د. مصطفى بن جعفر كما عرفته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في أول اجتماع للمجلس التأسيسي التونسي يوم 22 نوفمبر، تم انتخاب د. مصطفى بن جعفر رئيسا له، لذا رأيت أهمية تقديمي لهذه الشخصية للقراء، بناء على معرفتي السابقة بها - و لو لفترة محدودة -.
بدأت معرفتي بالدكتور بن جعفر عن طريق الصحافة، في الثمانينات من القرن الماضي، باعتباره احد أهم قيادات حركة الديمقراطيين الاشتراكين، و هي الحركة الرئيسية للمعارضة التونسية في تلك الفترة. و نظرا لطبيعته التي لا تقبل المساومة على المبادئ، استقال من هذه الحركة في سنة 1991 بعد أن أصبحت مجرد ديكور يساعد على تحسين وجه النظام، ليتفرغ للنضال صلب الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، و لتأسيس حزب "التكتل الديمقراطي من اجل العمل و الحريات" الذي أوصله إلى ما هو عليه اليوم.
تعرفت شخصيا على د. مصطفى بن جعفر في السنوات 1996-2000، كأمين عام ثم كرئيس لفرع تونس لمنظمة العفو الدولية. و زادت معرفتي به في سنة 2000 عندما قمنا بتكوين لجنة الدفاع عن د, منصف المرزوقي، اثر سلسلة من الاجتماعات التي كنا نعقدها بشقة تابعة للمناضلة سهام بن سدرين و زوجها عمر المستيري، و التي كانت تأوي مقر المجلس الوطني للحريات.
بالرغم من محدودية العلاقة بيننا، كان من السهل بالنسبة لي اكتشاف الشخصية المتميزة للرجل، الذي كان رصينا في تحليله للقضايا المطروحة، يحسن الإصغاء للآخرين و يجلب احترامهم، و هو ما يفسر على الأرجح التقدم الكبير الذي حققه حزبه خلال الأشهر الأخيرة، من حزب صغير إلى حزب يمثل رابع أهم كتلة بالمجلس التأسيسي. و هي ميزات لم تكن لتغيب عن قيادة النهضة، التي بادرت منذ البداية بتشريكه في التحالف الحكومي الجديد، بهدف تعزيز مصداقية التحالف، بينما كان في مقدورها الاكتفاء بضم حزب د. منصف المرزوقي أو عدد من المستقلين، لضمان الأغلبية المطلقة في المجلس.
و اعتقادي أن دور د. بن جعفر سوف يكون في الفترة المقبلة شبيها بدور رئيس الدولة الجديد د. المرزوقي، أي دور الراصد لعملية الإصلاح و صياغة الدستور و قضايا الحرية و حقوق الإنسان، التي أخذت حيزا كبيرا من نضاله السابق في الرابطة التونسية لحقوق الإنسان. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الرجل بدا عمله في هذا الشأن، دون انتظار انعقاد الدورة الافتتاحية للمجلس التأسيسي و تشكيل الحكومة، حين وقف بقوة ضد تكليف قياديين من حركة النهضة بوزارتي التربية و الثقافة "نظرا لخصوصيتهما الإستراتيجية و خوفا من تغيير منهجهما الحداثي الذي يعتبر د. بن جعفر من أقوى المدافعين عنه" كما ورد في وسائل الإعلام الوطنية و الأجنبية، مع التنويه بان هذا المطلب قد لاقى المساندة المتوقعة من محامي الدولة المدنية و الديمقراطية، د. منصف المرزوقي، كما لاقى التفهم من قيادة حركة النهضة.
في أول تصريح له بعد تنصيبه رئيسا للمجلس التأسيسي، قال بن جعفر انه سيكون "وفيا للثورة العظيمة التي عاشتها تونس، ولأهداف الثورة كلفني ذلك ما كلفني"، وتعهد بـ" تجسيم التغيير وطي صفحة الماضي، صفحة الاستبداد والمنظومة الاستبدادية التي ما تزال قائمة في عديد الأجهزة". و الأرجح أن يتحقق هذا بالتنسيق الجيد مع منافسه السابق على رئاسة الدولة، على اعتبار إن نقاط اللقاء بينهما تفوق نقاط الفرقة، بحكم ماضيهما الحقوقي المشترك، و بمباركة من قيادة حركة النهضة التي لن ترى أهمية التصدي لمطالبهما في مجالات الحرية و الحداثة و التقدم، ما دامت تمثل في الحقيقة خيارات المجتمع المدني التونسي برمته.
إن النجاح الذي حققته الثورة التونسية حتى هذه المرحلة يتطلب المزيد من الجهد مع بدء العمل الفعلي لإعداد الدستور و إدارة البلاد، ما يستوجب توخي الجميع الواقعية السياسية و روح الوفاق، مع تغليب المصالح العليا للوطن.
والعقل ولي التوفيق...
M5432112@hotmail.com