين ديمقراطيتهم، عن طريق الدبابات والمدافع والجثث، والنظام المعارض باشكاله المختلفة، يصرّ على التضحية بالشعب السوري، للمحافظة على صورته الراقية، وما يسميه المتظاهرون السوريون الآن بـ(الأكابرية) والتي يطالبونه بالتخلي عنها وإدراك أن هذه الثورة هذه المرة، تحتاج إلى أن تكون حقيقة، على الأرض وواقعاً ملموساً، ينمو ويتطوّر، ولا يكتفي بالخروج في مظاهرات مستعدّة لتقديم المزيد من الشهداء، يجزم معظم المتظاهرين أن المعارضين السوريين يعدّون ارقام الشهداء المتصاعدة بفخر ولهفة، وكأنهم يفضّلون لو أنها أكثر هذه اليوم، ليفاخروا بالثورة أكثر، وليدينوا النظام أكثر.

كان السوريون جميعهم يسخرون من الجيش اللبناني، سنوات العزّة القومية (الشفاهية) وينعتونه بأنه جيش (الدلعونا) وأنه لا يحارب ولا يقاتل، ويكتفي فقط بالأغنيات والمفاخرة بالبطولات الزجلية، وهو الجيش الذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد لبناني واحد، بسبب رأيه، في تاريخه الحديث كلّه، ولكن السوريين في ذات الوقت، يعتقدون أن الثورة السورية (السلمية) يكفيها للنجاح أن تبقى عند ذروة التعبير الزجلي ذاته، والخروج بأعداد كبيرة لا تلبث أن تتعرض لإطلاق الرصاص الحي والاعتقال ثم تنفض مجدداً، أو تلك التي أطلق سمّاها السوريون بـ (المظاهرات الطيارة) ذات الدقائق المعدودة والأعداد المحدودة، منشورات توزّع هنا أو هناك، جرائد تطبع بشكل سرّي، وتوزّع على نطاق ضيّق، أغانٍ للشهيد القاشوش تبثّ خلسة من مؤسسات الدولة وأقسام الشرطة، وبعض الساحات، بالونات وكرات تنس كتبت عليها كلمة (حرية)...إلخ، وبالتأكيد منشقون عن الجيش رافضون لإطلاق النار على مواطنيهم، سيصبحون بعد قليل، شهداء أو معتقلين، أو لاجئين خلف حدود الدول المجاورة، ويتحولون إلى متصلين ومشاركين عبر الهاتف وعبر الشاشات، ومنشقون جدد يدخلون الدوامة ذاتها كلّ يوم..ولكن...هل هذا يكفي؟! هل هذه هي الثورة السورية الكبرى؟!

أما الثورة الصوتية الأكثر سخرية فهي تلك التي تشهدها ساحة الأداء السوري المعارض، بين عواصم العالم، وفيما بين المعارضين أنفسهم، وانشغالهم بتوجيه الاتهامات لبعضهم البعض، والنيل من بعضهم البعض وتزاحمهم على بوابة سوريا الجديدة.

تحتاج الثورة السورية إلى الإنتقال إلى أطوار أخرى، أكثر تقدّماً باتجاه تحقيق أهدافها، كي تساعد العالم العربي والمجتمع الدولي، على مساعدتها، وكي يعرف أولئك الذين طرحوا علينا الاسئلة في أكثر من عاصمة في العالم: كيف نساعدكم؟ قولوا لنا كيف نساعدكم؟! وكنا لا نفهم أنهم فعلاً في حيرة من أمرهم، كيف يعرفوا بالفعل كيف يمكنهم دعم الثورة وعدم ترك الأبرياء يسقطون، وتحتاج الثورة السورية إلى الانتقال إلى أطوار أخرى ترفعها من المشافهة السياسية، إلى الفعل السياسي، والتأثير الواقعي، ووضع تصوّر لمسيرة الثورة وخارطة طريق ليس من أجل سوريا القادمة، لأن هذه هي اسهل المهام، ولكن خارطة طريق وخطة حسم توصل إلى إنجاح الثورة وإسقاط النظام وحسب..إن كان هذا هو الهدف من الثورة حقاً!!

ibrahimaljabin@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إسقاط النظام هدف مشترك ولاحاجة لحزب أوحد ورأس أوحد
مصطفى عبد الجليل -

لعل الخطوة المباركة الأولى كانت تشكيل المجلس الوطني السوري حيث كان بداية فعلية لهذا التحول، وبدء العمل المباشر في تكثيف الضغوط على النظام ميدانيا وسياسيا ودبلوماسيا لكسب التأييد العربي والدولي وإعلاميا لإخراج قطاعات من الكتلة الصامتة من صمتها وإقناعها بالمشاركة في الثورة على طريق الوصول إلى الهدف المنشود، وبقي هناك جهد دولي في إرغام السلطة على القبول بالتغيير الديمقراطي وحقن دماء السوريين من جهة، لذا فإن الموقف العربي والإقليمي والدولي سيكون له أهميته المرجحة في لجم النظام وشل حركته العسكرية ومن ذلك مبادرة الجامعة العربية أو غيرها ...... بالوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين ووقف العمليات العسكرية وفصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية،وإطلاق سراح جميع المعتقلين ،والقيام بما يلي: 1) تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئاسة رئيس حكومة يكون مقبولا من المجلس الوطني الممثل الشرعي للثورة السورية ،2) يوكل لهذه الحكومة مهمة إجراء انتخابات نيابية شفافة وتعددية قبل نهاية العام 3) يقوم رئيس الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد ذلك بتشكيل حكومة تمارس صلاحياتها كاملة بموجب القانون ،4) يقوم المجلس النيابي المنتخب بتشكيل جمعية تأسيسية لإعداد دستور ديمقراطي جديد للبلاد ،والتأكيد على احترام حق الشعب السوري في الحياة الكريمة الآمنة وتطلعاته المشروعة نحو الإصلاحات السياسية والاجتماعية، ولايضير الثورة السورية كون أن المعارضة الخارجية ليس لها رؤية واحدة لأن هذا أمر طبيعي لأناس تفرقوا على أرجاء الكرة الأرضية بسبب الإبعاد القهري أو الهروب ونأوا عن الداخل لعقود عديدة كما أن الرؤية الواحدة وفق الحزب الأوحد والقائد الأوحد لن تكون قبل الثورة ولابعدها ولذلك فإنه لايضير الثورة السورية في الداخل تفاوت آراء المهاجرين في الخارج مادام الأمر الأساسي يجمعهم جميعا وهو إسقاط النظام ، أما الثورة السورية التي ضحت بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى لن تسمح وهي سيدة القرار في الداخل بعودة نظام شمولي استبدادي ، لأن الشعب السوري بعد معايشته نتائج استيلاء الديكتاتور الإرهابي على قرارات السلطات الثلاث وذاق الويلات من الظلم والسرقات والخداع والتخلف وتآكل البنية التحتية والفساد المنتشر في شتى الجوانب فإن الشعب السوري ستثبت الأيام القادمة كيف ينتخب نوابه وعدم السماح ، وأن يكون الجميع تحت القانون ، فهذا أمر من أج

إسقاط النظام هدف مشترك ولاحاجة لحزب أوحد ورأس أوحد
مصطفى عبد الجليل -

لعل الخطوة المباركة الأولى كانت تشكيل المجلس الوطني السوري حيث كان بداية فعلية لهذا التحول، وبدء العمل المباشر في تكثيف الضغوط على النظام ميدانيا وسياسيا ودبلوماسيا لكسب التأييد العربي والدولي وإعلاميا لإخراج قطاعات من الكتلة الصامتة من صمتها وإقناعها بالمشاركة في الثورة على طريق الوصول إلى الهدف المنشود، وبقي هناك جهد دولي في إرغام السلطة على القبول بالتغيير الديمقراطي وحقن دماء السوريين من جهة، لذا فإن الموقف العربي والإقليمي والدولي سيكون له أهميته المرجحة في لجم النظام وشل حركته العسكرية ومن ذلك مبادرة الجامعة العربية أو غيرها ...... بالوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين ووقف العمليات العسكرية وفصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية،وإطلاق سراح جميع المعتقلين ،والقيام بما يلي: 1) تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئاسة رئيس حكومة يكون مقبولا من المجلس الوطني الممثل الشرعي للثورة السورية ،2) يوكل لهذه الحكومة مهمة إجراء انتخابات نيابية شفافة وتعددية قبل نهاية العام 3) يقوم رئيس الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد ذلك بتشكيل حكومة تمارس صلاحياتها كاملة بموجب القانون ،4) يقوم المجلس النيابي المنتخب بتشكيل جمعية تأسيسية لإعداد دستور ديمقراطي جديد للبلاد ،والتأكيد على احترام حق الشعب السوري في الحياة الكريمة الآمنة وتطلعاته المشروعة نحو الإصلاحات السياسية والاجتماعية، ولايضير الثورة السورية كون أن المعارضة الخارجية ليس لها رؤية واحدة لأن هذا أمر طبيعي لأناس تفرقوا على أرجاء الكرة الأرضية بسبب الإبعاد القهري أو الهروب ونأوا عن الداخل لعقود عديدة كما أن الرؤية الواحدة وفق الحزب الأوحد والقائد الأوحد لن تكون قبل الثورة ولابعدها ولذلك فإنه لايضير الثورة السورية في الداخل تفاوت آراء المهاجرين في الخارج مادام الأمر الأساسي يجمعهم جميعا وهو إسقاط النظام ، أما الثورة السورية التي ضحت بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى لن تسمح وهي سيدة القرار في الداخل بعودة نظام شمولي استبدادي ، لأن الشعب السوري بعد معايشته نتائج استيلاء الديكتاتور الإرهابي على قرارات السلطات الثلاث وذاق الويلات من الظلم والسرقات والخداع والتخلف وتآكل البنية التحتية والفساد المنتشر في شتى الجوانب فإن الشعب السوري ستثبت الأيام القادمة كيف ينتخب نوابه وعدم السماح ، وأن يكون الجميع تحت القانون ، فهذا أمر من أج

مقال هام
متابع -

مقال هام للغاية لفت نظري إلى الحلقة الناقصة في الثورة السورية والتي كنت أبحث عنها دون ان أستطيع وضع تعريف لها ،نعم يجب انتقال الثورة السورية التي تجري أحداثها على الأرض السورية إلى أطوار أخرى وهذه الأطوار يجب أن تظهر على الأرض السورية وليس في شاشات الفضائيات وقاعات المؤتمرات التي تعقدها المعارضة مع تقديرنا لجهودها ،آن للثورة السورية ان تتحول من طور المظاهرات الصاخبة إلى التفكير العقلاني الواقعي باتخاذ خطوات مدروسة لتحقيق هدفها الأسمى بإسقاط النظام ومساعدة المجتمع الدولي على تقديم المساعدة والدعم المفيد لها طبعاً دون أن يعني ذلك إلغاء المظاهرات .

مقال هام
متابع -

مقال هام للغاية لفت نظري إلى الحلقة الناقصة في الثورة السورية والتي كنت أبحث عنها دون ان أستطيع وضع تعريف لها ،نعم يجب انتقال الثورة السورية التي تجري أحداثها على الأرض السورية إلى أطوار أخرى وهذه الأطوار يجب أن تظهر على الأرض السورية وليس في شاشات الفضائيات وقاعات المؤتمرات التي تعقدها المعارضة مع تقديرنا لجهودها ،آن للثورة السورية ان تتحول من طور المظاهرات الصاخبة إلى التفكير العقلاني الواقعي باتخاذ خطوات مدروسة لتحقيق هدفها الأسمى بإسقاط النظام ومساعدة المجتمع الدولي على تقديم المساعدة والدعم المفيد لها طبعاً دون أن يعني ذلك إلغاء المظاهرات .