فضاء الرأي

النصوص القرآنية في الحملة الانتخابية المغربية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

(القرآن خط مسطور بين دفتين يقرأه الرجال) الإمام علي بن أبي طالب


يعتبر التنافس الحزبي في الانتخابات من الأشكال الراقية للفعل و الممارسة الديمقراطية، حيث يحشد و يجند كل حزب كافة طاقاته المادية و الفكرية والإعلامية، في حملته الانتخابية للظفر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان (المؤسسة التشريعية)، و في ظل تعددية حزبية؛ يجد المواطن أمامه مجموعة من برامج الأحزاب، يطلب منه أن يفاضل بينها، ليحدد اختياره في نهاية المطاف لأحد هذه الأحزاب.
إذا كان هذا هو الأصل الطبيعي في العملية السياسية؛ فإن واقع بعض البلدان العربية يختلف من بلد إلى آخر، ففي المغرب حيث نسبة الأمية مرتفعة، فلا يبدو أن عرض البرامج الحزبية له جدوى لدى هذه الشريحة، التي لا تصدق الوعود، و تعتبر هذه البرامج نسخا متشابهة لا تقدم ولا تؤخر، لذلك غالبية المواطنين يركزون في اختياراتهم على المرشحين ذوي المصداقية والأكثر قربا منهم، أو مدى نفوذهم بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.
الملاحظ أن أقوى خطاب يشد الناخبين، هو الخطاب الديني، الذي يتوجه صوب الوجدان والعاطفة، ويمس الجانب الهوياتي، وهذا ما يجيده حزب العدالة والتنمية صاحب رمز المصباح ذو الخلفية الإسلامية، لقد وظفت أكثر الأحزاب المغربية في هذه الاستحقاقات الوسائل التقنية الحديثة، لاستمالة المواطنين للتصويت لصالح مرشحيها، وكذا الصحافة الالكترونية للدعاية لبرامجها، وهي تروم استقطاب شريحة من الشباب الأكثر احتكاكا واستثمارا لوسائل التواصل الجديدة، والتي لا تستطيع ولا تتجرأ هذه الأحزاب على إقناع و إيصال خطابها لها بشكل مباشر.
لكن تبقى أنجع وسيلة للاتصال بالمواطنين، في ظل مجتمع يرزح تحت الأمية والجهل وانعدام الثقافة السياسية؛ هو الاتصال المباشر والحديث معهم، والذي يجسده السياسيون في شكل خطب أو مداخلات تكون معدة سلفا، أو مرتجلة، تخاطب العواطف، بأساليب مختلفة، إما هجوما على الخصوم السياسيين، وذلك بالتركيز على هفواتهم وعثراتهم، أو حديثا عن اقتراحات و وعود، أو قضايا تتعلق بالشأن العام.
بالعودة إلى محتوى خطب بعض المرشحين الموجهة إلى المواطنين، خاصة من حزب المصباحيين (المصباح رمز حزب العدالة و التنمية المغربي) يتم توظيف مصطلحات من القاموس الديني، من قبيل: سلامة الذمة، اليد البيضاء، الشهادة، اختيار ألأكفأ و الأصلح ( الأمانة و القوة،"إن خير من استأجرت القوي الأمين") نيل الأجر... اللهم إني بلغت فاشهد, اللهم إن هذا منكر، و هي إشارة إلى الحديث المشهور، إضافة إلى البداية بالبسملة في الحديث، و كثير من المظاهر و السلوكيات الإسلامية التي يستوي فيها كافة المرشحين، وإن بنسب متفاوتة، ولم تعد، تعتبر توظيفا للدين في السياسة كما كانت تحتج على ذلك في السابق الطبقة السياسية الكلاسيكية؛ أي إبان ولوج هذا الفصيل الإسلامي المشهد السياسي المغربي منتصف التسعينيات.
يعد أبرز توظيف للنص القرآني، ما عبر عنه أحد المرشحين من لائحة المصباح بقوله؛ قال تعالى "...هاؤم اقرؤوا كتابيه" في إشارة إلى أن مرشحي حزبه سجلاتهم نظيفة، و قول الله تعالى" اضمم يدك إلى جناحيك تخرج بيضاء من غير سوء " إشارة أيضا إلى أن المرشح لم يغتني من السياسة؛ (أي من وراء دخوله قبة البرلمان) و قوله تعالى "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، اهبطوا فإن لكم ما سألتم" وهو يشير على الناخبين بأن يختاروا الأفضل و الأخير... و غيرها من النصوص, وتبقى أفضل عبارة ذكرها احد أنصارأعضاء حزب العدالة و التنمية حينما قال للناس من صوت لحزبه فله أجران و من صوت لحزب آخر فله أجر واحد.
لقد بات استخدام النص القرآني من أبرز المستندات التي يدعم بها البعض طروحاته ومواقفه السياسية، لقد وجدنا أصحاب خيار مقاطعة الانتخابات التشريعية الحالية؛ وتحديدا جماعة العدل والإحسان(المحظورة) وهي تنظيم إسلامي، أوردت في وثيقتها لتوضيح حيثيات المقاطعة، نصين قرآنيين:
الأول : يقول الله تعالى:"والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما"
الثاني: يقول الله تعالى:"ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون" وثمة من يستشهد بنصوص دينية أخرى، يدعم بها خيار مقاطعة الانتخابات ومنها قوله تعالى:" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" في مقابل ذلك نجد أصحاب خيار المشاركة يستشهدون بنصوص قرآنية أخرى، تدعم وجهة نظرهم، منها:
قوله تعالى" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب"
و قوله " يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون"
وقوله " إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم"
وردت هذه النصوص في نداء من أجل نزاهة الاستحقاقات الانتخابية القادمة بعنوان التغير من أنفسنا نبدأه، وجميعنا نصنعه، أصدرته حركة التوحيد والإصلاح؛ تنظيم إسلامي مغربي؛ يعتبر العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية، وواجهته السياسية
لسنا بصدد مناقشة موضوع خيار المشاركة والمقاطعة بين الإسلاميين، ذلك حديث قديم وطويل، كل طرف أدلى بدلوه في المسألة، ودونها في أدبياته ومواثيقه، معتمدا على ما يدعم طرحه من نصوص قرآنية وحديثية وسيرية وتجارب المسلمين عبر التاريخ....
ما يعنينا في السياق ذاته، هو كيفية توظيف النص القرآني الواحد في سياقات متعددة، وتعدية معانيه ليطال حقولا عدة، والنموذج ما صدر من خطب ومداخلات لمرشحين أمام المواطنين من كافة الشرائح الاجتماعية، من تكثيف للمحتوى الديني؛ تصريحا أو تلميحا، واستخدام للقاموس الديني، وما يتضمنه من إيحاءات وإحالات.
وأخيرا وليس آخرا، هذه أول استحقاقات انتخابية يشهدها المغرب في ظل دستور جديد، وهي بمثابة امتحان حقيقي للمؤسسة الملكية، وتحدي كبير للدولة والفاعلين السياسيين في تحقيق نسبة مقبولة للمشاركة فيها، ويبدو أن المؤشرات والتوقعات كانتتمنح حزب المصباحيين (حزب العدالة والتنمية المغربي) المرتبة الأولى بحسب تصريحات قادته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف