أصداء

متاهات الحراك الفلسطيني بين ثورات الشرق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لنترك أليات التحليل السياسي للسلطات العربية الدكتاتورية، والإستدراجات التاريخية لمواقفهم المخزية حول القضية الفلسطينية بشكل خاص، ولنبتعد عن المقارنات والتوضيحات لتبيان إنعدام إيمان هذه الأنظمة بالقضايا الوطنية عامة والفلسطينية خاصة، لنبحث في الجانب الأخلاقي الإنساني والحضاري التي يجب على الحركات الفلسطينية سلكه كمنهج تجاه هذه السلطات، فهم من صلب الإنسان الذي عانى من القهر، وعاش الإضطهاد بدقائقه، إنهم يدركون ويشعرون بظلم الطغاة أكثر من أي إنسان شرقي آخر! لكننا، ويا لغرابة المواقف، نجد بأنهم الأكثر قرباً ودعماً للطغاة والسلطات الفاشية، وبشكل خاص لسلطة أل الأسد الدكتاتورية.

المثقف الفلسطيني لا يحتاج إلى الجرأة في الزمن المتلبد هذا، ليبين عن مواقف الإنسان الثوري، ولا يحتاج إلى البحث في تراث الطغاة، ليتعرف عليهم، فالشعوب يصبحون أفصح الرواة يوم يصرخون في شوارع مدنهم، مع ذلك يحتاج الفلسطيني قبل أي شرقي آخر إلى النبش في تاريخهم بمدارك ومفاهيم نوعية مغايرة، متحررة من سيطرة الإملاءات وضغط السلطات ومن بعض ثقافة الشارع التي بنيت بيد الطغاة والتي دعمتها أطراف من الحركة الفلسطينة، وبالتأكيد ستؤدي هذه بالمثقف الفلسطيني قبل السياسي إلى قناعات جديدة حول المفاهيم البالية والخاطئة التي نشروها هؤلاء عن نوعية المقاومة والصمود والتصدي.

التزمُت الفكري، والتحايل على القناعة من الجانب اللاعقلاني في حالة الإختيار بين الشعب والطغاة، كثيراً ما تؤدي إلى نزعة إنتحارية في ثقافة الإنسان، والفلسطيني في خضم ثورات الشرق الآن يعد أبرز مثال على هذا الإنتحار، وذلك عندما يشاركون الطغاة في تهديم صرح مفاهيم الثورة والوطن، وصرح الفلسطيني المقاوم، الذي بني على مدى نصف قرن من الزمن الصعب، من قبل المثقف والسياسي العربي والفلسطيني والعالمي أحياناً كثيرة، هذا الصرح الذي مجد به ثورات الشعوب ضد الإرهاب المنظم وضد الكفر الفكري الذي تبناه الطغاة ضد شعوبهم، وكانت القيم الصامدة لدعم هذا الصرح المعنوي والروحي ذات مفاهيم حقيقية عن المقاومة والصمود والتصدي والتي كثيراً ما أفندت المفاهيم الملفقة حول المقاومة التي كانت تبثها السلطات الفاسدة في العالم العربي، حول الصراع الكاذب ضد الصهيونية، والصمود والتصدي في وجه الرأسمالية العالمية.

الحكومات العربية لم تكن يوماً بأفضل من الحكومات الإسرائيلية وشنائعها تجاه الشعب الفلسطيني، ماذا كانت البشرية ستفعل فيما إذا قامت أسرائيل بقتل ثلاثين فلسطينياً يومياً وعلى مدى تسعة أشهر؟ وهذا ما تفعلها السلطة السورية الفاشية بالشعب السوري والشباب المسالم! علينا أن نتجاوز معايير التعصب الأعمى للذات المشوهة، بل وكثيراً وفي حالات عديدة كان طغاة العرب أشرس وأفظع أجراماً، والأمثلة عديدة، المآسي التي خلفوها مدونة في سجلات تاريخ الشرق الممزق، لكننا الآن لسنا بصدد الإتيان بالأمثلة، فقد تجاوزت حصرها بالأرقام، رغم ذلك تحصل هذه السلطات، والسورية بشكل خاص، الآن وفي خضم الصراع مابين الحق والباطل، بين الحرية والظلام، على دعم معنوي وإعلامي وسياسي مؤسف، من معظم الحركات الفلسطينية السياسية والثقافية.

هناك من يتخلى تحت تأثير قناعة تائهة، عن حقوق الإنسان، وذلك على خلفية دعاية وهمية من الإعلام المسيس والمنافق حول " المقاومة " من أجل القضية، في الوقت الذي لم يكن يوماً متوقعاً أن يرتقي هؤلاء التجار بالقضية إلى سوية إحتواء مفاهيم المثقفين، على الأقل! وهنا لا نلوم فيه الحركات السياسية التي كثيراً ما تخلت عن قضايا الوطن والأمة والشعب من أجل مصالح حزبية آنانية، كما تقوم به حركة حماس الآن، بل وهذه الحركة مع حركة فتح كانوا من جانب لا يقلون خداعاً لشعبهم عن السلطات العربية الأخرى، فالذاكرة ليست بذلك الضعف، ونحن الجميع لا زلنا نتذكر يوم شاهدنا كيف أن قادة الحركتين صرحوا للعالم عن أتفاقيات تاريخية بين بعضهم، إلى درجة دمج السلطتين، وغيرها، وذلك على خلفية الثورات الشبابية في مدن الضفة والغزة والتي لم تدم أكثر من ثلاثة أيام، وتتبين الآن بأن العملية بمجملها كانت خدع سياسية لشباب الثورة، وكانت الجولات المكوكية إلى القاهرة وغزة وغيرها فقط لإمتصاص غضب الشباب الثوري حول الإنقسامات المخزية بين أطراف الحركة الفلسطينية، فكيف، بهكذا حركة تفعل هذا مع شعبها المناضل أبداً، ستتمكن من الوقوف مع الثورة الشبابية السورية ضد السلطة الأسدية الفاشية، وعليه سوف لن نجد موقفاً إنسانياً من الحركات السياسية الفلسطينية، ونداءنا هو للحركة الثقافية والكتاب الفلسطينيين والشارع الفلسطيني الأكثر معاناة من جور وظلم الطغاة. وهنا يطرح السؤال نفسه على الشارع الفلسطيني: هل السلطة السورية، حصراً، أصدق من الشعب السوري تجاه القضية الفلسطينية؟.

الموقف المسيطر في الشارع الفلسطيني، خاصة من جانب المثقف الملتزم ببعض الحركات السياسية، والحركات نفسها، يخوضون في مستنقعات الكفر بقضايا الشعوب، فيخلقون الضرر بالقضية الفلسطينية من جراء غياب صوت العقل والحكمة عند التحليل ودراسة ماهية الثورات، فتظهر من جرائها عدم القدرة على تجاوز المفاهيم المشوهة حول الصراع ما بين الثورات الشبابية والسلطة، والتي أدت بالأغلبية من أطراف الحركتين الثقافية والسياسية إلى الوقوف بجانب السلطات الطاغية، وافتضح هذا الموقف المشين أكثر عند الثورة الشبابية السورية.

والموقف الميكيافيلي المخادع للشعب السوري، يودي بهم إلى البقاء في حالة الجمود بالمطلق لشعارات الطغاة الضبابية الفارغة مضموناً حول المقاومة والتي لم تكن يوماً فعلاً فاعلاً على الساحة السياسية أو النضالية. والذين يستغلون هذه المواقف يقفزون من فوق الفطرة الإنسانية السليمة والرافضة للطغيان والطامحة أبداً إلى الحرية والتي هي شاملة للذات الفلسطينية الحقيقية بشمولية كاملة.

ومن بين الذين يطرحون الآراء والتأويلات بضبابية والتي يودونها أن تسيطر على الشارع الفلسطيني، منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد " عبد الباري عطوان " رغم كتاباته المشددة أحياناً ضد الطغاة، لكن المبان من خلال المقالات التشكيكية والتحريضية مع الثورات وضدها والمهادنة للطغاة في زواياها، وبعض الكتاب الذين ينشرون مقالاتهم بشكل مستمر في "القدس العربي " وفي مراكز الإعلام السوري، إضافة إلى مجموعة من الكتاب والمثقفين الذين كان لي معهم أحاديث ونقاشات مباشرة، حيث يغطون مواقفهم بمنطقين واهيين، الأول بأنها ثورات ذات ماهية إسلامية سلفية، أو إنها مدعومة من الغرب ومن الصهيونية العالمية لإزاحة الطغاة الذين يجدونهم قادة المقاومة! وكثيراً ما لا أرى جواباً لهذا التناقض التأويلي لمنطقهم الرافض للثورات.

المنطق والمواقف الذي ستؤدي باللاثقة بالمثقف الثوري الفلسطيني، ولا أقول إلى خلع القدسية عن القضية الفلسطينية بل بإعادة النظر إليها من خلال مفاهيم وأروقة غير أروقة الحركات السياسية والثقافية الفلسطينية، وهؤلاء هم الذين وراء الصراع الفلسطيني الفلسطيني نفسه، كما هم يقفون إما مع السلطات الدكتاتورية في حالة العدم من الرأي والتقييم والمواقف والتي لا تختلف في كثيره عن الرأي الأول، أو حالة التذبذب والسكوت وتجنب المواقف وبإنتهازية.

كان من المتوقع أن يكون المثقف الفلسطيني من الرواد في رؤية ماهية الدكتاتوريات، وابعادهم اللاوطنية والتي لم تعد قابلة للإصلاح، وكان المتوقع أن يكونوا الأفضل في إدراك قيم كرامة الوطن والمواطن، والشعارات التي أهدر القيم عن طريقها، ورؤية شمولية الفساد في هذا الوطن الذي زرع ونشر بيد آل الأسد وحاشيته والبعث ومفاهيمه، والبنية التحتية التي أدت إلى الضياع في القيم والأخلاقيات وهدم ركائز الثقافة الإنسانية الحضارية وبالتالي التدمير البطيء للإنسان والوطن في سوريا.

خمسون سنة من المقاومة ولم تؤتى ثمارها، النجاحات كانت بطيئة وقليلة بالنسبة للتطورات البشرية الفكرية والإجتماعية والسياسية، وخلف هذا البطئ كانت تقف السلطات الدكتاتورية العربية وعلى رأسهم السلطة السورية، التي لم تترك سوقاً من أسواق النخاسة السياسية العالمية إلا وتاجرت فيها بالقضية الفلسطينية، وفي حال أنتباه البعض من قادة الحركة الفلسطينية لمؤامرات الأسد، كانت السلطة السورية لهم بالمرصاد كما حدث للمرحوم " أبو عمار " في عدة مواقف ومراحل معينة من النضال، ويومها وقف الشعب السوري إلى جانبه كمواقفهم الدائمة مع القضية الفلسطينية رافضين دكتاتورية الأسد، وظهرت ذلك في أزقة مخيم اليرموك التي دكت بالدبابات السورية حينها كما تضرب الثوار الشباب اليوم في ساحات الوطن.

وعليه ومن منطق الحرص على الإنسان الفلسطيني الصريح مع قضيته، بأنه على الحركات الثقافية والسياسية الفلسطينية البحث عن المنطق الصادق، ودعم الشعوب حمات القضية وأصحاب المقاومة الصادقة، والثورات الشبابية، وتعرية الأنظمة الدكتاتورية، بدءاً من الأسد وريث مجرم تل الزعتر، إلى الأئمة إلى العثمانيين الجدد، والقيام بطرح حلول مغايرة ونوعية للقضية الفلسطينية.

الثورات الشبابية تضع أمامهم معضلة مهمة وهي البحث بشفافية وصدق عن قضية الوطن الغائب، والمنتظر من كل ضمير حي لدعمها وإحياءها وإعادتها للوجود بمفاهيم الشباب الثائر، والإقتناع بأن الحل بيد الشعوب وليس بيد الطغاة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKURDA@GMAIL.COM

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف