أصداء

باولو دالوليو.. نورعلى درب الأنسنة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



ثمة خيمة تلامس السماء هناك في ساحة دير مار موسى الحبشي حيث يلتقي أبناء ابي الانبياء ابراهيم الذي كان أمّة، يختبرون الحياة على طريقتهم في علاقة مع الأبدي على نحوٍ لا يُحد في اطار تقليد ديني واحد بل يتجاوز الى أبعد من الشكليات الى الجوهر حيث الحكمة الحقيقية.

إنه رجل ينشد السلام وينادي بالمحبة وسط عنف دامٍ، وما زال يرجو عالما أفضل في قلب المأساة التي تزداد تأزما، ولطالما سعى عبر ترميمه لدير مار موسى في النبك الانخراط في حياة ثقافية فاعلة بعيدا عن كل عصبية لا سيما فيما يتعلق بالحوار بين الأديان والشعوب، حتى تحول الدير في السنوات العشر الأخيرة الى ملتقى تهوى اليه افئدة كثيرين، في لقاءات عفوية وجلسات تأمل ضمت عديدين من دعاة اللاعنف منهم المفكر جودت سعيد.

هكذا عرفت الاب باولو او الراهب بولص (كما يحب ان يسمي نفسه وهي التسمية العربية لباولو ) عبر محبيه المنتشرين في أقصاع الأرض؛ ولقد شعرت بأسى عميق وحزن شديد فور سماعي خبر طرده من سورية بسبب ما وُصِف بأنه "خروج عن نطاق مهمته الكنسية" واطلاقه نداء يدعو فيه إلى المصالحة والاعتراف بالتعددية وبحريّة الرأي و التعبير والنشر. وهو الذي مابرح ينادي بإعمال الأخلاق في المجتمع وادارة شؤونه حيث يرى ان "الديموقراطية بدون تصور روحي لا تعني شيئا، تُصبح علبة فارغة، منهجية بدون غاية، آلة دقيقة جدًّا كالطائرة يمكن ان توصلك من قارة الى قارة، كما يمكن أن تقودك الى تدمير نفسك ".

قرار الطرد جاء في نفس اليوم الذي اختتم فيه الدير اعمال "أسبوع الجهاد الروحي من أجل المصالحة بين أبناء سوريا الأم" وقد ورد في البيان الصحفي الصادر يومها :" جاهدنا، رهبان الدير وراهباته وأصدقاءه وعدداً من الزوّار من فسيفساء سوريا الرائع، بالصوم والصلاة، واجتمعنا يوميًا في الكنيسة لقراءة الإنجيل المقدس وتلاوة القرآن الكريم، والتأمل في نصوص مختارة عن السعي اللاعنفي لأجل الإصلاح عبر الغفران والحوار الأخويّ المُصغي وتقبّل الاختلاف غير المشروط. والتزم معنا روحيا في المشاركة في هذا الأسبوع عدد كبير من الأصدقاء (أشخاص وجماعات) في أنحاء كثيرة من العالم، فاختبرنا معاً عمق الشراكة والوحدة أمام الله."

لم أشأ ان استغل صفاء المكان وحكمة المقيمين عليه لأزج فيهم بزواريب السياسية المقيتة، وتريثت اكثر من اسبوع لاستوضح الامر كي لا أجر "الحادثة " الى خانة هذا الطرف اوذاك، وكي لا يُستغل الحدث في دائرة الاصطفافات الى حيث لا يريد محبي السلام الذين ترفَّعوا منذ بداية الأحداث عن كل الجراح وأدانوا كل انواع العنف وأصروا على الوحدة والسلمية والشراكة من أجل الاصلاح. ولعل الجملة التي ختم بها بولص توضيحاته تعبّر عن دقة المرحلة حيث قال :
"أفضل الصمت الملتزم داخل البلد، على الكلام اللامسؤول في المنفى".

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف