الإخوان والديمقراطية.. توظيف أم انتهاج؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جماعة الإخوان المسلمون، كأي واقع اجتماعي قابلة للتطور، والتأثُّر، كما هي قادرة على التأثير في واقعها ومحيطها الاجتماعي. ولكنها ستظل محتفظة بطابعها العام، وبما تكونت عليه، من مكونات فكرية أساسية. فبين شعار "القرآن دستورنا" الذي نادت به الجماعة منذ المؤسس، حسن البنا، وبرنامج حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان، ومواقف قادة من الجماعة، مسافة واضحة. ففي برنامج حزب الحرية والعدالة وأهدافه ما يلي:
"* تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري، وإطلاق الحريات العامة، وخاصة حرية تكوين الأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، وإقرار مبدأ تداول السلطة طبقًا للدستور الذي يقره الشعب بحرية وشفافية.
* واعتبار الأمة مصدر السلطات، والشعب صاحب الحق الأصيل في اختيار حاكمه ونوابه والبرنامج الذي يعبر عن طموحاته وأشواقه".
فهذه البنود( ولسنا الآن، في معرض البت في مدى الالتزام بها) تعيد الحكم للشعب، والتشريع مشروع بمقدار استناده إلى رأي الأغلبية، ومبدأ التداول على السلطة معترف به، وملتزم به، كذلك.
وهذا ليس بعيدا عن موقف قيادات في الإخوان من مثل عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب الإرشاد السابق، حين قال: " إن شعار الجماعة "القرآن دستورنا" هو شعار عاطفي وأدبي يعبر عن مرجعية الجماعة، ولكنه لا يعبر عن منهجها في العمل السياسي الذي تحترم فيه القانون والدستور الوضعي للدولة" عبد المنعم أبو الفتوح- "جريدة الشرق الأوسط". حتى إنه رفض أن تكون الشريعة الإسلامية مرجعية للشعب المصري، وأنه مطلق الإرادة، دون سقف، أو قيد، قال مقابلة مع الـ "البي بي سي" العربية :" نحن لا نفرض أي أنا لا أوافق، ونحن كإخوان مسلمين ، على فرض أي مرجعية، حتى لو كانت إسلامية على الشعب المصري، نترك الشعب يختار ما شاء من مرجعيات، ونترك الشعب يختار ما شاء".
ومهما قيل عن مدى إيمان الإخوان بهذه الطروحات فعليا، وأنهم قد يصرحون بها للإعلام، وللرأي العام، في الداخل، والخارج، أو أنهم يتعهدون بذلك؛ اعتمادا على طبيعة الشعب المصري المتدينة، وبــــ"توظيف المشاعر الدينية والترهيب الأخروي" فإن الإعلان عن هذه المبادىء الفكرية والتعهدات السياسية ليس أمرا سهلا، على جماعة تستهدف الشرائح التي يغلب عليها التدين، وتتنافس مع جماعات إسلامية، ربما وجدت في مثل هذه المواقف مطاعن كبيرة في الجماعة، وسببا قويا للتشكيك في إسلاميتها..وهذا قد يتعرج بنا نحو مسألة فرعية : من تستهدف الإخوان المسلمون؟ وبأي شيء تجذبهم و تستميلُهم؟
الإخوان المسلمون جماعة ذات مرجعية إسلامية، لكنها واقعية، تتفهم الواقع، وتنصاع له، كلما أمكنها ذلك، فهي لا تعتمد على الخطاب الإسلامي التنظيري، فقط، بل إنها تكاد تجعله مؤنسا، لبرامجها العملية ونشاطاتها المجتمعية التي تستهدف الفئات الفقيرة، والمحتاجة، وهي الغالبية العظمى من الناس، على المستوى الشعبي...
وعلى مستوى الوجدان الجمعي لأهل مصر والمنطقة، فإنها تتبنى خطابا وطنيا، في مواجهة الاستعمار والاحتلالات، فهي تعلم جيدا ما تعنيه إسرائيل لأهل مصر، والمنطقة، ولذلك كانت من الطلائع التي حاربت نشوءها، في فلسطين، وهي بذلك تنسجم مع أبنائها المتأثرين، بالعامل الديني، مع العامل الوطني، ولا ترى الجماعة تناقضا بينهما. (الديني والوطني)
على أن الواقعية تتسرب حتى في هذا الجانب الشعوري، فقد كان ثمة هامش سَمَح للحزب الإسلامي "الإخواني" في العراق بأن ينخرط في العملية السياسية، منذ بدايات الاحتلال الأمريكي له.
إن "الإخوان" جماعة تحرص على الرحابة، سواء في مفاهيمها، أو في مرتكزاتها للاستقطاب؛ فالفئات المتدينة لها في الجماعة خطابُها، ومنها شباب في الجامعات متعلمون ومثقفون، ولكنهم مع ذلك، وهم يتطلعون إلى بناء ذواتهم وشق طرقاتهم، في الحياة العملية، لن يجدوا جماعة معزولة عن المجتمع، أو هامشية، بل إنها تقدم نماذج عملية لتسهيلات ممكنة سواء مادية، أو اجتماعية بفتح نوافذ لهم وشبكة علاقات جيدة، داخليا، وخارجيا، ما يغري الكثيرين بالاستمرار مع الجماعة والتعويل عليها.
وبالطبع لا ننكر عامل القناعة الذاتي، والحماسة الصادقة للعمل في صفوف الجماعة، لكنها ليست متفردة، ولا هي متوفرة دائما.
وإذا كانت جماعة الإخوان ذات مرجعية إسلامية في نهاية الأمر؛ فهل تستطيع العيش داخل البيت الديمقراطي، أم أنها ستعمل على تقويضه من الداخل، أو إفراغه من قيمه الأساسية؟
سؤال يتكرر، وهو مبعث القلق الأكبر من الإخوان، وممن سار على دربهم، أو تأثر بنهجهم: داخليا، من القوى الليبرالية، والعلمانية، وخارجيا، من أمريكا والدول الغربية.
وتظهر الخطورة، في الحالة المصرية، في حال أُتيح للأغلبية الفائزة في البرلمان الجديد، أن تُشكِّل الجمعية التأسيسية للدستور، وتاليا تمكنهم من وضع دستور يعكس تصورهم للدولة المصرية، في ظل عدم إقرار المبادىء فوق الدستورية التي تستبق الوثيقة والدستور بمحددات مدنية، لا دينية.
وهنا قد يندلع النقاش حول فكرة الديمقراطية نفسها: هل هي حكم الأكثرية مهما كان، دينيا، أم مدنيا؟ أم هي حكم المؤسسات والسلطات المدنية المستند إلى مرجعية فكرية علمانية للدولة والمجتمع؟
الديمقراطية الغربية نشأت بعد حكم ثيوقراطي كان لرجال الدين فيه سيطرةٌ مستبدة على مرافق الحياة، حتى العلمية، فتبلورت ورسخت سلطة زمنية، إلى جانب سلطة روحية حُددت بالشئون الكهنوتية؛ فَـــ"أعطَوْا ما لله لله، وما لقيصر لقيصر".
الوضع في العالم العربي مختلف، بعض الشيء، من الناحية التاريخية، وصيرورة هذه المجتمعات والدول التي نشأت بعد الاستقلال، وهو مختلف، كذلك، من الناحية الفكرية، فآخر دولة كانت تطبق الإسلام هي الدولة العثمانية، وقد تغلبت عليها، في آخرها، نزعةُ التتريك، والطورانية؛ فدخل كثير من العرب في صراع معها، وحاولوا الانعتاق منها، بهذه الصفة، وعلى خلفية قومية.
وإن كنا لا نغفل أصواتا نادت بالنهوض على الأسس الفكرية الغربية الحديثة، لكنها لم تكن بعيدة الأثر. وكان التيار الأكثر حضورا هو الذي دعا إلى التوفيق بين الحضارة الحديثة والمدنية الغربية، وكان من هؤلاء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وخير الدين التونسي، وغيرهم، وكان تأثر الشيخ حسن البنا بهذا التيار واضحا.
ولذلك فإننا لا نجد رأيا عاما قويا يطالب بإقصاء الدين عن الدولة، وعن المجتمع، بل إننا نشهد تعاطفا ومساندة شعبية لحركات وأحزاب تتبنى الإسلام مرجعية، دون تشدد، أو عنف، أو حِدَّة منفرّة، وهذا ظَهَر في تونس، مع "النهضة" وفي مصر، مع "الإخوان" وغيرهما. ولذلك وجدنا معظم النظم العربية تحاول الخضوع لهذا الواقع، أو مراعاته، بأن نصت دساتيرُها، على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية المصر الرئيس للتشريع، ولو كانت تجلياته القانونية محدودة.
فإذا صَدَق وصفُنا بواقعية الإخوان المسلمين، والتزموا بالتطورات الفكرية التي تعهدوا بها في برنامجهم وتصريحاتهم فإنهم في هذه المرحلة لن يولوا تطبيق الشريعة الأولوية القصوى، وسيكون اهتمامُهم منصبا على التنمية والإصلاح، والأمور الحياتية الملحة... وأما تحويل المجتمع والدولة إلى المرجعية الإسلامية الخالصة فأمامه عقبات في الرأي العام الداخلي، والخارجي، وسجالات ومخاضات فكرية ليس سهلة، ولا قصيرة.
o_shaawar@hotmail.com.