فضاء الرأي

في ذكرى الحرب على غزة... الجريمة متواصلة في مكان آخر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في مثل هذه الأيام وتحديداً في السابع والعشرين من ديسمبر قبل ثلاثة أعوام بدأ الاحتلال الصهيوني حرباً إجرامية ضد قطاع غزة استعمل فيها كل أنواع الأسلحة المحرمة والمحللة ضد مساحة جغرافية ضيقة يسكنها مليون ونصف مليون إنسان مدني..
ألقى جيش الاحتلال خلال هذه الحرب ما يزيد عن مليون كيلو جرام من المتفجرات على قطاع غزة..أي بمعدل كيلو جرام لكل شخص يسكن في هذه المنطقة..
أدت هذه الحرب الإجرامية خلال أيامها الاثنين والعشرين إلى استشهاد أكثر من ألف وأربعمائة فلسطيني غالبيتهم من المدنيين، وكثير منهم من النساء والأطفال، عدا عن آلاف الجرحى، وآلاف البيوت المدمرة، وتدمير البنية التحتية..
ذاكرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اختزنت جيداً هذه الأيام العصيبة التي تركت جروحاً غائرةً في الوعي الجماعي، ففي كل بيت حكاية ألم ومعاناة، وفي كل شارع كانت هناك مشاهد للموت المروع، وهناك عائلات أبيدت بكاملها عن ظهر الوجود..
ستحتفظ الذاكرة بمشهد عائلة السموني في حي الزيتون التي قتل تسعة وعشرون من أفرادها وتبقى من العائلة طفلة واحدة تبكي على أطلال بيتها المدمر، وستحتفظ الذاكرة أيضاً بمشهد عائلة القيادي نزار ريان التي استشهد منها سبعة عشر فرداً، وسيذكر التاريخ قصة الطبيب الفلسطيني عز الدين أبوعيشة الذي كان يعمل في المستشفيات الإسرائيلية لإنقاذ حياة إسرائيليين من الموت في نفس الوقت الذي كانت فيه طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقتل ثلاثةً من بناته في غزة، مما أهله للترشح للفوز بجائزة نوبل للسلام لولا ما شابها من اعتبارات عنصرية وسياسية..
ستحتفظ الذاكرة بآلاف المشاهد الحية للمعاناة والدمار، والقصص المروعة التي تستعصي على النسيان مهما تقادمت السنون..
لكن ما دفعني لاستحضار هذه المشاهد لم يكن حلول الذكرى السنوية الثالثة لها في المقام الأول، بل كان هو تلك المشاهد المتواصلة في هذه الأثناء للجريمة في مكان آخر هو سوريا..
الجريمة واحدة حتى وإن كانت ترتكب الآن بأيدي أناس يزعمون أنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا..
في ذكرى الحرب على غزة وتحديداً في السادس والعشرين من ديسمبر 2011 يبعث النظام السوري بهدية دموية جديدة إلى شعبه تتمثل بإبادة عائلة كاملة في بابا عمرو في حمص في مشهد يشبه كثيراً مشهد إبادة عائلة السموني في حي الزيتون بغزة قبل ثلاثة أعوام..
تساءلت ما هو الفرق بين أن يقتل الإنسان برصاصة إسرائيلية أو رصاصة عربية..ما الفرق بين ألف وأربعمائة شهيد فلسطيني، وخمسة آلاف شهيد سوري سقطوا بيد نظام يزعم أنه ممانع ومقاوم ضد الاحتلال..
ما هي قيمة هذه الممانعة إن كان ثمنها إزهاق نفوس بريئة..
إن تحرير الإنسان مقدم على تحرير الأوطان، وكل الشعارات الأيديولوجية والقومية والحزبية تداس بالأقدام إذا كانت ستتخذ مبرراً لقتل الإنسان..
إنني فلسطيني أعشق فلسطين حتى النخاع، ويسرني أن أجد قضيتي قد تصدرت اهتمامات الأنظمة والشعوب، ولكنني أرفض أن تتخذ قضيتي مبرراً لقتل الإنسان، لأن مظلمتي في فلسطين علمتني أن أكون أكثر الناس حساسية تجاه أي ظلم أو انتهاك لكرامة الإنسان في أي مكان من الأرض..
لو كان تحرير القدس يأتي عبر قتل الأبرياء فلا خير في تحرير القدس..لأننا أمة لا تقدس حجارةً، ولا تعبد أصناماً، بل نكرم الإنسان، ونقدس الروح الإلهية التي نفخت فيه..
إن المبادئ لا تتجزأ، والإنسان لا يستطيع أن يعيش بشخصية مزدوجة فيرفض الظلم في مكان ويقبله في مكان آخر، وحين سمعت النظام السوري يستنكر جريمة إسرائيل بقتل ثلاثين شهيداً من متظاهري مسيرة العودة ضحكت ساخراً وآسفاً، وقلت هل يحق لمن تلطخت يداه بدماء عشرات الألوف من أبناء شعبه في الماضي والحاضر أن يستنكر جرائم إسرائيل "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"..
إن الاحتلال والاستبداد وجهان لعملة واحدة لا فرق بينهما، فكلاهما إهدار للكرامة الإنسانية، والمهمة التي بعث بها الأنبياء والمصلحون عبر التاريخ كانت تحرير الإنسان قبل أن تكون تحرير بقعة جغرافية..
تقوم فلسفة الإسلام على أن الأرض كلها هي وطن للإنسان فلا اعتراف بالحدود المصطنعة والتقسيمات السياسية، وإذ اضطر الإنسان للاختيار بين البقاء في وطنه ممتهن الكرامة أو العيش في الغربة مع الحفاظ على هذه الكرامة وجب عليه -ليس جوازاً فقط بل وجوب-أن يرحل إلى حيث يستطيع أن يؤدي رسالته الإنسانية بحرية "ألم تكن أرضي واسعةً فتهاجروا فيها"..
إن قتل الإنسان ليس قضيةً رقمية إحصائيةً، بل هي قضية مبدئية لا تتجزأ، فقتل إنسان واحد هو كقتل من في الأرض جميعاً، وهذه هي فلسفة القرآن الرائعة " أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً"..فكل الحسابات السياسية لا تجوز استهداف نفس بريئة واحدة، وإذا تجرأ ظالم على قتل إنسان بريء واحد في الصين أو أمريكا فإنني أعتبره تهديداً مباشراً لي كمسلم أو فلسطيني، لوحدة الشعور الإنساني، فهو قبل أن يقتل شخص ذلك الإنسان، فقد قتل القيمة الروحية فيه، وهذه الروح نتشارك فيها جميعاً نحن البشر..
إن من يقتل بريئاً في درعا وحمص هو على ملة من يقتل بريئاً في غزة وجنين..
"تشابهت قلوبهم"...
والله أعلم..

abu-rtema@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحية وتقديرا يا أبو رتيمة
أحمد أبو مطر، أوسلو -

الأخ الكاتب أحمد أبو رتيمة..عندما كنت شابا في عمرك الآن تقريبا وكنت أعيش مع عائلتي في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين، كنت أعرف العديد من الأصدقاء والجيران من عائلة أبو رتيمة..تذكرت ذلك وأنا أقرأ مقالتك الرائعة هذه..أحييك يا أحمد أبو رتيمة على هذا الفكر الإنساني ذي الخلفية الإيمانية السمحة..إنّه شعار رائع قولك..لو كان تحرير القدس يأتي عبر قتل الأبرياء فلا خير في تحرير القدس..لذلك أضفت مقالتك المهمة هذه في صفحتي على الفيس بوك منبها القراء لقراءة مقالة إنسانية مهمة...شكرا يا أحمد أبو رتيمة..ولن ينسى الشعب السوري الثائر الذي عشت بينه ومعه عشر سنوات مواقف الكتاب والمثقفين الذين وقفوا معه في مواجهة الاستبداد والقمع الدموي..والسلام لك وعليك وعلى كل شعبنا في القطاع والضفة والشتات والأمن والحرية والديمقراطية لأهلنا الشعب السوري الشقيق.

تحية وتقديرا يا أبو رتيمة
أحمد أبو مطر، أوسلو -

الأخ الكاتب أحمد أبو رتيمة..عندما كنت شابا في عمرك الآن تقريبا وكنت أعيش مع عائلتي في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين، كنت أعرف العديد من الأصدقاء والجيران من عائلة أبو رتيمة..تذكرت ذلك وأنا أقرأ مقالتك الرائعة هذه..أحييك يا أحمد أبو رتيمة على هذا الفكر الإنساني ذي الخلفية الإيمانية السمحة..إنّه شعار رائع قولك..لو كان تحرير القدس يأتي عبر قتل الأبرياء فلا خير في تحرير القدس..لذلك أضفت مقالتك المهمة هذه في صفحتي على الفيس بوك منبها القراء لقراءة مقالة إنسانية مهمة...شكرا يا أحمد أبو رتيمة..ولن ينسى الشعب السوري الثائر الذي عشت بينه ومعه عشر سنوات مواقف الكتاب والمثقفين الذين وقفوا معه في مواجهة الاستبداد والقمع الدموي..والسلام لك وعليك وعلى كل شعبنا في القطاع والضفة والشتات والأمن والحرية والديمقراطية لأهلنا الشعب السوري الشقيق.

اوراق التوت تسقط في
د.هجار عبدالله -

يا ثوارسوريا اوراق التوت تسقط عن المجلس لنكتشف ان المجلس نسخة اخونجية اردوغانية غليونية عن هيئة التنسيق المناعية المخابراتية بامتياز اوراق التوت تسقط لتكشف لنا ان الجامعة العربية بالتعاون مع بعض اعضاء المجلس وهيئة التنسيق قد قاموا بوضع السيناريو الاخير لقتل الثوار و اجهاض الثورة - واضعاف النظام دون ازالته للمضي قدما في الاستراتيجية العالمية في الشرق الاوسط - ابقاء الانظمة كما هي مع تغيير الاشخاص ان العالم و العرب وتركيا واعضاء من المجلس الوطني وهيئة التنسيق ورطونا في وحل الجامعة العربية بقيادة نبيل العربي خريج مدرسة عمرو موسى الذي يقال عنه انه بعثي بدون انتساب رسمي - المؤامرة الان في فصلها الثاني - الفصل الاول كان اضطرار الثوار الى الاعتراف بالمجلس الوطني ورفض هيئة التنسيق الانضمام اليه - ومن ثم صار المجلس ناطقا باسم جزء من الثورة وهو في الحقيقة لا يمثل ولا ربع الثوار وصار ت الهيئة تمثل جزءا من الثورة وهي فعليا لا تمثل الا نفسها و مخابرات النظام , وقال العرب و الغرب لابد من توحد المعارضة على راي واحد او ان الجامعة ستاخذ بالحلول الوسط ولان المجلس الوطني طلب تدخل الجامعة بارسال بعثة المراقبين وحقن الدماء السورية وبماان هيئة التنسيق قالت بضرورة الحوار مع النظام فكان الحل العربي هو ارسال لجنة المراقبين لاعطاء مهلة لبشار الاسد بشكل رسمي وبالتالي منع اي تحرك اوربي غربي بحجة انتظار راي الجامعة - وقد ارسل نبيل العربي رسالة سرية عبر الوفد العراقي للاسد مفادها ان على الاسد ان يكون مطمئنا للمراقبين فهم لن يخرجوا باي قرار ادان ضد عصابته - فقبل الاسد بالمبادرة العربية وحصل على فرصة شهرين للقتل و التدمير والتجويع - وسيضطر الجيش الحر الى ايقاف عملياته وبالتالي سيغول الشبيحة في دمنا اكثر - لنعد الى البدايات - فقط سؤال واحد يحيرني لماذا طلبنا المراقبين , هل نحن في شك من اهداف ثورتنا ام اننا نريد الحوار مع النظام ونحن نتسول العرب و العالم كي يقنعوا العصابة بالحوار معنا - مالفائدة من المراقبين - هل نريد ان يتاكدوا من جرائم بشار وعصابته فهل نحن في شك من اجرام العصابة الاسدية والشبيحة , ام اننا سنتوقف عن ثورتنا ان قالت الجامعة وحتى العالم كله كلاما لصالح النظام - الثورة لن تتوقف الا في حالتين اما ان نستشهد كلنا او ان تنتصر الثورة , ولا يهمنا ما سيقوله المراقب

اوراق التوت تسقط في
د.هجار عبدالله -

يا ثوارسوريا اوراق التوت تسقط عن المجلس لنكتشف ان المجلس نسخة اخونجية اردوغانية غليونية عن هيئة التنسيق المناعية المخابراتية بامتياز اوراق التوت تسقط لتكشف لنا ان الجامعة العربية بالتعاون مع بعض اعضاء المجلس وهيئة التنسيق قد قاموا بوضع السيناريو الاخير لقتل الثوار و اجهاض الثورة - واضعاف النظام دون ازالته للمضي قدما في الاستراتيجية العالمية في الشرق الاوسط - ابقاء الانظمة كما هي مع تغيير الاشخاص ان العالم و العرب وتركيا واعضاء من المجلس الوطني وهيئة التنسيق ورطونا في وحل الجامعة العربية بقيادة نبيل العربي خريج مدرسة عمرو موسى الذي يقال عنه انه بعثي بدون انتساب رسمي - المؤامرة الان في فصلها الثاني - الفصل الاول كان اضطرار الثوار الى الاعتراف بالمجلس الوطني ورفض هيئة التنسيق الانضمام اليه - ومن ثم صار المجلس ناطقا باسم جزء من الثورة وهو في الحقيقة لا يمثل ولا ربع الثوار وصار ت الهيئة تمثل جزءا من الثورة وهي فعليا لا تمثل الا نفسها و مخابرات النظام , وقال العرب و الغرب لابد من توحد المعارضة على راي واحد او ان الجامعة ستاخذ بالحلول الوسط ولان المجلس الوطني طلب تدخل الجامعة بارسال بعثة المراقبين وحقن الدماء السورية وبماان هيئة التنسيق قالت بضرورة الحوار مع النظام فكان الحل العربي هو ارسال لجنة المراقبين لاعطاء مهلة لبشار الاسد بشكل رسمي وبالتالي منع اي تحرك اوربي غربي بحجة انتظار راي الجامعة - وقد ارسل نبيل العربي رسالة سرية عبر الوفد العراقي للاسد مفادها ان على الاسد ان يكون مطمئنا للمراقبين فهم لن يخرجوا باي قرار ادان ضد عصابته - فقبل الاسد بالمبادرة العربية وحصل على فرصة شهرين للقتل و التدمير والتجويع - وسيضطر الجيش الحر الى ايقاف عملياته وبالتالي سيغول الشبيحة في دمنا اكثر - لنعد الى البدايات - فقط سؤال واحد يحيرني لماذا طلبنا المراقبين , هل نحن في شك من اهداف ثورتنا ام اننا نريد الحوار مع النظام ونحن نتسول العرب و العالم كي يقنعوا العصابة بالحوار معنا - مالفائدة من المراقبين - هل نريد ان يتاكدوا من جرائم بشار وعصابته فهل نحن في شك من اجرام العصابة الاسدية والشبيحة , ام اننا سنتوقف عن ثورتنا ان قالت الجامعة وحتى العالم كله كلاما لصالح النظام - الثورة لن تتوقف الا في حالتين اما ان نستشهد كلنا او ان تنتصر الثورة , ولا يهمنا ما سيقوله المراقب

مقال رائع المحتوى والتسلسل والاستنتاجات
مواطن عربي مهاجر -

شكرا يا أخي أحمد أبورتيمة ويا أخي أحمد أبو مطر.كأنسان عربي من أصل فلسطيني أعتز بمثل هكذا إسهامات وأخذ مواقف حاسمة في مواضيع لا تحتمل مواقف مائعة أو لاموقف. هذا المقال الرائع بكلّيّته يُمثّلُني ويعبّر عنّي. اللهم أنصر ثورة إخوتنا السوريين ضد طغمة طاغية مستبدة ظالمة. آمين

مقال رائع المحتوى والتسلسل والاستنتاجات
مواطن عربي مهاجر -

شكرا يا أخي أحمد أبورتيمة ويا أخي أحمد أبو مطر.كأنسان عربي من أصل فلسطيني أعتز بمثل هكذا إسهامات وأخذ مواقف حاسمة في مواضيع لا تحتمل مواقف مائعة أو لاموقف. هذا المقال الرائع بكلّيّته يُمثّلُني ويعبّر عنّي. اللهم أنصر ثورة إخوتنا السوريين ضد طغمة طاغية مستبدة ظالمة. آمين