المصارحة مع التاريخ

في 23 تشرين ثاني، اي قبل يومين، تقدم السيد رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية بالاعتذار باسم الدولة التركية رسميا من الشعب الكردي في منطقة ديرسم والتي تم تبديل اسمها الى "تونجلي" في الثلاثينات.

اعتذار السيد اردوغان جاء من خلال بث مباشر على قنوات التلفزة وهو يقرأ على الملأ ما جاء في الوثائق الرسمية للدولة والعائدة الى سنوات 1936 1939 حيث ارتكبت الدولة التركية حينها مجازر رهيبة يندى لها جبين الانسانية.

الدولة وكما جاء في الوثائق اصدرت الاوامر الى المسؤولين في المنطقة لاختلاق شائعات تتهم الكرد بالتمرد والعصيان المسلح لتقسيم البلد. انتشرت تلك الشائعات وبدأ تطبيق المؤامرة التي اعدتها الدولة حيث صدرت الاوامرالى الجيش بتطهير المنطقة من الانسان والحيوان حرفيا.

قال اردوغان وهو يقرأ من الوثائق مايلي: طفلان صغيران كانا يبكيان امام العسكر وهما يريدان العودة الى آبائهم. غرز العساكر حراب اسلحتهم في احشاء هؤلاء الصغار ووضعوهم امام آبائهم جثثا تنزف الدماء.

ثم اردف السيد اردوغان قائلا: الاوامرنصّت على ما يلي: في حال صدور احكام الاعدام من المحاكم الميدانية يجب عدم رفع الاعتراض الى ادارة اعلى، بل يكفي موافقة المحافظ والآمر العسكري لتنفيذها فورا وفي نفس المكان.

وقال ايضا: لقد تم قتل الاطفال والنساء والشيوخ داخل الكهوف بالغازات السامة كـ"الفئران" حرفيا كما جاء على لسان الحاكم المدني للمنطقة حينها "احسان صبري جاغليانغيل" الذي كوفئ لاحقا حيث اصبح وزيراً للخارجية التركية لأكثر من عقد في الستينات والسبعينات.

كل المجرمين من المسؤولين الذين شاركوا في تلك المجازر تمت مكافأتهم لاحقا بمناصب عليا في اجهزة الدولة.

لقد اوردت هذه الامثلة المختصرة ليستطيع القارئ معرفة ماجرى في تلك المجازروكذلك اعفائي من الخوض في تفاصيل وحوادث كثيرة تقشعرلها حتى ابدان اعتى الاشرار والجناة على وجه الارض بما فيهم اكلة لحم البشر. لا ننسى ان عمليات الابادة استمرت لأكثر من سنتين.

من يريد معرفة ما جرى للزعيم الكردي الشهيد سيد رضا الزعيم الروحي للعلويين الكرد في المنطقة يستطيع الاطلاع على مقال كنت قد كتبته سابقا، فيه تراجيديا انسانية لا يمكن محوها من وجدان و تاريخ الانسانية.

معظم الكتاب في الصحافة التركية اتفقوا على ان العقل المدبر والمنفذ لجريمة الابادة تلك كان كمال اتاتورك بالذات واسبغ الكثيرون عليه لقب الديكتاتورالممسك بكل صغيرة وكبيرة في الدولة حينذاك.

ماذا عن الابادة بحق الكرد السوريين؟

ادناه نجد مخطط محمد طلب هلال وما ارتكبه نظام البعث منذ عام 1963 بحق الكرد السوريين وحتى يومن هذا: "وعندما وضع االضابط الأمني هلال مشروعه كان رئيسا لشعبة الأمن السياسي في الحسكة وعضوا في حزب البعث ثم كوفىء بعضو مراقب بالقيادة القطرية ووزيرا للتموين في حكومة يوسف زعين ثم نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للصناعة عام 1971 وبعد سن التقاعد سفير سوريا في بولونيا 1972 - 1979.
و يعرف هلال بين ابناء الشعب الكردي في سوريا كعراب للسياسية الشوفينية و العنصرية التي مورست ضده طوال عقود، فقد لقيت اقتراحاته التي ضمنها تقريره العنصري القبول والتنفيذ من قبل الجهات الشوفينية و لا تزال.

و قد اقترح محمد طلب هلال على السلطات السورية حينها:
1 ان تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل مع التوزيع في الداخل ومع الملاحظة عناصر الخطر أولا ً فأول. ولا بأس أن تكون الخطة ثنائية أو ثلاثية السنين تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقل خطورة وهكذا.
2 سياسة التجهيل: أي عدم أنشاء المدارس أو معاهد علمية في المنطقة لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.
3 إن الأكثرية الساحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية،فلا بد لتصحيح السجلات المدنية وهذا يجري الآن أنما نطلب أن يترتب على ذلك إجلاء كل من لم تثبت جنسيته وتسليمه إلى الدولة التابعة لها.أضف إلى ذلك يجب أن يدرس من تثبت جنسيته دراسة أيضا ًمعقولة وملاحظة كيفية كسب الجنسية لأن الجنسية لا تكسب إلا بمرسوم جمهوري. فكل جنسية ليست بمرسوم يجب أن تناقش تبقي من تبقي أي الأقل خطرا ً وتنزع من تنزع عنه الجنسية لنعيده بالتالي إلى وطنه.
4 سد باب العمل: لابد لنا أيضا ً مساهمة في الخطة من سد أبواب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع غير مستقر المستعد للرحيل في أية لحظة وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزراعي أولا ً في الجزيرة بأن لا يؤجر ولا يملك أكراد والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد الله.
5 شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية لحساب ما وخلخلة وضع الأكراد، وثانيا ً بحيث يجعلهم في وضع غير مستقر.
6 نزع الصفة الدينية عن المشايخ الدين عند الأكراد وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عربا ً أقحاحا ً، أو نقلهم إلى الداخل بدلا ً من غيرهم. لأن مجالسهم ليست مجالس دينية أبدا ً بل وبدقة العبارة مجالس كردية. فهم لدى دعوتهم إلينا لا يرسلون برقيات ضد البر زاني أنما يرسلون ضد سفك دماء المسلمين، وأي قول هذا القول.
7 ضرب الأكراد في بعضهم وهذا سهل وقد يكون ميسورا ً بإثارة من يدعون منهم بأنهم من أصول عربية على العناصر الخطرة منهم كما يكشف هذا العمل أوراق من يدعون بأنهم عربا ً.
8 أسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود فهم حصن المستقبل ورقابة على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم ونقترح أن تكون هذه العناصر من شمر لأنهم أولا ً أفقر القبائل بالأرض وثانيا ً قوميا ً مئة بالمئة.
9 جعل شريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة بحيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها أسكان العرب وإجلاء الأكراد وفق ما ترسم الدولة من خطة.
10 أنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكريا ًكالمستعمرات اليهودية على الحدود تماما ً
11 عدم السماح لمن لا يتكلم اللغة العربية بأن يمارس حق الانتخاب والترشيح في المناطق الكردية المذكورة.
12 منع أعطاء الجنسية السورية مطلقا ً لمن يريد السكن في تلك المنطقة مهما كانت جنسيته الأصلية ( عدا الجنسية العربية الخ)".

لقد تم الاستيلاء على املاك الكرد من فلاحين ومُلاك واعطيت الى ما يسمون بـ"عرب الغمر" الذين جيء بهم من محافظتي حلب والرقة.طبق مخطط التعريب بحذافيره.
النتيجة نجدها الآن في مئات الآلاف من الكرد على اطراف المدن الكبرى كدمشق وحلب وغيرها تحت الخيم وفي الاعمال الشاقة والكريهة بسبب سياسة التفقير الممنهجة.
لماذا نطلق على ماحدث بـ"الابادة"؟

هناك قول كردي مأثور يقول: الموت ارحم من الفقر. نعم وبكل تأكيد فالفقر يجلب معه كل المآسي التي يصبح الموت معها شفقة ورحمة. بمعنى آخر لقد تم ابادة الكرد مثل ما حدث في ديرسم من ناحية الهدف والنتائج.

في هذه الايام العصيبة التي يمر بها الوطن اناشد كل سوري وطني شريف ان يضع يده على الجرح ويكون جريئا مثل السيد اردوغان.
اردوغان يعتذرولكن الضحايا غادروا الى العالم الآخر، بينما جريمة الابادة لاتزال سارية في سوريا ويمكن تلافي ما يمكن ان يحدث في المستقبل ووقف ما يجري وذلك اذا كان هناك من يملك الوجدان والضمير من السوريين الشرفاء وذلك بالعهد بازالة التعريب واعادة الكرد الى مناطقهم وتعويضهم بالكامل.
التاريخ سينصف الشرفاء وسيحاسب المجرمين.

سوف ننتظرالرد من "هيئة التنسيق" في الداخل و"المجلس الوطني السوري" وكل سوري شريف.
سياسة التذويب وهنا يعني مخطط التعريب هي جريمة ضد الانسانية.....

طبيب كردي سوري
bengi.hajo48@gmail.com